ـ 33 ـ
ـ 1 ـ
سَأكْتُبُ فِي دِفْتَرٍي هَذَا الْمَسَاءْ
أنّ هَذا الصّبَاح الرّبيعِيِّ
عانَقَنِي وَهُوَ الْمُتَوّجُ بِالنّورِ وَالْخُضْرَةِ
بِطَرَاوَةِ الْبَرَاعِمِ وَأَوْراقِ الشّجَرِ
وَالثّرَى النّدِي الْحاضِنِ لِلْبَذْرَةِ
وَرَفْرَفَاتِ الْعَصافٍيرِ
فِيمَا يُشْبِهُ رَقْصَةَ الْغَجَرِ، عَانَقَنِي
كُنْتُ الْمُقِيمُ فِي هَوَسِي
كُنْتُ الْمَرْهُونُ لَدَى يَأْسِي.
ـ 2 ـ
وَدَلَجْتُ مَقْهَى بَلْدَتِي الْمُعْتِمًةَ
مُوحِشَةٌ إلاّ مِنْ نَادِلٍ
وَأَنَا الّذِي يُشْبِهُنِي
كُرْسِيّ كَسِيحٌ
طَاوِلَةٌ إسْفَنْجِيَةٌ
قَهْوَةٌ غُرَابِيَةٌ
صَدَى أُغْنِيَةٍ قَدِيمَةٍ
مِنْ مِذْيَاعٍ مَشْرُوخٍ
تَبْعَثُ الشّجْيَ
تُذَكّرُنِي:
"أنّ الْحُبَّ فِينَا مَاتَ".
ـ 3 ـ
وَأرَاهُمْ يَعْبُرُونَ:
عَجُوزٌ تُحَادِي حَاشِيَةَ الطّرِيقِ
حَافِيَةَ الرّأسِ
مِنْهُ تَتَدَلّى ضَفِيرَتَانْ
مِنْ رَمَادٍ وَجَمْرٍ وَدُخَانْ
تَجْمَعُ الْهَمّ فِي وِشَاحِهَا الْحَائِلِ
وَتَمْضِي فِي سُبُلِ الْوَقْتِ
مَاضِيَة بِلاَ رَفِيقْ
فَقَطْ عَيْنَاهَا تَتّشِحَانِ
بَعْضَ الْبَرِيقْ.
ـ 4 ـ
أُنْثَى بِلَوْنِ الْحُلْمِ
وَقَلِيلٌ مِنَ عِطْرِ أَمَلٍ هَارِبٍ
تَلْتَقِطُ بِنَظَرَاتِهَا الْكُحْلِيَتَيْنِ
دِفْءَ هَذَا الصّبَاحِ الرَّبِيعِيِّ
الْمُتَوَّجِ بِالنُّورِ وَالْخُضْرَةِ
وَالثَّرَى النَّدِيِّ
الْحَاضِنِ لِلْبِذْرَةِ،
وَبِرُمُوشِهَا الْمُبَلَّلَةِ بِالْعَبَقِ
تفتّتُ النَّبْضَ،
جَسَدَهَا رَعْشَةٌ
تُلَوِّحُ لِلْعُشَّاقِ الْمَسْكٌونِينَ بِالْخَطِيئَةِ
أَشْبَاهَ "تَنْتَالٌوسَ"(1).
ـ 5 ـ
شَابٌّ يَسْكُنُ الْأسْمَالَ
يَنْتَعِلُ الْحَفَا
يَمْلَأُ كِيسًا بِالْقَشِّ
يَحْمِلُهُ قَدَرًا
حَطَّ عَلَى كَتِفِهِ ذَاتَ قَضَاءٍ
سِيزِيفٌ آخَرَ
يَصْعَدُ الطُّرُقَ الْمُنْبَسِطَةِ
مَا عَادَ هُنَاكَ صَدْرٌ يَحْضُنُ
شِفَاهٌ تُقَبِّلُ الطِّفْلَ الّذِي كَانَ
وَحِيدًا، شَرِيدًا، يَمْشِي عَمَاهُ
مُتَرَعًا بِالْخَيْبَايِ،
وَشُرُودِ الإِغْتِرَابِ
وَفِي الْمَقْهَى الْمُعْتِمَةِ
لاَ أَحَدٌ غَيْرَ نَادِلٍ
وَأَنَا الّذِي يُشْبِهُنِي.
