tout droit résérvé

© Copyright
Tous droits réservés

الترحيب بالزوار

مرحبا بك في موقعنا ! للبحث عنا من جوجل يمكنك كتابة "فرحات المصطفى" أو "FARHAT MUSTAPHA" ! لا تنس جعل المدونة الصفحة الرئيسية لمتصفحك!

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة
ميمي نت

آخر الأخبار

آخر الأخبار
2. قالوا عن السلم: * "لا يوجد طريق للسلام، فالسلام هو الطريق." (مهاتما غاندي) - * "من يُريد السلام يجب أن يُستعد للحرب." (أرسطو) - * "السلام هو زهرة تنمو من التربة التي تسمى الحب." (ليون تولستوي) - * أستطيع أن أكون الأسوأ دائماً، لكنني أملك قلباً يرفض جرح الآخرين. (نيلسون مانديلا) - * "نتيجة الحروب خلق اللصوص ونتيجة السلام قتلهم" (جورج هربرت) - * " كان ديكان يعيشان في سلام حتى ظهرة دجاجة" (مثل فرنسي) - * "السلام هو الأم المرضعة لكل بلد" (هزديوس) * القلب المتمتع بالسلام يرى عرسا في كل القرى" (مثل هندي)
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديواني ترنيمة لعصفور الكوثر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديواني ترنيمة لعصفور الكوثر. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 2 أغسطس 2013

ترنيمة لعصفور الكوثر (36)


ترنيمة لعصفور الكوثر

إهــــــــــــــــداء

إلى الشَّهِيد ابني "محسن" الذي كَانَ لِي:

هَسِيسُ نَجْمٍ يَتلأْلأُ فِي مَلَكُوتِهِ
دَفْقةُ نَسِيمٍ تَمُرّ فَوْقَ مُرُوج حَياتِي
إشْرَاقَةُ نُورِ فَجْرٍ مُتوَهّجٍ،
ابتِسَامَةٌ تُرَقِّصُهاَ
شَفتَيْ رَضيعٍ،
سُبْحَاتِ بِلَّورٍ تُمَرّرُهَا
أنامِلُ نَبِيّ،
بَهْجَة عِطْرِ تَسْكُنُ
خَدّ الزّهْرِ،
وَبَيْني وبَيْنَهُ
ألَقٌ شَفّافٌ
فأرَاهُ ويَرَانِي،
يُسَامِرُني،
مَتَى أطَلْتُ النَّظرَ
فِي البَيَاضِ.

عِنْدَمَا نَفْقِدُ عَزِيزًا، تَبْدُو الحَيَاةُ ضَئِيلَةً أمَامَ المَوْتِ، تتَحوَّلُ إلى عَلْقَمٍ نَتَجَرّعُهُ جُرْعَاتٍ جُرْعَاتٍ، يَمُوتُ الفَرَحُ فِينَا، يَمُوتُ وإلَى الأبَد. يُصْبحُ الحُزْنُ والدّمْعُ خُبْزَنا ومَاءَنا اليَوْمِي، كُلّ الابْتِسَامَاتِ والضّحَكاَت تَرْتَدِي لِبَاسَ المَكْرِ، كُلّ الكَلاَمِ بِلاَ طَعْمٍ، كلّ الأفْعَالِ بِلاَ مَعْنَى، لاشَيْءَ يَبْقَى علَى حَالِهِ، نَرَى أحبَّائنَا علَى كُلِّ الوُجوهِ التِي عَرَفُوهَا، وفِي كلّ المَسَالِكِ التِي سَارُوا فِيهَا، أشْيَاؤُهمُ الصّغيرَةٌ تَبْدوا لَنَا عَظِيمَةً، نَتذكّرُ جُزْئِيَاتٍ مَا كانَتْ أبَدًا لتُثِيرَ اهتِمَامَنا، تَنْفَتِحُ أمَامَنَا أبْوَابٌ وشُرُفَاتٍ، تَتَكَسّرُ المَسَافَاتِ، ونَرَى العَالَمَ أجْنِحَةَ فَرَاشَاتٍ.
كَمْ هُوَ صَعْبٌ نِسْيَانُ المَرْءِ لِحَبيبٍ فَقَدَهُ فِي لَحْظَةِ غَفْوَةِ الحَيَاةِ، وكَمْ هُوَ صَعْب أنْ يَتَجَاوَزَ ألَمَهُ لِيُوَاصِلَ أمَلَهُ. الشَّيْءُ الوَحِيدُ الذِيٌ يُعلّمُنَا إيَّاهُ الافْتِقَادُ: أن نُحِبّ أحِبَّائَنَا فِي حَياتِهِمْ بِقُوَّةِ الحُزْنِ الذِي نُوَدّعُهُمْ بِهِ فِي مَمَاتِهِمْ، وأنْ نَرَى فِيهِمْ رَحْمَة اللهِ.
"ولله مَا أعْطَى، ولله مَا أخَذ".

إذا قبُحَ البُكَاءُ علَى قتِيلٍ رَأيْتُ بُكَاءَكَ الحَسَنَ الجَمِيلَ

" الخنساء".

ـ 1 ـ

لا يَمُوتُ المَرْءُ مَادامَ هُنَاكَ مَنْ يَتذكّرُه.
لا يَمُوتُ الإنْسْانُ مَادامَ هُنَاكَ شَيءٌ يُذَكِّرُ بِه.

مُحَالٌ أنْ تَرْحَل يَا بُنَي
أنْتَ الذِي لَمْ يَمُتْ
أنْتَ الطّفلُ الَنَّبِيْ
مَنْ طَافَتْ حَوْلَهُ مُوَدّعَةً
أسْرَابُ الَزَّغاَريدِ
ورَفْرَافاتِ الدّمُوعِ،
مَنْ وحَّدَ القلُوبَ
وبمَأتَمِهِ المَلائِكِيِّ
عَرَّسَ لِلقَبِيلَةِ.
نَعْشُك يَا بُنيْ
فرَّشَ للْعِشْق الدّرُوبْ
وأوْقَف الوَقتَ سَاعَةَ الغُروبْ
ورَشَّ وَجْهَ القَبِيلةِ عِطْرا
ومِنْ كُل نافِدَةٍ وبَابْ
تَشْدُوا الشِّفاهُ شِعْرا.
هَا يَضِيقُ الزَّمَنُ عنّي
يَذبَحُنِي كَمَا القَرَابِينِ
يَصْلبُنِي عَلَى حَافةِ وَهَنِي.
قِرْبَةٌ عَطْشَى والِدُكَ
تَيبَّسَ جلْدُها
تَتَرَقَّبُ مُزْنةً أوْ دِيمَةً
فرُبَّمَا حَمَلتْها مِنْ قاعِ اليَمِّ
رِيَاحُ أشْرِعَة المَعْنَى..
فأرْوِي مَائِي
بِعَطَشِي.
حِكَاياَتُ وَالِدكَ يا بُنَي
بَعْدَ أَنْ أكَلتْهُ البَرَارِي
صَدَى صَوْت النُّجُومِ
مِنْ أغْوَارِ المَنَافِي.
ـ 2 ـ
مِنْ هُنَا عَبَرْنا مَعَا
تَتأبّطُ حَقِيبتَكَ
تَمْشِي مَعِيَ الطَّريق
بِقدَمَيْنِ مُتيَقظتَينِ
تُخْتزلُ المَسَافاتِ
وتَمْتَطِي دَفاتِركَ
جِسْرا لِغدٍ مُرْتَقبٍ
وفِي عَيْنَيكَ بَرِيقُ الرّبيعِ.
أشُدُّ عَلَى كَفّكَ الصّغِيرِ
ونَرْسُمُ بالأصَابِع
تَفَاصِيلَنَا الآتِيَةِ.
*****
هيَا حُزْنِيَ العَارِي
مِنْ أين تأتِي كُل هَذهِ العَتْمَهْ
تُسَيِّج كُل أنْوَاري القدِيمَهْ
تَحُوط كُل ابْتسَاماتِي،
هيَ الآنَ أوْرَاق شُجَيْراتٍ
سَقَطتْ عَنْها الخُضْرَهْ.
*****
هيَا حُزْنِيَ القاتِمِ
عرَّشْتَ علَى فَرَحِي، وعَرَّسْتَ
وكَانَ العَرِيسُ
أمَلاً
يَحْضُنُهُ الصّبَاحُ.
بَذْرَةً
لَمْ تَحْمِلْهَا الرِّيَاحُ بَعْدُ.
وسُنْبُلةً
نَسِيتْهَا قَطَرَاتُ الغَيْثِ.
ـ 3 ـ
مَا بَال هَذا النَّهَارِ
لا يُشْبِهُ النّهَارَاتْ
كلُّ الألوَانِ انمَحَتْ
وغابَتْ مَلامِحُ الأشْيَاءِ
تَلاشَتْ مَعالِمُ الأحْيَاءِ
وَحْشَةٌ تَلِيهَا وَحْشَهْ
بالكَادِ تَقْرَأ العَيْنُ نَفْسَها
اخْتَفَتِ الأسْمَاءُ
والكَوْنُ رَجْعُ رِيحٍ.
جَاِرِحٌ هَذا اليَوْم
تَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الغَدْرِ
وعِشْقُ الاغْتِيَال.
لِلمَرَّةِ الأولَى يَا بُنَي أعْرفُ:
أنّ للْمَاءِ طَعْمُ النَّارِ
وأنّ النّارَ بِلاَ دُخّان.
للمرَّة الأولَى يا بُنَي أعْرِفُ:
أنّ البَحْرَ يَسْكنُ العَيْنَ
والعَيْنُ بلاَ شَواطِئ،
والأمْوَاجُ تَسْكُنُ الأعْمَاقَ.
للمَرَّةِ الأولى يَا بُنَي أعْرِفُ:
أنَّ الدَّمَ بِلوْنِ المِلْح
والمِلْحُ بطَعْمِ الحَنْظلِ
والحَنْظلُ فَاكِهَة اليَتامَى
وأنَا اليَتِيمُ.
لأوَّلِ مَرّةٍ يَا بُنَي أعْرِفُ:
أنّيَ العَارفُ الجَاهلُ،
أنِّيَ الضّاحِكُ البَاكِي
وأنِّيَ الحَيُّ القَتِيلُ.
ـ 4 ـ
أقفُ عَلى شَاهِدِ مَثْوَاكَ
والرِّيحَ تُنْشِذُنِي نَغماً دَاوودِيًّا
يأتِينِي بأشْجَى التّراتِيل
تُعَرِّي سُكُونَ لَحْدِكَ الجَليلِ،
ومِنْ حُضْنِهِ المُتْرَع بالأسَى
تَتَعَالَى تَهَاليلُ المُرِيدِينَ،
وأسْتلقِي إلَى مَرْقدِكَ
تَتَقَابَلُ أرْوَاحُنا مَرَايا
وَتَغْسِلُنِي مِنْ كآبتِي الأزَلِيّةِ
ومِن وجْدِكَ ووَجْدِي
تأتينِي مُواسِيا
أحَدّقُ فِي جَسَدِكَ المُسْجَى
وأقْرَأ مِنْ كِتابِ المَوتَى:
"مِنْ هُنا أتَيْنَا
وإلَى هُنَا مُنتَهَاناَ
ـ 5 ـ
كلُّ مَا تراهُ العَينُ بَعْدَكَ رَحِيلْ
فَهَذا كَبِدِي عَلى جَمْرَةِ ذِكْرَاكَ احْتَرَقْ
وقَلْبيَ مِنْ قلْبِ الخَنْسَاءِ
مُضَغا يَتَفَتَّتُ مِنْ جَوْفِ ليلِ طَويلْ
بالكَادِ يُبْصِرُ
فَتِيلَ قِنْديلٍ
يُغَذِّي عَطَشَهُ
ويَحْرِقُ زَمَنا لَهُ بلاَ أيَّامٍ،
فَعُدْ لِي يا وَلَدي مِنْ بَلَدِك البَعِيدِ
عُدْ لِي
طَيْفاً
ظِلاً
خَيَالاً
هَمْساً
وخَفِّفْ عَنِّي وَلَدِي
غُرْبَتِيَ الْغَبْراءْ
وفِي نَزِيفِ شَفَتِي المَذْبوحَةِ
عَلِّقْ تَمائِمَ قُبْلاتِكَ النَّدِيَةِ.
سَعْفَةُ نَخْلَةٍ لَسْتُ إلاَّ
تَتَعاوَرُها رِياحُ السَّمُومِ
تُسْقِطُها
تَحْمِلُها بَعيدًا
وُقودًا لِنارٍ جائِعَةٍ
تَأكُلُها الهُوَيْنى
علَى مَهَلٍ..عَلَى مَهَلٍ..
لِتَجْعَلَ مِنْ رُفاتِها اليابِسَةِ
سِفْرًا يُتْلَى
فِي مَقابِرِ الشُّهَداءْ.
ـ 6 ـ
لاَ تَرْحَلْ يا حُلُمِي
لاَ تَزالُ الْعَينُ جَائِعَةً
لاَ يَزالُ الْقَلْبُ يَرْسُمُ الحُبَّ والحَنِينَ
لا تَزالُ الرّوحُ حائِمَةً حَوْلكَ
تَحُوكُ حَرِيرَ الشَّوْقِ
إشْراقَ الأمْنِياتِ.
أعِدْني مِنْ مَتاهاتِي وَتَيْهِي
وأرْشِدْنِي للطَّريقِ الْوَعْدِ.
***
لاَ تَرْحَلْ يا حُلُمِي
أنْتَ مَنْ يَبْنِي غَدِي
أنْتَ مَنْ يَحْمِلُ أيّامِي
ويَرْسُمُ بِمَذَاقِ الْحِنّاءِ
كُلُّ الأعْرَاسِ البَهيَةِ،
فلاَ تَرْحلْ يا حُلُمِي
خُذْ بِيَدِ أبِيكَ الْمَشْلولَةِ
وَعُدْ لِي مِنْ البَعيدِ
تَوَهَّجْ
وانْثُرْ أنْوَارَكَ
للْواقِفِينَ علَى ضَرِيحِكَ.

