السؤال الأول:
الشق الأول من السؤال: (ما المدرسة التي ينتمي إليها كل شاعر منكم؟)
لا أعتقد ـ شخصيا ـ بوجود مدارس شعرية عربية، بل يمكن الحديث عن اتجاهات شعرية تَمْتَح من مدارس شعرية غربية باعتبار أن هذه المدارس التي تشكلت في الغرب لها أصول وقواعد محددة، وخلفيات فلسفية مميزة، وطرائق في التخييل واضحة، وأساليب في العبير مبتكرة..وهذا ما يعطيهم الحق في الحديث عن المدرسة الكلاسيكية، والواقعية، والرمزية..أما فيما يخص الساحة الشعرية العربية فيبدو لي أن الشاعر العربي يمزج في شعره بين هذه المدارس الغربية فيتداخل في شعره العاطفي بالرومانسي بالواقعي والرمزي والنضالي السياسي..وأظن أن واحد من هؤلاء، فشعري مزيج من كل ما ذكرت.
الشق الثاني من السؤال: (ما رأيك في شعر الحداثة والشعر الحر؟)
عندما أسمع كلمة شعر فأنا أفهم منها ثلاثة أشياء:
الأول: أستحضر فيه الشكل: فهناك من يراه في الكلام الموزون والمقفى، وآخرون يرونه في قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر، والقصيدة الومضة، والقصيدة الشذرة..وهذه الرؤية تقف عند حدود الشكل.
الثاني: أنظر فيه إلى المحتوى: فالشعر يجب أن يطغى فيه الشعور والإحساس عن الفكر، الشعر هو من يعلمنا القيم الفاضلة، الشعر هو الحب والجمال، الشعر هو الحياة...ونحن نعلم أن العديد من الأجناس الأدبية تنقل لنا رسائل مشابهة لما ذكرناه.
الثالث: أحاو أن أفهم ماهيته: وفي هذا الجانب أقف لأبدي وجهة نظري حول الشعر مستندا إلى مقدمة ديواني الأول تقاسم الصرير التي أقول فيها:"
تَصْدِيـــــــــر
1. سُؤالُ الشَّعْرِ سُؤَالٌ أَزلِيٌّ طُرِح ويُطرَحُ وسَيُطرَحُ..اخْتلَفتْ سُبلُ مُقارَبتِه لكِنَّهُ ظلَّ عَصِيا علَى الاخْتِراق، لاَ أحَدَ اسْتَطاعَ أن يَسْبرَ جَوْهرَه وماَهِيتَه، ربّمَا لأنّ كُلَّ المُقاربَاتِ انْطلقتْ مِنْ تَصَوُّراتٍ أثرِيَّة كانَتْ فِي مَبْدئِهَا غامِضَة ومُبْهَمَة..وجَاءَ طَرْحُ سُؤالِ الشِّعْرِ فِي سِيَاقِ الوَعْيِ بأهَمَّيتِهِ وخُطورَتِهِ وضَرُورَة فهْمِ سِرّ حُضُورِهِ الدائمِ، وكيْفيَة اشتغالِه وتأثيرهِ في كلِّ أوْجُه الحَياَة، لكِنَّ الإجابَاتِ كاَنتْ قاَصِرَة علَى تلْبيَةِ طُمُوح السُّؤالِ فَظلَّتْ تَدورُ في دائِرَةٍ فارِغَةٍ.
