tout droit résérvé

© Copyright
Tous droits réservés

الترحيب بالزوار

مرحبا بك في موقعنا ! للبحث عنا من جوجل يمكنك كتابة "فرحات المصطفى" أو "FARHAT MUSTAPHA" ! لا تنس جعل المدونة الصفحة الرئيسية لمتصفحك!

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة
ميمي نت

آخر الأخبار

آخر الأخبار
2. قالوا عن السلم: * "لا يوجد طريق للسلام، فالسلام هو الطريق." (مهاتما غاندي) - * "من يُريد السلام يجب أن يُستعد للحرب." (أرسطو) - * "السلام هو زهرة تنمو من التربة التي تسمى الحب." (ليون تولستوي) - * أستطيع أن أكون الأسوأ دائماً، لكنني أملك قلباً يرفض جرح الآخرين. (نيلسون مانديلا) - * "نتيجة الحروب خلق اللصوص ونتيجة السلام قتلهم" (جورج هربرت) - * " كان ديكان يعيشان في سلام حتى ظهرة دجاجة" (مثل فرنسي) - * "السلام هو الأم المرضعة لكل بلد" (هزديوس) * القلب المتمتع بالسلام يرى عرسا في كل القرى" (مثل هندي)
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حواراتي الصحفية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حواراتي الصحفية. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 27 ديسمبر 2023

حوار مع الأطفال حول تجربتي

27/12/2023 جميل أن يبدأ نهارك بحوار شيق مع الأطفال.




قام فريق من تلميذات و تلاميذ المستوى الرابع بمدرسة المنظر الجميل بأفورار بإجراء مقابلة هاتفية مع الكاتب السيد المصطفى فرحات ابن إقليم ازيلال و بلدة بزو تحديدا، و ذلك من أجل إعداد مقالة تعريفية بالكاتب و إنتاجاته الادبية و الفكرية من أجل إغناء المجلة الحائطية الخاصة بمشروع الوحدة الثانية المتعلقة بالحياة الثقافية و الفنية. وقد أشرف على هذه المقابلة الأستاذ محمد أبخان. و سيتم تقاسم المقالة بعد إتمام إنجازها قريبا.

شكرا للأستاذ محمد ابخان. شكرا لتلميذات وتلاميذ مدرسة المنظر الجميل بمدينة أفورار المضيافة.

الأحد، 4 أغسطس 2013

الشاعر المصطفى فرحات لـ" هسبريس " : تونس شاعرة والجزائر روائية والمغرب قصاص


أجرى الحوار : عبدالله ساورة
الجمعة 29 ماي 2009 - 03:05
إذا كانت ثقافة الهامش لم تجد التربة الخصبة لرعايتها فإن مبدعين مغاربة في مناطق بعيدة عن مركز البيضاء /الرباط استطاعوا إثبات الذات وتسليط الضوء على الكثير من المظاهر الاجتماعية والثقافية ، الشاعر والكاتب المصطفى فرحات المنحدر من مدينة ابزو في هذا الحديث لهسبريس يثبت أن الصحافة الإلكترونية المغربية حطمت " أصنام الثقافة الورقية المحتكرة".
نبذة مختصرة عن الشاعر والكاتب المصطفى فرحات؟
من مواليد إقليم أزيلال، خريج كلية الآداب والعلوم الإنسانية (شعبة الأدب العرابي )بمراكش وخريج المدرسة العليا للأساتذة بالدار البيضاء، أعمل أستاذا للغة العربية بثانوية تيفاريتي/ابزو، لي اهتمامات ثقافية متنوعة توزعت ما بين النقد والشعر والمسرح والبحث... ، نشرت مقالات وقصائد ونصوص مسرحية في جرائد وطنية متعددة ، لي ثلاث إصدارات :
" تقاسيم الصرير"(ديوان شعر)2008،" عادات وتقاليد "(بحث تاريخي سنة 2007 صادر عن المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ، " ابزو: محاولة لاستعادة الذاكرة المفتقدة " سنة 2008 .
حاصل على عدة جوائز ، أخرها جائزة ناجي النعمان الأدبية ببيروت بلبنان. وعضو في العديد من المؤسسات الثقافية والنقابية.
تحضر القصة القصيرة في المشهد الثقافي المغربي بقوة ويغيب الشعر كيف تنظر لهذا الإشكال؟
هناك رأي سائد عند العديد من المهتمين بالشأن الثقافي ، هذا الرأي يحتاج طبعا إلى إثبات ، وهو أن تونس شاعرة ، والجزائر روائية والمغرب قصاص، شخصيا لا أعتقد أن هناك حضورا للقصة في المغرب على حساب الشعر، إن لائحة الشعراء لا تنفك تتمدد كل يوم ، وتنضاف إليها أسماء جديدة، لا أريد هنا أن أناقش مسألة الكيف ، فهذا موضوع أخر، ولكن الذين يكتبون الشعر اليوم يعدون بالآلاف ، ويكفي أن نتصفح منتديات النيت والجرائد الورقية والدوريات لنكتشف هذه الحقيقة.أما فيما يخص القصة القصيرة ، فإن ما يمكن ملاحظته هو انتعاش لهذا الجنس الأدبي الذي خبا حينا من الدهر قبل أن يعاود انطلاقته من جديد، وخصوصا والقصة القصيرة جدا وهذا راجع إلى عدة عوامل يطول شرحها، ولكن يبق الأهم هو اهتمام واحتفاء جمعيات ثقافية ونواد أدبية بهذا الجنس الأدبي الذي يستقطب الكثير من الأقلام مما يسمح لنا بالتنبؤ بمستقبل واعد لهذا النمط من الأدب.
تنزع في كتاباتك بين التاريخ والشعر والمقالة السياسية ، لماذا هذا التنوع؟
أعتقد أن هذا التعدد هو نتاج استقراري في محيط اجتماعي وثقافي أهم سماته أنه لم ينل حظا من العناية والاهتمام من قبل الباحثين،مما دفعني إلى إنجاز مجموعة من الأبحاث المتعلقة بتاريخ وثقافة المنطقة، أغلب هذه الأبحاث نشر، كما أن مزاجي النفسي وخلفياتي الفكرية والمعرفية جعلتني كاتبا متنقلا بين أجناس أدبية متنوعة، بحثا ربما عن ذات لم تجد نفسها بعد، بل وكتبت نصوصا تجريبية تجمع بين أسلوب المقامة والسرد والشعر جمعتها في كتاب "التراتيل" الذي حاز على جائزة ناجي النعمان الأدبية ببيروت.
إن كل جنس من هذه الأجناس يعبر عن جانب من شخصيتي لغة وأسلوبا ورؤيا، ويبدو لي أني لا أستطيع أن أعيش بدون هذا التعدد.
تسافر كثيرا إلى ملتقيات مغربية ثقافية متعددة ، ما المتعة في ذلك؟
دأبت على المشاركة في الملتقيات الشعرية والتظاهرات الثقافية منذ بداية التسعينات وإلى حدود الآن ، أحضر كل الملتقيات التي أستدعي إليها، إلا لظروف قاهرة، وهناك فوائد جمة حصلتها من هذه الملتقيات:
أولا، التعرف على أدباء ومبدعين جمعني وإياهم الأدب، ثم العلاقات الإنسانية الجميلة، والأن والحمد لله لي أصدقاء في كل مناطق المغرب، نتبادل الزيارات العائلية، ونشارك بعضنا البعض في الأفراح والأحزان.وهناك صداقات تمتد ما يناهز ستة عشر سنة.
ثانيا فتحت لي هذه الملتقيات، في الوقت الذي سدت المؤسسات الثقافية الرسمية عني أبوابها أفاقا واسعة للتعريف بإنتاجي الفكري والأدبي وتبنت مؤسسات وجمعيات هذا المنتوج، وبفضلها رأى النور.
ثالثا، تبادل التجارب الإبداعية والإنصات لصوت الأخر، وتقديم المساعدات والتشجيع للمواهب الشابة والواعدة في مختلف الأجناس الأدبية ، وقد أنجزت في هذا الإطار عشرات القراءات في دواوين وروايات المبدعين الشباب، وعرفت على إنتاجاتهم من خلال نشرها في منابر إعلامية متنوعة ولا يفوتني أن أشكر كل أصدقائي الأدباء على امتداد هذا الوطن.
ساهمت الصحافة الإلكترونية المغربية في فك الحصار عن المثقف والمبدع المغربي، كيف تقيم هذا المعطى؟
ج: الصحافة الإلكترونية سيف ذو حدين، وقد سبق لي وأن تناولت هذه الإشكالية في مقال بعنوان" المبدع الإلكتروني: أية مصداقية؟" .صحيح أن المنتديات فسحت المجال للمبدعين من كل الأعمار والأجيال والمشارب الثقافية في توصيل رسالتهم والتعبير عن مواقفهم ورؤاهم، وهذا من أكبر إيجابيات المنتديات والمواقع الإلكترونية، بل إن جيلا جديدا يتشكل من داخل المنتديات، يختلف اختلافا جذريا عن أجيال المبدعين الذي نشؤا وترعرعوا في الصحافة الورقية، لقد أحدثت ثورة في الساحة الثقافية المغربية، هدمت أصنام الثقافة الورقية المحتكرة، وبنت رموزا جديدة، في فضاء أكثر حرية وانفتاحا، ومع ذلك تبقى للمنتديات الإلكترونية مخاطرها التي لا تخفى على أحد.
كلمة أخيرة؟
شكرا على استضافتك لي هذا المنبر المتميز "هسبريس" أخي عبدالله ، وتحياتي لكل المناضلين في الحقل الثقافي المغربي، وأشد على أيادي أولئك الذين يساهمون في تنوير الرأي العام، وتسليط الضوء على المبدعين الذين في مغرب التهميش.
شكرا لك على هذا الحوار الممتع.

