حليمة الاسماعيلي
09 أبريل 2009
نادي الضاد للثقافة و التنمية بمراكش يستضيف الشاعر المغربي : المصطفى فرحات
*أجرت الحوار : حليمة الإسماعيلي
1 ـ س: كيف جاء المصطفى فرحات إلى الشعر؟ حدثنا عن الهوية والميلاد؟
ج: لا أذكر بالضبط متى اكتشفني الشعر، أو اكتشفته، لكن أذكر أن بداية لقائي الحقيقي مع الشعر يعود إلى مرحلة الطفولة الثانية، وقتها كنت تلميذا في الإعدادي، وتعرفت على بعض رموز الشعر العربي القديم من خلال المقررات الدراسية، وكان أساتذتي، حين يتحدثون عنهم، يمجدونهم، ويعظمونهم، فكبرت مكانتهم في ذاكرتي، ومخيلتي، وتمنيت أن أكون مثلهم، وهذا ما حفزني لكتابة قصائد عمودية على منوال المتنبي، وأبو تمام، والمعري..وغالبا ما تأتي مكسورة الوزن، ركيكة الأسلوب..ومع تقدمي في الدراسة، انفتحت أمامي آفاق واسعة لأتعرف، وبشكل معمق على رموز الشعر العربي، والعالمي، خصوصا أثناء دراسي في الجامعة، كما أن حلقات الطلاب التي كنا نقيمها بين الحين والآخر هي مناسبة لتبادل التجارب الشعرية بين طائفة من الطلاب الذين يحملون هم الإبداع. في هذه المرحلة، اكتشفت القصيدة الحداثية، فنظمت على شاكلة أدونيس، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور..وكان من بين أساتذتي شاعران مغربيان ساهما كثيرا في اتجاهي للقصيدة الحداثية، وهما: محمد مراح، ومحمد الشيخي، كما تشرفت أن أكون من بين طلبة الشاعر أحمد سعيد أدونيس، الذي التحق بجامعة القاضي عياض حيث درس كأستاذ زائر، وحاضر لمدة أسبوع. وبعد تخرجي من الجامعة، سنة 1984م، والمدرسة العليا للأساتذة، انطلقت مسيرتي الشعرية انطلاقة ثانية، من خلال مشاركتي في الملتقيات الشعرية الوطنية..هكذا أتيت إلى الشعر، بل هكذا أتى الشعر إلي..
2 ـ ماذا تريد أن تنقل إلى قارئ أعمالك؟ ما دمنا نتفق على أن الإبداع على العموم ما هو إلا خطاب ورسالة نبيلة في آخر المطاف؟
ج: لا بد من الإشارة إلى أنه لا يوجد قارئ نموذجي، فالقراء يختلفون باختلاف أوضاعهم الاجتماعية، والثقافية، وتنوع أذواقهم، وبالتالي فإن حاجياتهم تختلف، وسيتشعب بنا الحديث إذا أردنا أن نحلل كل عنصر على حدى، أما إذا كان المقصود بقارئ أعمالي، عموما، فأنا أريد أن أوصل إليه رسالة ذات أبعاد متعددة، يمكن إجمالها في ثلاثة أبعاد:
الأول: أن أقدم شهادة عن عصري: همومه، أحلامه، آماله. انطلاقا من هذا فقصائدي تخاطب صنفين من القراء، الذين يعيشون معي في نفس العصر، لتوعيتهم ببعض قضاياهم، ومشاكل عصرهم. والذين سيأتون من بعدي ليتعلموا من عصر ما لم يعيشوه..أسعى أن أكون ذاكرة للأجيال القادمة.
الثاني: إشراك المتلقي في جانب من تجربتي الشعورية، والنفسية، والوجدانية، ومقاسمته همومي الذاتية، ربما وجد فيها بعضا من نفسه.
الثالث: أن يقاسمني تجربتي الشعرية في بعدها الفني، من خلال أسلوبي في التعبير عن أفكاري، ورؤاي، وأن أضعه أمام تجربة جمالية خاصة.
3 ـ س: ما هي آفاق القصيدة في ظل العولمة؟
ج: من وجهة نظري، أعتقد أن ثقافة أمة من الأمم لا يمكن إلغاؤها بشكل مطلق، لكي تحل محلها قيم كونية، والتي هي في آخر المطاف، قيم الأمم القوية، والمهيمنة، اقتصاديا، وعسكريا، وسياسيا، بل العكس، فبإقصاء ثقافة الأمم والشعوب التي تسعى جاهدة لتجد لها موطن قدم في هذا العالم المضطرب، والسريع التحول، يجعل هذه الأمم غير قادرة على المسايرة، والمتابعة، فيحرم المجتمع الإنساني من التعدد، والثراء الثقافي مما يحتم علينا المجاهدة للحفاظ على خصوصيتنا، التي تشكل هويتنا. والقصيدة في آخر المطاف، هي جزء مشكل لثقافتنا، وتعطي معنى لوجودنا، وتاريخنا، بل يمكن القول بأن الشعر هو من شكل هويتنا، لذا لا غرة أن يقال أن القصيدة العربية ينتظرها أفق رحب، ولا أدل على ذالك الكم الهائل من الشباب الذين ينشرون قصائدهم على صفحات الجرائد أو مواقع على الأنترنيت.