2. في اعْتِقَادِي أنَّ الشَّعر أكْبَرَ مِنْ أنْ يُوصَفَ أوْ يُحَدَّد، وبِعبَارَةٍ أخْرَى فهُوَ عَصِيٌّ عَلَى التدْجينِ، إنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُلّ الأشْيَاءِ المَحْسُوسَة وغَيْرِ المَحْسوسَة، إنّهُ حَاضِرٌ فِي القلْبِ والعَقْلِِ، فِي الجَمَال والقُبح، فِي الحُبِّ والكُرْهِ، فِي النَّبِي والدّجَّال..إنَّهُ لا يَتعَيّنُ فِي ألفَاظِ وجُمَلٍ ، إنَّهُ الحَاضِرُ الغَائِبُ فِي كلِّ الأشْيَاءِ، ونَحْنُ عَاجِزُونَ عَلى فهْمِ وإدْرَاكِ جَوْهَر الشِّعْرِ إلاَّ إذَا فَهِمْنَا وأدْرَكْنَا سِرَّ الوُجُودِ عَامَّة والإنْسَانِ خَاصَّة باعْتِبَارِهِ صَانِع وجُودِهِ مِنْ خِلال ثَقَافَتِهِ، وبِنَاءً علَى هَذا نَنْتَهِي إلى هَذِهِ المَقُولَةِ: "الشِّعْر هُو مَنْ أبدَعَ الإنْسَان، ولَيْسَ الإنْسَان هُو مَنْ أبْدَعَ الشِّعْر". الشِّعْرُ ـ إذًا ـ سَابقٌ عَلى الإنْسَان، هُوَ مَنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وهَكَذا يُصْبِحُ القَوْلُ الشِّعْرٍي مُحَاوَلَةٌ لِلْعَوْدَةِ إلَى مَا قَبْلَ الإنْسَانِ، عِنْدَمَا كَانَ الإنْسَان مُجَرَّدَ"كَلِمَة". وفِي البَدْءِ كانَتِ.
3. إنَّ للشِّعْر حُضُورٌ دَاخِلَ وخَارِِجَ الطَّبِيعَةِ الحَيَّةِ والجَامِدَةِ، فَهُوَ مُتَحَقِّقٌ الوجُودِ فِي الزَّهْرَةِ والإنْسَانِ والطَّائِر والبُحَيْرَةِ والقَمَرِ والصَّحْرَاء..إنَّهُ مُمْتدّ فِي كُلّ المَوْجُودَاتِ، وسَيَبْقَى الشِّعْر ذاكَ الجَلِيّ الغَامِضُ فِي الحَيَاةِ، سَيَبْقَى مَا بَقِيَتِ الكَلِمَةُ والنَّغْمَة والرَّائِحَة، وسَيكُون غِيابُهُ عَوْدة إلى لَحْظة البِدَايَة: لحْظَةِ ما قَبْلَ الكَلِمَة والنَّغْمَةِ والرَّائِحَة.
4. الشِّعْرُ هُوَ مَنْ خَلَقَ ويَخْلُقُ الإنْسَانَ..هُوَ مَنْ يَدْفَعُهُ باسْتِمْرارٍ إلَى اسْتِشْرافِ آفَاقٍ جَدِيدَةٍ، هُوَ مَن يُشَكّلُ وَعْيَ الإنْسَانِ ويَدْفَعُهُ دَوْمًا إلَى إبدَاعِ رُؤى جَدِيدَةٍ وأحْلاَمٍ جَدِيدَةٍ، هُوَ مَن زَرَعَ فِي الإنْسَانِ القَابِلِيَّة ليُوَائِمَ بَيْنَ ظُرُوفِه الخارِجِيَةِ، وعَوَالِمِهِ البَاطِنِيَّةِ.
