‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديواني بوح للبياض. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ديواني بوح للبياض. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 2 أغسطس 2013

غياب

ـ 36 ـ

سَأَكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا الْمَسَاءْ

ـ 1 ـ

أنَّ "عَادَ" عَادْ
وَأنّ "ثَمُود" يُفْسِدُ فِي الْبِلاَدِ
وَأنا لَمْ أعُدْ بَعْدُ.
أَحْمِلُ عَنْ "لُوط" أوْزَارَهْ
وَعَنْ "زُولِيخَا" أحْمِلُ فُجُورَهَا
وَلاَ مَنْ يَحْمِلُ عَنّي :
"تَعَبٌ هِيَ كُلّهَا الْحَيَاةِ"
بِهَا تَوّجُونِي
وَهَا بِهَا أطُوفُ
صَخْرَةً تُعَرّشُ فَوْقَ رَقْبَتِي
وَأقُولُ لِقَلْبِي
أيّة جَريرَةً جَنِيتَ؟
وَكُنْتَ فِي الأبَدِ
عَبْدًا لِلْقَبِيلَةِ
تُرَتّقُ بِدَمِكَ الْجُرَاحْ
تَسْقِي فِي عَيْنَيْكَ
الْمَاءَ الْقَرَاحْ
وَتَجْمَعَ أصَابِعَكَ حَطَبًا
لِلْمَآتِمِ وَالأفْرَاحْ.

ـ 2 ـ

عَادَ "عَادْ"
وَ "ثَمُود" يُفْسِدُ فِي الْبِلاَدْ
وَأَنَا لَمْ أعُدْ بَعْدُ.
جَرَفَتْنِي مَجَارِي اللّيَالِي
وَوَدِدْتُ لَوْ كُنْتُ مَصْلُوبًا
عَلَى أَبْوَابِ الطُّرُقاتْ.
أَعْمِدَةً لِلْعَصَافِيرِ يُنْصَبُ هَيْكَلِي
تَرْتَاحُ عَلَى بَقَايَاهُ
مَتَى أَتْعَبَتْهَا الْمَسَافَاتْ.
وَأقُولُ لِي:
"فَهَلْ يَا ظِلّي
فِي ظُلْمَةِ الْقَعْرِ
تُزْهِرُ الْفَرَاشَاتْ؟".

ـ 3 ـ

عَادَ "عَادْ"
وَ "ثَمُود" يُفْسِدُ فِي الْبِلاَدْ
وَأَنَا لَمْ أعُدْ بَعْدُ.



غيب


ـ 35 ـ

سَأكتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذا المَسَاءْ
لِهَمْسَة فِي رحِمِ الغيْبِ
هَمْسَة تتربَّع عَرْشَ رُؤايْ
تتأمَّل وقْعَ خُطايْ
إذ تمْضي بِي لِبدايَاتِ مُنتَهايْ
حيثُ مَخاوِفَ الْحيْرة
تبحثُ عن مَصيرها
في حُضْنِ مَثْوايْ.
هي هَمْسة رافقتنِي أزْمِنَة
قبلَ أنْ أرَاهَا عِيانًا
تُوشْوِشُ لِي
مَتى اعوَجّت قدَمايْ
لتُصَبِّر حَنينَ هَوايْ،
مَتى اتقدتْ نارُ عِشْقِي
وَرأيتُ الخَطيئَة قابَ قوْسَينِ..
كبَّلتُ يَدايْ.
لا سِواهَا يُبهجُ الخاطرَ
لا سِواها يُتَيِّهُ النّاضِرَ
ولا سِواها يٌقَطّر عِطرَ نَدَايْ.
هي هَمسَة لَم تولدُ بَعدُ،
تمتصُّ ريحِي الرَّمادِيَة
تُعَرِّسُ في حُقولِي
وإليْها تَحْمِل غَيمتَيَّ
وبَعْضَ مُنايْ.
هِي هَمْسمَة في رحِم الغَيبِ
أحْمِلها بَهْجَة
ولحْنا أحْمِلُها يُردّدُها صَدايْ.
هي هَمْسمَةٌ
تلألأتْ بالنّورِ والعُشْبِ
تَمُدُّنِي بالمَسِيرِ
تبْنِي لِيَ الجُسُورَ
وتُقرِّبنِي مِنْ مُنتَهايْ.
هَمْسَة هِيَ،
تَعْلوا قِمَم صَحْوي
تغُوصُ فِي شِهابِ سَهْوي
تفتح أسْوارًا لِذهولِي
وترفعُني عَلِيَّا.
هَمْسَةً،
هِي "خَولَتي" إنْ شِئْنا
وإنْ أبَيْنا فهْي "مَيّتِي"،
وإذْ تُراقِصُنِي بِغَنَجٍ
تُنْشِدُني صَنّاجَة
و"رَبَابًا" هِيَ، إذْ أحْزَنُ
وإذ أسْلو،
تَكونُ "سَلْمايْ".
هِيَ بَسْمة،
أتَقَدّمُها رَافِعاً
عَلَمَ "امْرئ القَيْسِ"
مُتقلِّدا سَيفَ "دونْكِيشوتَ"
أتَرنّمُ "الْخَيَّامَ"
أتوَسَّد قَبْرَ "رَابعَة"
أقرأ مَرْثيَة "ابنِ الرِّيبِ"
وأمُوتُ في بُكايْ.
هِي هَمْسَة تربَّعتْ عرْشَ رُؤايْ
تتأمَّل وقْعَ خطايْ
إذ أمْضِي خَبَبا
إلَى بِداياتِ منتهايْ.

