ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website المصطفى فرحات يرحب بكم

رسائل


رسائل: "الرسالة (15): يدخل العام الجديد، وننتظر منه الجديد، ننتظر المزيد من الصحة والعافية، ننتظر المزيد من المحبة والمودة، ننتظر توقف الشر عن شره، ويوزع الخير خيره، ننتظر العدل والانصاف والمساواة...

coinautoslide

أحدث المواضيع

الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

كِتَابُ الْهَلْوَسَةِ - 38 – Le voisin أوْ الْجِدَارُ الْعَازِلُ.

  
اتَّسَمَتْ عَلاَقَةُ مُحَمَّدٍ وَعِيسَى الْوَافِدِ عَلَى الْبَلْدَةِ بِالْمَحَبَّةِ وَالأُخُوَّةِ، يَحْفَظَانِ عَلَى ظَهْرِ الْقَلْبِ "الْجَارُ قَبْلَ الدَّارِ". وَيَعْرِفَانِ أَنَّ نَبِيَّ الإِسْلاَمِ أَوْصَى بِالْجَارِ حَتَّى كَادَ أَنْ يُوَرِّثَهُ، وَعَمَلاً بِقَوْلِ الرَّسُولِ لاَ يَنَامُ بَيْتُ مُحَمَّدٍ قَبْلَ أَنْ يَطْمَأنَّ عَلَى بَيْتِ عَلِيٍّ، وَالْعَكْسُ صَحِيحٌ، وَدَأَبَ الْبَيْتَانِ عَلَى تَقَاسُمِ كُلِّ شَيْءٍ، فَهُمَا يُؤْمِنَانِ أَنَّهُمَا يُبْحِرَانِ فِي مَرْكَبٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِمَا السَّهَرَ عَلَى سَلاَمَتِهِ إِذَا أَرَدَا النَّجَاةَ مَعًا فِي بَحْرٍ هَائِجِ وَمَائِجٍ.

طِبَاعُ مُحَمَّدٍ بَدَوِيّةٌ تُخْتَزَلُ  فٍي الشَّهَامَةِ، وَالنَّجْدَةِ وَالْكَرَمِ وَالإبَاءِ..لَمْ يَلْتَحِقْ بِمَدْرَسَةٍ، لَكِنّ الْحَيَاةَ تَكَلَّفَتْ بِالْمُهِمَّةِ، وَلَقَّنَتْهُ دُرُوسًا عَمَلِيَّةً جَعَلْتْ مِنْهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ. أَمّا عَلِيّ فوَجَدَ نَفْسَهُ عَطّارًا، يَطُوفُ  الدَّوَاوِيرَ لِبَيْعِ بِضَاعَتِهِ أَوْ مُقَايَضَتِهَا بِالصُّوفِ أَوِ الْبَيْضِ أَوِ الأوَانِي النُّحَاسِيَةِ وَالْفِضِّيَةِ الَّتِي لَمْ تَعُدْ تُسْتَعْمَلُ.

وَبَعْدَ طُولِ طَوَافٍ، اسْتَقَرَّ فِي بَلْدَةِ مُحَمَّدٍ بَعْدَمَا حَصَلَ عَلَى بُقْعَةِ أَرْضٍ مُنِحَتْ لَهُ مَجَّانًا، فَبَنَى مَنْزِلاً وَفَتَحَ دُكَّانًا، وَأَصْبَحَ لَهُ زُبَنَاءَ يَقْتَنُونَ الْبِضَاعَةَ وَيُؤَدُّونَ ثَمَنَهَا نَقْدًا..وَوَسّعَ مَدَى تِجَارَتِهِ لِتَشْمَلَ الأَسْوَاقَ الأُسْبُوعِيَةَ وَتَوَسَّعَتْ مَعَهَا قَاعِدَةُ زُبَنَائِهِ..سَنَتَيْنِ فَقَطْ كَانَتَا كَافِيَتَيْنِ لِيَفْتَحَ مَتْجَرًا ضَخْمًا وَيَتَحَوَّلَ تَاجِرَ جُمْلَةٍ، سَاعَدَتْهُ فِي النَّجَاحِ مَوَاهِبَهُ الَّتِي لاَ تُعَدُّ..