4 ـ س: لماذا التغميض في النص الإبداعي، وهل التصوير الغرائبي يخدم النص؟ وأين تجربتكم من كل هذا؟ كيف تفكر في النقد؟
ج: ظاهرة الغموض في الشعر العربي ظاهرة قديمة ـ جديدة ـ وقد سؤل الشاعر العباسي أبو تمام: م تقول ما لا يفهم؟ فجاء رده: لم لا تفهم ما يقال. كان رده مفحما للسائل، على حد تعبير أحد النقاد القدماء. ولكن علينا أن نميز بين الغموض في العصور القديمة، والغموض في العصر الحديث. فإذا كان الغموض قديما يشمل البيت، أو البيتين، فإنه في عصرنا الحديث، ينسحب على القصيدة ككل، مما يضع المتلقي في مأزق فهم الدلالات التي ينطوي عليها النص. وقد برر كثير من الشعراء عدم فهم الناس لأشعارهم بأن الشاعر الحداثي مثقف، وبالتالي فإنه يحتاج إلى قارئ في نفس مستوى ثقافة الشاعر، وكما قال أدونيس مدافعا عن الغموض في الشعر: إن الشعر الحديث لا يلقى لقارئ مسترخ في سريره، وإنما إلى قارئ يقض وذكي. ومن وجهة نظري، فالقصيدة رسالة طرفاها: المبدع والمتلقي، وعندما تكون الرسالة غامضة، وزاخرة بعناصر التشويش، فإن المتلقي، سواء أكان مثقفا، أو غير مثقف، سينفر منها، وبالتالي تتقطع سبل التواصل، الرسالة لن تصل، ولن تكون لها قيمة، وهكذا يجد الشاعر نفسه أمام أمرين: إما أن يكتب لنفسه، أو يكتب للناس. ومن ثم، فمن حقه أن ـ إذا تبنى الموقف الأول ـ أن يكتب قصيدته بالطريقة التي تناسبه، لأنه لا أحد سيقرؤه أو يحاسبه، ما دام يكتفي بأن يفهم نفسه، إن كان حقا يفهمها.
وهذا يقودنا إلى الحديث عن التصور الغرائبي والعجائبي الذين نجدهما في نصوص عديدة، القديمة منها بالخصوص، كألف ليلة وليلة، والمقامات، والحكايات العربية القديمة..وقد قامت المدرسة السريالية في الأدب الغربي على هذا النمط من التعبير، سواء في الفن التشكيلي، أو في الشعر. وهو في شعرنا العربي الحداثي ناذر جدا. صحيح أننا نجد بعض الصور منثورة هنا وهناك، داخل نص ما، لكن ناذرا ما نجد قصيدة كاملة تعتمد التصوير الغرائبي، لأننا في هذه الحالة سنكون أمام شاعر يبدع الأسطورة، وهذا يتطلب قدرة فائقة في التخييل، والتعبير والبناء، لينتج نصا ناجحا.
بناء على هذا، أعتقد أن النقد لم يعد يؤدي الدور الذي كان يقوم به قديما، فقد كانت للناقد سلطة على المبدع، يكفي أن يثمنه ناقد معروف، ليسطع نجمه، والعكس صحيح، لكن للأسف تراجع دور الناقد، ولا نكاد نعثر على واحد منهم يواكب تجربة الشباب الإبداعية، ليعلم، ويصحح، ويرسم معالم الطريق، وبالتالي فإن الشاعر في عصرنا فقد بوصلته، فتاه..
أما فيما يخص تجربتي في هذا المجال، فقد درست العديد من دواوين الشعراء الشباب، ولاحظت أن أغلبهم غير متمكنين من أدواتهم الشعرية، والتي يستعملها الشاعر الذي يمتلك الخبرة، والموهبة. فهم عندما ينظمون الشعر، ينسون أن ميزة الشعر عن النثر هو كونه انزياح لغوي يقوم على الاستعارة، والتشبيه، والرمز..وينسون أن النص الناجح والمؤثر والجميل، هو الذي نجد فيه العلاقة بين أطراف الصورة الشعرية، وإلا فإن القصيدة تصبح فضاء لكائنات لغوية تائهة، وشاردة، غير قادرة على التلاحم فيما بينها، فتأتي الصورة غامضة، مشوهة وباهتة، وخرساء..وانطلاقا من هذا الفهم، فأنا أحاول أن أكتب قصيدة هادئة، تعانق المتلقي، تحتفي بالدلالة، وبالمدلول، تقيم في فضاء محايد يقترب من الفكر، ويوغل في القلب والروح.