توهج

ـ 34 ـ

سأكتب في دفتري هذا المساء.
أنّ القَصِيدَةَ تَتَوَهَّجُ عَلَى إيقَاعِ المَاءِ
تَسْعَى جَارِيَةً بَيْنَ فُقَاعَاتِهِ
تَقْطُرُ حُبَابًا
وَمِنْ نَهْدَيْهَا تُشِعُّ الأضْوَاءُ
وأرَاهَا عَارِيَةً تَخْرُجُ إلَى ضِفَّةِ أشْجَانِي
وتَحْتَ صَفْصَافَة أحْزَاني
تَمَدّدَتْ بَاسِمَةً فَوْقَ رِمَالِ أَوْرَاقِي
وعَانَقَتْنِي نَظَراتُهَا المَكْسُوَّةِ بِالعَرَاءِ
المَزْهُوَةِ بِالإشْرَاِق
لَوَّحَتْ، وأنا المُدَثَّرُ بِشَهْوَتِي الخَابِيَةِ
فَسِرْتُ إِلَيْهَا كَأنّي فِي أُفْعُوانٍ
عَانَقْتُهَا بِلَوْعَةِ الْفِرَاقِ
بِوِصَالِ الهَجْرِ
بلِقاءِ الافْتِقَادِ
أضُمّها إلَيَّ رعْشَةً
أتَقَمَّصُني فِيهَا
تُشْبِكُ أصَابِعَهَا
وَ نَبَاتِ رَأْسِيَ المُحْتَرِقِ
فأحيا مَيْتا بينَ أنامِلِهَا
وبين أناملها أموت حَيًّا.
لا أحَدَ هُنَا سِوَانا
نَتوَحَّدُ فِينَا وبِنَا
نَتَقَاسَمُ ظِلاَّن لَنَا:
عُزلَتُهَا وَغُرْبَتِي.
أَسْرِقُ شَهْوَة أسْرَارهَا
أدُسُّهَا فِي جِرابِ هُيَامِي
لَعَلِّي، وَمَتَى غَرَّدَ طَائِرُ "الْحَالِ"
أَلْقُطُهُ حَبَّاتِ اشْتِيَاقي.
أُعَبِّئُ عِطْرَهَا فِي قَارُورَةِ أَشْعَارِي
أسْقِي بِهَا مَتَى ذَبُلَتْ،
بُذُورَ تَحْنَانِي.
أجْمَعُ قُبُلاَتِهَا فِي قِرْبَةِ "أذْكَارِي"
ألَقِّحُ بهَا مَتَى عَق،ِمَتْ
رَيَاحِينَ أَشْجَانِي
أحْلامَ تَهْجَاعِي.


عزلة

ـ 33 ـ

ـ 1 ـ

سَأكْتُبُ فِي دِفْتَرٍي هَذَا الْمَسَاءْ
أنّ هَذا الصّبَاح الرّبيعِيِّ
عانَقَنِي وَهُوَ الْمُتَوّجُ بِالنّورِ وَالْخُضْرَةِ
بِطَرَاوَةِ الْبَرَاعِمِ وَأَوْراقِ الشّجَرِ
وَالثّرَى النّدِي الْحاضِنِ لِلْبَذْرَةِ
وَرَفْرَفَاتِ الْعَصافٍيرِ
فِيمَا يُشْبِهُ رَقْصَةَ الْغَجَرِ، عَانَقَنِي
كُنْتُ الْمُقِيمُ فِي هَوَسِي
كُنْتُ الْمَرْهُونُ لَدَى يَأْسِي.

ـ 2 ـ

وَدَلَجْتُ مَقْهَى بَلْدَتِي الْمُعْتِمًةَ
مُوحِشَةٌ إلاّ مِنْ نَادِلٍ
وَأَنَا الّذِي يُشْبِهُنِي
كُرْسِيّ كَسِيحٌ
طَاوِلَةٌ إسْفَنْجِيَةٌ
قَهْوَةٌ غُرَابِيَةٌ
صَدَى أُغْنِيَةٍ قَدِيمَةٍ
مِنْ مِذْيَاعٍ مَشْرُوخٍ
تَبْعَثُ الشّجْيَ
تُذَكّرُنِي:
"أنّ الْحُبَّ فِينَا مَاتَ".

ـ 3 ـ

وَأرَاهُمْ يَعْبُرُونَ:
عَجُوزٌ تُحَادِي حَاشِيَةَ الطّرِيقِ
حَافِيَةَ الرّأسِ
مِنْهُ تَتَدَلّى ضَفِيرَتَانْ
مِنْ رَمَادٍ وَجَمْرٍ وَدُخَانْ
تَجْمَعُ الْهَمّ فِي وِشَاحِهَا الْحَائِلِ
وَتَمْضِي فِي سُبُلِ الْوَقْتِ
مَاضِيَة بِلاَ رَفِيقْ
فَقَطْ عَيْنَاهَا تَتّشِحَانِ
بَعْضَ الْبَرِيقْ.

ـ 4 ـ

أُنْثَى بِلَوْنِ الْحُلْمِ
وَقَلِيلٌ مِنَ عِطْرِ أَمَلٍ هَارِبٍ
تَلْتَقِطُ بِنَظَرَاتِهَا الْكُحْلِيَتَيْنِ
دِفْءَ هَذَا الصّبَاحِ الرَّبِيعِيِّ
الْمُتَوَّجِ بِالنُّورِ وَالْخُضْرَةِ
وَالثَّرَى النَّدِيِّ
الْحَاضِنِ لِلْبِذْرَةِ،
وَبِرُمُوشِهَا الْمُبَلَّلَةِ بِالْعَبَقِ
تفتّتُ النَّبْضَ،
جَسَدَهَا رَعْشَةٌ
تُلَوِّحُ لِلْعُشَّاقِ الْمَسْكٌونِينَ بِالْخَطِيئَةِ
أَشْبَاهَ "تَنْتَالٌوسَ"(1).