الجمعة، 2 أغسطس 2013

مع الشاعر المصطفى فرحات: حوار مع الشاعرة والقاصة حليمة الإسماعيلي


حليمة الاسماعيلي
09 أبريل 2009
نادي الضاد للثقافة و التنمية بمراكش يستضيف الشاعر المغربي : المصطفى فرحات
*أجرت الحوار : حليمة الإسماعيلي
1 ـ س: كيف جاء المصطفى فرحات إلى الشعر؟ حدثنا عن الهوية والميلاد؟
ج: لا أذكر بالضبط متى اكتشفني الشعر، أو اكتشفته، لكن أذكر أن بداية لقائي الحقيقي مع الشعر يعود إلى مرحلة الطفولة الثانية، وقتها كنت تلميذا في الإعدادي، وتعرفت على بعض رموز الشعر العربي القديم من خلال المقررات الدراسية، وكان أساتذتي، حين يتحدثون عنهم، يمجدونهم، ويعظمونهم، فكبرت مكانتهم في ذاكرتي، ومخيلتي، وتمنيت أن أكون مثلهم، وهذا ما حفزني لكتابة قصائد عمودية على منوال المتنبي، وأبو تمام، والمعري..وغالبا ما تأتي مكسورة الوزن، ركيكة الأسلوب..ومع تقدمي في الدراسة، انفتحت أمامي آفاق واسعة لأتعرف، وبشكل معمق على رموز الشعر العربي، والعالمي، خصوصا أثناء دراسي في الجامعة، كما أن حلقات الطلاب التي كنا نقيمها بين الحين والآخر هي مناسبة لتبادل التجارب الشعرية بين طائفة من الطلاب الذين يحملون هم الإبداع. في هذه المرحلة، اكتشفت القصيدة الحداثية، فنظمت على شاكلة أدونيس، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور..وكان من بين أساتذتي شاعران مغربيان ساهما كثيرا في اتجاهي للقصيدة الحداثية، وهما: محمد مراح، ومحمد الشيخي، كما تشرفت أن أكون من بين طلبة الشاعر أحمد سعيد أدونيس، الذي التحق بجامعة القاضي عياض حيث درس كأستاذ زائر، وحاضر لمدة أسبوع. وبعد تخرجي من الجامعة، سنة 1984م، والمدرسة العليا للأساتذة، انطلقت مسيرتي الشعرية انطلاقة ثانية، من خلال مشاركتي في الملتقيات الشعرية الوطنية..هكذا أتيت إلى الشعر، بل هكذا أتى الشعر إلي..
2 ـ ماذا تريد أن تنقل إلى قارئ أعمالك؟ ما دمنا نتفق على أن الإبداع على العموم ما هو إلا خطاب ورسالة نبيلة في آخر المطاف؟
ج: لا بد من الإشارة إلى أنه لا يوجد قارئ نموذجي، فالقراء يختلفون باختلاف أوضاعهم الاجتماعية، والثقافية، وتنوع أذواقهم، وبالتالي فإن حاجياتهم تختلف، وسيتشعب بنا الحديث إذا أردنا أن نحلل كل عنصر على حدى، أما إذا كان المقصود بقارئ أعمالي، عموما، فأنا أريد أن أوصل إليه رسالة ذات أبعاد متعددة، يمكن إجمالها في ثلاثة أبعاد:
الأول: أن أقدم شهادة عن عصري: همومه، أحلامه، آماله. انطلاقا من هذا فقصائدي تخاطب صنفين من القراء، الذين يعيشون معي في نفس العصر، لتوعيتهم ببعض قضاياهم، ومشاكل عصرهم. والذين سيأتون من بعدي ليتعلموا من عصر ما لم يعيشوه..أسعى أن أكون ذاكرة للأجيال القادمة.
الثاني: إشراك المتلقي في جانب من تجربتي الشعورية، والنفسية، والوجدانية، ومقاسمته همومي الذاتية، ربما وجد فيها بعضا من نفسه.
الثالث: أن يقاسمني تجربتي الشعرية في بعدها الفني، من خلال أسلوبي في التعبير عن أفكاري، ورؤاي، وأن أضعه أمام تجربة جمالية خاصة.
3 ـ س: ما هي آفاق القصيدة في ظل العولمة؟
ج: من وجهة نظري، أعتقد أن ثقافة أمة من الأمم لا يمكن إلغاؤها بشكل مطلق، لكي تحل محلها قيم كونية، والتي هي في آخر المطاف، قيم الأمم القوية، والمهيمنة، اقتصاديا، وعسكريا، وسياسيا، بل العكس، فبإقصاء ثقافة الأمم والشعوب التي تسعى جاهدة لتجد لها موطن قدم في هذا العالم المضطرب، والسريع التحول، يجعل هذه الأمم غير قادرة على المسايرة، والمتابعة، فيحرم المجتمع الإنساني من التعدد، والثراء الثقافي مما يحتم علينا المجاهدة للحفاظ على خصوصيتنا، التي تشكل هويتنا. والقصيدة في آخر المطاف، هي جزء مشكل لثقافتنا، وتعطي معنى لوجودنا، وتاريخنا، بل يمكن القول بأن الشعر هو من شكل هويتنا، لذا لا غرة أن يقال أن القصيدة العربية ينتظرها أفق رحب، ولا أدل على ذالك الكم الهائل من الشباب الذين ينشرون قصائدهم على صفحات الجرائد أو مواقع على الأنترنيت.
4 ـ س: لماذا التغميض في النص الإبداعي، وهل التصوير الغرائبي يخدم النص؟ وأين تجربتكم من كل هذا؟ كيف تفكر في النقد؟
ج: ظاهرة الغموض في الشعر العربي ظاهرة قديمة ـ جديدة ـ وقد سؤل الشاعر العباسي أبو تمام: م تقول ما لا يفهم؟ فجاء رده: لم لا تفهم ما يقال. كان رده مفحما للسائل، على حد تعبير أحد النقاد القدماء. ولكن علينا أن نميز بين الغموض في العصور القديمة، والغموض في العصر الحديث. فإذا كان الغموض قديما يشمل البيت، أو البيتين، فإنه في عصرنا الحديث، ينسحب على القصيدة ككل، مما يضع المتلقي في مأزق فهم الدلالات التي ينطوي عليها النص. وقد برر كثير من الشعراء عدم فهم الناس لأشعارهم بأن الشاعر الحداثي مثقف، وبالتالي فإنه يحتاج إلى قارئ في نفس مستوى ثقافة الشاعر، وكما قال أدونيس مدافعا عن الغموض في الشعر: إن الشعر الحديث لا يلقى لقارئ مسترخ في سريره، وإنما إلى قارئ يقض وذكي. ومن وجهة نظري، فالقصيدة رسالة طرفاها: المبدع والمتلقي، وعندما تكون الرسالة غامضة، وزاخرة بعناصر التشويش، فإن المتلقي، سواء أكان مثقفا، أو غير مثقف، سينفر منها، وبالتالي تتقطع سبل التواصل، الرسالة لن تصل، ولن تكون لها قيمة، وهكذا يجد الشاعر نفسه أمام أمرين: إما أن يكتب لنفسه، أو يكتب للناس. ومن ثم، فمن حقه أن ـ إذا تبنى الموقف الأول ـ أن يكتب قصيدته بالطريقة التي تناسبه، لأنه لا أحد سيقرؤه أو يحاسبه، ما دام يكتفي بأن يفهم نفسه، إن كان حقا يفهمها.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن التصور الغرائبي والعجائبي الذين نجدهما في نصوص عديدة، القديمة منها بالخصوص، كألف ليلة وليلة، والمقامات، والحكايات العربية القديمة..وقد قامت المدرسة السريالية في الأدب الغربي على هذا النمط من التعبير، سواء في الفن التشكيلي، أو في الشعر. وهو في شعرنا العربي الحداثي ناذر جدا. صحيح أننا نجد بعض الصور منثورة هنا وهناك، داخل نص ما، لكن ناذرا ما نجد قصيدة كاملة تعتمد التصوير الغرائبي، لأننا في هذه الحالة سنكون أمام شاعر يبدع الأسطورة، وهذا يتطلب قدرة فائقة في التخييل، والتعبير والبناء، لينتج نصا ناجحا.
بناء على هذا، أعتقد أن النقد لم يعد يؤدي الدور الذي كان يقوم به قديما، فقد كانت للناقد سلطة على المبدع، يكفي أن يثمنه ناقد معروف، ليسطع نجمه، والعكس صحيح، لكن للأسف تراجع دور الناقد، ولا نكاد نعثر على واحد منهم يواكب تجربة الشباب الإبداعية، ليعلم، ويصحح، ويرسم معالم الطريق، وبالتالي فإن الشاعر في عصرنا فقد بوصلته، فتاه..
أما فيما يخص تجربتي في هذا المجال، فقد درست العديد من دواوين الشعراء الشباب، ولاحظت أن أغلبهم غير متمكنين من أدواتهم الشعرية، والتي يستعملها الشاعر الذي يمتلك الخبرة، والموهبة. فهم عندما ينظمون الشعر، ينسون أن ميزة الشعر عن النثر هو كونه انزياح لغوي يقوم على الاستعارة، والتشبيه، والرمز..وينسون أن النص الناجح والمؤثر والجميل، هو الذي نجد فيه العلاقة بين أطراف الصورة الشعرية، وإلا فإن القصيدة تصبح فضاء لكائنات لغوية تائهة، وشاردة، غير قادرة على التلاحم فيما بينها، فتأتي الصورة غامضة، مشوهة وباهتة، وخرساء..وانطلاقا من هذا الفهم، فأنا أحاول أن أكتب قصيدة هادئة، تعانق المتلقي، تحتفي بالدلالة، وبالمدلول، تقيم في فضاء محايد يقترب من الفكر، ويوغل في القلب والروح.
5 ـ س: يرى البعض أن الحداثة مشروع تخريب للإبداع، ما رأيك؟ وهل للحداثة علاقة بالمعاصرة؟
ج: يجب أن نميز بين الحداثة، والمعاصرة، فالحداثة هي رؤيا، وموقف غير مرهونين بزمان أو مكان. أما المعاصرة، فلها علاقة بالزمن، فكل من يعيش معنا في مرحلتنا التاريخية هذه، يمكن اعتباره معاصرا، وقد يكون حداثيا، وقد لا يكون. بهذا المعنى، يمكن اعتبار أبي تمام الذي عاش في العصر العباسي، أكثر حداثة من كثير من الشعراء المعاصرين لنا، وتبقى الحداثة في نظري هي مشروع مستقبلي لبناء مجتمع قابل للتفاعل مع كل ما هو جديد، يكرر نفسه على الدوام. ونخلص إلى القول بأن الحداثة هي مشروع بناء وإبداع، وليس مشروع هدم وتخريب.