* * *

فَلاَ تَرْحَلْ يا حُلُمِي
قاوِمْ..انْهَضْ
كُنْ شُجَاعًا يا أَمِيرِي
افْتَحْ مُقْلَتَيكَ
وانْظُرْ وَجْهَ أَبِيكَ الْمَطْعُونِ
وَزِّع ابْتِسامَتكَ الرَّبيعِيَّةِ
علَى الشِّفاهِ المَقْطُوعَةِ
بأوْجَاعِ زَمنٍ فاجِرٍ.

***

فَلا تَرْحَلْ يا حُلُمِي
إِنْهَضْ مِنْ صُعُودِكَ الذَّابِلِ
إِجْرِ علَى الضّفافِ كَما كُنْتَ
عَانِدْ صَهَواتِ الْجِبالِ
سِلْ مَعَ الفِجاجِ
عَانِقْ طُفولَتكَ الْمُشاغِبَةِ
وانْهَضْ
سَوِّ عَنّي..عَنّا
مَهاوِ الألمِ

* * *

لِمَ ترْحَلْ يا حُلُمي؟
هُوَ لَيْلٌ إذاً
أبَدِيُّ اشْتَعَلْ
أَحْرَقَتْ حَرائِقُهُ
أَبْهَى الصُّوَرْ
فَلا أَرَى غَيْر ظُلْمَةٍ ودُخّانٍ
وَوَقْدٌ فِي الأحْشَاءِ يَتَّقِدُ
قَذٌى فِي العَيْنِ يَرْقُدُ،
وأنَا مَا عُدْتُ أنَا يا وَجَعي
وأنَا مَا عُدْتُ أنا يَا صَغِيرِي
رَانَ فِي الأمْداءِ النَّظَرُ
خَواءٌ...هَبَاءُ...خَواءْ...هَبَاءٌ
فَهَذا غَيْمٌ،
وَدْقُهُ بِلاَ مَاءْ
وتِلْكَ َجَدَاوِلٌ،
أضَاعَتْ طَريقَ الاشْتِهاءْ.

ـ 7 ـ

هَوَى النَّجْم حِينَ هَوَى
مَادَتِ السَّمَاءُ فانْطَبَقَتْ
والأرْضُ الباسِمَةُ كَشّرَتْ
والسَّحَابَةُ الحَابلُ أسْقَطتْ
فاضَ الزّمَانُ بالدَّمِ
وَبالنَّحِيبِ فاضَتِ الْبَلْدَةُ
تَضُجُّ بالآهَاتِ
غَرِقَ الضَّوْءُ فِي المَحَاجِرِ
وَمَا عَادَ لنَهَارِي مُقْتَبَلُ
مِنْ غَيْمَةِ اللَّظَى
سَحَّتْ بالنَّارِ المُقَلُ
جَفَلَ الجَمْعُ
وَشَيَّعَ الخَرِيفُ الرَّبِيعَ
وَأنَا المَذْبُوحُ بِالْمُدَى
مَا عُدْتُ أرَانِي
فِي ظُلْمَةِ الرَّدَى.

ـ 8 ـ

كَمْ كَانَ الجُرْحُ بَليغاً
وأنَا أشْتَمُّ جَسدَكَ الأقْحُوَانِي
يَشْتعلُ عِطْرا علَى الإسْفلْتِ
تَوقَّفَ الرَّكْبُ المُسافِرُ
فَمَا عادَ لِلقَوافِلِ حَادِي
قَفْرَةٌ هِذِهِ الأرضُ
ودَائِرةٌ بلاَ مَنافِذ،
فمَنْ ذا يَهْدِنِي لِلطُّريقَ؟
فلْيَتوَقَّفِ الرَّكْبُ
ولْيُطَفِئوا نَارَ القِرَى
فمَا عادَ فِي البَلدِ ضَيْفٌ.

****

كَمْ كانَ الجُرْحُ بَليغاً
وأنْتَ النّاظِر للزُّرْقةِ
بِعَيْنَيْنِ نَاعِسَتَيْنِ
حَمامَتانِ بلاَ أَجْنِحَةٍ،
عُصْفورَتانِ عَاريَتانِ
تَرْمُقانِ عُيُونَ أبِيكَ
تَغْزِلاَنِ الدُّمُوعَ
لعَلَّ ابْتِسَامَة تلُوحْ
مِنْ وجْهِكَ الصَّبُوحْ.

****

كَمْ كانَ الجُرحُ بلِيغاً
وأنا أضَعُ شَفتَيّ المالِحَتَينِ
علَى خَدِّكَ البَارِدِ..البارِدِ..
أسْقِي وَرْدَتَيَّ
رُبَّما أصْباغُ الرَّبيعْ
تَرْتَعشُ فِيهِمَا مِنْ جَديدْ.
هَيَا جُرْحِيَ النَّازِفِ
هَيا زَهْرَتِيَ الذَّابِلَةِ..
لِمَ أيُّها المَطرُ

أخْلفْتَ وَعْدَكَ؟
وأنْتِ أيّتُها الرّيحُ
لِمَ هَدأ فِيكَ الخِصْبُ؟
آه! كَمْ كانَ الجُرحُ قاسِياً
فَمَا عَادَ للفَرَحِ مَلامِحٌ
ومَا عَادَ للنُّورِ وَهَجُ.
سَكتَتِ العَنادِلُ
والأغْصَانُ جَفَّتْ،
آه يَا وَجَعِي
كَمْ كَانَ الغِيابُ قاسِيا!