ـ 5 ـ

شَابٌّ يَسْكُنُ الْأسْمَالَ
يَنْتَعِلُ الْحَفَا
يَمْلَأُ كِيسًا بِالْقَشِّ
يَحْمِلُهُ قَدَرًا
حَطَّ عَلَى كَتِفِهِ ذَاتَ قَضَاءٍ
سِيزِيفٌ آخَرَ
يَصْعَدُ الطُّرُقَ الْمُنْبَسِطَةِ
مَا عَادَ هُنَاكَ صَدْرٌ يَحْضُنُ
شِفَاهٌ تُقَبِّلُ الطِّفْلَ الّذِي كَانَ
وَحِيدًا، شَرِيدًا، يَمْشِي عَمَاهُ
مُتَرَعًا بِالْخَيْبَايِ،
وَشُرُودِ الإِغْتِرَابِ
وَفِي الْمَقْهَى الْمُعْتِمَةِ
لاَ أَحَدٌ غَيْرَ نَادِلٍ
وَأَنَا الّذِي يُشْبِهُنِي.

ـ 6 ـ

أَطْفَالُ الْمَدَارِسِ الْمَدْرُوسَةِ
مُثْقَلُونَ بِالْحُرُوفِ وَالْأرْقَاِم
تَتَلَعْثَمُ أقْدَامُهْمُ الطّرِيَّةِ
يُعَلّمُونَهَا الْمَشْيَ مِنْ جَدِيدْ،
فِي أَعْيُنِهِمْ سِحْرُ الْيَوْمِ
وَالْغَدُ غَائِرٌ
فِي سُهُوبِ الأَحْلاَمِ
وأَجْسَادِهِمُ الْعَجِينِيّةِ.

ـ 7 ـ

أَمَامَ انْكِسَارِي
يَعْبُرُ شَيْخَانِ
وَاحِدٌ يَنْفُضُ الْعَوَزَ
عَنْ جِلْبَابٍ مُثْخَنٍ بِالْحِرْمَانِ
وَآخَرَ يَتَشَبَّثُ بِعُكّازٍ
أَكَلَتْهُ الْمَسَافَاتِ
يَعْبُرَانِ الْحَيَاةَ
بِلاَ بُطُولاَتْ..
الدّقَائِقُ ثَقِيلَةٌ كَلِيلَةإ
كَلَيْلِ امْرِئ الْقَيْسِ
تَتَسَاقَطُ مِنّي كَحَبّاتِ الدَّمْعِ
فِي مَسَارِبِ خَذّ الثّكْلَى
مُوحِشَةٌ هَذِهِ الْمَقْهَى الْمٌعْتِمَةِ
إلاَّ مِنْ نادِلٍ
وَأنَا الّذِي يُشْبِهٌنِي
وَالصَّبَاحُ الرَّبِيعِيِّ الطَّرِيِّ
الْمُتَوَجِ بِالنُّورِ وَالْخُضْرَةِ
وَالثَّرَى النَّدٍيِّ
الْحَاضِنِ لِلْبِذْرَةِ.

................................................................................................
(1). في الميثولوجيا الإغريقية هو ذلك الذي حكم عليه بالعطش الأبدي، يرفع الماء إلى شفتيه فإذا حاول أن يرشف منه غيض الماء ونزل.

أزهار الربيع

ـ 32 ـ

سَأكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذا المَسَاء
وتَفَتّحَت أزْهارُ الرّبِيعِ
أشْرَقَ الكَوْنُ يَخْتَالُ
في ثَوْبِ البَدِيعِ
أبان، أفصَح، غنّى
فَحَنّ الحَبيب للحبيبِ
اهْتَزّ الشوْقُ مِن العَواطفِ
خَفْقَ أجْنِحَة الوَرْقاءِ
بَيْنَ العَواصفِ
فتهافت النّحْل على الرّحيقْ
وترنَّمتْ بألوانها الفراشاتُ
والأمْوَاه ترقرقتْ
في الوِديان العَطْشى
وعلى الضّفافِ
تنادى النّماءْ
فإذا الصمت والصوت بهاءْ
وعلى كتفي حَطّ الهَزارُ
أذكَى منابعِي
ثمّ عانق التحليقْ
جُنّتِ القَصِيدةُ وَرَقّتْ
وسِرْنَا وحْدَنا الطريقْ
مشينا نُرَدّدُ لَحْنا حَزيناً
نَمُدّ أصَابِعنا
كما مَدّهَا غريقْ.
*****
وتفتحت أزْهَار الربيعِ
انْتَفضَتْ رائِحة العشق وفاحتْ
تعانقَ العُشاقٌ
وعانقتُ وَحْدِي الطريقْ
حين سَقط مِني القصيدُ
وخان الحرفَ البريقْ
أهكذا يَنْكُرُني
وأنا مَنْ مَنَحْتُه
البَسْمَةَ والشّهيقْ
أبات سَاهِرا
يَقْظانَ لاَ أفيقْ.
*****
وتَفَتّحَتْ أزْهَارُ الرّبِيعِ
ودَعاني الجَمالُ
لمَواكبِ النّورِ
أخضرُّ في حضْرةِ الألقِ
فأكونُ عُشبا
أكُون نغَما
وأكونُ أنا
شَفافا أكونُ
تَخْترِقُني الأشياءُ الآن
إذْ أشْرِعَتِي تَتَمدّدُ فِي البَعيدِ
كفَسَاتينٍ سَرَابِيّةٍ
كأضْواءِ قُطبية
كأَلوَانٍ قُزَحِيّة..
*****
وتفتّحت أزْهَار الرّبيعِ
فَتَهَافتَ النَّحْلُ علَى الرحيقْ
ومَشَيْتُ وَحْدِيَ الطّريقْ.

حنين

31–

- 1 –

سَأكْتُبُ فِي دِفتَري هَذا المَسَاء
لَكِ يا مَنَازلُ فِي القلُوبِ مَنازِلُ
وَفِي وَحْشَةِ القيظِ
يَفِيضُ الفيْضُ
مِنْ كلّ زَاويَة رَجْفَهْ
فأخالهُ يتَقلّصُ المَدَى
فأبْصِرُ الأحِبّهْ
مَن يُزهِرُونَ في الحَيَاةِ
ومَنْ غيَّبَهُم الرَّدَى
أسْمَعُ في أذنِيَّ الرّنينَ
يَجْرُفنِي الأنينُ
فأشْرَقُ بالحَنينِ.