6 ـ س: كيف ترى تميزك؟
ج: ليست تجربتي الإبداعية بصفة عامة، والشعرية بصفة خاصة، سوى حلقة تضاف إلى سلسلة الحلقات الإبداعية في هذا الوطن، وهي ـ وإن لم تضف جديدا ـ على المستوى النوعي، فهي على الأقل تضيف تراكما على المستوى الكمي، ومع ذالك، فأغلب من قرؤوني يرون أن ما يميز كتابتي الشعرية، هو انطلاقها من المحلية، لتعانق القضايا الوطنية والقومية والإنسانية، واعتبروا القصائد التي عبرت عما هو محلي متميزة، كما قال لي الشاعر المغربي محمد علي الرباوي في لقاء شعري جمعنا معا، وهي ملاحظات كثير من النقاد والمبدعين. كما أميل لكتابة قصيدة الموضوع،بنفس حكائي سردي، أعبر أيضا عن قضايا الإنسان في كل مكان وزمان، كما أميل إلى التأمل الصوفي، وقد انعكس هذا في كتابي التراتيل بجزئيه، وهذا الأخير حصل على جائزة ناجي النعمان الأدبية ببيروت ـ لبنان.
7 ـ س: هل تشعر بنفور من المجتمع؟ وكبف ينظر إليك ذويك؟
ج: لا أعتقد أن المجتمع منظم بما فيه الكفاية، وإلا فما حاجتنا إلى الإبداع الذي أعتبره فعلا محاولة جدية ودائمة من المبدع الحقيقي ليعيد ترتيب فوضاه، وفوضى العالم. فما نراه اليوم من حروب وترهيب يدل على أن الإنسانية تعيش فوضى أخلاقية، وسياسية، وهي تسعى جاهدة لتعيد ترتيب هذه الفوضى، ولكن تزيد من تعميقها..ولأن المبدع عموما والشاعر خصوصا، لا يملك غير الكلمة، فإنه يرفض تقبل هذا الوضع، ويلوذ إلى القصيدة أملا في إعادة ترتيب هذه الفوضى، مما يعرضه إلى التهم بدعوى الخروج عن النظام، معاكسة منطق التاريخ، الخروج عن التقاليد والأعراف..ومن الطبيعي أنه سينظر إليه سواء من قبل ذويه، أو مجتمعه، بأنه شخص غير عادي، غير طبيعي، غير مرغوب فيه، شخص مزعج، مقلق، بعكر صفو الرتابة، والنظام، وبالتالي، فهو إما معتوه، أو مجنون، أو أحمق…
8 ـ هل تلمس مرجعا مباشرا يغذي شعرك؟
ج: صحيح أن هناك مرجعيات متعددة يمكن اعتبارها مضان يتأسس فيها، ومن خلالها القول الشعري، لكن قليلة هي المحفزات والمثيرات التي تستفز ملكة الشاعر الإبداعية، لذا فالكتابة الشعرية مرتبطة عندي بمجموعة من المرجعيات، منها:
الخلاءات: تشكل الفضاءات المفتوحة على البداوة، والبدائية مرجعا أساسيا لإبداعي، فأنا أجد فيها مصدر إلهامي، فحضور العنصر الطبيعي في عفويته، وتلقائيته، في حركيته، وسكونه، في بساطته، وتعقده، يجعلني أنسلخ عن تمدني، لألتحم ، وأنصهر مع الطبيعة إلى درجة التوحد، وفي حالة التأمل تأتي الفكرة، ومعها تتشكل اللحظة الأولى للعملية الإبداعية.
المجتمع: إن الإنسان في بعده الكوني، هو مجموع العلاقات الاجتماعية، بها يتحدد، وبدونها يستحيل أن يكون. الإنسان مكون أساسي من مكونات قصائدي، أتأمله في كل حالاته، وأستلهم مادة شعري، خصوصا الإنسان المقهور، المهمش، والمحصور في الزاوية


الاثنين، 22 يوليو 2013

الحوار العربي المغربي.

السؤال الأول:


الشق الأول من السؤال: (ما المدرسة التي ينتمي إليها كل شاعر منكم؟)


لا أعتقد ـ شخصيا ـ بوجود مدارس شعرية عربية، بل يمكن الحديث عن اتجاهات شعرية تَمْتَح من مدارس شعرية غربية باعتبار أن هذه المدارس التي تشكلت في الغرب لها أصول وقواعد محددة، وخلفيات فلسفية مميزة، وطرائق في التخييل واضحة، وأساليب في العبير مبتكرة..وهذا ما يعطيهم الحق في الحديث عن المدرسة الكلاسيكية، والواقعية، والرمزية..أما فيما يخص الساحة الشعرية العربية فيبدو لي أن الشاعر العربي يمزج في شعره بين هذه المدارس الغربية فيتداخل في شعره العاطفي بالرومانسي بالواقعي والرمزي والنضالي السياسي..وأظن أن واحد من هؤلاء، فشعري مزيج من كل ما ذكرت.