5. وحَوْلَ سُؤَالِ الشّعْر يَتَجَادَلُ النُّقادُ، ويَتَخَاصَم المُبدِعُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الشِّعْرَ إيقَاعاَتٍ واسْتِعَارَاتٍ وتَشَابِيهَ وتَضَادَّات وصُوَرًا..ومِنْهم مَنْ يَرَاهُ مَعَانِي وألفَاظ .. أُلِّفَتِ الكُتُبُ، ونُصِبَتِ المَنابرُ، وأقِيمَتِ النَّدَوَاتُ، واشْتدّتِ المَعاركُ، وإذا مَا انْقَشَعَ الغُبَارُ عَلِمْنَا أنّ المَعْركَة كَانتْ "دُونْكِيشُوتِيَة" وكلُّ مَا جَرَى وقِيلَ حَوْلَ الشّعر هُو وَهْمٌ، وسَيبْقَى كَذلِكَ، إنهَا مُحاوَلاتٍ يَائِسَةٍ وبَائِسَةٍ من الناقدِ والمبدِع ليَخلُقَ أُلفَة بَيْنهُ وبيْنَ مَا يَكْتُبُه أو يَنْظُمُهُ أو يُنْشِدُهُ ويُسَمِّيه شِعْرا عَمُودِيًا أو شِعْر تَفْعيلَةٍ أوْ قََصِيدَة نَثْر أوْ شَذْرَة..ولَو قلْتُ إنّ هَذا لَيْس شِعْرا لاتْهِمْتُ بالسَّفْسَطةِ أوْ بالهَذيانِ، ولكِن سَأقول باخْتصَار أنّ هذهِ الأشْكال اللغَويّة هِي بَعْضُ تَجَلِّيَاتِه وتَمَظْهُرَاتِه، ومَعَ تَقََدِّمِ الإنْسَانِ فِي التَّاريخ سَتَظْهَرُ تَجَلِّياتٍ أخْرى، وسَيكْتَشفُ أشْكالاً جَديدَةً، ويَظلّ الشِّعْر لُغْزًا مُحَيِّرا.
6. إذًا، مَا المَسْلَك الَّذِي سَنَسْلكُهُ لِمُقارَبَة هَذا اللُّغْز؟ الجَوَابُ فِي غَايَة البَسَاطةِ يَتلَخَّصُ في المَشْي فِي مَسْلكٌ صَغيرٌ وعَادِي ومَحْفُوفٍ بالمَخَاطِرِ، إنَّهُ مَسْلكٌ اللاَّعَقْلانِِيَةِ حَيْثُ كُل شَيْء يَبْدو فِي غَيْرِِ مَكانِه، وفِي لاَ شَكْلِهِ. فلنَنْظُرْ حَوْلنَا وفِي دَواخلِنا، فِي مَاضِينَا وحَاضِرنَا ومُسْتَقبَلنَا، فالشَّعرُ مَوْجُودٌ حَيْثُ نُوجَد ولا نُوجَدُ، بالكَلِمَةِ وبِغَيْرِ الكَلِمَةِ، يُرْسِل إليْنَا إشَارَاتٍ غامِضَة فِي عَالمٍ غَامِضٍ ولا نَحْتاجُ إلى كَثيرٍ مِنَ الكَلامِ لنفْهَمهُ، ولَكنْ إلى كَثيرٍ مِن الصَّمْتِ.
ابْزو: ../01/2006
الأخت الفاضلة فاطمة بوهراكة:
كيف كانت البداية؟ ماهي الصعوبات؟ وما هي الإيجابيات؟
بدأت الكتابة حلما قبل أن يتحقق جزء منها على أرض الواقع..
يبدو لي وأنا أستعيد لحظة الشغف بالكتابة إلى مرحلة الدراسة في الإعدادي، وقتها التهب الخيال، وبدأ القلم يسطر بعض الحكايات ذات الطابع الأسطوري والتي تعبر عن لا وعي الطفل الذي كنته، وتطلعاته وأحلامه. والذي أوقد الشرارة هي السير التي أدمنت على قراءتها والتي كنت أستعيرها من دكان يبيع ويستعير الكتب، فقرأت سيرة سيف بن ذي يزن، وعنترة بن شداد، وأبي زيد الهلالي، كما قرأت ألف ليلة وليلة..كنت أقضي ليالي طويلة مستمتعا ومتشوقا لما سيحدث لأبطال يختلفون بكل المقاييس على البشر الذي أعيش معهم على أرض الواقع. وما كان يثيرني حقا هو الأسلوب الذي كتبت به هذه السير حيث تمتزج العوالم الواقعية والأسطورية والخرافية..واكتشفت كتابات جبران خليل جبران ومصطفى لطفي المنفلوطي وأغرمت بها، وسعيت إلى تقليدها..