- 2 –

لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ
وَاقِفٌ عَلَى دِيَارِ هِنْدٍ
دَمْعًا أَرْسُمُ الْجُدْرَانَ
دَمْعًا أَسُدُّ الثّقُوبَ
دَمْعًا أُرَمِّمُ الْأَطْلاَلَ
دَمْعًا أُصْلِحُ النًّؤَى
دَمْعًا أُشَيِّدُ الْمَعَابِرَ
أَبْنِي الْمَرَاسِي
لَعَلَّ هِنْد
فِي غَفْوَةِ شَوْقٍ
أَرَاهَا وَتَرَانِي.
تُرَى أَيْنَ رَاحَتِ الأثَافِي؟
وَبَعَرَ الْأرْآمِ
وَنَاقِفُ الْحَنْضَلِ
وَأُغْنِيَةُ الْجِرَاِح
وَصَنَّاجَةُ الْأفْرَاحِ
كُلّ شَيْىءٍ مِنْ رَاحَتَيَّ
رَاحَ ثُمّ رَاحْ

- 3 –

لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ
مَائِلَة أنتِ في شُمُوخٍ،
لَمْ تَنْهدّي بَعْدُ
لَكِنّ أَحِبّتِي فِيكِ انْهَدُّوا
وَاحِدٌ، اثْنَانِ، ثَلاَثَةٌ.....
وَمَا تَوَقّفَ الْعَدُّ،
أبْوَابُكِ أشْرَعَتْ لِلْمَوْتِ
ومَا صُدَّتْ حَتّى رَحَلُوا
لِحِيطَانِكِ هَزِيمٌ
وَلِلرّيحِ فِيكِ نُوَاحٌ وَعَوِيلُ
جَرَى مِنْ جِراحَاتِكِ الْغُبَارُ
فَجَلَسْتُ أسْنِدُ صَبْرِي
أتَمَلّى الهَياكِلَ المَنْخُورَةَ
وَوَدِدْتُ لَوْ كَانَ فِيها قَبْرِي.

- 4 –

لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ
وَأَنَا العَارِي مِنَ الأحِبّة
المَاشِي فِي السَّهْوِ
الضّارِبُ لِأخْمَاسٍ فِي أَسْدَاسِ
البَاحِثُ فِي ظُنُونِي
المُقِيمُ فِي هَوَاجِسِي
خَلْفَ مِرْآةِ وَهْمِي
يُرَافِقُنِي جُنُونِي
تَحْتَلُّنِي الظّلْمَةُ
فَأبْحَثُ عَنٍ النّورِ فِي ثِيَابِي
أُعَانِقُ عَيَائِي
أَسْتَرْخِي فِي جُفُونِي
فَأُنْشِدُ فِي صَمْتِي:
"لَكِ يَا مَنَازِلُ فِي الْقُلُوبِ مَنَازِلُ
فَسُبْحَانَكَ رَبِّي
مِنَ الطِّينِ صَرْحُكِ
وَإِلَى الطِّينِ مَصِيرُكِ."

أمي

ـ 30 ـ

سَأَكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا الْمَسَاءْ
أَنَّ نَبْضِي مُلْتَاعٌ يَتَوَجَّعُ
وَعَيْنِي مِنْ مَاءِ مِلْحِهَا تَكْرَعُ
إِذْ أَكْتُبُ اسْمَكِ: أُمِّي
بِشَوْقِي وَدَمْعِي وَانْكِسَارِي
أُتَوِّجُ الْحَرْفَ بِالْحَرْفِ
أَفْتَحُ، أَشُدُّ وَأُسَكِّنُ
أَجْثُو عَلَى رُكْبَتَيَّ
بَائِسًا
يَائِسًا
ثُمَّ أَتَخَشَّعُ،
أُبْصِرُ نُورَ مُحَيَّاكِ
مِنْ ثَنَايَا لَحْدِكِ
بَرَّاقًا يُشِعُّ
فَيَتَأَلَّهُ شَجَنِي
فَأَرْكَعُ،
أَضُمُّ الْقَبْرَ لِصَدْرٍي
فَأَخَالُهَ وَاللّيْلُ حَلِيفِي
يَتَصَدَّعُ،
أَبْسُطُ الْكَفَّيْنِ
تَتَراءَى لِيَ الرُّؤَى
فَأَتَوَرَّعُ.
مَنْ ذَا غَيْركِ أمّاهُ
يُلْهِبُ حُلْمِي
يَنْتَشِلُنِي مِنْ تَيْهِي
وَإِنِّي لَأنَا الْمُقِيمُ أُمَّاهُ
فِي هَمِّي،
فَكَيْفَ أُمّاهُ
بَعْدَ كُلِّ هَذَا الرَّحِيلِ
بَعْدَ كُلِّ هَذَا الْمَوْتِ
كُلَّمَا جِئْتُكِ
تَفَجَّرَ مَاءُ حَلٍيبكِ
أَنْهَلُ مِنْ مَنَابِعِهِ
فَأَتَفَتَّحُ..
تُطِلُّ سَنَابِلُ يَدَيْكِ
تَلُفُّ جَسَدِيَ الْفَانِي
فَأَنْشَرِحُ..
لَحْدُكِ أُمَّاهُ بَهَاءٌ وَارِفُ
فِي أَمْدَائِي يَتَمَدَّدُ
وَصَدَى هَامَتُكِ
فِي أَعْمَاقِي يَتَرَدَّدُ
فَضُمّيِنِي أُمِّي
فَأَنَا مَنْ شَاخَ فِي هَوَاكِ،
وَالْجُرْحُ يَنْزِفُ
يُمْعِنُ فِي التَّقَرُّحِ،
جَمْرُعِشْقِكِ أُمَّاهُ
مُسْتَوْطِنٌ دَمِي
أبَدًا لاَ يَبْرَحُ،
وَكُلُّ مَا حَوْلِي
هُوَ مِنْكِ
وَكُلُّ مَا حَوْلِي
هُوَ إِلَيْكِ،
فَحَدِّثِينِي أُمِّي
كَيْفَ أُعَزِّي عَزَائِي
فَنَبْضِي مُلْتَاعٌ يَتَوَجَّعُ
وَعَيْنِي مِنْ مَاءِهَا تَكْرَعُ،
فَلاَ تَدَعِينِي أُمَّاهُ
غَيْبًا
فِي رَعَشَاتِهِ يَتَقَطَّعُ.