الشق الثاني من السؤال: (ما رأيك في شعر الحداثة والشعر الحر؟)


عندما أسمع كلمة شعر فأنا أفهم منها ثلاثة أشياء:


الأول: أستحضر فيه الشكل: فهناك من يراه في الكلام الموزون والمقفى، وآخرون يرونه في قصيدة التفعيلة، قصيدة النثر، والقصيدة الومضة، والقصيدة الشذرة..وهذه الرؤية تقف عند حدود الشكل.


الثاني: أنظر فيه إلى المحتوى: فالشعر يجب أن يطغى فيه الشعور والإحساس عن الفكر، الشعر هو من يعلمنا القيم الفاضلة، الشعر هو الحب والجمال، الشعر هو الحياة...ونحن نعلم أن العديد من الأجناس الأدبية تنقل لنا رسائل مشابهة لما ذكرناه.


الثالث: أحاو أن أفهم ماهيته: وفي هذا الجانب أقف لأبدي وجهة نظري حول الشعر مستندا إلى مقدمة ديواني الأول تقاسم الصرير التي أقول فيها:"


تَصْدِيـــــــــر


1. سُؤالُ الشَّعْرِ سُؤَالٌ أَزلِيٌّ طُرِح ويُطرَحُ وسَيُطرَحُ..اخْتلَفتْ سُبلُ مُقارَبتِه لكِنَّهُ ظلَّ عَصِيا علَى الاخْتِراق، لاَ أحَدَ اسْتَطاعَ أن يَسْبرَ جَوْهرَه وماَهِيتَه، ربّمَا لأنّ كُلَّ المُقاربَاتِ انْطلقتْ مِنْ تَصَوُّراتٍ أثرِيَّة كانَتْ فِي مَبْدئِهَا غامِضَة ومُبْهَمَة..وجَاءَ طَرْحُ سُؤالِ الشِّعْرِ فِي سِيَاقِ الوَعْيِ بأهَمَّيتِهِ وخُطورَتِهِ وضَرُورَة فهْمِ سِرّ حُضُورِهِ الدائمِ، وكيْفيَة اشتغالِه وتأثيرهِ في كلِّ أوْجُه الحَياَة، لكِنَّ الإجابَاتِ كاَنتْ قاَصِرَة علَى تلْبيَةِ طُمُوح السُّؤالِ فَظلَّتْ تَدورُ في دائِرَةٍ فارِغَةٍ.


2. في اعْتِقَادِي أنَّ الشَّعر أكْبَرَ مِنْ أنْ يُوصَفَ أوْ يُحَدَّد، وبِعبَارَةٍ أخْرَى فهُوَ عَصِيٌّ عَلَى التدْجينِ، إنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُلّ الأشْيَاءِ المَحْسُوسَة وغَيْرِ المَحْسوسَة، إنّهُ حَاضِرٌ فِي القلْبِ والعَقْلِِ، فِي الجَمَال والقُبح، فِي الحُبِّ والكُرْهِ، فِي النَّبِي والدّجَّال..إنَّهُ لا يَتعَيّنُ فِي ألفَاظِ وجُمَلٍ ، إنَّهُ الحَاضِرُ الغَائِبُ فِي كلِّ الأشْيَاءِ، ونَحْنُ عَاجِزُونَ عَلى فهْمِ وإدْرَاكِ جَوْهَر الشِّعْرِ إلاَّ إذَا فَهِمْنَا وأدْرَكْنَا سِرَّ الوُجُودِ عَامَّة والإنْسَانِ خَاصَّة باعْتِبَارِهِ صَانِع وجُودِهِ مِنْ خِلال ثَقَافَتِهِ، وبِنَاءً علَى هَذا نَنْتَهِي إلى هَذِهِ المَقُولَةِ: "الشِّعْر هُو مَنْ أبدَعَ الإنْسَان، ولَيْسَ الإنْسَان هُو مَنْ أبْدَعَ الشِّعْر". الشِّعْرُ ـ إذًا ـ سَابقٌ عَلى الإنْسَان، هُوَ مَنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وهَكَذا يُصْبِحُ القَوْلُ الشِّعْرٍي مُحَاوَلَةٌ لِلْعَوْدَةِ إلَى مَا قَبْلَ الإنْسَانِ، عِنْدَمَا كَانَ الإنْسَان مُجَرَّدَ"كَلِمَة". وفِي البَدْءِ كانَتِ.


3. إنَّ للشِّعْر حُضُورٌ دَاخِلَ وخَارِِجَ الطَّبِيعَةِ الحَيَّةِ والجَامِدَةِ، فَهُوَ مُتَحَقِّقٌ الوجُودِ فِي الزَّهْرَةِ والإنْسَانِ والطَّائِر والبُحَيْرَةِ والقَمَرِ والصَّحْرَاء..إنَّهُ مُمْتدّ فِي كُلّ المَوْجُودَاتِ، وسَيَبْقَى الشِّعْر ذاكَ الجَلِيّ الغَامِضُ فِي الحَيَاةِ، سَيَبْقَى مَا بَقِيَتِ الكَلِمَةُ والنَّغْمَة والرَّائِحَة، وسَيكُون غِيابُهُ عَوْدة إلى لَحْظة البِدَايَة: لحْظَةِ ما قَبْلَ الكَلِمَة والنَّغْمَةِ والرَّائِحَة.


4. الشِّعْرُ هُوَ مَنْ خَلَقَ ويَخْلُقُ الإنْسَانَ..هُوَ مَنْ يَدْفَعُهُ باسْتِمْرارٍ إلَى اسْتِشْرافِ آفَاقٍ جَدِيدَةٍ، هُوَ مَن يُشَكّلُ وَعْيَ الإنْسَانِ ويَدْفَعُهُ دَوْمًا إلَى إبدَاعِ رُؤى جَدِيدَةٍ وأحْلاَمٍ جَدِيدَةٍ، هُوَ مَن زَرَعَ فِي الإنْسَانِ القَابِلِيَّة ليُوَائِمَ بَيْنَ ظُرُوفِه الخارِجِيَةِ، وعَوَالِمِهِ البَاطِنِيَّةِ.


5. وحَوْلَ سُؤَالِ الشّعْر يَتَجَادَلُ النُّقادُ، ويَتَخَاصَم المُبدِعُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى الشِّعْرَ إيقَاعاَتٍ واسْتِعَارَاتٍ وتَشَابِيهَ وتَضَادَّات وصُوَرًا..ومِنْهم مَنْ يَرَاهُ مَعَانِي وألفَاظ .. أُلِّفَتِ الكُتُبُ، ونُصِبَتِ المَنابرُ، وأقِيمَتِ النَّدَوَاتُ، واشْتدّتِ المَعاركُ، وإذا مَا انْقَشَعَ الغُبَارُ عَلِمْنَا أنّ المَعْركَة كَانتْ "دُونْكِيشُوتِيَة" وكلُّ مَا جَرَى وقِيلَ حَوْلَ الشّعر هُو وَهْمٌ، وسَيبْقَى كَذلِكَ، إنهَا مُحاوَلاتٍ يَائِسَةٍ وبَائِسَةٍ من الناقدِ والمبدِع ليَخلُقَ أُلفَة بَيْنهُ وبيْنَ مَا يَكْتُبُه أو يَنْظُمُهُ أو يُنْشِدُهُ ويُسَمِّيه شِعْرا عَمُودِيًا أو شِعْر تَفْعيلَةٍ أوْ قََصِيدَة نَثْر أوْ شَذْرَة..ولَو قلْتُ إنّ هَذا لَيْس شِعْرا لاتْهِمْتُ بالسَّفْسَطةِ أوْ بالهَذيانِ، ولكِن سَأقول باخْتصَار أنّ هذهِ الأشْكال اللغَويّة هِي بَعْضُ تَجَلِّيَاتِه وتَمَظْهُرَاتِه، ومَعَ تَقََدِّمِ الإنْسَانِ فِي التَّاريخ سَتَظْهَرُ تَجَلِّياتٍ أخْرى، وسَيكْتَشفُ أشْكالاً جَديدَةً، ويَظلّ الشِّعْر لُغْزًا مُحَيِّرا.


