ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website المصطفى فرحات يرحب بكم
أنت إنسان حر الإرادة والفكر والفعل؟ إذا أنت غير موجود..

بحث هذه المدونة الإلكترونية

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة

رسائل


،رسائل: الرسالة (12): كنت وستبقين حاضرة في الذاكرة، صورتك لا تبلى، بل تزيدها الأيام غضارة ونضارة، وأنتظر دائما أن ألقاك يوما وأروي عطش الفقدان والحنين... ..

جديد الأخبار

7. قالوا عن الحزن: * "لا يوجد أحد يستحق دموعك، على أي حال ذلك الشخص الذي يستحقها لن يجعلك تبكي". )غابرييل جارسيا ماركيز) * "الغضب والدموع والحزن هي أسلحة المستسلمين". (كيتي جيل) * "للحزن أجنحة يطير بها مع مرور الزمن". (جان فونتين) * "ليس الحزن سوى جدار بين حديقتين". (كاهيل غبرين) * "الصمت الطويل هو الطريق للحزن... لأنّه صورة للموت". (جان جاك روسو) * "الكثير من السعادة تستحق القليل من الحزن". (ثوماس فولر)
أحدث المواضيع

coinautoslide

Beauty is in the eyes of the beholder

INFO

معلومات
  • 1. *It's always darkest before the dawn
  • 2. *Practice makes perfect
  • 3. * Don’t count your chickens before they’re hatched
  • 4. * You can’t judge a book by it’s cover
  مع العسر ...
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص مختارة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات نصوص مختارة. إظهار كافة الرسائل

الثلاثاء، 11 أكتوبر 2016

القلق ـ 02 ـ الأشكال الرئيسية للقلق في المجتمع الحديث أولا: قلق الامتحان

  
برزت مواقف الامتحانات والتقييمات كأحد التصنيفات  القوية والفعالة لمثيرات القلق في المجتمع الحديث، حيث تنبني العديد من القرارات المهمة المتعلقة بموقف الفرد داخل المدرسة أو الجيش أو الجامعة أو مكان العمل على الاختبارات أو آليات التقييم الأخرى، ومن الصعب غالبا أن ينشأ الفرد في مجتمع يعج بالاختبارات من دون أن تواجهه بعضها سواء كان في شكل اختبار صفي في اللغة أو الرياضيات و اختبار اللياقة الدراسية للالتحاق بالجامعة...

تحدث استثارة لسلوك القلق من الامتحان عندما يعتقد أن قدراته العقلية والدافعية والاجتماعية أصبحت مثقلة بالمطالب الناجمة عن موقف الامتحان، وبالتالي، فإن الطلاب الذين ينتابهم قلق الامتحان يفسرون نطاقا واقعا من المواقف على أنها مواقف تقييمية ويتفاعلون مع الاهتمام المعرفي، وينشغلون بالرسوب السابق والنتائج المستقبلية السلبية. وقد قرر هؤلاء الطلاب أن لديهم مظاهر من القصور في معالجة المعلومات في أثناء تشفيرها ومعالجتها واسترجاعها..ونجد أن الطلاب المصابين بقلق الامتحان ينزعجون بإفراط من الفشل في الامتحان، ومعرضون للإصابة بالتشتت. غير أن هذه المعارف المتعلقة بالذات والأفكار المتداخلة تستحوذ على مصادر الانتباه لدى الممتحن والتي يمكن استغلالها في النشاطات العقلية المتصلة بالمهمة. وكذلك فإن الطلاب مرتفعي قلق الامتحان بسبب مخططهم الذاتي السلبي يدركون تهديد الأنا، ومن تمّ فإنهم يتحيزون في معالجة المعلومات المضرة بالذات أكثر من معالجة المعلومات المعززة للذات في موقف الامتحان.

وكثيرا ما يتردد ذكر قلق الامتحان من بين العوامل التي تؤدي دورا في تحديد منظومة واسعة من النتائج غير المفضلة والطوارئ ومنها الأداء المعرفي القاصر، وضعف التحصيل الدراسي والضغط النفسي واعتلال الصحة، وفي الحقيقة، فإن العديد من الطلاب لديهم القدرة على الإجادة في الامتحانات، لكن أداءهم الضعيف يرجع إلى مستويات القلق الموهنة للعزائم خاصة في الامتحانات الصعبة، ومن تم، فإن قلق الامتحان قد يحد من الارتقاء التربوي أو المهني، حيث تؤثر نتائج الامتحان في الالتحاق بالعديد من برامج التدريب التربوي والمهني في مجتمعنا الحديث، ومن ثَم، فإن خسارة المجتمع للمساهمة التامة للطلاب البارعين، بسبب ضعف التحصيل الناجم عن القلق والرسوب الأكاديمي يمثل مشكلة خطرة للصحة العقلية في التعليم في واقع الأمر، ومن الصعب أن ننقل الألم والمعاناة والأسى التي يعانيها الأفراد المصابون بقلق الامتحان..

.....................................................................................................................
* القلق، عالم المعرفة، يونيو 2016، العدد 437. ص 40/44. بتصرف.