أما مرحلة الثانوي فقد اتجهت إلى كتابة الشعر، وتقليد بعض الشعراء أمثال المتنبي، وأبي تمام، وجميل ابن معمر، وأبو القاسم الشابي، وإبراهيم ناجي..لكن الدراسة الجامعية فتحت لي آفاقا أرحب وأوسع على شعراء الحداثة العربية والغربية، فاتجهت لكتابة قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر وأحيانا القصيدة العمودية التي أغرتني في مرحلة سابقة. ونظرا للحراك السياسي الذي كانت الجامعة المغربية تعرفه في بداية الثمانيات فقد نظمت قصائد نضالية كثيرة، ولكن واحدة وجدت طريقها إلى المستمعين عبر برنامج ناشئة الأدب الذي كان يشرف عليه الشاعر فهمي وجهي صلاح. وكان سروري عظيما عندما أذيعت مما شجعني على مراسلة الجرائد الوطنية، لكن طيلة الأربع سنوات التي قضيتها بالجامعة لم ينشر لي أي نص، ومع ذلك لم أفقد الأمل في أن يظهر اسمي يوما ما على صفحة إحدى الجرائد، وهو ما حدث بالفعل أثناء متابعة تكويني في المدرسة العليا للأساتذة، فأرسلت قصة تحت عنوان:"
المثقف وفنجان القهوة" إلى جريدة أنوال، وتم نشرها. وبعد تخرجي نشرت مقالا نقديا بجريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان:"تاريخ الحركة الشعرية في المغرب"، وقصيدة شعرية بعنوان "صابر" بجريدة العلم..كانت هذه الإنجازات، إن صح أن نسميها كذلك مجرد بقع ضوء خافت في سواد متصل..وكنت أحتاج إلى بعض الوقت لأفهم أن النشر في جرائد ومجلات لا يخضع للموهبة والمؤهلات بل إلى الزبونية والمحسوبية والانتماء السياسي..ولم تنفتح الآفاق حقيقة إلا بعد أن أتيحت لي الفرص للمشاركة في الملتقيات الشعرية الوطنية، فنسجت علاقات مع إخوة وزملاء يشتغلون في الصحافة والإذاعة..ورحبوا بإبداعاتي، وبدأ اسمي يرى بعض النور، ومع ذلك، وإلى حدود كتابة هذه الأسطر، ورغم إصداراتي المتنوعة، ومعرفتي الجيدة بكيفية اشتعال المؤسسة الثقافية الوطنية والعربية فإنه ليس من السهل أن تجد كل كتاباتي طريقا إلى القارئ.
فيما يخص الشطر الأخير من سؤالك الفاضلة فاطمة، والمتعلق بالإيجابيات، أستحضر تلك المقولة القديمة والتي تحمل أكثر من دلالة:"الضربة التي لا تقسم ظهرك تقويك". فرغم الإقصاء والتهميش الذي مارسته المؤسسة الثقافية الرسمية، فإن الإرادة كانت قوية بما فيه الكفاية لتجاوز كل المعيقات والمثبطات وتعلن عن حضورها بكل ثقة. وعندما أنظر إلى الوراء، وأقارن بين ما كانوا يريدونه لي من إسكات صوتي وإقبار فكري، وتجفيف منابع شعوري، وما أنا عليه اليوم أقول لنفسي:"لقد فعلوا خيرا". لأني أتمتع بكامل استقلاليتي، وأعبر عن قناعاتي الشخصية بحرية وبدون شروط.