6. إذًا، مَا المَسْلَك الَّذِي سَنَسْلكُهُ لِمُقارَبَة هَذا اللُّغْز؟ الجَوَابُ فِي غَايَة البَسَاطةِ يَتلَخَّصُ في المَشْي فِي مَسْلكٌ صَغيرٌ وعَادِي ومَحْفُوفٍ بالمَخَاطِرِ، إنَّهُ مَسْلكٌ اللاَّعَقْلانِِيَةِ حَيْثُ كُل شَيْء يَبْدو فِي غَيْرِِ مَكانِه، وفِي لاَ شَكْلِهِ. فلنَنْظُرْ حَوْلنَا وفِي دَواخلِنا، فِي مَاضِينَا وحَاضِرنَا ومُسْتَقبَلنَا، فالشَّعرُ مَوْجُودٌ حَيْثُ نُوجَد ولا نُوجَدُ، بالكَلِمَةِ وبِغَيْرِ الكَلِمَةِ، يُرْسِل إليْنَا إشَارَاتٍ غامِضَة فِي عَالمٍ غَامِضٍ ولا نَحْتاجُ إلى كَثيرٍ مِنَ الكَلامِ لنفْهَمهُ، ولَكنْ إلى كَثيرٍ مِن الصَّمْتِ.


ابْزو: ../01/2006


الأخت الفاضلة فاطمة بوهراكة:


كيف كانت البداية؟ ماهي الصعوبات؟ وما هي الإيجابيات؟


بدأت الكتابة حلما قبل أن يتحقق جزء منها على أرض الواقع..


يبدو لي وأنا أستعيد لحظة الشغف بالكتابة إلى مرحلة الدراسة في الإعدادي، وقتها التهب الخيال، وبدأ القلم يسطر بعض الحكايات ذات الطابع الأسطوري والتي تعبر عن لا وعي الطفل الذي كنته، وتطلعاته وأحلامه. والذي أوقد الشرارة هي السير التي أدمنت على قراءتها والتي كنت أستعيرها من دكان يبيع ويستعير الكتب، فقرأت سيرة سيف بن ذي يزن، وعنترة بن شداد، وأبي زيد الهلالي، كما قرأت ألف ليلة وليلة..كنت أقضي ليالي طويلة مستمتعا ومتشوقا لما سيحدث لأبطال يختلفون بكل المقاييس على البشر الذي أعيش معهم على أرض الواقع. وما كان يثيرني حقا هو الأسلوب الذي كتبت به هذه السير حيث تمتزج العوالم الواقعية والأسطورية والخرافية..واكتشفت كتابات جبران خليل جبران ومصطفى لطفي المنفلوطي وأغرمت بها، وسعيت إلى تقليدها..


أما مرحلة الثانوي فقد اتجهت إلى كتابة الشعر، وتقليد بعض الشعراء أمثال المتنبي، وأبي تمام، وجميل ابن معمر، وأبو القاسم الشابي، وإبراهيم ناجي..لكن الدراسة الجامعية فتحت لي آفاقا أرحب وأوسع على شعراء الحداثة العربية والغربية، فاتجهت لكتابة قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر وأحيانا القصيدة العمودية التي أغرتني في مرحلة سابقة. ونظرا للحراك السياسي الذي كانت الجامعة المغربية تعرفه في بداية الثمانيات فقد نظمت قصائد نضالية كثيرة، ولكن واحدة وجدت طريقها إلى المستمعين عبر برنامج ناشئة الأدب الذي كان يشرف عليه الشاعر فهمي وجهي صلاح. وكان سروري عظيما عندما أذيعت مما شجعني على مراسلة الجرائد الوطنية، لكن طيلة الأربع سنوات التي قضيتها بالجامعة لم ينشر لي أي نص، ومع ذلك لم أفقد الأمل في أن يظهر اسمي يوما ما على صفحة إحدى الجرائد، وهو ما حدث بالفعل أثناء متابعة تكويني في المدرسة العليا للأساتذة، فأرسلت قصة تحت عنوان:"


المثقف وفنجان القهوة" إلى جريدة أنوال، وتم نشرها. وبعد تخرجي نشرت مقالا نقديا بجريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان:"تاريخ الحركة الشعرية في المغرب"، وقصيدة شعرية بعنوان "صابر" بجريدة العلم..كانت هذه الإنجازات، إن صح أن نسميها كذلك مجرد بقع ضوء خافت في سواد متصل..وكنت أحتاج إلى بعض الوقت لأفهم أن النشر في جرائد ومجلات لا يخضع للموهبة والمؤهلات بل إلى الزبونية والمحسوبية والانتماء السياسي..ولم تنفتح الآفاق حقيقة إلا بعد أن أتيحت لي الفرص للمشاركة في الملتقيات الشعرية الوطنية، فنسجت علاقات مع إخوة وزملاء يشتغلون في الصحافة والإذاعة..ورحبوا بإبداعاتي، وبدأ اسمي يرى بعض النور، ومع ذلك، وإلى حدود كتابة هذه الأسطر، ورغم إصداراتي المتنوعة، ومعرفتي الجيدة بكيفية اشتعال المؤسسة الثقافية الوطنية والعربية فإنه ليس من السهل أن تجد كل كتاباتي طريقا إلى القارئ.


فيما يخص الشطر الأخير من سؤالك الفاضلة فاطمة، والمتعلق بالإيجابيات، أستحضر تلك المقولة القديمة والتي تحمل أكثر من دلالة:"الضربة التي لا تقسم ظهرك تقويك". فرغم الإقصاء والتهميش الذي مارسته المؤسسة الثقافية الرسمية، فإن الإرادة كانت قوية بما فيه الكفاية لتجاوز كل المعيقات والمثبطات وتعلن عن حضورها بكل ثقة. وعندما أنظر إلى الوراء، وأقارن بين ما كانوا يريدونه لي من إسكات صوتي وإقبار فكري، وتجفيف منابع شعوري، وما أنا عليه اليوم أقول لنفسي:"لقد فعلوا خيرا". لأني أتمتع بكامل استقلاليتي، وأعبر عن قناعاتي الشخصية بحرية وبدون شروط.


أسئلة بارقة أبو الشون:


ما هو شعوركم حيث يتوالد التبادل المعرفي بأشكاله؟


هل هناك مخطط في البال ولم يتمكن أحدكم الولوج إليه؟


ما أحوجنا نحن العرب إلى فتح الحوار بيننا، وهنا أشكر المنتدى على هذه المبادرة الجميلة التي قام بها ومكنتنا من فتح نقاش حول واقعنا العربي في كل أبعاده بعيدا عن حسابات السياسة، فوحده النقاش الفكري الذي يؤطره الانتماء إلى وطن جيل وعظيم هو من يمنحنا ويمنح الأجيال القادمة مساحة ضوء نتمنى أن نزرعها في عتمة واقعنا العربي.


وأعتقد أن لقائي ها هنا ومن خلال هذا الحوار المتعدد الأقطاب، ومع نخبة من الأدباء والشعراء العرب سيعزز لدي قناعة راسخة.


سؤال أمل محمد.


من خلال تتبعنا لمسارك الأدبي نجده متشعب الأدوار بين ما هو شعري ونقدي وتراثي..فهل هذا التداخل إيجابي للمبدع أم سلبي؟


تحية طيبة.


صحيح أن تجربتي في مجال الأدب متعددة التوجهات، ومتنوعة المرجعيات، هذا التشعب لم أختره حقيقة، فالظروف التي أحاطت بحياتي ككل هي من فعلت فعلها. وقبل أن تكتشفي بنفسك ومع الأصدقاء الآخرون هل هي سلبية أم إيجابية ارتأيت أن أسرد عليك جانبا من اهتماماتي الثقافية المبكرة، التي تمثلت وإلى حدود الساعة في الكتابة الأدبية ولكن مردفة بالقراءة في التاريخ والفلسفة والأنتروبولوجيا، وعلم النفس..أنا من المدمنين على القراءة في هذه المعرفة الإنسانية، إلى جانب الأجناس الأدبية الأخرى كالمسرح والشعر والرواية والنقد..