الاثنين، 10 أكتوبر 2016

القلق ـ 01 ـ التمييز بين الخوف والقلق


المحك
الخوف
القلق
طبيعة التهديد أو الخطر
خطر أو تهديد موضوعي قائم على الواقع (أو الإدراك المبالغ فيه للحقيقة). يمكن التعرف على مصدر الخطر.
خطر ذاتي، رمزي، توقع عام بتهديد أو خطر شائع وغير مؤكد أو عديم الشكل ولا يمكن تحديد مصدر الخطر.
التوجه الزمني
خطر حالي.
خطر مستقبلي
الأسباب أو آليات الايتثارة
موضوعات أو أحداث محددة ونوعية (على سبيل المثال ثعابين، عناكب..) يدركها الشخص بأنها خطرة.
توقع عام كبير بأن شيئا ما سيئا سوف يحدث، دون تحديد أو تعرف على أي تهديد أو خطر بعينيه، يصعب تحديد سبب التوتر أو طبيعة الحادثة الخطيرة، فمصدر الخطر تتعسّر معرفته
حدود الخطر
المنطقة المحاطة بالخطر.
ليست له حدود واضحة.
ملاءمة ردّ الفعل
ملائم بوجه عام للخطر.
رد فعل مبالغ فيه بالنسبة إلى الخطر الفعلي.
الشدة
شديد، ويتصف بأنه طارئ وترتفع فيه الاستثارة بشكل حاد.
استثارة متزايدة وتيقظ، ولكنه ليس طارئا، وغالبا ما يكون في أدنى مستويات الاستثارة.
الحدوث
ينجم عن موضوعات أو أحداث نوعية.
بدايته غير واضحة ويصعب قياسه زمنيا.
درجة التأكد من الخطر
عالية.
منخفضة
المدة التي يستمرها
قصيرة وعابرة وعرضية ومنحسرة عندما يزول الخطر، الارتفاع والانخفاض محدود زمنيا.
طويلةن بطيئة وموجودة في الخلفية. نقاط البدء والانتهاء غير مؤكدة.
الشمولية
توتر محدود
توتر أكثر شمولية
السياق
قريب
بعيد
التحكم
عالت قدر كبير من التأكد من الخطر المحدد ومتى مر الخطر.
منخفض ـ عدم التأكد من خطر معين أو ما إذا كان قد مر الخطر منه
الشعور الذاتي
مزعج وغير سار ورد فعل انفعالي متوتر.
توجس مزعج وغير سار ويصعب تحمله عن الخوف، وهو أكثر تغلغلا وسوء.
العقلانية
يتسم بالعقلانية.
يشعر المرء بأنه حائر حول كيفية التصرف.
الاستجابة
تحاول الكائنات الحية أن تتعامل مع مصدر الخوف وتستعين بالآليات السريعة المبكرة لمعالجة البيانات.
لا يسمح الموقف باستخدام الوسائل الفعالة للتعامل والتغلب عليه. ومن ثم، فإن الفرد يحشد الموارد لمواجهة خطر عسير التحديد. وعندما تكون خيارات التعامل معه غير متاحة، فإن الانفعالقد يتحول إلى قلق.
ركيزة التشريح العصبي
النواة المركزية للوزة
النواة العميقة للحزام النهائي

..........................................................................................................................

* القلق، عالم المعرفة، يونيو 2016، العدد 437. ص 25/26.

الأحد، 24 يوليو 2016

ورقات من تاريخ الخلافة العثمانية حريم السلطان ـ 3 ـ كوسِم زوجة السلطان أحمد الأول


ولدت كوسم في نحو العام 1589، ربما لكاهن يوناني على جزيرة تيموس، كانت زوجة السلطان أحمد الأول الذي بنى الجامع الشهير الذي يحمل اسمه..كان يقال بأن كوسم تستطيع أن تفعل أي شيء تريده مع السلطان، وأنها تمتلك قلبه تماما، وأنه لا يرفض لها طلبا، وبعد أن أبعدت إلى القصر القديم عند موت السلطان أحمد العام 1617، عادت إلى القصر الجديد بصفتها السلطانة الوالدة عندما اعتلى ابنها الشاب مراد الرابع العرش العام 1623.

من قاعدة سلطتها في الحريم ساعدت كوسم المسؤولة عن ابنها السلطان مراد الرابع في تثبيت أركان الحكم من خلال صهر معظم الذهب والفضة الموجودين في القصر لدفع رواتب الجند. كانت مصالح السلطان تُهدد أحيانا مصالح عائلت.  من ذلك أن مراد الرابع عندما أصبح رجلا، عاد إلى إرث قتل الإخوة، وأمر بقتل شقيقين له للتخلص من المنافسين، ومنعته أمه من قتل أخيه المتبقي إبراهيم من خلال إقناعه بأن إبراهيم مجنون ولا يمكن أن يشكل تهديدا...

في بادئ الأمر، كان إبراهيم مرعوبا من مغادرة غرفة الحريم. وإلى أن أمرت كوسِم بأن تعرض عليه جثة أخيه، ظل مقتنعا بأنه مأخوذ إلى الخنق وليس إلى التنصيب. وفي عهده بلغ الحريم ذرى جديدة من الترف والعطور والمنسوجات والجواهر. دفع إبراهيم ولعه بالنساء إلى تخصيص غرفة مبطنة كليا بفراء الوشق والسمور حتى "يختلي" فيها، وساعدته كوسم في تزويده بالعذارى والنساء السمينات. وعندما فترت قوته، اقتصر على امرأة جديدة كل يوم جمعة، وفي خرق لتقاليد العائلة تزوج إبراهيم محضية في مراسم عامة..انزلقت الحكومة في عهده إلى حالة من الفوضى، وقطع جنود الإنكشارية الغاضبون من تأخر رواتبهم جسد صدر أعظم سابق وبيع في الشارع.