مرآة

ـ 29 ـ

سَأَكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا الْمَسَاءِ
أني مَلَلْتُ النَّظَرَ إِلَى الْمِرْآةِ
عَيْنَايَ مُتْعَبَتَانِ
مِنْ رُؤْيَةِ وَجْهِي
جَسَدِي
إذِ الأزْمِنَة تَتَغَذَّاهُ
تَرْسُم فِي كُلّ يَوْمٍ تَضَارِيسَ جَدِيدَة
وَسَيْلُ الْوَقْتِ يَحْفُرُ عَمِيقًا
أخَادِيدَ، وِديَاناً، وَمَجَارِي
فَتَكُونُ الظِّلاَلُ
يَصْعَدُ الذُّخَّانُ
مِنْ احْتِرَاقِ الْخَدِّ
مِنْ تَصَدّعِ الصَّدْغِ
مِنْ نَشَفِ الشَّفَتَيْنِ.
سَأَكْتُبُ...
أنِّي عَيِيِتُ مِنَ النَّظَرِ فِي الشَّمْسِ
تَعِبْتُ مِنْ رُؤْيَةِ نَفْسِ الشُّرُوقِ
وَتتَبُّعِهَا إلَى حَيْثُ الْغُرُوب
أهرُبُ فِي مَحَاجِرِي
أَتَقَّعَرُ فِي مَغَاوِيرِي
وَأُرَتِّقُ الْجُرْحَ بِالنَّزِيفِ.
سَأَكْتُبُ...
أنَّ الأنَامِلَ سَئِمَتِ الحَفْرَ
فِي بَيَاضِ الْوَرَقَةِ الْمِلْحِي
وَزَرْعِ الرُّمُوزِ الْعَنْكَبُوتِيَةِ
فِي كُلِّ الزَّوَايَا
وَإِرْوَائِهَا بِمَاءِ وَجْدِي
وَانْتِظَارِ مَوْسِمِ الْخِصْبِ
لِيُطْعِمَنِي زَقُّومًا وَطَلْحًا وَصُبَّارًا..
فأحْتَفِلُ رُفْقَةَ قَبِيلَةِ مَشَاعِرِي
أَرْقُصُ حَوْلَ جَمْرِ نَارِي
أُغَنِّي أُغْنِيَةِ الْألَمِ
وَمِنَ الْقَطْرَانِ خَمْرَتِي
أَدُقَّ عَلَى دُفُوفِ خَيْبَتِي
أَلِجُ حَضْرَة الْجَذْبَةِ
أمْضِي نَحْوَ اللاَّمُشْتَهَى
لأَكْتَشِفَنِي مَغْشِيًا
فِي ضَرِيحِ اللاَّمَعْنَى.

ظلال

ـ 28 ـ

سَأكتُبُ في دِفْترِي هَذا المَسَاء
بَعْضًا من تفاصِيل لقائي
بيني وبين ظلال سمَائي
ولقد رَنَوْتُ ببصَري
أمْسَحُها مِن الشروق إلى الغروبِ
أتًرًصًّدُ
أتَرَقَّبُ
مَجيء غيمة أو دِيمًةٍ
تسقي أرضيَ العطشى
وتفتح عيونها الوسْنانًة
لأرى لترى وجْه الخِصْبِ
أبتلع ريقي
في انتظار الذي يَأتي...
بالكاد براعم سَنابلي
تطل من مًهْدِها
وكانتْ هَدْهدتِي ثَدْيَا
يَعِدُها بالماء
فتهدأ حينا،
وحينا تَصْطَخِب
ورأيتها في ظنوني
شامِخةً
ناضجة
رقراقة
تصْحو كالصُّبح..
وأترقبُ غيْمَة أو دِيمَة
تُلبِسُ حقولي العاريةِ
زهرا
قمحا
وفراشاتٍ
تُبَشِّرْنَ بالفرحِ
فجنَّ جنون السماءِ
وصاح الرَّعْد بالزَّهِيمِ
ورمى البَرَدُ بالحَصْبَاءِ
والبرق قذفَ اليَحْمُومَ
وسَالتْ بأعناق العواصفِ الحقولُ.
تَلَصَّصَتْ من نَوافذِ حُلمي
ومن شُقوقِ انكِساري
ولاح لي حَقلي المَذبوح
والطيور تُعَزِّيهِ
إذْ يَعُوم في الدمِ
يتكفنُ بالهمِّ
ثم يتلاشى..
نظرتُ في سَمَائي
غاصَتْ عيونِي في الزرْقةِ
وتنادتْ أمانِي بالآهاتِ
فَغَرِقَ قَلْبِي في السُّباتِ.