وأعتقد أن هناك عوامل كثيرة ساهمت في هذا الوضع:


أولا: لقد بدأت مساري الإبداعي مزاوجا بين الشعر والقصة، ورغم أن الحيز الأكبر كان يشغله الشعر إلا أن أول عمل سينشر لي في جريدة وطنية كان نصا قصصيا، وأدمنت في لحظة على كتابة هذا الجنس الأدبي الذي ظلت نصوصه رهن الأدراج، انقطعت الآن نهائيا على كتابة القصة، لكن الشعر ظل يلاحقني حتى الآن. كما أن اهتماماتي بالنقد الأدبي جعلني أدمن على القراء والبحث في هذا، وكان موضوع بحث تخرجي من الجامعة عبارة عن قراءة نقدية في ديوان أحد الشعراء المغاربة. ونشرت أول مقال نقدي سنة 1985 بعد تخرجي من المدرسة العليا للأساتذة. وعندما كنت أشارك في الملتقيات الشعرية الوطنية وألتقي مع شعراء شباب أصدروا دواوين متحملين كافة المصاريف كان يحز في نفسي أن لا تكون هناك متابعة من قبل النقاد المعروفين على الساحة الوطنية لهذه الإنتاجات، وأخذت على عاتقي القيام بهذه المهمة، وكانت الحصيلة أن تجمعت لدي أكثر من ثلاثين مقالة خصصت كلها وباستثناءات قليلة للمبدعين الشباب في مجال الشعر والقصة والرواية، وأكثر من عشرين ما بين مداخلة ومحاضرة ساهمت بها في نواد ومنتديات ملتقيات أدبية..وأشير إني لم أشر في مجال الشعر إلا ديوانا واحدا، وأغلب دواويني مخطوطة.


ثانيا: عشقي للمسرح منذ مرحلة الدراسة الثانوية دفعتني إلى الانخراط في الأنشطة المدرسية بعد أن عينت أستاذا بإحدى الثانوية، وكتبت نصوصا مسرحية في إطار المسرح المدرسي، واستطاعت هذه النصوص أن توصل رسالتها إلى مناطق عديدة، وكان أهم محطة هي تأهل ثانويتنا إلى الإقصائيات الوطنية، وهي مناسبة التقيت فيها إخوة يشتغلون في العمل الجمعوي فطلبوا مني أن أكتب لهم نصوصا يشتغلون عليها، فكانت الحصيلة أربعة مسرحيات قدمت في مهرجان مسرح الشباب، وانظاف إلى هذا المسار في مجال المسرح مسرحية خامسة شاركت في إقصائيات المسرح الجامعي. وكان هذا العمل آخر ما ربطني بالمسرح لانشغالي بمجالات أخرى.


ثالثا: عندما تم تعييني مدرسا للغة العربية في منطقة كانت تسمى في مرحلة الاستعمار الفرنسي المغرب غير النافع نظرا لأنها توجد في منطقة معزولة ومهمشة وجدت نفسي أعيش داخل وطني ولكن في منطقة بلا ذاكرة، ولأن المنطقة بعيدة عن مظاهر التحضر فقد كان لدي كل الوقت الكافي للبحث والكتابة والتأمل، وأخذت على عاتقي التعريف بالمنطقة التي تحضنني، فدرست تاريخها، وعاداتها، وجمعت تراثها الشفهي، وكانت المحصلة كتابين منشورين: الأول في مجال التاريخ، والثاني في مجال البحث الاجتماعي ـ الأنتروبولوجي، إضافة إلى مقالات في حوليات ومجلات تهتم بالبحث العلمي في مجال التراث.


هل هذا التشعب إيجابي أم سلبي، أترك الإجابة لكم. مودتي.


هل باعتقادك أن الأصوات المغاربية قد لامست أسماء نظرائهم المشارقة وبالعكس كان لها صدى متبادل من جهة التفاعل والتواصل والشعور المشترك بالهم الواحد؟


تحية أخي محمد جميل المجمعي.


عندما تتحدث عن الأصوات المغاربية فأنا لا أتبين المجال الإبداعي الذي تقصده، هل الشعر أم القصة أم الرواية أو مجال الأدب بصفة عامة.


ودون الدخول في متاهات التخصيصات والتحديدات سأقارب السؤال بعمومية أحيانا وببعض التفاصيل أخرى على أمل أن أحيط بأطراف السؤال. وأشير في البداية بأن الأدب المغاربي العربي هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الأدب العربي عموما، هذا من حيث الهوية، لكن من حيث الزمنية فقد ظل الأدب المغاربي تابعا للأدب المشرقي طيلة تاريخه الطويل باستثناءات قليلة كما حدث في الأندلس حين أبدع الأندلسيون فن الموشحات. فقد كان المركز المشرقي المشع بأنواره على المغرب العربي إلى حدود فترة قصيرة عندما خف هذا الضوء أمام وهج الثقافة الغربية لعوامل يطول شرحها.


هكذا إذا وجد المبدع المغاربي في كل مجالات الأدب تابعا للمشرق، فلا يحدث أي تحول في جدي في الأدب المغاربي إلا إذا حدث في الأدب المشرقي، فالتيارات الشعرية التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر كحركة الإحياء والبعث، والثلث الأول من القرن العشرين، كجمتعة الديوان، وأبولو، ومنتصف القرن مع حركة الشعر الحر أو شعر التفعيلة، كل هذا كان له تأثيره على الساحة الأدبية العربية ، وكثير من الأصوات الشعرية المغاربية المعروفة، فسارت خلف هذه الحركات وتبنت فلسفتها ورؤاها وأسلوب وطرائق تعبيرها في مجال القول الشعري، وبالتالي اعتبرت هذه الأصوات تابعة ومقلدة فلم تحض بالأهمية التي حضيت بها الأسماء المؤسسة لهذه الحركات الشعرية التجديدية. فالأصل ليس كالفرع كما يعتقد كثير من النقاد، والأصلي ليس كالمقلد. لا بد من الإشارة هنا إلى صوت مغاربي كان من مؤسسي جماعة أبولو وهو أبو القاسم الشابي، وربما هذا ما يفسر لنا تميز هذا الصوت في الساحة المغاربية.


ولكن هذا لا ينفي وجود أصوات إبداعية مغاربية في كل مجالات الإبداع الأدبي قوية ومميزة أثارت انتباه النقاد العرب وحضيت بالاهتمام والمتابعة النقدية، وإن جاءت هذه المتابعة محدودة جدا مما جعل صدى هذه الأصوات محدود جدا أيضا. وهنا لا بد من التنبيه إلى دور الإعلام من أهمية في إيصال أصوات الشعراء إلى الجمهور والقراء، وكذلك المناهج الدراسية المشرقية التي تغيب الأصوات الإبداعية المغاربية، وكثير من تلك الأصوات الجادة والقوية التي أهمِلت طالتها أيادي النسيان.


كما لا يجب أن نهمل عقدة التفوق لدى المشارقة، وهي عقدة قديمة تعود إلى عصور موغلة في الزمن حين قال ابن العميد ـ لما وصله كتاب "العمدة" للأديب الأندلسي ابن رشيقـ: "هذه بضاعتنا ردت إلينا."


أما فيما يخص مدى تجاوب الأصوات المغاربية مع الأصوات المشرقية فالملاحظ أن هذا التجاوب لا يحدث إلا في نطاق ضيق عندما يتعلق الأمر بالقضايا ذات البعد القومي المغلف بما هو سياسي: كالقضية الفلسطينية أو العراق أو لبنان..أما فيما يتعلق بقضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان والفقر، والظلم الإجتماعي فكل شاعر لا يهتم إلا بما يجري داخل وطنه، وقلما نسمع أو نقرأ لشاعر يتناول قضايا وطن عربي آخر.


آمل من خلال هذه الورقة أن أكون قد أجبت على بعض ما ورد في سؤالك. مودتي.


سهام الأحمد

مرحبا بفرسان صدانا الأوفياء ويسرني أن أوجه سؤالا للجميع.


تعزى الحرب المسعورة من قبل البعض على قصيدة النثر لسببين:


1. إفلاسهم وعدم مقدرتهم على كتابتها؟


2. تشبثهم بجلباب القصيدة الموزونة؟


3. الاعتراض لمجرد الاعتراض لا أكثر أو الظهور بمظهر حماة الشعر العربي. ما رأيكم؟


4. هناك الكثير من الكتاب والشعراء تستهويهم فكرة التقوقع على الذات والكتابة عنها بعيدا عن هموم المجتمع والتاريخ والمستقبل. ما رأيك في هذه الظاهرة؟


ماذا عن الشعر العربي الآن وهل صحيح أن الرواية أزاحته عن قمة الصدارة؟


تحية طيبة.