اجتمعت كوسم بكبار الوزراء ووافقت على عزل ابنها إبراهيم وخنقه لاحقا. وكانت أخر كلماته: "أليس من بين أولئك الذين أكلوا خبزي من يشفق بي ويذوذ عني؟ لقد جاء هؤلاء القساة لقتلي، الرحمة الرحمة".

سرت شائعة في القصر تقول بأن كوسم تريد خنق الباديشاه. وفي الثاني من سبتمبر 1651، طاردها الخصيان...حاولت الاختفاء لكن أحد مطارديها رآها فخنقها بستارة. صارعت كوسم حتى تفجر الدم من أذنيها..تركت الوالدة المذبوحة، كما باتت تعرف، ألفين وسبعمائة شال، وعشرين صندوقا من الذهب، وسمعة باقية في المدينة بتقواها وكرمها، وعندما علم أهل القسطنطينية بموتها، دخلوا في حداد ثلاثة أيام.

.........................................................................................................................
*القسطنطينية، الجزء الأول، عالم المعرفة، يوليو 2015. العدد 426. ص 161/165 بتصرف.



الجمعة، 22 يوليو 2016

ورقات من تاريخ الخلافة العثمانية حريم السلطان ـ 2 ـ السلطان مراد الثالث وهوسه بالحسناوات..


  كان مراد الثالث رجلا صغير الجثة وبدينا ومتغطرسا، وهو أول من استنّ عادة السلطان الذي لا يبرح قصره. فمراذ النهم إلى إشباعاته وليس إلى الانتصارات العسكرية، لم يغادر القسطنطينية إلا ناذرا..ومع أن السلطان وقع في حب محضيته صفية، بيد أنه استسلم أخيرا إلى الإغراءات التي وضعتها في طريقه أخته أسماهان زوجة الصدر الأعظم محمد باشا صوكلو وأمه نوربانو، فمن خلال توفير الحسناوات للسلطان، كانت السلطانة الوالدة والأميرات يؤدين واجبهن العائلي بزيادة عدد الأمراء.."كانت تبحث دوما عن البنات الجميلات لتقديمهن إليه".

كانت الوجوه الجديدة من الحسناوات يصبن القهوة للسلطان عندما يأتي لزيارة والدته. وإذا وقعت عينه على إحداهن، فإنها كان تسمى غوزده التي تعني في العين، فإذا أراد أحداهن في مخدعه فإنه كان يخبر رئيس الخصيان الأسود (قصة اختيار السلطان للمحضية بإيقاع المنديل أمامها أسطورة لا أساس لها) وكانت بقية النساء يهنئن المحضية المفضلة الجديدة، وكن يرافقنها إلى الحمام ويلبسنها ويعطرنها ويزينها ويسرن بها على أصوات الموسيقى والأغاني إلى غرفة نوم السلطان.

 وبعد أن ينام السلطان معها، كانت تدعى "إقبال" التي تعني مفضلة. ومع نهاية عهده، كان مراد الثالث قد فقد كل أشكال ضبط النفس، وقيل إنه كان "ينام" مع امرأتين أو ثلاث في الليلة الواحدة، وأنه أنجب مائة طفل واثنين، وفي النهاية، بدأ السلطان يصاب بنوبات الصرع.
                                                                                          
فوق المدخل الأساسي إلى الحريم إلى جانب الديوان، يعلن نقش من عهد مراد الثالث أنه المدخل إلى حوريات الجنة اللاثي تسحرن مفاتنهن الجنة نفسها..وقد ارتفعت أعداد النساء سريعا في قصره من 167 في العام 1552 إلى 230 في العام 1574...

توفي مراد الثالث سنة 1595
...............................................................................................................
*القسطنطينية، الجزء الأول، عالم المعرفة، يوليو 2015. العدد 426. ص 151/156 بتصرف.


الاثنين، 18 يوليو 2016

ورقات من تاريخ الخلافة العثمانية حريم السلطان -1- (قصة عشق بين السلطان سليمان والجارية خُرّم).


على مدى قرون ظلت الأمهات في القوقاز يغنين لبناتهن الرضيعات أغنية تبدأ بالكلمات "متعك الله بالعيش بين الماس والأبهة زوجة للسلطان". وكانت بعض البنات بسبب توقهن إلى تحقيق هذه الأمنية يعرضن أنفسهن بلا ثمن على تجار الرقيق الزائرين. كانت أعينهن على الحريم الإمبراطوري في القسطنطينية. تعني كلمة حريم "الحرم المقدس"، وتعني بالإشتقاق أجنحة النساء. وكان الحريم الإمبراطوري يشير إلى الأجنحة المحرمة للنساء والخصيان التي أثرت في الحياة العامة في القسطنطينية فضلا على الحياة الخاصة للسلطان.

كان القصد من وجود الحريم هو إشباع رغبات السلطان ولأغراض التناسل من أجل مصلحة العائلة. تبين حرب الخلافة الإسبانية وحرب الخلافة النمساوية النتائج الكارثية التي تتكبدها العائلة الحاكمة التي تفتقر إلى وريث ذكر.

كانت الرغبة سببا آخر من أسباب اتساع حجم الحريم، ذلك أن معظم السلاطين كانوا يرغبون في تنوع شركات الجنس.