عيون الليل

ـ 27 ـ

سَأكْتُبُ في دِفْتَرِي هَذَا الْمَسَاءْ
أنِّي نَظرْتُ عُيُونَ اللَّيْلِ
سَاهِرَة تتأمَّل أرَقِي
كأمٍّ خانَهَا الحَلِيبُ
تُرَاقِبُ رَضِيعَهَا الوَحِيدَ
يُحَمْلِق في وجْهِهَا النَّحيلْ
يُخَيِّمُ الصَّمْت عَلى شَفَتَيْهِ
بَعْدَ أن أعْيَاهُ العويلْ.
فَيَا أيُّهَا الليْل السَّاكِن فِي حَلْقِي
مَاذا لَوْ مَنَحْت بعْضَ النَّوْمِ
بَعْضَ الْحُلُمِ
أَنا فِي حِمًاك فاشْهدْ
وأنتَ رفيق سَفَري
فحَدِّثني عَنْكَ وَعَنِّي
رَتِّق جِراحَك وجُرحِي
فمَا فِي السَّماءِ
سِوَى آثارَ احْتِراقك واحتِرَاقي،
خَبِّرْنِي أيُّها الأَرَقُ
متَى يَحُلُّ
إشْرَاقكَ وإشْراقِي
ها قدْ طَال فيك الوَجَعُ
وفيكَ ومِنك فزَعِي
وإليكَ فَزَعِي
فَسَمِّ الأشيَاء كُلَّها مِن جَدِيدٍ
أعِدْ صِيَاغةَ
وجُودك ووُجُودِي
لا تُفَرِّقْ بَيْنَ الحَرْفِ والعَدَدِ
فَلاَ أرَى فِيك
إذْ أطِيلُ التَّحْدِيقَ
إلا لَحَدِي.

رياح ولا لقاح

ـ 26 ـ

سَأَكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا الْمَسَاءْ
أَنَّ الرِّيَاحْ،
حِينَ تَهُبُّ عَلَى بَلَدِي
تَأْتِي وَلاَ لِقَاحْ.
تَمْضِي فِي السُّهُوبِ
تَعْوِي
كَطَائِرِ شُؤْمٍ،
تَمُرُّ
بَعْدَ أَنْ تَزْرَعَ الْأَشْبَاحْ.
تَمْضِي
وَتَبْصُمُ فِي حَنِينِي
صَوْتٌ مُرٍيبٌ
تَمَامًا كَالنُّبَاحْ.
هِيَ رِيحُ بَلَدِي
أَرَاهَا فِي عُيُوِني
نَهَارًا بِلاَ صَبَاحْ.
أَشْتَمُّ فِيهَا
تَفَاصِيلَ شُجُونِي
حُمْقَ شُرُدِي
وَعَوِيلَ نُوَاحْ.
تَعْتَلِي تَجَاوِيفَ الْقَلْبِ
تَخْتَلِي بِدَمِي
تَفتَرِشُ نَبْضِي
وَتَرْتَاحْ.
****
هِيَ رِيحُ بَلَدِي
تَلُوحُ فِي رُؤَايْ
قافِلَةً
مُحَمَّلَةً بِالرَّمْلِ
مُحَمَّلَةً بِالْقَدَرِ
مُحَمَّلَةً بِالْقَهْرِ
مُحَمَّلَةً بِالْجِرَاحْ.
وَعَلَى مَسَافَةِ
مَا بَينَ قَلْبَيْنَا
أُرَاقِبُ الْآتِي
أُحَدِّقُ فِي الْغَيْبِ،
فَهَلْ يَوْمًا يَا طُولَ انْتِظَارِي
يَأْتِي رِيحُ بَلَدِي
بِمَا فِي كَبِدِي
لِيُنْعِي لِكَمَدِي
لَعْنَةَ الَأَتْرَاحْ.

سفر مسائي


ـ 25 ـ

سَأَكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا المَسَاءْ
بَعْضًا مِنْ أَلَمِي
بَعْضًا مِنْ أَمَلِي
بَعْضًا مِنْ أَسَايَ
مِنْ أَسْرِي
حِينَ أَسِيرُ إِلَى الْمَسَاءِ كُلَّ مَسَاءْ
أَتَمَلَّى اللَّيْلَ
أَمْتَطِي نَجْمَةً
وَأَرْحَلُ فِي الْهَبَاءْ
أُسَامِرُ ظِلَّي
وَأُغَنِّي لَهُ مَرْثِيَةَ الْفَنَاءْ
يَبْتَسِمُ سَاخِرًا
وَيَعِدُنِي وَهْمَ البَقَاءْ
وَمِنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى
أَرَانِي أَسْرِقُ الضِّيَاءْ
أُبَلِّطُ بِهَا جِدَارَ لَيْلِي
وَيَتَوَّهَجُ البَيَاضُ
فِي كُهُوفِ الأَعْمَاقِ
هَكَذَا أسِيرُ أَسِيرَا
إِلَى الْمَسَاءِ كُلَّ مَسَاءْ
أُشَجِّعُ جُبْنِي
أُعَقِّلُ حُمْقِي
أُقَوِّي ضُعْفِي
أُعَلِّمُ جَهْلِي
أكْتُبُ فِي القَلْبِ
كَمَا عَلَى الأوْرَاقِ
تَرَانِيمَ انْكِسَارِي
تَرَاتِيلَ انْتِصَارٍي
وَمَزَامِيرَ الأَشْقِيَاءْ.
وَمَتَى أُرْهِفُ صَمْتِي
والمَسَاءُ يُورِقُ
يَأْتِي إِلَيَّ هَسِيسُ احْتِرَاقْ
فَأَرَى النَّهَارَ فِي الْآفَاقْ
يَشْتَعِلُ فِي غَابَة الجَمْرِ
تَحُوطُهُ عَمَامَةٌ رَمَادِيَةً
كَفَارِسٍ بِلاَ انْتِصَارَاتٍ
فأسِيرُ أَسِيرًا
إِلَى الْمَسَاءِ كُلَّ مَسَاءْ
أٌسَامِرُ زُهْدِي
عَلَى حَاشِيَةِ رَغْبَةٍ
كَانَتْ حَبَّةَ شَهْوَتِي لِلْحَيَاةِ
وَهَا هِيَ الْيَوْمَ
تَنْفُقُ فِي الأَنْفَاقِ.