ـ 9 ـ

فيَا مَقْبَرَة ضَمَّت شَدْوِي
إنَّ لِي فيكِ عُصْفُورِي
مُبَلَّلاً بِدَمِهِ ودُمُوعِي
فأرْحَمِي إذْ ضَمَّهُ ثَرَاكِ
وأدْفِئِيهِ فِي عُشِّهِ المُتَغَرِّبِ
وأرْفِقي رُحْمَاكِ
وَسِّعِي مَا اسْتَطَعْتِ،
كَمْ كَانَ يَعْشَقُ التّحْلِيقَ
أَبَداً
مَا فاَرَقَتْهُ الرّفْرَفَةُ
فِي رِحَابِ السَّماءِ.
فَيا مَقْبرَةً ضَمّتْ شَذايَ
واقِفٌ أنَا عَلَى رِتَاجِ عَطْفكَ
ضَائِعٌ فِي ثِقلِ السِّنينْ
أُقاسِمُكِ صَوْتَ الرِّيحِ الْحَزينْ
واللَّحْنٌ الّذِي
يَتَرَدَّد فِي أعْمَاقِي كُلّ حِينْ:
"يَا مَقْبَرَة ضَمَّتْ ظِلِّي
إنّ لِي فيكِ عُصْفورًا
مُبَلَّلا بِدمائِهِ ودُمُوعِي".

ـ 10 ـ

يَتآكل القَلْبُ
تَتعَثَّرُ الخَطَواتُ
وعَلَى الإسْفلْتِ
زَهْرةُ العُمْر مُسْجاةٌ
دَاسَها القَدَرُ
ومَا خَلّفَ لِي
غَيْرَ وُرَيْقاتٍ تَناثَرَتْ
علَى الجِبالِ،
عَلَى الْوِدْيانِ
وفِي الفَلَوَاتْ..
تُحَرّكُها الرِّيحُ
فَيفوحُ في الأرْجَاءِ
أرِيج الجَنَّاتْ.
ورَأيْتكَ بُنَيّ
تَسِيل ُمِنْ بَينِ أَصَابِعِي
كَمَا المَاءُ بَيْنَ الصُّخُورِ
لا شَيْءَ يوقِفُ التَّدَفّقَ
أصَارِعُ خَوفِي ودُمُوعِي،
أبْنِي السُّدُودَ
أُغيّرُ المَسَالِكَ
لَعَلَّ مَائِيَ الّذي كُنْتَهُ
يَرِقُّ لِي
فَلاَ يَسِيلْ،

