عين تسلماط أو تسلمات بدوار أغبالو أحد دواوير بلدة الطين (ابزو) بإقليم أزيلال.
بعد انقطاع صبيبها لمدة سبع سنوات تعود عين/منبع "تاسلمات" إلى التدفق من جديد ب"دوار أغبالو". دفعني فضولي لزيارة هذه العين، وألهمتني شاعرية المكان هذه التدوينة، كما تأتي هذه التدوينة في سياق التعريف بالمجهود الذي يبذله شباب الدوار لجعل دوارهم أكثر جاذبية.
قبل الحديث
عن المكان، ارتأيت أن أعرف بأسماء الأماكن التي سترد في هذه التدوينة. لتقريب
المتلقي من الأصول والجذور والمنابع.
1.
أغبالو
يسمى الدوار "أغبالو"،
وتعني بالأمازيغية "منبع الماء" أو "العين" أو
"البئر" وتطلق عادة على الأماكن التي يتدفق فيها الماء بشكل طبيعي. وتوجد
أماكن عديدة في المغرب تحمل اسم "أغبالو" مثل: دوار أغبالو في جماعة
"تينزت" في
"تارودانت". قرية "أغبالو" بإقليم ميدلت. وجماعة
"أغبالو" بمدينة خنيفرة، وتوجد مدينة "أغبالة" في إقليم بني
ملال...
2. تاسلمات/تاسلماط
لا وجود لهذه الكلمة في المعاجم العربية أو الأمازيغية، وهذا يعني أن الكلمة أصابها تحريف في النطق، وأفترض أن أصل الكلمة أمازيغي "تازلماض" مؤنث مجازي. وهي مشتقة من كلمة "أزلماض" التي تعني "اليسار" أو الأعسر"، وضدها هو "تافسيت" وكلمة "أفاسي" مشتق "اليمين" أو "الأيمن".
وهذا يقودنا إلى فرضية ثانية وهي أن "أغبالو" عبارة عن منبعين: الأول سموه : "تازلماض" لوجوده على اليسار، والثاني" "تافسيت" لوجوده على اليمين، تم التخلي عن الاسم الثاني، واحتفظ بالاسم الأول ليشمل منبع الماء بأكمله. وللإشارة فقط توجد بالمغرب بلدة تسمى "تاسلمات" بجماعة "بو مريم" بإقليم "فيكيك".
على أي، ليس هذا هو المقصود بالتدوينة، فالغرض من هذا التقديم هو وضع المتلقي في سياق الحديث الذي نحن بصدده وهو مقاسمة القارئ لإحساسي وأنا أستمتع بجولة في هذا المنتجع السياحي البسيط ولكن الجميل والممتع. ولأعرف بالمجهود الذي يبدله شباب الدوار لجعل دوارهم أكثر جاذبية.
يقع
منتجع "تاسلمات" في مدخل "دوار أغبالو" الذي يبعد عن مقر
الدائرة بدوار "فم تاغية" ب 3 كلمترات تقريبا، وبلدة "فم الجمعة"
بحوالي 20 كلمترا، و"تنانت" ب حوالي 30 كلمترا، وعن "واد العبيد/إيمداحن"
الواقع على الطريق الوطنية مراكش بني ملال ب حوالي 12 كلمترا...
هذه المعلومات أقدمها للفضوليين والمستكشفين للأماكن الجميلة في المغرب.
إذا أتيحت لك الفرصة لتتجول في المكان ستثيرك وتدهشك أشياء متنوعة تمنحك إحساسا راقيا وشعورا متميزا، وتجربة فريدة.
وأنت تتجول في المكان ستستمتع بتدفق المياه الثرة التي تزاوج بين الخرير والهمس، سيمنحك الماء الشعور بالامتلاء والارتواء، وأنت على المنبع، ويمنحك الطاقة الحيوية وأنت تستحم بماء "تاسلمات" النقي واللذيذ، فكلما ارتويت منه ازددت عطشا..
وأنت تتجول في المكان، على امتداد مجرى الماء، تحوطك الخضرة من كل مكان، ستشعر بالهدوء وتحسن المزاج، وتتخلص من التوتر والقلق والاحباط، ستمنح ألوان الأشجار وروائحها شحنة إضافية لتجدد طاقتك الحيوية وتستمتع بحياتك على الوجه الأفضل والأصح.
وأنت تتجول في المكان المفعم بالجمال، ستعود بك الذاكرة لأيام البراءة والنقاء والصفاء، حيث النور والضوء يغمرانك من كل زاوية وركن، ستستعيد أجمل اللحظات في حياتك الماضية، وستجعل مستقبلك أفضل...
وأنت تتجول في منتجع "تاسلمات/تاسلماط" سيغريك ظل شجرة توت أو تين أو كرمة وتستلقي لتتنسم الروائح المنبعثة من أغصانها وجذوعها وأوراقها، وستسمع الأزيز، والهديل والزقزقات وغيرها من الأصوات التي تجعلك أكثر استرخاء، وعندما تفتح عينيك، ستفتحها على خضرة زاهية لأوراق الأشجار، وألوان مبهجة للأجنحة الطيور التي تلتقط البذور بالجوار... قد ترفع بصرك إلى الأعلى فتصادف عشا يعلمك أن العصافير هي الأخرى تحب الأمان، وتفعل كل ما في وسعها لتحمي نفسها من الأعداء، والحاقدين، والظالمين..
وأنت تتجول في المكان ستسمع صياح الأطفال، وهم يسبحون، يتراشقون بالماء، ويلعبون ببراءة ومتعة، وستتذكر طفولتك. ستكون قريبا من نفسك، عندما تكون قريبا من طفولتك... إنهم يجهدون أنفسهم لاكتساب مهارات تمنحهم الثقة في النفس، وبناء الشخصية المستقلة التي تقف على أقدامها، وليس بعكاكيز الآخرين.
وأنت تتجول في المكان، ستلتقي مع شبان مكافحين، متعلمين، متخلقين، متفاعلين، ومتواصلين، سيقدمون لك خدماتهم التي يحسنون تسويقها بشكل جيد، طيبوبتهم تشجعك على اختيار العروض التي يقدومنها لك وستقضي يوما كاملا بين أحضان منتجع نظيف ومرتب، ومحترم.
وأنت مسترخ في منتجع "تاسلمات"، تغمض عينيك، لتنفتح على ذاتك الداخلية ولا يأتيك من الخارج غير هسيس الماء والأغصان والنسائم... لتكتشف أنك غبت عن نفسك كثيرا، وتغربت عن وجودك الخاص طويلا، واستعدت وجودك الحقيقي المفعم بالثراء والغنى وسيبقى منتجع "تاسلمات" نقطة فارقة في حياتك. تنظف "تاسلمات" جسدك بالماء، وروحك بسكينة وهدأة الطبيعة الصامتة والناطقة.
وفي النهاية، لا بد من الإشارة إلى أن المنتجع قريب جدا من مواقع طبيعية وتراثية تستحق الزيارة مثل: بقايا تكنة عسكرية لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب بجوار قنطرة "الأعثامنة" التاريخية الشهيرة على نهر واد العبيد، وتحدث عنها العديد من الرحالة والمستكشفين، كما وردت في التقارير العسكرية والاستخباراتية الفرنسية... مما يغني معرفتك ببلادك وتاريخها.
نختم هذه التدوينة بالقول المأثور : "ليس من رأى كمن سمع".
ابن بلدة الطين: المصطفى فرحات
24/06/2025