ـ 6 ـ
أَطْفَالُ الْمَدَارِسِ الْمَدْرُوسَةِ
مُثْقَلُونَ بِالْحُرُوفِ وَالْأرْقَاِم
تَتَلَعْثَمُ أقْدَامُهْمُ الطّرِيَّةِ
يُعَلّمُونَهَا الْمَشْيَ مِنْ جَدِيدْ،
فِي أَعْيُنِهِمْ سِحْرُ الْيَوْمِ
وَالْغَدُ غَائِرٌ
فِي سُهُوبِ الأَحْلاَمِ
وأَجْسَادِهِمُ الْعَجِينِيّةِ.
ـ 7 ـ
أَمَامَ انْكِسَارِي
يَعْبُرُ شَيْخَانِ
وَاحِدٌ يَنْفُضُ الْعَوَزَ
عَنْ جِلْبَابٍ مُثْخَنٍ بِالْحِرْمَانِ
وَآخَرَ يَتَشَبَّثُ بِعُكّازٍ
أَكَلَتْهُ الْمَسَافَاتِ
يَعْبُرَانِ الْحَيَاةَ
بِلاَ بُطُولاَتْ..
الدّقَائِقُ ثَقِيلَةٌ كَلِيلَةإ
كَلَيْلِ امْرِئ الْقَيْسِ
تَتَسَاقَطُ مِنّي كَحَبّاتِ الدَّمْعِ
فِي مَسَارِبِ خَذّ الثّكْلَى
مُوحِشَةٌ هَذِهِ الْمَقْهَى الْمٌعْتِمَةِ
إلاَّ مِنْ نادِلٍ
وَأنَا الّذِي يُشْبِهٌنِي
وَالصَّبَاحُ الرَّبِيعِيِّ الطَّرِيِّ
الْمُتَوَجِ بِالنُّورِ وَالْخُضْرَةِ
وَالثَّرَى النَّدٍيِّ
الْحَاضِنِ لِلْبِذْرَةِ.
................................................................................................
(1). في الميثولوجيا الإغريقية هو ذلك الذي حكم عليه بالعطش الأبدي، يرفع الماء إلى شفتيه فإذا حاول أن يرشف منه غيض الماء ونزل.
ـ 1 ـ
سَأكْتُبُ فِي دِفْتَرٍي هَذَا الْمَسَاءْ
أنّ هَذا الصّبَاح الرّبيعِيِّ
عانَقَنِي وَهُوَ الْمُتَوّجُ بِالنّورِ وَالْخُضْرَةِ
بِطَرَاوَةِ الْبَرَاعِمِ وَأَوْراقِ الشّجَرِ
وَالثّرَى النّدِي الْحاضِنِ لِلْبَذْرَةِ
وَرَفْرَفَاتِ الْعَصافٍيرِ
فِيمَا يُشْبِهُ رَقْصَةَ الْغَجَرِ، عَانَقَنِي
كُنْتُ الْمُقِيمُ فِي هَوَسِي
كُنْتُ الْمَرْهُونُ لَدَى يَأْسِي.
ـ 2 ـ
وَدَلَجْتُ مَقْهَى بَلْدَتِي الْمُعْتِمًةَ
مُوحِشَةٌ إلاّ مِنْ نَادِلٍ
وَأَنَا الّذِي يُشْبِهُنِي
كُرْسِيّ كَسِيحٌ
طَاوِلَةٌ إسْفَنْجِيَةٌ
قَهْوَةٌ غُرَابِيَةٌ
صَدَى أُغْنِيَةٍ قَدِيمَةٍ
مِنْ مِذْيَاعٍ مَشْرُوخٍ
تَبْعَثُ الشّجْيَ
تُذَكّرُنِي:
"أنّ الْحُبَّ فِينَا مَاتَ".
ـ 3 ـ
وَأرَاهُمْ يَعْبُرُونَ:
عَجُوزٌ تُحَادِي حَاشِيَةَ الطّرِيقِ
حَافِيَةَ الرّأسِ
مِنْهُ تَتَدَلّى ضَفِيرَتَانْ
مِنْ رَمَادٍ وَجَمْرٍ وَدُخَانْ
تَجْمَعُ الْهَمّ فِي وِشَاحِهَا الْحَائِلِ
وَتَمْضِي فِي سُبُلِ الْوَقْتِ
مَاضِيَة بِلاَ رَفِيقْ
فَقَطْ عَيْنَاهَا تَتّشِحَانِ
بَعْضَ الْبَرِيقْ.