• 11 ـ
فِيكَ دَافِقَاتُ الحَياةِ تَبدَّتْ
وعَشَّشَتْ فِي نَظراتِكَ البَهْجَةَ
وبَينَ جَوانِحِكَ رَفْرَفةِ الأَيامُ
كَأوْراقِ صَفْصَافَةٍ
تُلاَمِسُها نَسائِمُ الوَادِي،
مُزْدَهيَة بِألْوَانِ الفَراشَاتِ
مُزْهِرَة بِمُزَنٍ مُمْطِراتٍ..
كُنتَ شُعْلَتِيَ الخَضْراءَ
تَتوَهَّجُ فِي سَوَادِ رِمالِي،
اقْتَحَمْتَ ظُلْمَتِي
وأَغْرَقْتَ جَحافِلَ يَأْسِي،
وكُنْتَ المُمْسِكَ بالقَبَسِ
بهاَ تُنَوِّرُ غَياهِبَ الغابِ
وخَلْفكَ تَمْضِي
أسْرابُ الطُّيورِ اللَّيْلِيةِ
تَمْضِي مَعكَ
إلَيْكَ
تَأوِي حِينَ تسْمَعُ
هَدِيلَ الضَّوْءِ
فِي حَلَقِ الْوادِي
ثُمَّ تَهْتَدي..
*****
فِيكَ دَافِقاتُ الحَياةِ تَجَلَّتْ
وأنْتَ المَاشِي لِبَهاءِ الطُّفولَةِ
تُمَصْمِصُ حُلْمكَ
تَفْتحُ ذِراعَيْكَ لِلآتِي
فَيَكُونُ الغَدُ مَا شِئْتَ
لَكِنَّ الفَجْرَ أخْلَفَ الْوَعْدَ
واللّيْلُ ائْتَزَرَ النّهارَ
والبَدْرُ الّذِي
لَمْ يَطْلَعْ قَطُّ
كَسَفَ.
وفِي غَابَاتِ الصَّمْتِ
كَانَ انْخِطافِي
وانْفَتَحَ جُرْحُ الْجَسَدِ
علَى أُفْعُوانَةِ الشَّجْيِ
ومَا دَرِيتُ
مَتَى آخِر كَأْسٍ
فيكَ شَرِبْتُ،
وَما طَعْمُ
رِيحِ الكَرَى..
ـ 12 ـ
هُوَ المَوْتُ
زَوبَعَةٌ حَالِكَةَ السُّحْنةِ هُو المَوتُ
تَلتَفُّ حَوْلَ جِيدِها
تَطُوفُ الأرْضَ
تَجْمَعَ نَغْمَاتِ الحَياةِ
تُحوِّلُها رَمَاداً
تُدَرِّيها فِي المَفَازاتِ
*****
شَبَحٌ بِلاَ قَلْبٍ
هُوَ المَوْتُ،
يَمْشِي بَيْنَنا مَخْمورًا
مَعْتوها
يَشْحَذُ قَتْلهُ
تُزْعِجُهُ بَهْجَةُ الحَياةِ
يغْتالُها
يُدَمِّرها
يُبدِّدُها
ويَنْتَشي
لَمّا يَرَاهَا دَمَارَا.
* ****
رِيحٌ عَاقِرٌ
هُوَ المَوْتُ
تَنْظُرُهُ عَاوِياً فِي البَرَارِي
يَزْرَعُ القَحْطَ وَالبَوارَ،
وَسَحابَة تُمْطِرُ رَمْلاً
هُوَ الْمَوْتُ
تَذْبَحُ حُقولَ القَمْحِ
تُجَفِّفُ المَنابِعَ
وتُحَوِّلُ الطِّينَ جَمْرَا
*****
نَهْرٌ يَسِيلُ فِي البَيْداءِ
هُوَ المَوتُ
وَحْدَهُ يَشْرَبُ مَاءَهُ
ولا يَهَبُ الحَياةَ
غَيْرَ العَطشِ
أبَدًا تَرَاهُ جائِعًا
كَأوْراقِ الخَرِيفِ..
ـ 13ـ
عِيدٌ بأيِّ حَالٍ عُدْتَ يا عِيدُ"
أوْصَدْتَ نَوافِذَ القَلْبِ
وذَبَحْتَ البِشارَةَ
وَدَفَنْتَها فِي مَجاهِلَ خَرِيفيَّةٍ
أَقْبَرْتَها فِي بَرارِي الصَّمْتِ المُؤبَّدِ
وغَرَّبْتَني فِي حُلْمٍ جائِعٍ،
وعَلى قِمَّةِ انْهِيارِي
أبْصَرْتُكَ
تَتأمَّلُ انْشِطارِي
وهَوانِي علَى نَفْسِي،
شَرَّعْتَ أبوابَ الأسَى يا عِيدُ
ومِنِّي سَرقْتَ إسْماعيلِيَ
وشَيَّعْتهُ غَدْرا
إلى أجَلٍ لَمْ يَحِنْ،
ومِنْ دَمِهِ أسْقَيْتَنِي
حَليبا غَسَقِيّا
يَرْشُحُ مِنْ ثَنايَا جُرْحٍ مُتوِّحِشٍ
يَغْمُرُنِي ناَرا فَوَّارَةً
تَأتِي علَى اليَابِسِ مِنَّي
فالأخْضَرُ راحَتْ غَضاضَتُهُ
وشَرَّعُ الرَّمْلُ شَريعَتَهُ َّ
فَمَنْ ذا يَحْمِلُ بعْضَ الهَم" عَنِّي،
لا مَلْجأ إلاّ لشِعْري
أراكَ فيهِ كلَّما عَضَّنِي الشَّوْقُ
وهاجَ كالمَوْجِ المَائِجِ
علَى شَواطِئِ بَرِّيَ الصَّخْرِي.
وهَذا هَمِّي
مَنْثورٌ للرِّيح الزُّعافِ
تُدَرِّيهِ علَى ألْوانِ كَفَنِي
فلاَ وَمِيضٌ بَعْدكَ يُنيرُ
فقَطْ،
مَا تُهْدينِهِ الأنْواءِ
وصَهيلِ الْحَنينْ.
وَ فتَحتَ كَفِّي يا عيدُ
وأغْلقْتَهَا على هَدِيةِ الجَمْرِ
وغَنَّيتَ فِي فَرحِي
أنْشُودَةَ اغْتِيَالي.
فلاَ عُدْتَ.. ولاَ عُدْتَ
أبَداً يَا عِيدُ.
ـ 14 ـ
أَنْشَبْتَ أظافِركَ يا مَوْتُ
فَلاَ تَرْحَمْ
قطِّعْنِي مَا شِئْتَ
فِي جَوِفِ وادٍ غَيْرَ ذِي زَرْعٍ
انْثُرْنيِ..
أرْسِلْ عَوَاصِفكَ الهَوْجَاءْ
بَعْثِرْنِي فِي الأمْدَاءْ
فمَا بَعدْ اليَومِ مِنْ خَوْفٍ،
كَسَرْتَ عُودِي
فأَنَاَ الآنَ القَعِيدُ.
أَنْشَبْتَ أظافِرَكَ يا مَوْتُ
أخَذْتَ حُشاشَةَ الرُّوحِ
فمَا عَاد لدَيْكَ عِنْدِي
شَيْء مِنَّي
فاشْحَذْ مَا اسْتَطَعْتَ
تَحَطَّمَتْ شَهْوَتُكَ للذَّبْحِ
علَى جَسَدِ الْوَلِيدِ
علَى جَسَدِ الحَبِيبِ.
ـ 15 ـ
هَا يَضيقُ الزّمنُ عنّي
يَذبَحني كَمَا الأضَاحي
يَصلُبُنِي علَى حَافَة وَهَنِي.
قِرْبةٌ عَطْشانَةٌ والِدُكَ
تَيبَّسَ جٍلدُها
تَتطَلَّعُ لِدَيْمَةٍ
أبَدا لَنْ تَطْلَعَ.
حِكاياتُ أبِيكَ يا بُنَيَّ
بَعْدما جَفَّفَتْهُ الدُّمُوعُ
بحَجْمِ الخَلاَءِ.
حِكاياتُ أبِيكَ يا بُنَيَّ
كانَتْ زاهيَةً
الأرْضُ كانَتْ تَزْهُو بِكَ.
والآتِي رَوائِحٌ عَبِقَةٌ
أتقَدَّمُ فِي مَعارِجِهِ
بِخُطًى مُزَيَّنَةٍ بالزُّرْقَةِ
بالْألْوانِ القُزَحِيَّةِ
أكَحَّلُ جُفونَكَ اللاَّزُورْدِيَة
بأحْلى الأغْنِياتْ
وأتّتُ عُذوبَتَكَ
بِأَشْهَى الأُمْسِياتْ.
ـ 16 ـ
الصَّباحَات:
كُلُّ صَباحاتٍي
كَفوفٌ سَوْداءَ
يَنْزَلقْنَ علَى السَّحَرِ
يَسْتُرْنَ وَجْه الغَسَقِ،
جرَاءٌ سَوْداءٌ
يَمْلنَ الفِجَاجَ نُبَاحاً
يَنْعَوْنَ شَمْسِي،
عَبَثا أبْحَثُ بِعُيونِيَ الْعَمْياء
أتَرقَّبُ قُدومَ يومٍ جَديدٍ
أعْلنَ انْسِحابَهُ
مِنْ يَوْمِياتِي المُعَلَّقَةِ
عَلى جِدارِ الغِيابِ،
عَبَثا أحَاوِلُ
إيقاظَ غَفْلَتِي
وَأنَا المُهَوّمُ فِي شُرُودِي
البَاحِثُ عَنْ شَهادَةِ اغْتِيالِي.
المَسَاءات:
كُلُّ المَسَاءاتِ اسْتَيْقَظنَ
تُغَرّدْنَ شَجْوَهَنَّ المَالِح
وللْحُزْنِ تُهْدِينَ ناياً
يَعْزِفُنِي وَأنَا المَنْحوتُ مِنَ الرّيحِ
تَقاسِيمَ سَدِيميَة، يَعْزفُنِي
فأيْنَ ألْوانُكِ يا مَساءاتِي الكَئِيبةِ
أينَ أسْماءكِ التِي غَنَّيتُها
نَظَمْتُها نَثْرا وشِعْرا،