كان الحريم مدينة محرمة، فمن الصعب التحقق من الحقائق حول حياة نزيلاته قبل التحاقهن به. فكما يحدث مع الخدم في البيوت الريفية الإنجليزية الكبيرة، كانت النساء لدى التحاقهن بالقصر يعطين أسماء جديدة في إشارة إلى القطيعة مع هوياتهن السابقة. كانت الأسماء في معظمها فارسية..وحتى لا تنسى أسماؤهن كانت تعلق على صدور النزيلات الجديدات، ربما كان اسم خُرّم بالمولد أليكسندرا ليسوفسكا، وكانت ابنة كاهن أرثوذكسي من أصل أوكراني عاش بالقرب من لفيف ببولندا. وقد سبيت في إحدى غارات السبي على يد خانية تَتر القرم المجاورة، وخرم التي تعني الضاحكة تمكنت سريعا من التخلص من منافساتها الأساسية.

فبعد أن انجذب سليمان إلى خُرّم مباشرة، دخلت الشركسية ماه دوران أم ابن السلطان الأكبر مصطفى في مشاجرة مع خرّم وخمشت وجهها ووصفتها ب"الخائنة" و "ذات اللحم الوسخ" وحين استدعى سليمان خرّم بعد هذه المشاجرة. رفضت المجيء قائلة إنها "لحم وسخ"، وغير جديرة بعطف السلطان، وأخيرا، سأل السلطان ماه دوران عن صحة قصة عراكها..

أصبحت خُرّم مركز قوة في القصر، وبعد سنوات كتب سفير البندقية "لم يسبق في تاريخ البيت العثماني أن امرأة تمتعت بكل هذه السلطة. يقال إنها مقبولة ومتواضعة وإنها تعرف رغبات السلطان جيدا". وفي نحو عام 1534 م، ربما من خلال التهديد بحجب وصالها عنه أقنعت السلطان بمنحها شرف الزواج الذي لم تكن إحداهن تطمح إليه في خيالها.

كان قصر خرّم نواة لما أصبح إحدى أقوى المؤسسات في المدينة وهي الحريم الإمبراطوري.

يعد العشق بين سليمان وخُرّم إحدى العلاقات الناذرة بين زوج وزوجته في القسطنطينية، إذ سجلت بكلماتها. كانا يتراسلان بالشعر. كثير من قصائد سليمان موجهة إلى خُرّم. فلا رغبة له في الثراء، ولا عروش مادام يرفل في السعادة اللانهائية بكونه عبدا في قصرها.

يقول فيها في إحدى أشعاره:

يا حديقتي، يا سكري الحلو، يا كنزي، ويا حبي الذي
ما اهتممت بأحد في هذه الدنيا سواه.
يا عزيز مصر ويوسفي، يا كل شيئ لي يا مليكة قلبي
يا اسطنبولي وقرماني وأرض أناضولي
يا بدخشاني وقبجاكي وبغدادي وخراساني
يا حبي ذات الشعر الأسود والحاجبين المعقوصين والعينين الطافحين بالغواية
أنا إن متفأنت قاتلتي، أيتها المرأة القاسية الجاحدة.

لا تقل رسائل خُرّم شوقا عن كتابات حبيبها، وإن كانت قد أملتها على موظف الحريم، وفيها تصفه بأنه "البهاء الذي سرق قلبها" و "أفق البهجة" و "أملي في العالمين" وتطلب منه الشفقة على وحدتها وفراقها عن سيد العوالم.." لو كانت البحار مدادا، وهذه الأشجار أقلاما، لما استطاعت أن تصف حرقة هذا الفراق".

كان السلطان يستشيرها في السياسة، ومن أجل نشر السلام تراسلت مع ملك بولندا، وأرسلت له منديلا طرزته بيدها، وشيد السلطان باسمها مجمع مساجد ضخما باسم خاصكي (سلطاني) في غرب المدينة. ويعد هذا هذا المجمع الوحيد من نوعه الذي بني لزوجة سلطان أو محظيته في حياته، فضلا على مؤسسات أخرى كثيرة بنيت بأوامر خُرّم في إدرنة والقدس والمدينة ومكة، يفوق عددها ما بني بتكليف من زوجة ملك إنجلتر.

ماتت خرم في العام 1558م، ومات السلطان عام 1561.
....................................................................................................................
*القسطنطينية، الجزء الأول، عالم المعرفة، يوليو 2015. العدد 426. ص 137/145 بتصرف


الأحد، 16 أغسطس 2015

علم النفس الديني: المعيار الفني

من بديع ما وصف به الفن: إنه أرقى مظهر للطبيعة الإنسانية، ووصف الفنان نفسه بأنه عبقرية ملهمة مرسلة من السماء، وأن درجته من أفضل درجات البشر. ومن هنا كان السؤال الذي يواجه عالم النفس في مستهل حديث كهذا هو: هل الميل الفني ملكة فردية وموهبة خاصة؟ أم هو مجرد ثمرة تفرعت من الخطوات العادية ونمت نموا طبيعيا، وأن شيئا منه موجود عند كل رجل وكل امرأة؟ وأنه مما يدخل في حياتنا ومعاملاتنا اليومية؟

واجه العلماء هذه المعضلة بأن درسوا طرق الفنان وبواعثه، متبعين في هذه الدراسة مناهج البحث العلمي، فدرسوا حياة غوته وزولا وبيرون وكيتس وبيتهوفن...ووازنوا بينهم ولم يهملوا شيئا مما يمكن أن يلقي ضوءا على النمو العقلي عند هؤلاء الفنانين، وعلى النواحي الخاصة التي نبغوا فيها....وأدى البحث إلى نتيجة واحدة: ذلك أن الفنان ـ من حيث ذكاؤه العام ومن حيث موهبته الاصة ـ رجل مزود بهبات فطرية نادرة. غير أن الفرق في الدرجة لا في النوع، فالمقدرة على خلق العمل الفني ـ كالمقدرة على تذوقه ـ لا تتوقف على ملكة إضافية منعزلة عن مجرى حياتنا اليومية، وهي في درجاتها العليا ليست إلا إحدى ثمرات الحياة العقلية الطبيعية.