أسئلة بارقة أبو الشون:
ما هو شعوركم حيث يتوالد التبادل المعرفي بأشكاله؟
هل هناك مخطط في البال ولم يتمكن أحدكم الولوج إليه؟
ما أحوجنا نحن العرب إلى فتح الحوار بيننا، وهنا أشكر المنتدى على هذه المبادرة الجميلة التي قام بها ومكنتنا من فتح نقاش حول واقعنا العربي في كل أبعاده بعيدا عن حسابات السياسة، فوحده النقاش الفكري الذي يؤطره الانتماء إلى وطن جيل وعظيم هو من يمنحنا ويمنح الأجيال القادمة مساحة ضوء نتمنى أن نزرعها في عتمة واقعنا العربي.
وأعتقد أن لقائي ها هنا ومن خلال هذا الحوار المتعدد الأقطاب، ومع نخبة من الأدباء والشعراء العرب سيعزز لدي قناعة راسخة.
سؤال أمل محمد.
من خلال تتبعنا لمسارك الأدبي نجده متشعب الأدوار بين ما هو شعري ونقدي وتراثي..فهل هذا التداخل إيجابي للمبدع أم سلبي؟
تحية طيبة.
صحيح أن تجربتي في مجال الأدب متعددة التوجهات، ومتنوعة المرجعيات، هذا التشعب لم أختره حقيقة، فالظروف التي أحاطت بحياتي ككل هي من فعلت فعلها. وقبل أن تكتشفي بنفسك ومع الأصدقاء الآخرون هل هي سلبية أم إيجابية ارتأيت أن أسرد عليك جانبا من اهتماماتي الثقافية المبكرة، التي تمثلت وإلى حدود الساعة في الكتابة الأدبية ولكن مردفة بالقراءة في التاريخ والفلسفة والأنتروبولوجيا، وعلم النفس..أنا من المدمنين على القراءة في هذه المعرفة الإنسانية، إلى جانب الأجناس الأدبية الأخرى كالمسرح والشعر والرواية والنقد..
وأعتقد أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في هذا الوضع:
أولا: لقد بدأت مساري الإبداعي مزاوجا بين الشعر والقصة، ورغم أن الحيز الأكبر كان يشغله الشعر إلا أن أول عمل سينشر لي في جريدة وطنية كان نصا قصصيا، وأدمنت في لحظة على كتابة هذا الجنس الأدبي الذي ظلت نصوصه رهن الأدراج، انقطعت الآن نهائيا على كتابة القصة، لكن الشعر ظل يلاحقني حتى الآن. كما أن اهتماماتي بالنقد الأدبي جعلني أدمن على القراء والبحث في هذا، وكان موضوع بحث تخرجي من الجامعة عبارة عن قراءة نقدية في ديوان أحد الشعراء المغاربة. ونشرت أول مقال نقدي سنة 1985 بعد تخرجي من المدرسة العليا للأساتذة. وعندما كنت أشارك في الملتقيات الشعرية الوطنية وألتقي مع شعراء شباب أصدروا دواوين متحملين كافة المصاريف كان يحز في نفسي أن لا تكون هناك متابعة من قبل النقاد المعروفين على الساحة الوطنية لهذه الإنتاجات، وأخذت على عاتقي القيام بهذه المهمة، وكانت الحصيلة أن تجمعت لدي أكثر من ثلاثين مقالة خصصت كلها وباستثناءات قليلة للمبدعين الشباب في مجال الشعر والقصة والرواية، وأكثر من عشرين ما بين مداخلة ومحاضرة ساهمت بها في نواد ومنتديات ملتقيات أدبية..وأشير إني لم أشر في مجال الشعر إلا ديوانا واحدا، وأغلب دواويني مخطوطة.