أيْنَ نَسَماتُكِ التِي عَانَقْتُها
لِتُنظفَنِي مِنْ أدْرانِي
ومِنْ خَطايايَ تُطَهِّرُنِي
وَللبَهَاءِ تُقدِّمُنِي أزاهِيرَ،
نامَتْ أيامُ الزَّهْوِ فيكِ
وَاعْتَرتْنِي ارْتِعَاشاتُ الكُلُومِ
وَأمْسَيْتُ إذْ وَدَّعْتُ فِيكِ دَمِي
بِلاَ أمْسِياتْ.
اللَّيَالِي:
تُرَتقُ الليَالي كُلَّ نَهَاراتِي
يَعُمُّ الظَّلاَمُ
وفِي دَواخِلِي أمْضِي
مُرْتَعِشَ الخُطْوَاتِ
أتَعَثرُ فِي سُقُوطِي
أخَاتلُ سَيْري المُتدَحْرِجِ
يَتَخَتَّرُ النَّسَغُ فِي مَجارِي مَائِي
يَتَخَشَّبُ الجِذْعُ
والجُذُورُ تَسَللَتْ لِلكَهْفِ
بَحْثاً عَنِ الارْتِواءِ
ومَا شَرِبْتُ غَيْرَ آبَارٍ خابٍيَةٍ
وَعُيونٍ مَالِحَةٍ
فِي شَرابِِهاَ عَطَشٌ.
ـ 17 ـ
مَا بَيْن الصُّلْبِ والتَّرائِبِ هَوًى
تَسَلَّق ذاتَ عِشْقٍ
نَخْلةَ الشَّذَى
عَانَقَنِي
وَأنَا مَنْ شَاخَ
فِي الذاتِ السُّدَى،
وَارْتعَشَتْ بالقُبَلِ
نَسَائِمُ أوْراقِ زَهْوِي،
وَعَْطَسَ الطِّينُ مِنَ الغَيْبِ
وتَأَسَّسَتْ إمَارَهْ ..
تَوشَّحْتُ الحُلْمَ سَيْفا
لأفْتَحَ قَلْعَةَ العِشْقِ
وأتَوِّجُ أمِيري الَّذِي
يَجْهلُ أنَّ هُناكَ
حُدودٌٌ للْمَدى،
وأنَّ الوَرْدَ
مَهْمَا عَطَّرَ
سَيَرْحلُ عَنْهُ الشَّذَى،
ولَمْ يَكُنْ يَدْرِي
وَأَمِيري يَرْحَلُ
قَبْلَ بِدَايَةِ السَّفَرِ
أنَّ مَوْعِدَ الّلقَاءِ
لَنْ يَجِيءَ أَبَداَ،
فَمَا عَادَ فِي قَامُوسِي
يَوْماً
اسْمُهُ غَدَا.
• 19 ـ
مُوحِشٌ هَذا البَيْت وَمُوحِشٌ
ومِنْ أيْنَ جاءَ كلّ هَذا البُومُ
لِيبِيتَ فِي عُشِّكَ المُنِيرِ
ويَلِدُ أسْرابًا مِنْ رُؤَى يَائِسَهْ
لاَ شَيْءَ غَيْرَ الصَّمْتِ الرَّصَاصِيِّ
وغَوْرٍ بلاَ حُدُود.
مُوحِشٌ هَذا الَبَيْت ومُوحِش
طِلاَءُ مَكْتَبِكَ
نَدَى صَقِيعٍ،
ومِنْ شُقُوقِ الجُدْرَانِ
يَتقَطَّرُ عِطْرُكَ
نَحْضُنُ ما تَبَقَّى مِنْكَ،
وفِي دَفاتِرِكَ
تَنُوحُ الحُروفُ،
ولِلسَّقْفِ أسْمَعُ أنِيناً
وجَعاً
ونَحِيباً
يُمَزِّقَانِ الإسْفَلْت،
وأعْيُنُ المَصَابِيحِ
غَشَاهَا العَمَى،
وَهيْكَلُ مَرْقدِكَ الْكَئِِيب يُنادِيكَ
يُعانِقُ غُبارَ سَفَرِكَ
لَه فِي هَجْعَةِ اللَّيْلِ عَوِيلْ
غَابَتْ مِنْهُ يَقْظَةُ الصَّبَاحِ البَلِيلْ
ونَفَحَاتِ أَنْفَاسِكَ السَّلْسَبِيلْ،
وأقْلاَمُكَ اليَتاَمَى
يُحَمْلِقُونَ فِي أوْرَاقٍ شَاحِباَتٍ
تَتَرَقَّبْنَ أناَمِلَكَ العُشْبِيَةِ
لِتَرْسُمَ بِالنَّسِيمِ
مَسَارَاتِ العِشْقِ،
وَقُمِيصُُكَ المُعَلَّق
عَلى حَاشِيَةِ الغَدِ
باهِتَ الألْوَانِ
َيَهْْمِسُ لِي
شَاكِياً لََعْنَةَ الأيَّامِ
لَعَلَّ الذِي كاَنَ
أبَدا مَا كَانَ.
ـ 20 ـ
هَا أنَا أعْبُرُ
كَمَا الرَّمْلِ فِي الرِّيحِ
كَمَا الغَيْمِ فِي المَطرِ
كَمَا السَّرَابِ فِي البَيْداءِ،
أتَأبَّطُ مِلْحِيَ مَزادَةً
أَعْزِفُ نَغَمِيَ الكَئيبَ
بِِنَايٍ مَشْرُوخٍ
أنْغَرسُ في نَكْسَتِي:
قحْطٌ
يَبَابٌ
وحَنْظَلٌ،
قلْبٌ بلاَ حُلُمٍ
بلاَ مَدىَ،
جَسَدٌ بلاَ جِذْعٍ
بلاَ ثَمْرٍ.
وَهَا أنا أعْبُرُ
كَما الرَّمْلِ في الرّيحِ
كَما الغَيْمِ فِي المَطرِ.
كُل المَساراتِ مَسْروقَة فِي التِّيهِ
لا َنَجْم لاحَ في سَمائِيَ الكَحِيلةِ
لاَ كَوكَب أظَاءَ ظِلالِي،
شَهْقةٌ تُلاَحِقُ شَهْقَةً
ولَيلٌ يُطَاردُنِي
تَعِبْـتُ يَا بُنَيّ إلاّ مِن هَوَاكَ
وإَّْذْ أرتِّقُ الخَطْوَ البَليدَ
يَسْقُطُ السَّيْرُ مِن قَدَمايَ
وأعُدّ مَا تبَقَّى
مِن عُمْرٍ يَائِسٍ.
فََيا وَعْدِيَ الَّذي مَضَى
بِلاَ،
وَقبْلَ المَوْعِدِ
فيَا وَعْدي الَّذي
رَاحَ وَمَا عادَ
شُدّ رَعْشَتِي
مِنْ ذاكَ البَلدِ البَعِيدِ
خَفِّفْ وَطأةَ الحَنِينِ
فِي اشْتِيَاقٍي.
وَبَشٍّرْنِي بإشْرَاقَةٍ
مِنْ وَجْهِكَ الصَّبُوحِ
مَرَّةً..مَرَّةً..مَرَّاتْ،
خَلِّصْنِي مِنْ ضَعْفِي
أخْرِجْنِي مِنْ كَوْمَةِ لَيْلِيَ الرَّمَادِي
فأنَا أهْوَنُ عَلَى نَفْسِي
فأنْتَ مَنْ يُقَوِّمُ كَفِّي المَشْلُولَةِ
ويَأخُذُنِي زَهْوًا
لِواحَاتِ الَصَّحَارِي
حَيْثُ الظِّلُّ فِيهاَ
يُقَاسُ مِنْكَ بِبَسْمَهْ..
يُقَاسُ فِيكَ بٍنَسْمَهْ..
ـ 21 ـ
(1)
مَا قَبْلَ الإشْرَاقِ:
كَانَ حُلْمًا.. أُفُقًا
يَتَطلَّع لَهُ القَلْبُ بِحَنِينْ
وبِوَقْدٍ يَتَرَقَّبُ بُزُوغَ القَمَرِ
لِيَعْبَرُ العَتْمَةَ
ويُفْصِحُ عَنْ وَجْهِهِ الْمُشْرِقِ.
لِلْحُلْمِ يَا بُنَيّ وَجْهَان:
شَعَرُ فَتَاةٍ سُنْبُلَةٍ
تَعِدُ النُّذُورَ
وَشِعْرُ شَابٍّ
يَزْرَعُ البُذُورَ.
كَانَ الانْتِظارُ طَوِيلاً
أقْسَى مِنْ رِحْلَةِ سَفَرِ الكَسِيحِ
يَرْحَلُ وَحِيدًا فِي الطَّريقِ
بَعْدَ أنْ فَاتَتْهُ قَافِلَة
تَأتِي مَرّةً فِي العُمْرِ.
كَمُسَافِرٍ كَانَ وَالِدُكَ
يَنَامُ عَلَى رَصِيفِ مَحَطَّةٍ مَهْجُورةٍ،
بِلاَ زَادٍ
بِلاَ رِدَاءٍ
يَلْبَسُ الرَّذَاذَ
يَتَوَسَّدُ الصَّقِيعَ
ويَتَرَقّبُ الانْتِظَارَ البَعِيدَ.
مُتَحَجِّرُ الخُطْوَاتِ
بِالكَادِ يُرَاوِحُ المَسَافاتِ.
(2)
الاشْرَاق:
وأتَيْتَ بُنَيَّ
تُمْسِكُ عَصَا العَوْسَجِ
تَهُشُّ بِهَا يَأسِي
فَتَفَتَّقَتْ بَرَاعِمُ الحُلْمِ الذِي كُنْتَهُ
فاحَتْ عُطُورُه بَينَ الرُّبَى فَاحَتْ
وغَنَّى للنَّحْلِ والطيْرِِ
أغَانِي تَمُوزْ.
رُسِمَتْ الابْتِسَامَاتِ الألْفِ
وعَلَى الشِّفاهِ المُكَمَّمَةِ بالحُزْنِ
رُسِمَتْ الابْتِسَامَاتِ الألْفِ
بِحَجْمِ المَدَى
مُعْلِنَة لِلْقَبِيلَةِ
انْبِعاثِي..
وأذْكُرُ الآنَ كُلَّ تَفَاصِيلِكَ
عَيْنَيْكَ المُطِلَّتَيْنِ عَلَى أفُقِ البَحْرِ