ويرى بعض الباحثين أن الفن ـ أيا كانت مظاهره ـ ليس في أصله إلا نوعا من اللعب، فالرجل الذي يصنع لحنا، والرجل الذي يستمع إلى لحن، كلاهما يشتغل بنوع من اللعب، كلاهما يلعب بانفعالاته، فالانفعالات قد وهبت لنا ـ لا من أجل نفسها ـ ولكن لما تثيرنا إلى الوصول إليه من الآثار العملية. إن كل وجدان وكل فكرة تميل إلى أن تحقق نفسها في حدث ما، فأحيانا يكون ذلك الحدث نافعا فنسميه عملا، وأحيانا يبدو وجود حدث زائد عن الحاجة فنسميه لعبا.

ووجه الشبه بين الاثنين هو أن كلا الفن واللعب يبدو عديم النفع رغم كونه مثيرا حافلا بالهوى والانفعالات. فاللعب ليس عملا، ومن هنا اعتبر مضيعة للوقت، والفن ليس شغلا، ومن هنا نظر إليه بعين الاحتقار. وهذا هو السر في أن الجدات في العصر الفكتوري (في إنجلترا) كن ينظرن بغير عين الرضا إلى الفنانين وإلى مظاهر اللعب.

إن الفنان في صالته والشاعر أمام مكتبه لا يختلفان عن الطفل في منزل الطفولة، فكلاهما في إنشائه لفنه ينفس عن وجدان زائد لم يجد إشباعا في عالم الواقع. وكذلك القارئ والمتفرج والسامع كلهم يروح عن نفسه بمعونة ما عند الفنان من مهارة فائقة. فليس الفنان إذن ولا الشاعر بمعني مباشرة بحقائق الحياة كما هي، ولا هو معادل رسم خطة لشيء نافع في الغد، ولا هو يحاول كذلك تسجيل حوادث اليوم. وهذا هو السر في أننا أحيانا نسمي العمل الفني عمل الخيال.

إن الدراسات التي قام بها علماء التحليل النفسي على الأحلام وأحلام اليقظة قد ألقت جانبا كبيرا من الضوء على عمل العقل عند الفنان، فالعمل الانشائي الذي يقوم به الفنان يكون في الغالب ـ مثل حلم اليقظة ـ نتيجة عملية لا شعورية، وما يبدو للعيان مجرد لمحة من الإلهام أو ميلا إنشائيا فريدا، إذا أنت فحصته بدا لك في طبيعته المعقدة منبعثا من ميول عدة، تعمل عملها في الأعماق تحت سطح الشعور، هذه الميول تستمر في عملها اللاشعوري ما بقيت مكبوتة، وتبقى آثارها بسيطة وغير مفهومة ما بقيت مصادرها خفية. ولكن متى تحقق الناس أن العقل ـ حتى في مشكلاته العادية ـ يقوم بسلاسل من النشاط اللاشعوري، تكشفت لهم ألغاز الانتاج الفني كل التكشف.

هذا في الواقع هو الشرح الذي يعطيك إياه الفنان. يقول ستيفنسون: إن الكاتب المنشئ العظيم يعرض علينا أحلام اليقظة ـ التي تجيش في أذهان الناس ـ في صورة محققة خالدة، وقد تكون حكاياته ممزوجة بشيء من حقائق الحياة، ولكن غرضها الحقيقي أن تشبع في القارئ عددا لا يحصى من الرغبات والأهواء، وأن تخضع للقوانين التي تسير عليها أحلام اليقظة. وهذا فولتير وقد جلس مرة في إحدى مقاصير المسرح يشاهد تمثيل مسرحية من مسرحياته وصاح متعجبا: أحقا أنا الذي كتبت هذا؟ ويقال أن كولريدج نظم أشهر قصيدة له وهو تحت تأثير الأفيون ، وأن بليك أعد هياكل أعظم صورة وهو في حالة نوم نشيط..

ولهذا لن نتردد في أن نقبل النتيجة الرئيسية التي وصل إليها التحليل النفسي وهو أن خير القصائد وخير الحكايات وخير الصور إنما هو أنتاج العقل الباطن...إن الانفعالات في الأنواع الرفيعة من الفن تبدو غير شخصية وغير متحيزة. وليس كذلك شأن الأهواء الذاتية التي تبعث فينا أحلام اليقظة السقيمة، والتي تقوم عليها الأفلام الرائجة بين سواد الشعب، والروايات الرخيصة..