ثانيا: عشقي للمسرح منذ مرحلة الدراسة الثانوية دفعتني إلى الانخراط في الأنشطة المدرسية بعد أن عينت أستاذا بإحدى الثانوية، وكتبت نصوصا مسرحية في إطار المسرح المدرسي، واستطاعت هذه النصوص أن توصل رسالتها إلى مناطق عديدة، وكان أهم محطة هي تأهل ثانويتنا إلى الإقصائيات الوطنية، وهي مناسبة التقيت فيها إخوة يشتغلون في العمل الجمعوي فطلبوا مني أن أكتب لهم نصوصا يشتغلون عليها، فكانت الحصيلة أربعة مسرحيات قدمت في مهرجان مسرح الشباب، وانظاف إلى هذا المسار في مجال المسرح مسرحية خامسة شاركت في إقصائيات المسرح الجامعي. وكان هذا العمل آخر ما ربطني بالمسرح لانشغالي بمجالات أخرى.
ثالثا: عندما تم تعييني مدرسا للغة العربية في منطقة كانت تسمى في مرحلة الاستعمار الفرنسي المغرب غير النافع نظرا لأنها توجد في منطقة معزولة ومهمشة وجدت نفسي أعيش داخل وطني ولكن في منطقة بلا ذاكرة، ولأن المنطقة بعيدة عن مظاهر التحضر فقد كان لدي كل الوقت الكافي للبحث والكتابة والتأمل، وأخذت على عاتقي التعريف بالمنطقة التي تحضنني، فدرست تاريخها، وعاداتها، وجمعت تراثها الشفهي، وكانت المحصلة كتابين منشورين: الأول في مجال التاريخ، والثاني في مجال البحث الاجتماعي ـ الأنتروبولوجي، إضافة إلى مقالات في حوليات ومجلات تهتم بالبحث العلمي في مجال التراث.
هل هذا التشعب إيجابي أم سلبي، أترك الإجابة لكم. مودتي.
هل باعتقادك أن الأصوات المغاربية قد لامست أسماء نظرائهم المشارقة وبالعكس كان لها صدى متبادل من جهة التفاعل والتواصل والشعور المشترك بالهم الواحد؟
تحية أخي محمد جميل المجمعي.
عندما تتحدث عن الأصوات المغاربية فأنا لا أتبين المجال الإبداعي الذي تقصده، هل الشعر أم القصة أم الرواية أو مجال الأدب بصفة عامة.
ودون الدخول في متاهات التخصيصات والتحديدات سأقارب السؤال بعمومية أحيانا وببعض التفاصيل أخرى على أمل أن أحيط بأطراف السؤال. وأشير في البداية بأن الأدب المغاربي العربي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الأدب العربي عموما، هذا من حيث الهوية، لكن من حيث الزمنية فقد ظل الأدب المغاربي تابعا للأدب المشرقي طيلة تاريخه الطويل باستثناءات قليلة كما حدث في الأندلس حين أبدع الأندلسيون فن الموشحات. فقد كان المركز المشرقي المشع بأنواره على المغرب العربي إلى حدود فترة قصيرة عندما خف هذا الضوء أمام وهج الثقافة الغربية لعوامل يطول شرحها.
هكذا إذا وجد المبدع المغاربي في كل مجالات الأدب تابعا للمشرق، فلا يحدث أي تحول في جدي في الأدب المغاربي إلا إذا حدث في الأدب المشرقي، فالتيارات الشعرية التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر كحركة الإحياء والبعث، والثلث الأول من القرن العشرين، كجمتعة الديوان، وأبولو، ومنتصف القرن مع حركة الشعر الحر أو شعر التفعيلة، كل هذا كان له تأثيره على الساحة الأدبية العربية ، وكثير من الأصوات الشعرية المغاربية المعروفة، فسارت خلف هذه الحركات وتبنت فلسفتها ورؤاها وأسلوب وطرائق تعبيرها في مجال القول الشعري، وبالتالي اعتبرت هذه الأصوات تابعة ومقلدة فلم تحض بالأهمية التي حضيت بها الأسماء المؤسسة لهذه الحركات الشعرية التجديدية. فالأصل ليس كالفرع كما يعتقد كثير من النقاد، والأصلي ليس كالمقلد. لا بد من الإشارة هنا إلى صوت مغاربي كان من مؤسسي جماعة أبولو وهو أبو القاسم الشابي، وربما هذا ما يفسر لنا تميز هذا الصوت في الساحة المغاربية.