عَيْنَيْكَ المُحَلِّقَتَيْنِ بِأجْنِحَةٍ زُرْقٍ
تَمُدُّانِ فِي الرِّيحِ حُلْمًا
فَيَتَهَدَّلُ العِشْقُ المُقْبِلُ
ويُعْلِنُ لِلْمَلإ
أنَّ النُّورَ يَسْرِي فِي الجَسَدِ اليَرَاقَةِ
والحَبِيبَةُ عَلى أبْوَابِ القَلْبِ
تَرْتَدِي فُسْتَانًا بَنَفْسَجِيًا
وعَلَى ضَفِيرَتِهَا الأمَازِيغِيَةِ
تَاجُ أقْحُوَانٍ،
هَكَذا كَانَتْ نَظَرَاتُكَ
حَبْلَى بِأيَّامِ الخِصْبِ
والغَيْثُ يَنْهَمِرُ
مَا بَيْنَ رُمُوشِكَ النَّدِيَةِ
يَقْطُرُ وَرْدًا
يَنْهَمِرُ زَهْوًا
ويَعِدُ وجْهَ وَالِدَيْكَ
بِفُصُولٍ عَاشِقَاتٍ،
وأذْكُرُ ابْتِسَامَتَكَ الطَّيْفِيَةِ
رَقْصَةٌ مَلاَئِكِيَّةٌ كَانَتْ
حَمَامَةٌ مِنَ الفِرْدَوْسِ
أجْنِحَتُهَا شَفَتَيْكَ المُزْهِرَتَيْنِ
تُرَوِّحُ بِهَا علَى الجَمِيعِ
لِتُعَلَّمَهُمْ أنَّ الفَرَحَ
هُوَ كُلُّ مَا تَمْلِكْ..
وأنْتَ فَرَحِيَ المُغْتَالْ
لا تَمْلِكُ غَيْرَ سَعاَدَتكَ المَطِيرَةِ
نَشْوَتُكَ لِلْحَيَاةِ
وشَهْوَتَكَ للْبَيَاضِ.
(3)
الغُرُوبُ
بِتَرَاتِيلِكَ
بِابْتِهَالاَتِكَ
اسْتَيْقِظْ أيُّهَا الصَّبْرُ
فأنْتَ الجَمُّ الجَمِيمُ
أنْتَ الصَّدْرُ الحَامِي لِضُعْفِي
بكَ أطْرُدُ الهَمَّ
بكَ أمْسِكُ كَفِّي
أمْضِي بِهَا لِضَرِيحِي
لأشْتَمَّ رَائِحَةَ اغْتِيَالِي
ورُوحَ طِفْلِي
وأحْيَى فِي مَوْتِي.
ـ 22 ـ
لِمَنْ تَرَكْتَنِي يَا حُلُمِي،
ألِحُزْنٍ أبَدِيٍّ
يَقْضِمُنِي الهُوَيْنَى!
أَمْ لحُمْقٍ أبْلَهٍ
يُضَاعفُ جُنُونِي!
مُحَالٌ يَا حُلُمِي
أنْ يَتَوقَّفَ هَذا المِلْحُ الأزْرَقُ مِنْ عَيْنَايْ،
مُحَالٌ يَا حُلُمِي
أنْ يَلْحَقَ المَدَى مَدَاهْ.
فيَا أيُّهَا الوَجَعُ السَّاكِنُ فِي الجِرَاحَاتِ
بِاللَّهِ عَلَيْكَ لاَ تَنَمْ..
أنْتَ أهْوَنُ مِنْ إيلاَمِي
فَحُدُودُ القَلْبِ لاَ شَاطِئَ لَهُ
يَمْتَدُّ فِي رُوحِ الحُشَاشَةِ
ولَحْدِ الخُلُودِ،
فاجْمَعْ بُؤْسَكَ أيُّهَا الوَجَعُ
لاَ مَقَامَ لَكَ فِي جَسَدِ طِفْلِي
تَكَسَّرَتْ مَعَاوِلُ سَطْوَتِكَ
فاطْعَنْ ضُعْفَكَ
والْعَقْ مَا تَبَقَّى مِنْ دَمِكَ الأَصْفَرِ
لَعَلَّ مَا تَبَقَّى
يَشْحَذُ جُبْنَكَ..
وانْهَضْ أيُّهَا الصَّبْرُ الصَّابِرِ
تَسَلَّقْ أغْصَانَ رُوحَ ابْنِي
وابْنِ أعْشَاشًا للطُّيُورِ
ومِزْهَرِيَاتٍ للنَّحْلِ
اسْقِ قَبْرَهُ الوَرْدِيِّ
بِقَوَارِيرَ حُبٍّ
بِلاَ قَرَارْ.
ـ 23 ـ
يُعَزِّي النَّخْلُ النَّخْلَ
يُوَاسِي الهَدِيلُ الهَدِيلَ
تُومِضُ البُدُورُ
يُعَانِقُ النَّهْرَ البَحْرَ
وبَيْنَ المَجَرَّاتِ
يَبْحَثُ والِدُكَ المَكْلُوم
عَنْ نجْمَةٍ صَغِيرَةٍ
فِي المَنْأى تَتَوَهَّجُ
مُعْلِنَةً سَفَرًا أبَدِياً،
وبَيْنَ الأفْلاَكِ
يَبْحَثُ والِدُكَ المَكْلُوم
عَنْ نَجْمَةٍ صَغِيرَةٍ
بِمِنْظَارِ الدَّمْعَةِ
لَعَلَّ وَمِيضَهاَ
يَمُدُّهُ بِطَيْفِكَ البَهِيِّ،
هَيَا سَمَائِيَ المُتَلألِئَةِ بالأرْوَاحِ الشَّارِدَةِ،
هَيَا أرْضِيَ المَبْسُوطَةِ علَى غَدِيَ المَحْرُوقِ،
دُلاَّنِي علَى وَقْدِ جَمْرَةِ الابْنِ الشَّهِيدِ
فَنَحِيبُ هَذِه النَّخْلَةِ المُعَرِّشَةِ عَلَى يُتْمِي
يُلْْبِسُ إيقَاعَ الكَوْنِ بِالجُنُونِ وانْجِرَافِي
يُعَمِّرُ دُنْياَ أبِيكَ باِلسُّكُونِ الخَائِفِ
وبِالأشْبَاحِ تُلاحِقُهُ
وبَيْنَ رَمَادِ كَوْنٍ فَحْمِيٍّ
يَبْحَثُ دَامِعًا
عَنْ رُوحِ الأرْوَاحِ
فِي النَّجْمَةِ المَغْدُورَةِ.
ـ 24 ـ
مِنْ حَقْلِ خِصْبِي رَأْيْتُكَ عُرْسًا
يَتَسَلَّقُ عُودَهُ
ويُفَرِّشُ أزَاهِيرَهُ لِلْهَزَارِ.
كَانَ الحَبْوُ قَيْدًا
وبِقَدَمَيْكَ العَجِينِيَتَيْنِ كَسَرْتَهُ
وبِأصَابِعِ قَدَمَيْكَ الطِّينِيَّةِ
تَهَجَّيْتَ المَشْيَ
حَامِلاً جَسَدَكَ الأبْجَدِيِّ،
تَتَعَثَّرُ الخُطْوَاتُ
تُقاَوِمُ السُّقُوطَ
وتَمْضِي بِكِبْرِيَاءٍ، بِعِنَادٍ..
إلَى وَعْدِكَ.. إلَى وَعْدِنَا.
كُنْتَ لِي نَغْمَةً تُهَدْهِدُ يُتْمِي
نَسْمَةً كُنْتَ لِي
تُجَفِّفُ عَنِّي أزْمِنَةَ الخَوَاءِ
وتُزِيلُ عَنِّي
وَسَخَ السَّفَرِ
وعُفُونَةَ الإقاَمَةِ.
وأرَى أنَامِلَكَ الصَّغِيرَةِ
كَدُودٍ يَحُوكُ حَرِيراً
يُسَطِّرُ فَوْقَ الأوْرَاقِ
حُرُوفاً بِحَجْمِ غَيْمَةٍ..
ونَعُدُّ الأرْقاَمَ
بِالكَادِ بُنَيَّ
بَلَغْتَ الأرْبَعَ عَشْرَةَ،
يَتَوَقَّفُ العَدُّ
تَهْرُبُ الأعْدَادُ فِي حُنْجُرَتِي
وإلَى الأبَدْ.
ـ 25 ـ
غُثَاءٌ هَذِه الأرْضُ
وسُيُولٌ رَعْدِيَةٌ
وَانْجِرَافٌ
لا تَلِدُ غَيْرَ الدَّمَارَ
وأرْوَاحٍ مُشَرَّدَةٍ
تَتَوَّهَجُ فِي الجِمَارِِ
عَبَثًا تَبْحَثُ عَنْ مَأوَى
يَحْمِي رُعْبَهَا.
*** * *
هَبَاءٌ هَذَا الزَّمَن
كَقَصْفَةِ نارٍ
تُوَزَّعُ عَلَى أَمْدَاءٍ
بِلا َمَلاَمِحٍ
تَمْتَدُّ عَلَى مَسَاحَة أرْضٍ
كَانَتْ يَوْمًا مَا
بَحْرَ حَبَّاتِ سَنَابِل
وبُذُورَ يَاسَمِينَ.
*****
تِيهٌ هِيَ الحَيَاة
تَرْسُمُ لكَ مَسَالكَ تَالِفَةٍ
تَمْشِيهَا وَأنْتَ البَاحِثُ عَنْ مَرْفأ
تَغَازِلُكَ الطُّرُقاتُ
تُعَرِّي مَفاتِنَهَا
تَنْجَذِبُ لِعِطْرِها
وَحِينَ تَراكَ مُنْكَشِفًا
تَدُوسُكَ فِي بِدايَةِ الفَرَحِ.
ـ 26 ـ
حُزْنُ هَذا اللَّيْلِ يُلْهِبُكَ
تُغْريكَ رَعَشَاتُ النُّجُومِ
تَمْضِي إِلَيْهَا مُشْتَعِل العُيُونِ
بَاحِثاً عَنْ نَغَمَاتِ نَجْمَتِكَ
بِوَهَجِهَا احْتَرَقَتْ
تُزْهِرُ المُقْلَتَيْنِ
إذْ يَأْتِيكَ الصَّدَى
مِنْ غَوْر الظُّلُمَاتِ،
يَهْمِسُ لَكَ
يُوَشْوِشُ إلَيْكَ