وبحوث علم النفس لا تترك مجالا للشك في أن الفنان الحقيقي ـ الفنان ذا الروح الحساسة والخيال الشعري ـ تمر به هزة روحية، لا صلة لها بما تقتضيه مطالب العيش المادية الصاخبة. وقد يعتبر الفنان هذه الهزة شيئا جديرا في ذاته أن يحصل، أو قد يعتبرها رسولا شعاعا من النور من عالم القيم النهائية، ومن مصدر ذي شأن كبير في أعماق الحياة والوجود. ولكن مهما يحاول الفنان شرح تلك الهزة فإنها هي التي يريد أن يعبر عنها في صورته أو قصيدته.
.....................................................................................................
*علم النفس الديني سيريل بيرت. ص 80/90. بتصرف


الجمعة، 14 أغسطس 2015

علم النفس الديني: حاسة الجمال

   


هل الجمال في الواقع موضوعي، ومم يتألف؟ ما هي بالضبط تلك الخاصة التي تمكننا حاسة الجمال من إدراكها؟ أين نضعها؟ أو تحت أي باب ندخلها بين الموضوعات الأخرى التي يحتويها عقلنا؟

قبل كل شيئ هناك شيء واضح وهو أننا حين نتكلم عن حاسة الجمال، لا يكون الجمال في الاصطلاح الدقيق حسا، إذ أننا لا ندركه عن طريق عضو حسيّ ومخصص لهذا الغرض كما خصصت العين للألوان والأذن للأصوات. كذلك نستطيع أن نقول إن الجمال ليس صورة ذهنية أو فكرة أو مجرد حزمة من الروابط. وتسميته شعورا أو إحساسا إنما يزيد المسألة غموضا لغموض كلمة (إحساس Feeling) وعدم تحديد معناه. فلنسأل إذن ما هي الفرص أو المناسبات التي ندرك فيها الجمال؟

إنما يبعث الحس بالجمال عندما ننظر إلى موضوع مركب إلى درجة ما. فالحس البسيط لا يستطيع ولن يستطيع أن يبعث الجمال. انظر إلى صفحة بيضاء من الورق، أو إلى حقل قد كساه برد الشتاء ثوبا أبيضا رقيقا، إنه مجرد البياض مهما كان صافيا لا يمكن أن يكون جميلا، إنه قد يبعث لذة، على أن ومضة من اللذة ليست حسا بالجمال.

ولكن خذ قطعة ن الورق وقسمها إلى مربعات وأشكال رباعية فإنك لا تلبث أن ترى أن بعض الأشكال جميلة، وأن بعضها أجمل من بعض..

عندما يطلب إلى جماعة من الناس أن تحكم على جمال شيء ما، قلما تفكر في الواقع في جماله مطلقا، وأحكامها التي تصدر عنها ليست ذوقية، ولكنها شخصية، ويبدو أن كثيرا من العوامل لا شأن لها تؤثر فيها، وإذا كنا هكذا متأثرين في حياتنا الشعورية بعوامل متنوعة فما أعظم ما يستهدف له حكمنا من تحيز إذا أثرت فينا هذه العوامل تأثيرا لا شعوريا.

على مثل هذا الإحساس في الغالب بنى كثير من النقاد وعلماء النفس رأيهم في أن الجمال ذاتي محض، وأن التفضيل الفني ليس إلا مجرد ثمرة لذوق شخص خاص يختلف حسب اختلاف الفرد والعصر. إن الشهوات الذهنية تجيء وتذهب، وعند بعضهم إن كل شيء في الفن نسبي، فليس هناك شيء حسن أو قبيح، وإنما التفكير هو الذي يحسّن أو يقبح.

ولكن هبنا طرحنا جانبا هذه الروابط غير الأصيلة في الموضوع، من مثل الأزياء والأوهام واللوازم التي تجلب الغموض إلى حاسة الجمال عندنا، هبنا جردنا أنفسنا تماما من كل انفعال شخصي ومن كل مصلحة شخصية....فهل يبقى بعد ذلك أي أساس مكين لتفضيل شيء على آخر؟ وهل هناك أي شيء يمكن أن يجده كل شخص جميلا في ذاته ولذاته؟

أنا أعتقد أن هذا قد يكون، واعتقادي قائم على أسس من التجربة والمشاهدة...إذا كان الشعور بالجمال عاما، وإذا كان هذا الشعور رغم العوامل الأخرى، يحدث نفس التأثير فينا جميعا، فإنه يُستنتج من ذلك أن الجمال نفسه ليس متوقفا كل التوقف على المصلحة أو الهوى الشخصي، بل يبدو في الواقع..فنحن نرى الجمال لأنه هناك ليرى، وليس الجمال شيئا نخترعه أو نتصوره بأنفسنا، إنه شيء نحسه ونجده، إنه بالاختصار يحل في الموضوع الجميل.

