صعود العلمانية الأمريكية وسقوطها
- 01 -
ظل الدين خاصية محورية للسياسة الأمريكية، وعلى الرغم من وجود انفصال مؤسسي ما بين الكنيسة والدولة، ظل الدين ـ تحديدا الدين المسيحي البروتستنتي ـ متأصلا داخل القومية والثقافة الأمريكية، وكذلك الاعتقاد بأن الأمريكيين هم الشعب المختار بما لديهم من قدرة فريدة في العالم. إن هذا الفهم المسيحي للفكرة الأمريكية مستوحى من المثالية الدينية للأصول البيوريتانية (التطهيرية) للدولة، ويظهر في الميل نحو ربط الديمقراطية بالعناية الإلهية. ومع ذلك، يعتبر التراث الديني لأمريكا مصدر للخلاف أيضا وقد منح الفرصة لظهور رؤيتين متنافستين للأمة. وفي أوقات أكثر كرما، أدت العناصر المتفوقة للقومية الأمريكية دورها ك "دين مدني" يوفر العقيدة ويعطي للحياة العامة معنى. ميز هذا الفهم غير الطائفي للدين الإجماع الليبرالي للفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية واتفق على نحو كبير مع البرنامج العلماني للتنمية القومية..
في (الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي) ظهرت رؤية أكثر رجعية للقومية الدينية حلت محل القومية العلمية في منتصف القرن العشرين. والسؤال هو ما هو سبب الظهور القوي لرؤية محدودة للقومية الدينية؟ هناك توجه لنخب الدولة نحو الديانة المسيحية المحافظة والرجعية. بدءا من "ريتشارد نيكسون" انجذب مرشحو الرئاسة الجمهوريون (والفاعلون الآخرون بالحزب) إلى رؤى محدودة للدين والأمة، وذلك لتحريك المشاعر الشعبية خلف مطالبهم بالحصول على السلطة السياسية. وللقيام بذلك سعت النخب بالدولة إلى استقطاب زعماء الدين المحافظين بهدف دعم عصر جديد من السياسة المحافظة، حيث كان ذلك أكثر وضوحا ضمن الإستراتيجية الجنوبية للحزب الجمهوري مقارنة بأي مكان آخر، واستحضرت هذه الإستراتيجية ـ التي استخدمها "نيكسون" بنجاح في أثناء حملات انتخابات الرئاسة في العامين 1968-1972 ـ خليطا من العرق والدين والوطنية لمناشدة الأغلبية المسيحية من البيض، وتحديدا في الجنوب.
إن ما جعل تلاعب "نيكسون" بالسياسة الدينية غاية في الإثارة ـ فضلا على نجاحه ـ أنه عكس انفصالا حادا عن الممارسات السابقة. كما حدد أيضا بداية نهاية للنظام العلماني الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. إن الزعماء مثل "روزفلت" و "ترومان" و "أيزنهاور" و "كيندي" و "جونسون" قد نظروا جميعا إلى الغاية الأمريكية من منظور ديني.
لقد أدى الترويج للدين المحافظ على يد "نيكسون" ومن خلّفه من الزعماء إلى رؤية محدودة للدين..وبالتالي صُورت الديانة المسيحية البروتستانتية ـ متخفية في هيئة "قيم محافظة" ـ على أنها أصيلة من الناحية الثقافية، بينما وُصمت الأفكار الليبرالية والقومية العلمانية بأنها مخالفة للتقاليد الأمريكية.
...............................................................................................................................
* عالم المعرفة. السياسة الدينية والدول العلمانية. سكوت هيبارد. عدد413. يونيو 2014. ص 241/245. (بتصرف) يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.