هوى الأحبة

ـ 24 ـ

سَأَكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا الْمَسَاءْ
أَنَّ هَوَى الأَحِبَّةِ قَدْ بُعِثَ
والْقَلْبُ مِنْ فَرْطِ دَهْشَتِهِ بُهِتَ
والجَسَدُ الذِي خَانَهُ المَاءُ
رَشَفَ مَا فِي الْعِشْقِ مِنْ نَدى
عَلاَهُ الإِخْضِرَارُ فرَجَفَ
والنَّظَرُ الذِي كَانَ رَمَادًا
نَظَرَ الحَبِيبَ فَاتَّقَدَ
والشَّيْبُ المُعَشِّشُ فِي الرَّأْسِ
إِلَى الْبَعِيدِ مَدَّ خَافِقَيْهِ وَارْتَحَل
والإبْتِسَامُ الَّذِي غَاضَ أَمَدًا
نَبَغَ عَلَى الشِّفَاهِ وَطَفَحَ.
هُوَ ذَا هَوَى الأَحِبَّةِ هَبَّ عَلَيْكَ
فَحَنَّ الدَّمْعُ فِي عَيْنَيْكَ وَبَرَقَ.
عَبَقُ الأَحِبَّةِ فِي دَمِي جَرَى
ومِنْ جَدِيدٍ سَرَى
فَرَقَصَ الْغُصْنُ لِلرِّيحِ
وغَنَّى الطَّيْرُ النَّشِيدَ،
وَالْعُقْمُ الذِي أَصَابَ الوِصَالَ زَمَنًا
لَقَّحَهُ عِشْقِي فَوَلَدَ
وَالْحُزْنُ الذِي كاَنَ ماَئِيَ
تَكاَثَفِ فِي تَجَاوِيفِي وَجمَدَ
عِشْقُ الأحبَّةِ فِي فَمِي لُغَةٌ
عَنْهاَ لِساَنِي لاَ يَحِيدُ
يَلُوكُهَا عَدَداَ
يُلَحِّنُهاَ وَيُجِيدُ.
هُوَ ذَا هَوَى الأحِبَّةِ بُعِثَ
والْقَلْبُ مِنْ دَهْشَتِهِ بُهِتَ.

الخميس، 1 أغسطس 2013

موت

ـ 23 ـ

سَأكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا المَسَاءْ
أنّهُ هَكَذا المَوْتُ أرَاهُ
كَمَا اللّيْلِ يَنسَدِلُ عَلَى الكَوْنِ
يَتَخَطفُ الإشْرَاقَ
وَيٌعَري الزّهْرَ مِنَ الأوْرَاقِ
وَيٌجَفّفُ الرّحِيقَ مِنَ الأحْدَاقِ
هَكَذَا هُوَ المَوْتُ
يَبْدأ أزْرَقًا
وَيَنْتَهِي أصْفَرَا
والجَسَدُ شَجَرةٌ
فِي مَأْتَمِ الخَرِيفِ
يَسْقُطُ...
يَنْهَضُ فِي القَرَار،
لاَ شَيْءَ يَمْشِي وَرَاءَ المَوْتِ
غَيْرَ عُيٌونٍ تَعِبَتْ
مِنَ التّهَجِّي
مِنَ الإمْلاَءِ
ومَاءٍ ينِزّ بُكَاءً
ونَظَرَاتٍ تُطِلّ مِنَ الوَجَعِ
وَأَحْذِيةٍ تَتَعَثّرُ فِي الأقْدَامِ
خَلْفَ خُرَافَةٍ عَاشَتْ
وَيَمْشُونَ..
خَلْفَ غَيْمَةٍ
وَدّعَهَا المَطَرُ ذَاتَ شِتَاءٍ أَخِيرٍ
يمْضُونَ..
يَصْعُبُ عَلَى الجُرْحِ حِينَ يَجِفّ
أَنْ يُصِيبَهُ النّزِيفُ.

عيون

ـ 22 ـ

سَأكّْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا المَسَاءْ
أنِّي قَابَلْتُ عُيُونًا
تَتَرَبَّعُ أَعْلَى عُيُونِي
تَرْسُمُ باِلخُطُوطِ الحَمْرَاءِ
بِالخُيُوطِ الزَّرْقَاءِ
بِالْشَّرَائِطِ السَّوْدَاءِ،
طُرُقًا،
مَسَارَتٍ،
مَسَارِبَ،
بَيْنَهَمْ مَسَاحَات الامْتِلاَءِ،
تَرَشُّ عَلَى النفايات
مِلْحَهَا
وبالرّمُوشِ
تغَطي جرْح الوقْتِ،
رَمَادِيَة هِيَ كَإشْرَاقَةِ السَّحَرِ
فِي يَوْمٍ غَائِمٍ.
كَمْ تَحْتَاجُ مِنَ المَاءِ المُتَّقِدِ
لِتَعْبُرَ عَلَى جَسَدِ السَّخَافَاتِ
وَتُلَوِّنَ سَاعَاتِكَ الْمُسْرِعَةِ
نَحْوَ غَدِكَ الرَّاحِلِ
بِأَصْبَاغٍ بِلاَ أَلْوَانٍ،
وَتَزْرَعَ الحُقُولَ الجَّرْدَاءَ
بِأَحْلَى الأَحْلاَمِ
فَتَنْبُتُ فِي رُؤَاكَ
تَقَاسِيمُ الْبَهَاءِ.
وَكَمْ تَحْتَاجُ مِنَ الأصَابِعِ
لِتُظَلِّلَ شَجَرَةَ الْوَطَنِ
لِتَحْمِيهَا مِنْ شُعَاعٍ
يَأتِي مُتَدَفَّقًا
مِنْ هَفَوَاتِ الاحْتِرَاقِ
هِيَ الْعُيُونُ إِذًا
عَبَرَتْنِي
عَبَرْتُهَا
ولَقنَتْنِي
كَيْفَ أتَهَجى
بَياضَاتِ اللقَاءِ الأخِير.

