يا حَادِيَ الْحَرْفِ تَمَهّلْ..
" قُمْ لِلمُعَلّمِ.."
كَزَهْرَةِ تَشُقّ الصَخْرَ
كَانَتْ مِحْفَظَتُهْ..
كَالنَّبْعِ الْمُتَفَجّرِ مِنَ الرّمْلِ
كَاللّغَةِ الْمَوْلُودَةِ مِنْ شَرْنَقَةِ المَجَازِ
كَالدّمْعَةِ المَسْكوبَةِ فِي كَأْسِ حَلِيبٍ
كَالزّفّةِ المَوْشُومَةِ بِزَغاِريدِ الْحُزْنِ
كَانَ يَراعُهْ..
سَلِيلُ اللّوْحِ الْمَنْقُوشِ بِالثّلْجِ
هُوَ الْمُعَلّمُ..
نَسْمَةٌ تُضٍيءُ ظِلاَلَ العَتْمَةِ
طَائِرٌ يَلْقَطُ الْحبَّ مِنَ الجَمْرِ
نَخْلَةٌ تُظَلّلُ الجَدْوَلَ
سَحَابَةٌ تَحْلُمُ بِالبَحْرِ
كَانَتْ دَفَاتِرُه
بَرْقا يَلْمَعُ فِي الغَيْمِ
سَحابَةُ تَعْبُرُ فِي الحَرّ
غابَةَ جُذُورِ الطّلْحِ..
نَعْشُ ساهِرٌ عَلى حاشِيةِ القَبْرِ
هُوَ الْمُعَلّمُ..
بَياضُ لَوْحِهِ
مَصابِيحٌ تَتَوَهّجُ بالنّورِ..
مِنْ السّنْدِيانَةِ جَسَدهَا المِسْكِيّ
مُسْرَجَةٌ بِصَهيلِ الأعْوامِ الفائِتَةِ..
فَضاءٌ لِكُلّ الاحْتِمالاتِ فَصْلُهُ
تَتَنَسَّمُ عِطْراً يَعْبَقُ بِالحُلْمِ:
جَوْقَةُ عَصافِير
هَدِيُل حَمَاماتٍ
خَلِيّةُ نَحْلٍ
وَسِرْبُ نَوارِسِ البَرّ
تَظْهَرُ فَجْأةً
فِي ألْوانِ الْحَرْفِ.
يَا حَاديَ الحَرْفِ تَمَهّل
تَوَقّفَ القِطارُ
مُتّشِحا تَجاعِيدِ الوَقْتِ
جَبِينِه يَنْضَحُ
عَرَقَ السّنِين
تَتَدَحْرَج ُعَلَى إيقاعِ
دَمْعٍ حَزِينْ
يَرِنّ فَوقَ اللّوْحِ رَنِينْ.
مَا بالُ المَحَطّةِ تَشهَقُ بِالحَنِينْ
تَصْهَلُ بِالرّحيلْ
مِنْ هَا هنا سَيَعْبُرُ سِيزِيف
يَحْمِلُ صَرْخَتَهُ بِصَمْتٍ
سَيَعْبُرُ فِي شُقوقِ السّاعاتِ
حامِلاً نَبْضَهُ.. وآلافُ العَصَافِير
يا حَادِي الحَرْفِ تَمَهّلْ
" قُمْ لِلْمُعَلّم.. "
إِذْ يَتَهَجّى حُروفَ البِدايَةِ
لِيَعودَ مِنَ النّهايَةِ:
" إقْرأ: ألِفٌ.. باءٌ.. يَاءٌ."
ومِنَ الْعَتْمَةِ
يَطْلَعُ الحَرْفُ
شَمْساً تُنِيرُ..
وَمِنَ الرّمْلِ
يَنْبُتُ الحَرْفُ
شَجَراً يُورِقُ..
يا حَادي الحَرْفِ تَمَهّلْ
"قُمْ للْمُعَلّمِ".
إِذْ يَزْرَع الْعُشْبِ
فِي قُلُوبِ الأَجْيالِ
وَيَسْرِقُ الغَيمَ
لِيَرْوِي حَناجِرَهُمْ
مَطَرًا أَبْيَضاً..
إِذْ يَرْحَلُ مُكَلّلاً
هَالَتُهُ حُرُوفٌ مِن نورٍ
تارِكاً ظِلّهُ فِينا.
تمت 26/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.