على أن هذا لم يكن الرأي المقبول بين النقاد والفلاسفة السابقين الذين كتبوا في الجمال، فإلى عهد قريب كان الرأي الحديث يميل إلى الجهة المعارضة، إلى اعتبار أن الجمال ليس صفة في الأشياء الخارجية، أشجارا كانت أم أزهارا، وقصائد أم صورا، وإنما هو أثر وقتي لحالة من حالات العقل. فكلمة (جميل Beautiful) مثل كلمة (جدير بالحب Lovable) تستعمل التصور صفة أو كيفية نطلقها نحن في بساطة على الموضوع، وهي في الواقع إنما نقرر أن الموضوع في أنفسنا. فالسكين ليست مؤلمة حتى توجع، وكذلك غروب الشمس لا يكون جميلا حتى يشعر شخص ما نشوة ذوقية عند النظر إليه. ويضيف أصحاب هذا الرأي إلى ما تقدم أن هذا هو السبب في اختلاف الأذواق، فحيث أرى جمالا قد ترى أنت سوء تكوين، والسبب في ذلك أنني أحس انجذابا نحو الشيء على حين تحس أنت نفورا وابتعادا.
.............................................................................
* علم النفس الديني. سيريل بيرت. ص 64/97 بتصرف

السبت، 8 أغسطس 2015

علم النفس الديني ـ 2 -


وعندما نتحول من الهمجي إلى الطفل نجد نفس الانفعالات على الدوام منبعثة، فالطفل الصغير يحس رهبة مشابهة نحو أبيه وأمه، وموقف الطفل نحو أبيه ـ كما يبين التحليل النفسي ـ يشبه موقف الكبير من ربه، وهكذا يتصور الهمجي ذلك (الرجل الكبير) الذي يعبده على صورة الوالد الكبير. أضف إلى ذلك أننا حين ندرس الحياة الأخلاقية عند الطفل نجده مشغولا انشغالا خاصا بثالوث من الأشخاص، أبويه ونفسه. ومما يبدو ذا مغزى أن كثيرا من الديانات والأساطير الدينية الأولى، بل معظمها يتركز حول مجموعة ثلاثية من الأشخاص تشتمل في العادة أبا وأما وابنا: فمثلا أورانوس أو السماء، وجايا أو الأرض، وابنهما كرونوس في الأساطير الإغريقية الأولى، وأوزيرس وإيزيس وحورس في الأساطير المصرية، وأدوم وأوكويا وأبريبو في خرافات القبائل النيجيرية. فالطفل يتجه بفطرته إلى أبيه وأمه ابتغاء الأمن والراحة والوفاية، وهو ميال إلى أن ينسب إلى كليهما أو لأحدهما المعرفة الكاملة والخير الكامل والقدرة على الخلق وعلى التدبير، وهذه هي نفس الصفات التي ينسبها المتدين لأربابه الأعلين. ولقد ذهب هربرت سبنسر إلى أن معظم نظريات الدين وشعائره تطورت من عبادة الأسلاف في الزمن البدائي، إذ كان أفراد القبيلة يعبدون سلفهم المقدس الذي تحدروا من صلبه.

إذا كان النفس قد كشف كيف تطور الشعور الديني، فليس يلزم على هذا أنه قد حط من شأن الدين أو أبطله أو فسره بما يذهب بقيمته. وحتى لو صحّ أن الموقف الديني موقف طفولة، فمن الجائز جدا أن يكون هذا أحسن موقف، بل ربما كان الموقف الوحيد الذي يمكننا أن نتخذه عندما تواجهنا معضلات الوجود المجهولة.

إن العالِم كثيرا ما يميل إلى اعتبار السحر والدين كأن كل واحد منهما لون آخر فقير من ألوان العلم، إن الدين عند الهمجي كثيرا ما أخذ مكان العلم: فقد كانت معلوماته العملية عن الزراعة ضئيلة فلجأ إلى الأضاحي والرقى، وكلما أراد أن ينمو زرعه أحرق شابا مطهرا، وعلى قربانه نار بطيئة الاحتراق، والسر في اختيار نار رقيقة على هذه الصورة هو إطالة الوقت حتى تكثر دموع الضحية، فعلى قدر غزارتها يغزر المطر، ولكي تكون التضحية نافذة الأثر وجب أن يختار لها فصل خاص هو أيام الفصح أو أوائل الربيع.. وإلا لن يتأثر المحصول بها. وقد كان من واجبات رجال الكهنوت أن يحسبوا الوقت المناسب لهذا الغرض، جاعلين حسابهم على ارتفاع الشمس. وفي هذا يلتمس بعض الباحثين مبادئ التفكير العلمي والملاحظة العلمية.

إن الدين في يد باحث القرون الوسطى كثيرا ما أصبح علما منظما للوجود كله، ووجهة النظر هذه لا يزال يأخذ بها اللاهوتيون الرسميون. ولكن ديانة الجماهير الغالبة من الناس ليست في أساسها مجموعة من المعتقدات الذهنية، فالدين الذي يصبح ذهنيا خالصا سرعان ما يفتقد كونه دينا، إذ يصبح فرعا من الميتافيزيقا. ومع ذلك فلا العلم ولا الميتافيزيقا في شكلهما الحاضر يعطيان صورة ـ نهائية أو مقنعة ـ للوجود وعلاقته بالفرد الإنساني. ولهذا تجد معظم الناس ـ مهما كانوا حكماء ومستنيرين ـ يشعرون بالحاجة إلى شيء ما (وقد يكون هذا الشيء وقتيا محضا) يطمئن أحاسيسهم ويقوي إرادتهم.
ابزو 2015
......................................................................................................................
* سيريل برت. علم النفس الديني. ص 13/15. (بتصرف).

الأربعاء، 5 أغسطس 2015

علم النفس الديني ـ 1 ـ


أول مسألة يواجهها علم النفس الديني هي: كيف ينشأ الدين وكيف يتطور وينمو؟ فهو لهذا يحاول أن ينفذ إلى البواكير الأولى للدين، وهناك ـ في سلوك المتوحشين الفطري وفي أوهام الطفل الصغير ـ يجد ما يشبه أن يكون مقدمة للعبادات الراقية عند الكبير المتحضر. وقد تقدم لمعونته أخيرا في هذين الميدانين علما الأجناس والتحليل النفسي.