بِأَسْرَارِ الرَّحٍيلِ
وَزَاد السَّفَرْ،
يُغَلِّقُ فِيكَ أَبْوَاب َ الجُرْحِ،
مَجاَرِي النَّزِيفِ
يُسَكِّنُ مَرَاياَ الشَّجَنْ.
وَإِذْ يُبَاغٍتُ نَجْمَتَكَ وَقْدُ الفَجْرِ
تَتَكَتَّمُ كَشَهْرَزَاد..
عَلَى الكَلاَمِ المُبَاحِ،
فَتَمْشِي فِي أَلَمِكَ
شَوْقاً
لِلَيْلٍ جَديِدْ،
لِتَسْمَعَ حِكَايَاتٍ جَدِيدَةٍ
عَنْ طُرُقٍ بِلاَ مَنَافِذََ
سُفُنٍ بِلاَ أَشْرِعَةٍ
بَحْرٌ بِلاَ ماءْ
وَالغَيْبُ المُحَدِّقُ مِنَ الغَيْبِ.
سَتَتَرَقَّبُ كُلّ لَيْلَةٍ
نَجْمَتَكَ البَهَاءْ
أَبَداً تُسَامِرهَا
إِلَى آخِرَ العُمْرِ،
حَتَّى نِهَايَةِ الحِكَايهْ.
ـ 27 ـ
يَغْتَالُنِي المَوْتُ فِي لَحْظَةِ عِشْقٍ أَبْهَى
يَقْتُلنِي جَهاَراً وَأناَ المُتَوَّجُ بالقُبَلِ
يَأخُذُنِي مِنْ نَفْسِيَ الثَّكْلَى
ويُعَرِّي جُثَّتِي لِلْبُكاءِ تَنْهَشُهاَ
ومَا تَبَقَّى مِنْ عِظامِيَ المَنْخُورَةِ
يَسْحَقُها فِي لَهَاةِ رَحَى زَمَنٍ أكْمَهٍ
يُدَرِّيهاَ عَلى الأنْهارِ المُقَدَّسَةِ..
ومِنْ فُقاعَاتِ ماَئِها
تَتَوَهَّجُ التُّرْبَةُ البَيْضاءُ
تَصْعَدُ بُخَاراً
تُسَافِرُ فِي الغَيْمِ
تَرْحَلُ بَعِيدًا.. بَعِيدًا..
وبَعِيدًا.. بَعِيدًا تَرْحَلُ
وعَلَى قَبْرِ الشَّهِيدِ
تَتَرَقْرَقُ نَدًى
لِتَرْوِي رُوحُهُ الصَّغِيرَةُ الكَبِيرَةُ
بِأَحْلَى الوَمْضَاتِ.
ـ 28 ـ
علَى الشّاهِدِ الصَّغيرِ
عُصْفُورَةٌ مُبَلَّلَةٌ بالقَطْرِ
تُغَنِّي لِزَهْرَتَيْنِ
نَبَتَتَا فَوْقَ قَبْرِ طِفْلِيَ الشَّهيدِ
وَتصُلِّي علَى ضَوْءٍ
يَطْلَعُ مِنَ الفَجْرِ
مُهَدْهِدَةً رَقْدَتهُ الأبَدِيَةِ.
وإذْ أسْتَلْقِي بِجِوَارِهِ
تَغيبُ رُؤَى،
وَرُؤَى تُولَدُ:
أرَى بَسْمَةً طَيْفِيَةً
تُغادِرُ المَثْوَى
تَصْعَدُ الهُوَيْنَى
تُسَوِّرُ المَقْبَرَةَ التِي
أََتْمَرَتْ أنْغَامًا وألْحَانَا..
تَزْهُو إذْ تَعْبُرُهَا الرِّياحُ اللّوَاقِحُ
بِكَرَمِ البَحْرِ
بِهَسْهَسَاتِ العُشْبِ الخُضْرِ
بِأجْنِحَةِ الحَمَامِ.
تَغِيبُ رُؤَى،
وَرُؤَى تُولَدُ:
فأرَى شَمْعَةً مُضِيئَةً
تَسْتَرِيحُ علَى حاشِيَةِ التُّرابِ
تَطْرُدُ عَنْ أَفْئِدَةِ الغُرَبَاءِ
بَقاَيَا غُبَارِ السَّفَرِ البَعِيدِ
وَتَمْسَحُ وَجْهَ العَتْمَةِ
بِألِقِ النُّورِ
وتُلَوِّحُ للتَّائِهِينَ
بَيْنَ السُّهُوبِ الجَرْداءِ
بِمِنْدِيلِ الأمَلِ.
تَغِيبُ رُؤَى،
وَرُؤَى تُولَدُ:
وَمِنْ تَحْتِ الشَّاهِدِ،
تَتَفَجَّرُعَيْنُ مَاءِ سَلْسَبِيلٍ
تُكَسِّرُ جَمَاجِمَ الصَّخْرِ
وَتَرْسُمُ بِالخِصْبِ
مُنْعَرَجاتِ السِّنْدِيانِ،
فَيَنْضَحُ مَثْوَى وَلِيدِي
بِالبَهْجَةِ اليَانِعَةِ
تَهْمِسُ لِعابِرِي طَرِيقِهِ:
"اقْطِفْ مَا تَشَاء مِن الفَرَحِ
خُذْ لأَحْفَادِكَ شَهِيَّةَ الفُؤَادِ."
تَغِيبُ رُؤَى،
وَرُؤَى تُولَدُ:
فَأرَى قَصِيدَةً يَتِيمَةً
تُرَتِّلُ إِيقَاعَاتِهَا البَدَوِيَّةِ
تَحْتَ خَيْمَةٍ تُرَابِيَّةٍ
تَلْبَسُ لِحافَهَا الأبْيَضَ.
فَأَرَاهَا تُغادِرُ الحِجَابَ
بَهِيَّةً أرَاهَا تَتَعَرَّى
تَكْشِفُ عَنْ جَسَدٍ ثَلْجِيٍّ
تَجْمَعُ كُلَّ الفُصُولِ المَعْلُومَةِ
تَجْمَعُ كلَّ الفُصُولِ المَجْهُولَةِ
تُذَوِّبُهَا فِي نَايٍ
مِنْ سِيقَانِ وَرْدَةٍ
تُعْزَفُ بِأَدْيِرِةِ العُبَّادِ
وأضْرِحَةِ الصُّلَحَاءِ.
ـ 29 ـ
ضَيِّقٌ هَذا المَدَى بِمَا وَسِعَ
وخَانِقَةٌ هَذِهِ السَّماءُ بِمَا رَحِبَتْ
وبَكِيتُ
لمَّا لَمْ أجِدْ
غَيْرَ المِلْحِ بَلْسَماَ
لِقُرُوحٍ تَطْفَحُ ألَمًا
تُثْقِلُ القَلْبَ بِالأوْجَاعِ.
وشَرِبْتُ،
لمَّا لَمْ أجِدْ
غَيْرَ الدَّمِ المُرَاقِ
يَوْمَ الشّهَادَةِ
شَرَاباَ..
وَخَرَسْتُ
لمَّا ضَاعَ كُلُّ الكَلاَمِ
مِنْ شَفَتَيْنٍ نَابِضَتَيْنٍ
لَم تَجِدَا غَيْرَ الصَّهِيلِ
لُغَةً..
وتَجَمَّدْتُ
لمَّا غابَتِ الشَّمْسُ مِنْ نَهَارِي
وَخَجِلَتْ أنْ تَرَانِي
ومَا وَجَدْتُ غَيْرَ الثَّلْج
نَارًا لِلاسْتِدْفاءْ،
وَإِلَى مَزَارِكَ مَشَيْتُ
لَمّا سَبَانِي البُكَاءُ
وعَانَقْتُ الصَّبْرَ
لَمَّا قِيلَ:
"أنَّ مَوْتَكَ يَوْمَ يُنْصَبُ العَرْشِ
بَهَاءٌ...بَهَاءْ..".
ـ 30 ـ
شُدَّ وِثاقِي أيُّها المَوتُ
فأنا قَاتلُكَ
بالْكلَمَةِ المَفْجوعَة بَينَ مُقَلِ اللُّغةِ
بالنُّقْطَةِ السّاهِرَة على ضَوءِ الدّمْعَةِ
بالحَركَةِ المَمْدودَة المَكْسُورِةِ المَفْتوحَةِ علَى الجَمْرِ
بالسّكُونِ السّاكِنِ فِي رِدَائِكِ،
فَشُدَّ وِثَاقِي أيّهَا المَوْتُ
فأنَا قَاتِلُكَ.
بِرُوحِ الابْنِ الخَالِدَةِ في القَصِيدِ
بِعُيونِهِ المَفْتوحَةِ علَى المَدَى
بِشَفَتَيْهِ الفَوَّاحَتَيْنِ بِزَهْرِ الكَلامِ
بِخَدَّيْهِ السَّاكِنَيْنِ فِي ضَوْءِ القَمَرِ
بٍجَسَدِهِ السِّنْدِيَانِي،
فَشُدَّ وِثاقِي أيّها المَوْتُ
فأنَا قََاتِلُكَ.
بِدُمُوعِ الحِبْرِ المُتَدَفِّقِ مِنَ العَيْنِ
بالحَرْفِ المَكْتُوبِ بِالدَّمِ
بالنَّحِيبِ الشَّلاَّلِ السّاقِطِ مِنْ قِمَمِ الهَمِّ
بالحُلْمِ المُلَوَّنِ بِعَبَقِ الذِّكْرَى،
فَشُدَّ وِثاقِي أيّهَا المَوْتُ
فأنَا قَاتِلُكَ.
بِرَنِينَ أنِينِ الجَوَارِحِ المَسْكُوبَةِ شِعْرَا
بالآهَاتِ المَنْسُوجَةِ علَى نُولِ الإيقاعِ
بالحَشْرَجَةِ الطَّالِعَةِ مِنَ القَوَافِي
بالرَّعْشَةِ الصَّاعِدَةِ مِنْ أخْمَصِ القَدَمَيْنِ،
فأنَا قَاتِلُكَ أيُّهَا المَوْتُ
فَلَنْ تَشُدَّ وِثَاقِي
• 31 ـ
فَرِقَّتِي لَوْ لَمْ تَكُنْ في ذا السُّكُونِ
لَمْ يُقَلْ" "إنَّا إلَيْهِ راجِعُونَ."