ـ 4 ـ
أُنْثَى بِلَوْنِ الْحُلْمِ
وَقَلِيلٌ مِنَ عِطْرِ أَمَلٍ هَارِبٍ
تَلْتَقِطُ بِنَظَرَاتِهَا الْكُحْلِيَتَيْنِ
دِفْءَ هَذَا الصّبَاحِ الرَّبِيعِيِّ
الْمُتَوَّجِ بِالنُّورِ وَالْخُضْرَةِ
وَالثَّرَى النَّدِيِّ
الْحَاضِنِ لِلْبِذْرَةِ،
وَبِرُمُوشِهَا الْمُبَلَّلَةِ بِالْعَبَقِ
تفتّتُ النَّبْضَ،
جَسَدَهَا رَعْشَةٌ
تُلَوِّحُ لِلْعُشَّاقِ الْمَسْكٌونِينَ بِالْخَطِيئَةِ
أَشْبَاهَ "تَنْتَالٌوسَ"(1).
ـ 5 ـ
شَابٌّ يَسْكُنُ الْأسْمَالَ
يَنْتَعِلُ الْحَفَا
يَمْلَأُ كِيسًا بِالْقَشِّ
يَحْمِلُهُ قَدَرًا
حَطَّ عَلَى كَتِفِهِ ذَاتَ قَضَاءٍ
سِيزِيفٌ آخَرَ
يَصْعَدُ الطُّرُقَ الْمُنْبَسِطَةِ
مَا عَادَ هُنَاكَ صَدْرٌ يَحْضُنُ
شِفَاهٌ تُقَبِّلُ الطِّفْلَ الّذِي كَانَ
وَحِيدًا، شَرِيدًا، يَمْشِي عَمَاهُ
مُتَرَعًا بِالْخَيْبَايِ،
وَشُرُودِ الإِغْتِرَابِ
وَفِي الْمَقْهَى الْمُعْتِمَةِ
لاَ أَحَدٌ غَيْرَ نَادِلٍ
وَأَنَا الّذِي يُشْبِهُنِي.
ـ 6 ـ
أَطْفَالُ الْمَدَارِسِ الْمَدْرُوسَةِ
مُثْقَلُونَ بِالْحُرُوفِ وَالْأرْقَاِم
تَتَلَعْثَمُ أقْدَامُهْمُ الطّرِيَّةِ
يُعَلّمُونَهَا الْمَشْيَ مِنْ جَدِيدْ،
فِي أَعْيُنِهِمْ سِحْرُ الْيَوْمِ
وَالْغَدُ غَائِرٌ
فِي سُهُوبِ الأَحْلاَمِ
وأَجْسَادِهِمُ الْعَجِينِيّةِ.
ـ 7 ـ
أَمَامَ انْكِسَارِي
يَعْبُرُ شَيْخَانِ
وَاحِدٌ يَنْفُضُ الْعَوَزَ
عَنْ جِلْبَابٍ مُثْخَنٍ بِالْحِرْمَانِ
وَآخَرَ يَتَشَبَّثُ بِعُكّازٍ
أَكَلَتْهُ الْمَسَافَاتِ
يَعْبُرَانِ الْحَيَاةَ
بِلاَ بُطُولاَتْ..
الدّقَائِقُ ثَقِيلَةٌ كَلِيلَةإ
كَلَيْلِ امْرِئ الْقَيْسِ
تَتَسَاقَطُ مِنّي كَحَبّاتِ الدَّمْعِ
فِي مَسَارِبِ خَذّ الثّكْلَى
مُوحِشَةٌ هَذِهِ الْمَقْهَى الْمٌعْتِمَةِ
إلاَّ مِنْ نادِلٍ
وَأنَا الّذِي يُشْبِهٌنِي
وَالصَّبَاحُ الرَّبِيعِيِّ الطَّرِيِّ
الْمُتَوَجِ بِالنُّورِ وَالْخُضْرَةِ
وَالثَّرَى النَّدٍيِّ
الْحَاضِنِ لِلْبِذْرَةِ.
................................................................................................
(1). في الميثولوجيا الإغريقية هو ذلك الذي حكم عليه بالعطش الأبدي، يرفع الماء إلى شفتيه فإذا حاول أن يرشف منه غيض الماء ونزل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.