لقد ظل الباحثون يفترضون أن التصورات الدينية الأولى عند المتوحشين نبتت من اعتقادهم في الأرواح، التي قد يتخذ الكثير منها ( أو واحد منها) آلهة تعبد. ونحن مدينون للعالم تايلور E.B. Taylor بلفظة أنينيزم Aninism ومعناها القول بحيوية الأشياء، وهي النظرية التي تذهب إلى أن الاعتقاد في الأرواح يعطينا أضيق تعريف ممكن للدين. هذه التصورات الدينية تكاد تبدو عامة في مراحل معينة من تطور الإنسان، ولكن من المفضل أن نقرر كيف بدأت أول ما بدأت. ولعلها نبعت في الغالب من الحقيقة المعروفة أن المتوحشين ـ كالأطفال والعرافين ـ ذوو صور ذهنية بصرية واضحة، ولما لم تكن لديهم كلمة سيكولوجية مناسبة تصف مثل هذه الصور الذهنية، تحدثوا عنها كأنها أطياف. ففي الغابة أو بين القبور ـ حيث يخيم الظلام فيمنع رؤية الأشياء ـ يرى الفطري في خياله أولئك الذين غابوا عنه أو ماتوا، ويخيل إليه أن أصدقاؤه يجيؤون لزيارته وهو نائم ليلا. حتى إذا صحا وفكر في تلك الرؤى الغريبة بدأ يملأ الدنيا بأطياف وأشباح رقيقة ضعيفة شبه شفافة، وكذلك شأن الصور الذهنية في العادة. وليست هذه الأشباح في الحقيقة إلا إبرازا (أو عكسا) للكائنات أو وهمية التي يراها في أحلام نومه ويقظته.

أما فان سير جيمس فريزر فقد فرق بين الدين والسحر إذ يقول إن عصر السحر قد سبق عصر الدين في كل مكان. وهو يعتبر السحر نوعا من العلم البدائي ، فالساحر ـ سائرا على ضوابط تقليدية متوارثة ـ يحاول أن يثير الريح بالصفير، أو أن يجلب المطر بأن يلوح بفرع نخل قد غمسه في ماء حار..إن غلطة الساحر هي أنه يختار العلة الخطأ، فهو يفضل أن يفترض أن الشبيه يحدث الشبيه على أن يبحث عن القوانين الخفية للطبيعة، في دراسة للحقائق هادئة وصبورة.

إن العمل يشمل الاحساس والعمل كما يشمل الملاحظة والاستنتاج، وفي العادة تندفع الأحاسيس والأعمال إلى الظهور أولا، أما الاعتقادات فإنها تنبعث متأخرة لتبرر هذه الأحاسيس والأعمال تفسرها.

إن الدين مدين لميلاده إلى بعض غرائز غامضة ولكنها عامة يشترك فيها الجنس البشري كله، وهي غرائز الخوف والعجب والخضوع والإعجاب أي ما يصح أن نسميه في كلمة واحدة (الروع) أو (التقى). فمعنى الشيئ الرائع يغمرنا قبل أن نكون لأنفسنا رأيا واضحا عما فوق الإنسان أو فوق الطبيعة بأمد طويل. فعندما تهب العاصفة على قرية من قرى الزولو يهرع السكان إلى الخارج ويصيحون في وجهها. ولا تبدو صيحاتهم أكثر من صيحات فزع وضيق..

وهناك أنواع كثيرة من الأشياء تؤثر في انفعالاتنا، في طريقة غير مفهومة على ما يظهر، فالرعد والبرق والأجساد الميتة والدم، كل أولئك رائع مخيف، فمجرد رؤية هذه الأشياء يحزن الهَمَجي، إنه يتوهم أن لها نوعا من القوة الخفية ووضع لها كلمة اصطلاحية هي ( مانا ) عند سكان المحيط الهادي..هذه الكلمة تشير إلى قوة نفسية لا قوة مادية ولها خاصية إثاراة الانفعالات، وتحل في الكائنات..

والهمجي، إذ يؤمن بهذه القوة ـ قد يحاول في حذر أن يخضعها لنفسه، فقد يشرب دم الجاموسة، أو يأكل لحم العدو رجاء أن يحصل على ما بهذه أو ذاك من ( مانا ) فيخافه ويخشاه رفاقهن أو أعداؤه..

قد يبدو غريبا ـ أول الأمر ـ أن نجد في الديانات الراقية في هذه الأيام أنواعا من العادات والمعتقدات مستمرة في وجودها على ما هو ظاهر من إنها من بقايا العصر الهمجي أو عصر ما قبل اتاريخ. وتعليل هذا أن انفعالاتنا الموروثة لم تتغير ذرة واحدة عما كانت عليه عندما فارقنا عهد البربرية، فلا تزال تَنْبَعِث فينا الرهبة والروعة تَبعَثها نفس الموضوعات والحوادث من الدم والمرض والخطيئة وأزمات الحياة ومصائبها والميلاد والزواج والموت المفاجئ والقوى الغامضة التي يبدو أن لها أصبعا في كل ما يحلّ بنا.
..........................................................................................................................

* سيريل برت. علم النفس الديني. ص 9/13. (بتصرف).