ولكن هذا لا ينفي وجود أصوات إبداعية مغاربية في كل مجالات الإبداع الأدبي قوية ومميزة أثارت انتباه النقاد العرب وحضيت بالاهتمام والمتابعة النقدية، وإن جاءت هذه المتابعة محدودة جدا مما جعل صدى هذه الأصوات محدود جدا أيضا. وهنا لا بد من التنبيه إلى دور الإعلام من أهمية في إيصال أصوات الشعراء إلى الجمهور والقراء، وكذلك المناهج الدراسية المشرقية التي تغيب الأصوات الإبداعية المغاربية، وكثير من تلك الأصوات الجادة والقوية التي أهمِلت طالتها أيادي النسيان.
كما لا يجب أن نهمل عقدة التفوق لدى المشارقة، وهي عقدة قديمة تعود إلى عصور موغلة في الزمن حين قال ابن العميد ـ لما وصله كتاب "العمدة" للأديب الأندلسي ابن رشيقـ: "هذه بضاعتنا ردت إلينا."
أما فيما يخص مدى تجاوب الأصوات المغاربية مع الأصوات المشرقية فالملاحظ أن هذا التجاوب لا يحدث إلا في نطاق ضيق عندما يتعلق الأمر بالقضايا ذات البعد القومي المغلف بما هو سياسي: كالقضية الفلسطينية أو العراق أو لبنان..أما فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان والفقر، والظلم الإجتماعي فكل شاعر لا يهتم إلا بما يجري داخل وطنه، وقلما نسمع أو نقرأ لشاعر يتناول قضايا وطن عربي آخر.
آمل من خلال هذه الورقة أن أكون قد أجبت على بعض ما ورد في سؤالك. مودتي.
سهام الأحمد
مرحبا بفرسان صدانا الأوفياء ويسرني أن أوجه سؤالا للجميع.
تعزى الحرب المسعورة من قبل البعض على قصيدة النثر لسببين:
1. إفلاسهم وعدم مقدرتهم على كتابتها؟
2. تشبثهم بجلباب القصيدة الموزونة؟
3. الاعتراض لمجرد الاعتراض لا أكثر أو الظهور بمظهر حماة الشعر العربي. ما رأيكم؟
4. هناك الكثير من الكتاب والشعراء تستهويهم فكرة التقوقع على الذات والكتابة عنها بعيدا عن هموم المجتمع والتاريخ والمستقبل. ما رأيك في هذه الظاهرة؟
ماذا عن الشعر العربي الآن وهل صحيح أن الرواية أزاحته عن قمة الصدارة؟
تحية طيبة.
1.2.3.صحيح أن قصيدة النثر أثارت حولها من الضجيج والغبار الشيء الكثير، وهناك من قاومها، بل نفاها من مملكة الشعر، وقد شُنّت هذه الحرب من قبل على الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة، إلا أن كلا الشكلين لا يزال حاضرين وبقوة في الساعة الشعرية العربية، وهذا يعني أن لقصيدة النثر مناصرون ومنافحون كما لهما أعداء وخصوم، والسؤال هو: من هم خصومها والرافضون لمشروعيتها؟ أنها العقلية المحافضة والمتحجرة التي ترفض التجدد والتحول وتتمسك بالأصول تحت دعاوي ومبررات واهية لا تصمد للنقد، ولكن يبدو أن أن المتحكم الأول في محاربة الرؤى المنفتحة على المستقبل والمتجدد والباحثة عن الضوء الذي يتراءى لها في ظلمة هذا الزمن العربي، والمتطلعة إلى الأفق الأزرق البعيد مترقبة سحابة الخصب والعطاء، هي تلك الرؤية المعتمة السوداوية المشدودة إلى الماضي البعيد الذي لم يعد موجود إلا في أحلامهم البائسة، وعقولهم المتحجرة.
