وعندما نتحول من الهمجي إلى الطفل نجد نفس الانفعالات على الدوام منبعثة،
فالطفل الصغير يحس رهبة مشابهة نحو أبيه وأمه، وموقف الطفل نحو أبيه ـ كما يبين
التحليل النفسي ـ يشبه موقف الكبير من ربه، وهكذا يتصور الهمجي ذلك (الرجل الكبير)
الذي يعبده على صورة الوالد الكبير. أضف إلى ذلك أننا حين ندرس الحياة الأخلاقية
عند الطفل نجده مشغولا انشغالا خاصا بثالوث من الأشخاص، أبويه ونفسه. ومما يبدو ذا
مغزى أن كثيرا من الديانات والأساطير الدينية الأولى، بل معظمها يتركز حول مجموعة
ثلاثية من الأشخاص تشتمل في العادة أبا وأما وابنا: فمثلا أورانوس أو السماء،
وجايا أو الأرض، وابنهما كرونوس في الأساطير الإغريقية الأولى، وأوزيرس وإيزيس
وحورس في الأساطير المصرية، وأدوم وأوكويا وأبريبو في خرافات القبائل النيجيرية.
فالطفل يتجه بفطرته إلى أبيه وأمه ابتغاء الأمن والراحة والوفاية، وهو ميال إلى أن
ينسب إلى كليهما أو لأحدهما المعرفة الكاملة والخير الكامل والقدرة
على الخلق وعلى التدبير، وهذه هي نفس الصفات التي ينسبها المتدين لأربابه الأعلين.
ولقد ذهب هربرت سبنسر إلى أن معظم نظريات الدين وشعائره تطورت من عبادة الأسلاف في
الزمن البدائي، إذ كان أفراد القبيلة يعبدون سلفهم المقدس الذي تحدروا من صلبه.
إذا كان النفس قد كشف كيف تطور الشعور الديني، فليس يلزم على هذا أنه قد حط
من شأن الدين أو أبطله أو فسره بما يذهب بقيمته. وحتى لو صحّ أن الموقف الديني
موقف طفولة، فمن الجائز جدا أن يكون هذا أحسن موقف، بل ربما كان الموقف الوحيد
الذي يمكننا أن نتخذه عندما تواجهنا معضلات الوجود المجهولة.
إن العالِم كثيرا ما يميل إلى اعتبار السحر والدين كأن كل واحد منهما لون
آخر فقير من ألوان العلم، إن الدين عند الهمجي كثيرا ما أخذ مكان العلم: فقد كانت
معلوماته العملية عن الزراعة ضئيلة فلجأ إلى الأضاحي والرقى، وكلما أراد أن ينمو
زرعه أحرق شابا مطهرا، وعلى قربانه نار بطيئة الاحتراق، والسر في اختيار نار رقيقة
على هذه الصورة هو إطالة الوقت حتى تكثر دموع الضحية، فعلى قدر غزارتها يغزر
المطر، ولكي تكون التضحية نافذة الأثر وجب أن يختار لها فصل خاص هو أيام الفصح أو
أوائل الربيع.. وإلا لن يتأثر المحصول بها. وقد كان من واجبات رجال الكهنوت أن
يحسبوا الوقت المناسب لهذا الغرض، جاعلين حسابهم على ارتفاع الشمس. وفي هذا يلتمس
بعض الباحثين مبادئ التفكير العلمي والملاحظة العلمية.
إن الدين في يد باحث القرون الوسطى كثيرا ما أصبح علما منظما للوجود كله،
ووجهة النظر هذه لا يزال يأخذ بها اللاهوتيون الرسميون. ولكن ديانة الجماهير
الغالبة من الناس ليست في أساسها مجموعة من المعتقدات الذهنية، فالدين الذي يصبح
ذهنيا خالصا سرعان ما يفتقد كونه دينا، إذ يصبح فرعا من الميتافيزيقا. ومع ذلك فلا
العلم ولا الميتافيزيقا في شكلهما الحاضر يعطيان صورة ـ نهائية أو مقنعة ـ للوجود
وعلاقته بالفرد الإنساني. ولهذا تجد معظم الناس ـ مهما كانوا حكماء ومستنيرين ـ
يشعرون بالحاجة إلى شيء ما (وقد يكون هذا الشيء وقتيا محضا) يطمئن أحاسيسهم ويقوي
إرادتهم.
ابزو 2015
......................................................................................................................
* سيريل برت. علم النفس الديني. ص 13/15. (بتصرف).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.