5 ـ س: يرى البعض أن الحداثة مشروع تخريب للإبداع، ما رأيك؟ وهل للحداثة علاقة بالمعاصرة؟
ج: يجب أن نميز بين الحداثة، والمعاصرة، فالحداثة هي رؤيا، وموقف غير مرهونين بزمان أو مكان. أما المعاصرة، فلها علاقة بالزمن، فكل من يعيش معنا في مرحلتنا التاريخية هذه، يمكن اعتباره معاصرا، وقد يكون حداثيا، وقد لا يكون. بهذا المعنى، يمكن اعتبار أبي تمام الذي عاش في العصر العباسي، أكثر حداثة من كثير من الشعراء المعاصرين لنا، وتبقى الحداثة في نظري هي مشروع مستقبلي لبناء مجتمع قابل للتفاعل مع كل ما هو جديد، يكرر نفسه على الدوام. ونخلص إلى القول بأن الحداثة هي مشروع بناء وإبداع، وليس مشروع هدم وتخريب.
6 ـ س: كيف ترى تميزك؟
ج: ليست تجربتي الإبداعية بصفة عامة، والشعرية بصفة خاصة، سوى حلقة تضاف إلى سلسلة الحلقات الإبداعية في هذا الوطن، وهي ـ وإن لم تضف جديدا ـ على المستوى النوعي، فهي على الأقل تضيف تراكما على المستوى الكمي، ومع ذالك، فأغلب من قرؤوني يرون أن ما يميز كتابتي الشعرية، هو انطلاقها من المحلية، لتعانق القضايا الوطنية والقومية والإنسانية، واعتبروا القصائد التي عبرت عما هو محلي متميزة، كما قال لي الشاعر المغربي محمد علي الرباوي في لقاء شعري جمعنا معا، وهي ملاحظات كثير من النقاد والمبدعين. كما أميل لكتابة قصيدة الموضوع،بنفس حكائي سردي، أعبر أيضا عن قضايا الإنسان في كل مكان وزمان، كما أميل إلى التأمل الصوفي، وقد انعكس هذا في كتابي التراتيل بجزئيه، وهذا الأخير حصل على جائزة ناجي النعمان الأدبية ببيروت ـ لبنان.
7 ـ س: هل تشعر بنفور من المجتمع؟ وكبف ينظر إليك ذويك؟
ج: لا أعتقد أن المجتمع منظم بما فيه الكفاية، وإلا فما حاجتنا إلى الإبداع الذي أعتبره فعلا محاولة جدية ودائمة من المبدع الحقيقي ليعيد ترتيب فوضاه، وفوضى العالم. فما نراه اليوم من حروب وترهيب يدل على أن الإنسانية تعيش فوضى أخلاقية، وسياسية، وهي تسعى جاهدة لتعيد ترتيب هذه الفوضى، ولكن تزيد من تعميقها..ولأن المبدع عموما والشاعر خصوصا، لا يملك غير الكلمة، فإنه يرفض تقبل هذا الوضع، ويلوذ إلى القصيدة أملا في إعادة ترتيب هذه الفوضى، مما يعرضه إلى التهم بدعوى الخروج عن النظام، معاكسة منطق التاريخ، الخروج عن التقاليد والأعراف..ومن الطبيعي أنه سينظر إليه سواء من قبل ذويه، أو مجتمعه، بأنه شخص غير عادي، غير طبيعي، غير مرغوب فيه، شخص مزعج، مقلق، بعكر صفو الرتابة، والنظام، وبالتالي، فهو إما معتوه، أو مجنون، أو أحمق…
8 ـ هل تلمس مرجعا مباشرا يغذي شعرك؟
ج: صحيح أن هناك مرجعيات متعددة يمكن اعتبارها مضان يتأسس فيها، ومن خلالها القول الشعري، لكن قليلة هي المحفزات والمثيرات التي تستفز ملكة الشاعر الإبداعية، لذا فالكتابة الشعرية مرتبطة عندي بمجموعة من المرجعيات، منها:
الخلاءات: تشكل الفضاءات المفتوحة على البداوة، والبدائية مرجعا أساسيا لإبداعي، فأنا أجد فيها مصدر إلهامي، فحضور العنصر الطبيعي في عفويته، وتلقائيته، في حركيته، وسكونه، في بساطته، وتعقده، يجعلني أنسلخ عن تمدني، لألتحم ، وأنصهر مع الطبيعة إلى درجة التوحد، وفي حالة التأمل تأتي الفكرة، ومعها تتشكل اللحظة الأولى للعملية الإبداعية.
المجتمع: إن الإنسان في بعده الكوني، هو مجموع العلاقات الاجتماعية، بها يتحدد، وبدونها يستحيل أن يكون. الإنسان مكون أساسي من مكونات قصائدي، أتأمله في كل حالاته، وأستلهم مادة شعري، خصوصا الإنسان المقهور، المهمش، والمحصور في الزاوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.