إن أهداف هذه الفئة واضحة، فهي لا يهمها إلا مصلحتها الخاصة، وللحفاظ على هذه المصلحة فعليها أن توقف التاريخ، وتثبت الزمن وتشل الفعل والحركة التاريخية التي تمضي دوما وحتما إلى الأمام.
أما فيما يخص الشكل الذي يتجلى فيه الشعر، فأرى أن الموهبة الشعرية المبعة لها الحق في أن تكتب في أي شكل تراه مناسبا وتجد فيه الأريحية ما دام أن الشعر حاضر..قد نمتلك الوعاء الفارغ، لكن يبقى السؤال مطروحة حول ذلك الشيء الذي سنصبه في الوعاء. فالشعر ليس مجرد شكل وكلمات..بل نمط حياة، وطريقة في رؤية الكون والإنسان والذات..البقاء دائما للأصلح والأفيد والقادر على التكيف والتأقلم، وعلى الشاعر أن يتبنى ما يراه مناسبا لطبعه وطبيعته..فبأي شكل بلَغْتَ وبَلَّغْت، فذاك المراد والمعول عليه.
4. أما فيما يتعلق بالكتابة حول الذات، ونحن نقرأ تاريخ الأدب العربي منذ الجاهلية إلى حدود القرن التاسع عشر نعلم أن قصيدة المدح هي التي تربعت على عرش الأغراض الشعرية العربية، وحظيت بأهمية قصوى، لقد كانت وسيلة وأداة للشاعر ليرتقي السلم الاجتماعي، ويقترب من الطبقة الحاكمة، فأبو تمام الذي كان سقاء بجامع الفسطاط بمصر تمكن بأن يكون شاعر الخليفة المعتصم وقبله تمكن حسان ابن ثابت أن يكون شاعر الدعوة الإسلامية، والمتنبي أن يكون شاعر بلاط ابن حمدان والأمثلة كثيرة..وعندما انتهى دور ووظيفة قصيدة المدح وجد الشاعر العربي نفسه وقد غابت النعمة وحلت النقمة في مأزق حرج، فاتجه البعض إلى المجون والبعض إلى الغزل وآخرون إلى الزهد والتصوف ..لهذا عاد الشاعر العربي إلى ذاته التي أصبحت موضوع التجربة الشعرية، وفي وقتنا الحاضر نستطيع أن نتصفح دواوين الشعراء لنكتشف أنها تتشابه من حيث الموضوعات والصور الشعرية واللغة والأسلوب إلا القليل النذر ممن استطاعوا أن يجدوا أصواتهم الخاصة. فالتيمات الأساسية التي يشتغل عليها الشاعر الحديث تتمثل في الوحدة والعزلة بكل أشكالها وأبعادها، فيكثر في أشعارهم الأنين والشكوى والبكاء والحزن والقلق ...
إنه لا يوجد شعر لا تحضر فيه الذات إطلاقا حتى في القصيدة الأميرة "قصيدة المدح" ولكن ما يبدو لي غير صحيا في هذه التجربة هو انتشارها كالوباء مما يشعر المتلقي بلا جدوى الشعر.
وأتوقف لحظة لأقول بأن الشاعر العربي المعاصر مدعو لكي ينخرط في قضايا مجتمعه الأكثر أهمية من الذات، فهو شاهد على تاريخه، ومسؤول عن الأجيال القادمة، مسؤول على رؤيته لماصيه وحاضره ومستقبله، إنه شاهد على حضوره في لحظة تاريخية على ذاته وهو المرتهن بلحظة الولادة والموت.
مودتي الخالصة.