1.2.3.صحيح أن قصيدة النثر أثارت حولها من الضجيج والغبار الشيء الكثير، وهناك من قاومها، بل نفاها من مملكة الشعر، وقد شُنّت هذه الحرب من قبل على الشعر الحر أو قصيدة التفعيلة، إلا أن كلا الشكلين لا يزال حاضرين وبقوة في الساعة الشعرية العربية، وهذا يعني أن لقصيدة النثر مناصرون ومنافحون كما لهما أعداء وخصوم، والسؤال هو: من هم خصومها والرافضون لمشروعيتها؟ أنها العقلية المحافضة والمتحجرة التي ترفض التجدد والتحول وتتمسك بالأصول تحت دعاوي ومبررات واهية لا تصمد للنقد، ولكن يبدو أن أن المتحكم الأول في محاربة الرؤى المنفتحة على المستقبل والمتجدد والباحثة عن الضوء الذي يتراءى لها في ظلمة هذا الزمن العربي، والمتطلعة إلى الأفق الأزرق البعيد مترقبة سحابة الخصب والعطاء، هي تلك الرؤية المعتمة السوداوية المشدودة إلى الماضي البعيد الذي لم يعد موجود إلا في أحلامهم البائسة، وعقولهم المتحجرة.

إن أهداف هذه الفئة واضحة، فهي لا يهمها إلا مصلحتها الخاصة، وللحفاظ على هذه المصلحة فعليها أن توقف التاريخ، وتثبت الزمن وتشل الفعل والحركة التاريخية التي تمضي دوما وحتما إلى الأمام.


أما فيما يخص الشكل الذي يتجلى فيه الشعر، فأرى أن الموهبة الشعرية المبعة لها الحق في أن تكتب في أي شكل تراه مناسبا وتجد فيه الأريحية ما دام أن الشعر حاضر..قد نمتلك الوعاء الفارغ، لكن يبقى السؤال مطروحة حول ذلك الشيء الذي سنصبه في الوعاء. فالشعر ليس مجرد شكل وكلمات..بل نمط حياة، وطريقة في رؤية الكون والإنسان والذات..البقاء دائما للأصلح والأفيد والقادر على التكيف والتأقلم، وعلى الشاعر أن يتبنى ما يراه مناسبا لطبعه وطبيعته..فبأي شكل بلَغْتَ وبَلَّغْت، فذاك المراد والمعول عليه.


4. أما فيما يتعلق بالكتابة حول الذات، ونحن نقرأ تاريخ الأدب العربي منذ الجاهلية إلى حدود القرن التاسع عشر نعلم أن قصيدة المدح هي التي تربعت على عرش الأغراض الشعرية العربية، وحظيت بأهمية قصوى، لقد كانت وسيلة وأداة للشاعر ليرتقي السلم الاجتماعي، ويقترب من الطبقة الحاكمة، فأبو تمام الذي كان سقاء بجامع الفسطاط بمصر تمكن بأن يكون شاعر الخليفة المعتصم وقبله تمكن حسان ابن ثابت أن يكون شاعر الدعوة الإسلامية، والمتنبي أن يكون شاعر بلاط ابن حمدان والأمثلة كثيرة..وعندما انتهى دور ووظيفة قصيدة المدح وجد الشاعر العربي نفسه وقد غابت النعمة وحلت النقمة في مأزق حرج، فاتجه البعض إلى المجون والبعض إلى الغزل وآخرون إلى الزهد والتصوف ..لهذا عاد الشاعر العربي إلى ذاته التي أصبحت موضوع التجربة الشعرية، وفي وقتنا الحاضر نستطيع أن نتصفح دواوين الشعراء لنكتشف أنها تتشابه من حيث الموضوعات والصور الشعرية واللغة والأسلوب إلا القليل النذر ممن استطاعوا أن يجدوا أصواتهم الخاصة. فالتيمات الأساسية التي يشتغل عليها الشاعر الحديث تتمثل في الوحدة والعزلة بكل أشكالها وأبعادها، فيكثر في أشعارهم الأنين والشكوى والبكاء والحزن والقلق ...


إنه لا يوجد شعر لا تحضر فيه الذات إطلاقا حتى في القصيدة الأميرة "قصيدة المدح" ولكن ما يبدو لي غير صحيا في هذه التجربة هو انتشارها كالوباء مما يشعر المتلقي بلا جدوى الشعر.


وأتوقف لحظة لأقول بأن الشاعر العربي المعاصر مدعو لكي ينخرط في قضايا مجتمعه الأكثر أهمية من الذات، فهو شاهد على تاريخه، ومسؤول عن الأجيال القادمة، مسؤول على رؤيته لماصيه وحاضره ومستقبله، إنه شاهد على حضوره في لحظة تاريخية على ذاته وهو المرتهن بلحظة الولادة والموت.

مودتي الخالصة.

حوار مع القاص عبد الرحمان الوادي


 
.١. لاعتناق الكتابة غواية سرية، قبل أن يصبح حضورك راسخا ومتميزا في حقل الكتابة. هل كنت تتطلع/تفكر، أن تصبح كاتبا؟


بالنسبة لتجربتي الشخصية لا أدري هل اخترت الكتابة أو هي التي اختارتني، ولكن كنت ومنذ الطفولة الثانية أحلم أن أكون كاتبا أو شاعرا...جاء هذا الحلم من خلال النماذج الشعرية والنثرية المقرر في المنهاج الدراسي. هذه النصوص كانت تستفزني وتثير فكري ومخيلتي، وكان كتاب هذه النصوص يقدمون إلينا من قبل المدرسين كأشخاص غير عاديين، إنهم فوق البشر وإلا لم يهتمون بكل جزئية في حياتهم؟ ولم يحثنا الراشدون على حفظ واستظهار نصوصهم؟ وإذا تهاونا أو تجاهلنا نعاقب، نهان، ونوصف بأبشع النعوت..إن هؤلاء الأشخاص هم القدوة التي تحتذى، والمثال الذي يجب أن يقلد ولم لا أن يقدس..وبسذاجة الطفولة طارتني فكرة النموذج والمثال والرغبة في أن أكون مثلهم، فقلدتهم وسعيت أن أكون مثلهم..هكذا بدأت غواية الكتابة وأنا بعد طفل في الإعدادي.


2. للانتماء إلى الكتابة بداية الانتساب . كيف انكتب نصك الأول؟ ومن من الأوائل المطلعين عليه نشر أو لم ينشر؟ من حفزك على النشر؟ وكيف اقتبلت نشرك أول نص لك؟ وما هي ردود أفعال الغير من عائلتك من نشر أول نص لك؟


لا أذكر اليوم أول نص كتبته، لأني بدأت الكتابة والنظم في مرحلة مبكرة من حياتي (مرحلة الإعدادي)، وأذكر أن تلك النصوص التي تخلصت منها في مرحلة من مراحل حياتي الأدبية كانت ركيكة العبارة، مكسورة الوزن، محشوة بألفاظ قديمة وغير متداولة آخذها من المعاجم أو القواميس وأقحمها لكي أبرهن عن مقدراتي اللغوية. لكن في مرحلة الثانوي كنت أكتب شعر الغزل، أتغزل فيه بتلميذات الفصل، وشعر الهجاء أهجو فيه أساتذتي، وكنت أقرأ هذا النظم لأصدقائي ويدوننوه، وأذكر صديقا حميما امتدت صداقتي به زمنا طويلا كان التلاميذ يلقبونه براويتي. كنت أرتجل أشعارا وهو يكتبها..لكن الكتابة ـ التي أعتبرها ناضجة نوعا ما ـ كانت في مرحلة الجامعة، كتبت نصا شعريا ثوريا، وقررت إرساله إلى برنامج "ناشئة الأدب" الذي كان يشرف عليه الشاعر وجيه فهمي صلاح، ويقدمه على أمواج الإذاعة الوطنية، فكانت المفاجأة عندما أذاعه، وأثنى عليه. حدث هذا سنة 1981. لقد شكل هذا النص بداية مشواري الأدبي. كما شكل فضاء الجامعة حيث كانت تقام حلقات أدبية لتبادل تجاربنا الشعرية قراءة ونقدا وتقويما حافزا آخر لمواصلة المشوار.


