أعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء وأحاول أن أساعدها لتتذكر اللحظة التي بدأ الموت في نسج خيوطه ليفخخ حياتي ويلفها فيما يشبه الشرنقة ويعصرها ويمتص رحيقها ثم يتركها فارغة كقربة ماء يابسة ملقاة في الصحراء.
بدأت القصة في 16 مارس 2020، إنها نقطة الانطلاقة للقاء الموت الذي كان يتنظر وصولي ولم يرسل أية إشارة تحذيرية لآتخذ الاحتياطات اللازمة لأتقي شره، مع أنه يعلم يقينا أني ذاهب إليه. ولم أتلق منه أية رسالة واضحة أو مشفرة فهاجمني بشراسة، هذا ما اعتقدته، وربما أرسل إشارات تحذيرية تجاهلتها ولم أتعامل معها بالجدية المطلوبة فسقطت في المحذور.
تاريخ 16 مارس 2020 تزامن مع قرار الحكومة المغربية إغلاق المدارس وتعليق الأنشطة الثقافية والرياضية كاستراتيجية لمواجهة جائحة كورونا أو كوفيد ـ 19 covid الذي بدأ ينتشر في أرجاء البلاد. وفي 20 مارس تم الإعلان عن الحجر الصحي، أي يعد ثمانية عشر يوما من ظهور أول حالة وبائية قادمة من خارج الوطن يوم 2 مارس.. هذا القرار الأخير عطل سفري إلى مدينة مراكش لزيارة أسرتي التي تقيم فيها وألزمني بالبقاء في بيتي بالبلدة في انتظار انتهاء الأزمة وفتح الطرق من جديد.
وجدت في الحجر الصحي مناسبة لإعادة ترتيب حياتي وإعادة النظر في أسلوب استعمالي اليومي للزمن والابتعاد عن العادات المضرة بالصحة كالتدخين، وعدم ممارسة الرياضة، والأكل غير الصحي.. في البداية وجدت صعوبة في تطبيق القرار إلا أن إصراري على تنفيذه ساهم في نجاحي خصوصا مغادرة نادي المدخنين.
ما بين 1 ماي و16 مارس بدأت الأعراض المرضية تظهر: السعال، ضيق في التنفس، صوبة المشي إلى مسافة بعيدة، آلام في المعدة.. اعتقدت في البداية أنها أعراض كوفيد ـ 19 covid فقصدت عيادة الطبيب في البلدة وفحصني بالرنين المغناطيسي وشخّص مرضي وربطه بالجهاز الهضمي، وكتب الدواء الذي سأستعمله لمدة أسبوع.. لم تزل الأعراض وعاودت زيارته وغير الدواء لأستعمله أسبوعا آخر.. ولم يحدث أي تحسن.
في فترة العلاج هذه كنت أتواصل مع ابنتي التي تعمل في إحدى المستشفيات بمدينة مراكش، وتنصحني بضرورة القدوم إلى المدينة لإجراء الفحوصات الدقيقة، طلبت منها مهلة حتى تتضح الصورة بعد أن أنهي وصفة الدواء التي وضعت فيها أمل الشفاء، إلا أن ما كانت ابنتي تخشاه حدث بالفعل