جلال الدين الرومي.
(1)
أنا أنتَ وأنتَ أنا
أحْمِلُكَ بَينَ أوْرَاقِ القَلْبِ
خُضْرَةً
مًاءً
ونايَ الأنْبيَاءِ أحْمِلكَ،
رَفْرَفةَ فَراشَةٍ
غِناءَ عَنادِلَ أحْمِلُكَ،
بَرْقاً وغَيْماً
حَلُماً وجَنونًا
وَفَيْضاً أحْمِلكَ،
أطُوفُ بك مَتاهاتِي وتِيهِي
تُقاسِمُنِي سُلافَةَ كَمَدِي وعِشْقِي
أُعَرِّيكَ علَى شَواطِئ حُلْمِي اللازُورْدِي
أعْتَلِي بكَ عُروشَ الزَّهْوِ
ومَعاً نُرَاقِبُ غُروبَ القَمَرِ
نَتَعَمَّدُ بأفُولِ الشَّمْس مَعاً،
تُشاطِرُنِي الْهَمَسَاتْ
وَعِشْقِ الرَّبَواتْ،
تُحِيلُ غَسَقِي صَباحاتْ
وَأشْعارِي
حَدائِقَ الفَلَواتْ.
(2)
أنا أنتَ وأنتَ أنا
تُسَفِّرُنِي لِلْمُدُنِ السُّفْلَى
تَلُفُّ بِي أرْخَبيلَ الضَّوْءِ
عَلَى قارِبِكَ الأبْيضِ،
تَأخُذُنِي إلىَ خِدْرِ المَجَرَّاتِ
حَيْثُ تُرَبِّي فِي كَفَّيْكَ
أسْرابَ النُّجُومِ،
وتُطَهِّرُنِي بِقُبُلاتِ المَلَكوتِ
وتَحْتَ شَجَرةِ التُّفاحِ
تُصَلِّي بِي
تَهْمِسُ فِي أذُنِي:
"لاَ تَحْزَنْ يا أبَتِي
ومَا كُنْتَ لِتَحْزَنْ.
هَذِي حَدَائِقِي
مَفْتوحَة لِبَهَاءِ طُفولَتِي وبَراءَتِي،
ألاَ تَرَى!
يُؤَثِّثُها الفَرَحُ،
ألاَ تَرَى!"
وقَفْتُ مَبْهُوتَ الخُطَى
وَأَنْتَ تَعْدُو
بَينَ لآلِئِ الزَّهْرِ
تَقْذِفُ الْحَصَى
فِي بُحَيْرةٍ تُغازِلُهَا العَصَافِيرُ
وتَعْزِفُ فَقاقِيعَها
تَهَالِيلَ الأزَلِ،
كُنْتَ يَا بُنَيَّ
َتَحْتَ أزْهَارِ سِدْرَةَ المُنْتَهَى
تُرَدِّدُ
أناشِيدَ الأنْبِيَاءْ
ومِنْ فَرَحِكَ اشْتَعَلَتِ الأنْوارُ
مَلاَئِكِيّة رَفْرَفَتْ
وَبِي عالِيًا حَلَّقَتْ
فَبَدَا عَالَمُكَ السَّرْمَدِي
كَرَقْرَقَةِ الرُّوحِ.
(3)
أناَ أنتَ وأنتَ أناَ
بكَ الآنَ أتَهَجَّى مَا تَبَقَّى
مِنْ سَنَوَاتِ الدَّمْعِ
يَأكْلُ عَيْنِي
يُجَفِّفُنِي قَطْرَةً قَطْرَهْ..
بكَ الآنَ ولكَ أرَتِّلُ
تَرَانِيمَ تُولَدُ مِنَ الوَجَعِ
بكَ الآنَ أسْرِقُ
بعْضَ الابْتِسَامَاتِ البَخِيلَةِ
أخَاتِلُ القَلبَ
ويُقَاسِمُنِي البُكاءُ البُكاءَ
ويُعاَنِقُنِي الغَيْثُ
مَالِحٌ هَذا المَطَرْ.
ها تَصْعَدُ مَعِي مَعَارٍيجَ الكَمَدِ
تَرْمُقُنِي مِنِّي
ومِنِّي تُراقِبُ أفْقا لِي بِلا رِيشٍ
وعلَى شَفَتيْكَ العُشْبِيَتَيْنِ
تُعَرِّشُ الزُّهُورُ اللُّؤْلُئِيَّةِ
يَغَادِرُ اللَّوْزُ مِنْ عِطْرِهِ
تَجْمَعُ انْكِسَارِي
تَرْبُتُ عَلَى كَتِفي المُبْتَلَّتَيْنِ
وعَنْ جَبْهَتِي تَمْسُحُ
تَجَاعيدَ المَوْتِ
وتَهْمِسُ فِي أذُنِي:
"لا تَحْزَنْ يا أبَتِي
ومَا كنْتَ لِتَحْزَنْ".
(4)
أنا أنتَ وأنتَ أنا
أتَمَدَّدُ فِي لَحْدِكَ
فِي سِرْدابِكَ الأمِيرِي
يُصَفِّفُ لِي الخَوْفُ زَبَانِيَتَهُ
فَيَطُولُ صُرَاخِي..
فَلَرُبَّما يَعْبُرُ عَابِرٌ
يُنْقِذُ فَزَعِي
تَمُدُّ ذِراعَيْكَ
تَحْضُنُ والِدَكَ الطِّفْل
تُهَدِّي رَوْعَ رَوْعِي
أُغْمِضُ جَفْنَيَّ
حَالِمٌ أَنَا بِلاَ حُلُمٍ،
تُمْسِكُ يَدَ أبِيكَ المَرْعُوبِ
تُوقِدُ لِي شُمُوعًا رَبَّانِيَةً
تنزع مِنِّي وحشة الغَيْبِ
أرَيْتَنِي كَمْ أنَا صَغِيرٌ
فتَحْتَ صَدْرِيَ الجَاهِلِ
عَنْ شُرُفَاتِ الأَبَدِيَّةِ
وهَمَسْتَ فِي أذُنَيَّ:
"لا تَحْزَنْ يَا أبَتِي
وما كُنْتَ لِتَحْزَنْ".
هَذا عَالَمٌ بلاَ عَتْمَةٍ
مِنْ صَفاءٍ كَانَ
ومِنْ بَهَاءْ،
وطَنٌ لِلْعَدْلِ
مَشْتَلُ الحُبِّ الحَمِيمْ،
هُوَ ذَا العَالَمُ المُخِيفُ
لا عَبْدَ فِيهِ ولاَ أمِيرْ.
ومَشَيْنا فِي ظِلالِ اللهِ
شَرِبْنَا مَاءَ الكَوْثَرِ النَّمِيرِ
وأذَقْتَنِي ثَمَرَاتِ النَّعِيمِ
دَعَوْتَنِي بَيْنَ أجْنِحَةِ الرَّحْمَةِ
ومِنْ مَجَاهِلِ الزَّمَنِ الأَزْرَقِ
يَأتِي نِداءٌ مِنَ البَعِيدْ:
"فَسُبْحَان الذِي يُحْيِي العِظامَ وهْيَ رَمِيمْ."
تُغَالِبُنِي فَرْحَتِي
أمْسِكُ بِِكَفِّكَ الطَّرِيِّ
أَخْشَى أنْ تَتْرُكَنِي
ناشَدْتُكَ:
"لاَ .. لاَ.. لَنْ أعُودْ
أبَدًا لَنْ أعُودْ..
فَهَذَا مُبْتَغَايْ
هُوَ الأنْشُودَةُ التِي
اسْتَهْوَتْ مُنَايْ
هُوَ غِوايَتِي وهَوَايْ
هُوَ الرَّعْشَةُ التِي
أَدْمَتْ مُقْلَتَايْ
"لاَ.. لاَ.. لَنْ أعُودْ
أبَدًا لَنْ أعُودْ"
هُو مَبْدايَ ومُنْتَهايْ
عانَقْتُكَ كَاللَّبْلابِ
إذْ تُخاصِرْهُ دَالِيَهْ
وسِرْنَا بِأرْضٍ
بلاَ حُدُودٍ، مُخْضَلَّةٍ
نَضْحَكُ علَى العَدِّ،
والعَدَدِ
والمَعْدُودْ.
وفِي قَلْبِنَا نَقَشْنَا:
"أنتَ أنَا وأنَا أنتَ
أنَا أنْتَ وأنْتَ أنَا".
ـ 32 ـ
حَفيفُ النَّسِيمِ
رَفْرَفَةُ عُصْفورٍ
علَى غُصْنٍ ناحِبٍ
رَقْرَقَةُ أوْرَاقِ صَفْصَافَةٍ أنْتَ
وتُظلِّلُنِي بُنَيَّ
فَكَيْفَ يَغْسِلُ المَاءُ المَاءَ.
أنَا مَا أعَانِقُ غَيرَ شَذاكَ
أنَا مَا أَفْتَحُ ذِراعَيَّ
إِلاّ لأحْضُنَ بَهَاكْ،
مُقِيمٌ أنَا فِي كُهُوفِ القَذَى
ونَهَارِي مَنْسُوجٌ بِغُيُومِ اللَّيْلِ
يا "مُحْسِن" المُقِيمُ فِي الجِراحَاتِ
يا دَمِيَ النّازِفِ أبَدَا
هَدّنِي هَوَاكْ
لاَ رَفيقَ لِي
وأنَا المُتَوِّحِدُ
سِوَاكْ
فَمَتَى رَحَلْتُ إليَّ
تَكونُ أنْتَ الذِي
أرَاكْ
ولاَ أحَدَ يَرْوِينِي
إلاّك.
ـ 33 ـ
هَذا المَدَى الَّذي
لاَ يُطاوِلُهُ كَفِّي
يَمْتدُّ علَى سَماءِ فُؤَادي
يُوقِدُهَا نَارًا غُبَارًا،
وهَذا المَدَى الذِي
يُفَجِّرُنِي عُيُونًا جَاريَات
فَوْقَ أرْضٍ رَمْلِيَةٍ
فَهَلْ تَرْوِي جِرَاحَاتِي؟
وهَذا المَدَى الذِي
يَشْحَذُ سِكِّينهُ
يَقْطَعُهَا مِزَقا
يُعَرِّضُها لِريحٍ صَرْصَرٍ
مُحَمَّلة بِوَهَج البِيدِ
وعلَى مَهَلِ يُنْضِجُها
يَلُوكُها فِي فَِمَهِ المُتَهَدِّلِ
يَعْصُرُهَا
يَشْربُها رِيقا
ويَبْصُقُ ما تَبَقَّى
طَعامًا لِلْعَفَنِ.
وهَذا المَدَى الذِي
كُلَّمَا أيْقَنْتُ أنِّي
أمْسِكُه بَينَ راحَتَيْ كَفِّي
نَزَعَ الوِشَاحَ
وغادَرَ مِنِّي.
" يَا أيُّها السَّاعِي لِنَهْدِ الحَياةِ
أبَدا لنْ يَبْتَسِم لكَ عِيدْ
أبَدا لنْ يُطِلَّ عَليْكَ النَّهارُ السّعيدْ
أبَدا سَيَكونُ مَطَرُكَ نَحيبْ".
ـ 34 ـ
تَحْتَ أغْصَانِ شُجَيرةٍ شَارِدةٍ
شُجيْرةٍ رَحلتْ عنْهَا الظِّلالُ
مُتألِّهَةً في عُزْلتِها
تُراقِبُ مِنْ أعْلَى الوَجْدِ
ضِفافَ نَهْرٍ خَافِتَ النّظرَاتِ،
جَلسَ والِدُكَ المُتْعَب
يُدَاري الشَّمْسَ بالشَّمْسِ
يُحَمْلِقُ فِي وَجْهِ يَمامَةٍ
تَتأمَّلُ حُزْنَهُ
حَذَّقَتْ فِي عَيْنَيْهِ الدَّامِعَتَيْنِ
رَفْرَفتْ غَيْرَ بَعيدٍ
تائِهَةَ الرُّوحِ
وَحِيدَةً في قَفْرَةٍ مَنْسِيةٍ
تَنُوحُ بِها الرِّيحُ
ولاَ مَاءَ غَيْرَ ما تَجُودُ بِهِ العَيْنُ،
أُحَمْلِقٌ فِي البَعيدِ
أرَاكَ وَأنْتَ الآتِي مِنَ الغَيْبِ
فِي نُوَاحِ القُبَّرَةِ
إذْ تَتُوهُ فِي سَرابٍ أُرْجُوَانِي
وَرَذَاذِ ظِلٍّ حَارِقٍ،
وَجَرَّرَنِي اللَّيْلُ إذْ أقْبَلَ
مُتَّشِحاً أنِينِي
مُجَرِّرا أقْدَامِي
إلَى لاَ طَرِيقْ...
ـ 35 ـ
يُسافِرُ الدَّمْعُ
مِنْ أقْصَى المَواجِعِ
يَمْتَطِي العَينَ
مِنَ الفَجْرِ إلَى الفَجْر
وتَحْتَ رَأسٍ مُزْبِدٍ
ِوسَادَة
أُمَرِّغَ فِيها
خَدِّيَ المَشْغُولِ
بِاحْتِسَاءِ الدَّمْعِ.
وتَغْرَقُ المُقْلَتَانِ،
بِجَسَدٍ فِي الإطَارِ
مُعَلَّقٌ عَلى الجِدَار:
وَجْهٌ مَائِيًًّ
لِطِفلٍ مُغْتالٍ،
والابْتِسَامَةُ
إشْراقَةُ الشَّمْس
في يَومٍ ماطِرٍ،
نَظَراتٌ طَيْفِيَة
تَتأمَّلُ ضَعْفي
تُخْفِي
رَقْرَقَةَ يَنابِيعِي
تَشْرَبُ
اخْضِرارِ ضِفافِي.
ـ 36ـ
يُرَفْرِفُ الحُزْنُ بأجْنِحَةِ خُفاشٍ
يَمْتَصُّ دَمِي
وَلَيْلِي
لاَ يَأتِي إلاَّ مُتَوَحِّشًا
يَفْتَرِسُ أحْلامِي المُزْهِرةِ
وِيهْدِينِي كَوَابيسَ الأرَقِ،
ومَتَى وَقَعَ الجَفْنُ عَلى الجَفْنِ
أوْرَقَ وجْهُكَ فِي المِرْآة
أكَسِّرُها عَلِّي أرَاكَ
أتْبَعُ طَيْفَكَ
أبْحَثُ بَينَ بَقايَاكَ
عَنْ أوْرَاقُك
عَنْ أثْوابُك
وأطْرَافِ حِذائِك.
ـ 37 ـ
علَى تَلَّةِ الزَّقُّومِ
أتَكَومُ علَى خُرَافاتِي
أعُدُّ بِصَمْتِ أوْراقَ زَيْتُونَةِ شاخَتْ
أتَرَقَّبُ قُدومَ غَيْمَةٍ رَمْلِيَةٍ
مُحَمَّلَةً
بِبُذُورٍ مَالِحَاتٍ
وأنْظرُ للشَّمْسِ المُشْرِقَةِ مِنَ الغُروبِ،
أتفَجَّر حُزْنا وَحَنِينَا
علَى الذَّاهِبينَ القادِمِينَ
وأفتَحُ شُعاعَ قلْبِِي
أرَى مِنهُ عتْمَاتٍ مَنْفوشَة
وَأشْبَاحٍ تَتَنفَّسُ مِنَ الغَيْبِ
تُسَاوِمُنِي عَنْ شُعاعٍ
انْفلَتَ مِنِّي،
وإذْ أتابِعُ هَسْهسَاتِ الأطْيَافِ
أجَرِّرُ حَبْلَ ظِلالِي
لٍدَلْوِ مائِي
الصَّاعِد مِنَ نَفَقِ آلاَمِي.
هَا قَدْ عَرَّتِ الأرْضُ سِيقانَهَا
لِتَسرِقَ مِنْ دِفْءِ هَشَاشَتِي
وتَحْيَى بِشَهْوَةِ مَرْآيَ
مُقْعَدٌ في بُكَائِي
أمْضَغُ عُزْلتِي،
ألُوك تَفَاصِيل انْتِسَابِي
لأرْضٍ تَقْضِمُني الهُوَيْنَى
وتُسَلِّمُنِي لِلَيلٍ
كَظِيمَ الوَجْهِ
يُرَدِّدُ فِي الكَونِ
يَنْشُرُ فِي النّاسِ
سِفْرَ أغْوَارِي.

حالة الطقس في مراكش

الثقافة السّمخية والكائن السمخي تأملات وخواطر عن الكتابة الكائن السمخي أولا: "الكتابة السمخية" 14. الكتابة السمخية والنكاح. الجزء الثالث: النكاح في الثقافة الإسلامية

1. أشهر مؤلفات الفقهاء في النكاح فطن رجال الدين لأهمية الحياة الجنسية عند الإنسان المسلم، فكتبوا العديد من الكتب تتعلق بالجنس تنقل لنا خبرات...