أما فيما يخص أول نص نشر لي، فقد كان نصا قصصيا يحمل عنوان: "المثقف وفنجان القهوة" نشر في جريدة أنوال. حدث هذا سنة 1984. أن يظهر العنوان بخط عريض، واسمي تحت النص؟؟؟ هذا أمر أكثر من رائع..وهل فعلا أصبحت كاتبا؟؟؟هل هذه الجريدة تملك كل هذه السلطة لتُجيزني أديبا؟ لقد فشلت العديد من المحاولات للنشر، وها هو الأمر يتحقق. فعلا أنا الآن أتورط في الكتابة.


كانت الفرحة كبيرة، اقتنيت أعدادا من الجريدة ووزعتها على أصدقائي وعائلتي، كنت في حاجة لأتقاسم التجربة مع أكبر عدد ممكن من الناس، وكانت ردود الأفعال متباينة: منهم من شجع، ومن هم هنأ، ومنهم من أظهر اللامبالاة..


3. الاختيار هو غامضة بين العفوية والوعي، والبدايات غالبا ما تتجاذب ميولات مبهمة، وقد تظل كذلك أثناء الممارسة. كيف تفاعلت مع ذلك؟ وهل احتكرك إبداعك في حقل معين؟ ولماذا؟ وإذا تعددت انشغالاتك في مجال الكتابة، فأين تجد نفسك؟ ولماذا؟


إلى حد الآن لست أستطيع أن أحدد مجالا إبداعيا معينا يستأثر بكتاباتي، فأنا منجذب للكتابة بكل أصنافها الكائنة وربما المحتملة..بدأت شاعرا قبل أن أزاوج بين الشعر والقصة والنقد والترسل والمسرح والبحث العلمي والمقالة...ومع أني عشقت الشعر منذ الطفولة الثانية فإن أول نص سينشر كان قصة كما أسلفت القول، ثم مقال نقدي في جريدة الاتحاد الاشتراكي تحت عنوان "تاريخ الحركة النقدية في المغرب" سنة 1984. ثم نص شعري بعنوان "صابر" في جريدة العلم سنة 1986. ثم بعد عقد من الزمن سأنشر كتابي "التراتيل: الجزء الأول" في جريدة الميثاق. ثم الجزء الثاني لنفس الكتاب في جريدة البيان. ثم نص مسرحي بعنوان "سيزيف بين الحاضرة والريف" بجريدة التجمع، ثم النشر في جرائد ومجلات ودوريات وكتب مشتركة.. قبل أن إصداراتي الورقية تباعا في الشعر والبحث التاريخي، والتاريخي ـ الانتروبولوجي..إضافة إلى اهتمامات أخرى يطول سردها..إنها غواية الكتابة فحسب.


فيما يخص تعدد انشغالاتي في مجال الكتابة أرى أنها نتاج عدة عوامل، منها:


أ ـ العامل النفسي: أجدني دائما غير قادر على أن أعيش لمدة طويلة في حالة وجدانية واحدة، فأنا أحب التغيير كثيرا، فالثبات في نظري يقتل الحركة والحيوية، أن أخلص لجنس واحد هو أن أعيد نفس التجربة بأساليب مختلفة تؤدي في آخر المطاف إلى التكرار والاجترار، لهذا كان تنقلي بين كتابات بمثابة تجديد للذات والرؤية والحياة..واكتشاف لعوالم كتابية أخرى قد أجد فيها بعضا مما أبحث عنه..وما الذي أبحث عنه؟ لا أدري...لهذا سأبقى دائما مشردا في الكتابة..

ب ـ العامل المعرفي: ربما حبي للقراءة في معارف متنوعة قادني إلى هذا التنوع في الكتابة، فأنا أعشق الأدب كما اعشق الفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا وتاريخ العلوم...


ج ـ العامل الجغرافي: فبحكم تواجدي في منطقة معزولة وبدون ذاكرة رغم أنها تعد من أقدم التجمعات البشرية في المغرب، ولأني ابن المنطقة فقد اتجهت إلى البحث التاريخي والاجتماعي إيمانا مني أن هذه المنطقة تستحق أن تكون لها ذاكرة وأن تسترجع مكانتها التاريخية.


الكتابة مغامرة حياتية لا تنتهي إلا بانتهاء الكاتب.


4. للكتابة طقوسها. كيف تنجز نصك من لحظة المخاض إلى لحظة الولادة، فالمراجعة وتجميل النص في جسده "النهائي" وإرساله إلى القارئ؟ أقصد لحظة الإبداع. كيف تهيج عليك؟ كيف تتم عملية الخلق؟ وكيف تكون طقوس الكتابة عندك؟


كثيرون من الكتاب تحدثوا عن طقوس الكتابة، وكأن الكتابة طقس يجب أن نتهيأ له، وأن نوفر له كل الأكسيسوارات اللازمة حتى يتم في أحسن شكل، ويقدم في أجمل حلة. بالنسبة لي العملية الإبداعية ليست مرهونة بزمان أو مكان ما؟ إنها أشبه بلمعة البرق، تأتي ولا تدري من أين، ولا تستطيع أن تضبط زمنها، فقط الوميض هو من يذكرك بأن البرق لمع فحسب. قد تأتي لحظة الإبداع وأنت في العمل، أو تتجول، أو مسترخ، وحتى في النوم..وقد تحضرك في الصباح أو المساء...وعندما نتحدث عن لحظة الإبداع فأنا أعني بها الفكرة التي تومض في الذهن لتشكل بداية العمل الأدبي أو الإبداعي..هذه الفكرة قد تتجسد في قصيدة أو في قصة أو في رواية أو في لوحة تشكيلية...إلخ. إنها جوهر العمل الفني، وبعدها يأتي التفكير في الشكل المناسب. أي يأتي عمل المبدع الصانع والذي يستعين بكل المهارات التي تعلمها أو يبدعها في حينها ليقدم عملا فنيا حقيقيا..ألم يقل "ما لارميه"، الشاعر الفرنسي أن الآلهة تجود علينا بالمطلع وعلينا أن نكمل الباقي.


في عملية تجسيد النص تظهر تجربة المبدع ومدى إتقانه لأدواته الفنية..هنا تبدأ معاناة أخرى، فنجاح المبدع أو فشله يتوقف على قدرته على الموائمة بين الشكل والمضمون..وأي إخلال بهذه المعادلة يفقد النص توازنه الفني ومعها يفقد قيمته الفنية والجمالية، وقدرته على التأثير والإمتاع وتمرير رسالة المبدع. وأنا في كل كتاباتي الإبداعية أحاول أن أكون مخلصا لهذه العملية. هل نجحت أم لم أنجح؟ فالحكم متروك للمتلقي.


٥. ليس الكاتب كاتبا فقط، غالبا ما يتعامل مع الكاتب منفصلا عن حياة البشر، وعندما يحاسب، يطالب بأن يكون أكثر من نبض داخل المجتمع. في هذا الإطار، ما هو الوجه الآخر لكاتبنا: رياضة، صيد، موسيقى..وما علاقة ذلك بتجربتك؟


في مرحلة الشباب كنت من هواة كرة القدم، وكنت مولعا بالصيد في النهر الذي يعبر البلدة..وكنت من عشاق الموسيقى الشبابية الكلاسيكية العربية والغربية، ولا زلت استمتع بالموسيقى عندما أكون في سيارتي. أما اليوم فهواياتي تتراوح بين القراءة والمشي الطويل بين وديان وفوق ربى وجبال البلدة، وعلى ضفة النهر..وقد أمشي لساعات طويلة بمتعة لا تضاهيها أية متعة أخرى.


شكرا صديقي عبد الرحمن على الاهتمام، استمتعت بالحوار معك. مودتي.


ابزو 2013.

حالة الطقس في مراكش

الثقافة السّمخية والكائن السمخي تأملات وخواطر عن الكتابة الكائن السمخي أولا: "الكتابة السمخية" 14. الكتابة السمخية والنكاح. الجزء الثالث: النكاح في الثقافة الإسلامية

1. أشهر مؤلفات الفقهاء في النكاح فطن رجال الدين لأهمية الحياة الجنسية عند الإنسان المسلم، فكتبوا العديد من الكتب تتعلق بالجنس تنقل لنا خبرات...