فصول أربعة

ـ 21 ـ

سأكتب في دفتري هذا المساء
أن الفصول الأربعة لا تناسبني،
الفصل الخامس يناسبني
هو في ملامحه كالعطش
وكأحلام آخر الليل
وكالنسمة المسكوبة
من أجنحة فراشة مائية
فصل يتهندس فينا
ومنا يرسم خريطة
نقرأ فيها دهشة الارتجاف
ويعلمنا كيف نصبر على الموت
حين تلتهم الشمس
آخر أبنائها
لتخسف الأشياء فينا.

المحطات

ـ 20 ـ

سَأكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذا المَسَاءْ
أنِّي لَنْ أنسَى
وَجْهَ المَحَطَّاتِ
وَجْهَ العَابرِينَ فيهَا والمُقِيمِينْ
نَظَرَاتُهُمْ،
مُتْعَبَةٌ
عَلَى حَافَةِ الحَدِيدِ
مُخَدَّرَةٌ،
مِنْ طُولِ النُّعَاسِ
أيَادِيهِمْ،
صَلصَالِيَةٌ
وأصَابِعَهُمْ
بَقايَا جُذُورِ.
وأنَا المُسَافِرُ
بِدُونِ تَذْكِرَةٍ
مُعَلَّقٌ أنَا
بَيْنَ المَعَابِرِ
وَحِينَ أتْعَبُ
فِي الرَّحِيلِ
أَجْمَعُ الطُّرُقَاتِ
فِي اللُّغَةِ
وَأمُدَّهَا
فِي شَرَايِينِي.

صعاليك

ـ 19ـ

سأكتب في دفتري هذا المساء
أنّي عاشرتُ الصعاليك
رأيتهم يبنون من شهوة الكأس
مماليك الوهمِ
يرقصون رقصة ديك
نصف مذبوحٍ
يحملقون بأعينهم البائسة
في ضوء شمعة فاترة
كأنه يخرج
من ثغر ليل مجروحْ
يتناوبون على أقداح لذة رخيصة
والبكاء على الوجوه مسفوحْ
معلقون بحبال الحلكة
كتماثيل مصلوبة
على حاشية الطريق
متروكة لأنياب الريحِ
تنهشها
وعانقت نظراتهم المهزومة
منكسرة كأجنحة القطا
لَفّتْهُ شِرَاك الأفاعي
رعْد يَهْزِم هم
تحت أقداه الوطن الناعس
في بطون الأنذال
يصنعون منه شحما
لأجسادهم المثقلة
بلحم الصعاليك،
كَسِرْب لقالقَ هُمْ
يتفجر ون بعشق وطن نسيهم
وحين يتعبُون من القيل والقالِ
ومن تفْصِيل وخياطة المقالِ
يصْعد في الغثيان
ثم أتجشئهم.

حياة

ـ 18 ـ

سَأَكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هَذَا المَسَاءْ
إنِّي صَادَفْتُ الحَيَاةَ
مَرَّتْ بِالْقُرْبِ مِنْ هَا هُنَا
تَحْمِلُ كِيسًا مِنْ عَجِينْ
وقوَارِيرَ مِن طِينْ
تَمْلأهَا مَاءً
يَخْرُجُ مِنْ أثْدَاءَ
بِلَوْنِ الثَّلْجِ
أسْوَدًا كَالمِدَادِ
فِي رَقَصَاتِ الصِّبْيَةِ
رَأَيْتُ الحَيَاةَ
لَمَّا يُطَارِدْنَ الفَرْحَةَ باِلحُقُولِ
وَقُرْبَ الجَدَاوِلِ.
فِي التِفَافِ جَسَدَيْنِ
عَلَى دَالِيَةِ العِشْقِ رَأَيْتُهَا
وَرَفْرَفَاتِ العَنَادِلِ
فَوْقَ أغْصَانِ السَّرْوِ
وفِي تَهَدُّلِ أجْسَادِ الشُّيُوخِ رَأيْتُهَا
نَاحِتَةً
طُرُقًا لأيَّامٍ فَائِتَةٍ
مَاحِيَةً
أرْقَامَ الأزْمِنَةِ المَقِيتَةِ.
كَانَتِ الحَيَاة تَمُرُّ مِنْ هَا هُنَا
مُتَلَفّعَةً بِسِرِّهَا
وَتَسْخَرُ مِنْ طَيْفِي
إذ يَعْبُرُ ظِلَّهَا.

طوفان

ـ 17 ـ

سَأكْتُبُ فِي دِفْتَرِي هذَا المَسَاءْ
أنِّي طُفْتُ طَوِيلاً فِي نَفْسِي
قَطَعْتُ إِلَيْهَا
مَسَاحَاتِ الشَّوْقِ
مَسَافَاتِ الحَنِينِ
عَلَى سَنَمٍ حَزِينْ
ومَشَيْنَا خَبَباً
حَتَّى مُنْتَهَى
سِدْرَة الحُمْقِ
وكَانَ السَّفَرُ
زُرْقَة السَّمَاءِ
وزُرْقَة البَحْرِ
وتَحْتَهُمَا صَلَّيْتُ
رَكْعَتَيْنِ
رَكْعَةَ اللقَاءِ البِدَايَةِ
لَمَّا مَدَدْنَا الحَبْلَ
لِلْوِصَالِ،
وَرَكْعَةَ الوَدَاعِ النِّهَايَةِ.

مركز ابزو للدراسات والأبحاث ينظم يوما دراسيا حول تيمة الماء

  29/04/2024: في سياق اليوم الدراسي الذي ينظمه مركز ابزو للدراسات والأبحاث في الثقافة والتراث. بشراكة مع جمعية آفاق ابزو للتنمبة والثقافة ...