كلمة عن بلدة ابزو
مجموعة من الأصدقاء يسألونك عن بلدتك ابزو. قل:
* هي مدفأة
للخيال البارد، يكفيك أن تجلس هادئا لتشعر بانهيال الصور المثيرة لتغمر مخيالك،
لتدفئه، فتنشط جميع حواسك وتتدفق فيها الحياة.
* هي مفتاح
الوجود المغلق، حاول أن تدير مفتاح ذهنك لكي يتدفق إليه النور ساطعا، سيتسلل من
بين الشقوق وسرعان ما تنفتح المصارع فإذا بغرفتك السوداء تضاء كاملة.
* هي موطن
البلاغة الصامتة ، فلا بيان يضاهي بيانها، ولا بديع يشبه بديعها، ولا أسلوب يماثل
أسلوبها، إنها تشبيه ومجاز واستعارة وكناية وطباق ومقابلة وخبر وإنشاء.
* هي إيقاع
البحور جميعها، طويلها ومستطيلها، مديدها وممتدها، وافرها وكاملها، بسيطها ورجزها،
خفيفها وخببها.
* هي هي
القصيدة بكل أشكالها، عمودية وتفعيلية ونثرية وشدرية، ثنائية الأسطر وثلاثيتها
ورباعيتها وخماسيتها وما شئت، سواء التزمت بأروائها وقوافيها أو لم تلتزم ستبقى هي
القصيدة التي لم تنظم بعد.
* هي رنين
الايقاعات بعللها وزحافاتها، بكاملها
ومجزوئها، بتصريعاتها ورد أصدرها على أعجازها، بتعانق جناسها وسجعها، وتكرارها
وتوازيها. فتنهض سيمفونية ترقص النفس والجسد.
* هي مملكة
الأرواح الهائمة، والشاردة، الباحثة عن موطن تأوي إليه فتجد فيها الزاد والمزادة.
* هي العاشقة
الأولى التي أحببناها ذات طفولة وبقيت صورة عشقها عالقة في الذاكرة، ونموذجا للحب
الأسمى وألرقى والأطهر. قد ننقل حبنا إلى عاشقة أخرى ولكن أبدا لن يكون بحلاوة
وطراوة وطعم ولذة الحب الأول.
* هي واحة
خضراء وارفة الظلال، عطرة الروائح، لذيذة الثمار، تقاوم الأيادي القذرة المجرمة التي
تعمل في الخفاء والعلنية على خنقها.
* هي الجبل والسهل
والوادي، هي النجاد والوهاد، هي الأفق الممتد الذي يلاحقه خيالي..
* أنا وهي عاشقان
متوحدان يوشوشان لبعضهما البعض أسرارهما، نمضي في هذا العالم المحيط بنا دون أن يبصرنا
أحد لأننا نعرف أننا نموت اليوم لنحيا غدا في قلوب العاشقين القادمين من أزمنة المستقبل.
* هي لغز لمن
يهوى فك الألغاز، وأسطورة لمن يعشق حكاية الأساطير، وعباءة المتصوفين، ومطية لكل ما
هو إنساني.
* من يتوحد بها
سيشعر أنك تولد من جديد، وأنك تلدها من جديد، ثم انظر إليك وحولك، وسترى العالم جديدا
كما لم تره من قبل.
* هي بلدة يقدم
فيها الشعراء قرابين لنهرها حتى يرضى إلهه فتثمر ضفافه أشجارا وغلالا، طعاما لأنعامهم
ولهم، فيحيون من جديد فيمن ضحى بهم.
* هي بلدة لن
أسمح لأحد أن يأخذها مني لأنهم لا يستحقونها، وعندما يحين وقت رحيلي سآخذ روحها معي،
وأترك لهم جسدها المتخشب ليعتاشوا عليه ويتقاسمونه فيما بينهم ويرثه الحفيد عن الأب
عن الجد، رغم أن جسدها لن يمنحهم غير العفن. وحدهم الشعراء من يستحقون أن يرثوا روحها.
هذه هي بلدتي
كما أراها، وأعتقد أن صديقاتي وأصدقائي الشعراء ـ وليس المتشاعرين ـ الذين زاروها من
الوطن وخارجه، وإن لم يروها بمنظاري فإنهم رأوها بمنظار الشعراء..وحدهم من يستحقون
أن توشوش لهم وشوشة عاشقين بينهما أسرار لا يدركها الآخرون، ويتقاسموا معها عواطف لم
تسمّى بعد.
ابزو: نونبر 2014.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.