تَسَرَّبَ الْفُتُورُ إِلَى الْعَلاَقَةِ بَيْنَ بَيْتِ مُحَمّدٍ وَبَيْتِ عِيسَى الَّذِي لاَحَتْ عَلَى مُحَيَّاهُ مَلاَمِحُ النِّعْمَةِ وَالثَّرَاءِ، بَلْ أَمْسَى يَتَحَرَّجُ مِنْ هَذِهِ الْعَلاَقَةِ غَيْرِ الْمُتَكَافِئَةِ، وَانْتَقَلَ هَذَا الشُّعُورُ إِلَى بَيْتِ مُحَمّدٍ الّذِي لاَ  يُصَدِّقُ أَنّ الْعَلاَقَةَ سَاءَتْ إِلَى هَذَا الْحَدِّ. وَأَحَسَّتْ زَوْجَتُهُ  بِالإِهَانَةِ عِنْدَمَا قَدَّمَتْ كَعَادَتِهَا الْحَلِيبَ وَالسَّمْنَ وَالْعَسَلَ لِجَارَتِهَا كَمَا تَعَوَّدَتْ فَنَهَتْهَا بَلْ نَهَرَتْهَا وَحَذَّرَتْهَا مِنَ الْعَوْدَةِ لِمِثْلِ هَذَا السُّلُوكِ الْمُشِينِ مَرّةً أُخْرَى. وَمَعَ ذَلِكَ سَعَتْ زَوْجَةُ مُحَمَّدٍ لِلْحِفَاظِ عَلَى شَعْرَةِ مُعَاوِيَةِ..

مَعَ تَوَالِي الأَيَّامِ، لاَحَظَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْجِدَار الْوَاطِئِ  الْفَاصِلِ بَيْنَ بَيْتِهِ وَبَيْتِ عِيسَى يَعْلُو كُلّ يَوْمٍ أَمْتَارًا، وَفِي غُضُونِ أَسَابِيعَ تَحَوَّلَ الْبَيْتُ الْمُتَوَاضِعُ إِلَى عِمَارَةٍ شَاهِقَةٍ بِمَقَايِيسِ الْبَلْدَةِ، عِنْدَمَا يُصَعِّدُ بَيْتُ مُحَمَّدٍ بَصَرَهُ فِيهِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ. وَمَتَى  نَظَرَ إِلَى نَفْسِهِ يَرَى كَمْ هُوَ حَقِيرٌ وَضَئِيلٌ وَنَحِيفٌ.. أَمّا بَيْتُ عِيسَى فَفِي كُلّ مَرَّةٍ يُشْرِفُ عَلَى بَيْتِ مُحَمَّدٍ تَرْتَفِعُ رَقَبَتُهُ نِصْفَ مِتْرٍ، وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ يَتَمَدَّدُ صَدْرُهُ أَمْتَارًا مُمَتَّرَةً. الْجِدَارُ الْعَازِلُ وَضَعَ حَدًّا فَاصِلاً لِلْعَلاَقَةِ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ، فَلاَ إِيقَاعٍ مُوَحّدٍ، وَلاَ رَوِيّ وَقَافِيَةٍ مُوَحَّدَيْنِ يُعِيدُ الإِنْسِجَامَ بَيْنَهُمَا.

وَفِي لَيْلَةِ طَقْسٍ حَارٍّ اسْتَيْقَظَ بَيْتُ مُحَمَّدٍ عَلَى صُرَاخِ وَعَوِيلِ بَيْتِ عيسَى، يَسْتَغِيثُ وَيَسْتَنْجِدُ، هَرْوَلَ الأَطْفَالُ وَالزَّوْجَةُ وَعِيسَى خَارِجَهُ. وَرَاقَبُوا بِإِحْسَاسِ الْمُتَوَرِّطِ الّذِي أَعْيَتْهُ الْحِيلَةُ, النّيرَانَ تَلْتَهِمُ الْبَيْتَ عَنْ آخِرِهِ وَلَمْ تُبْقِ سِوَى  جُدْرَانٍ مُتَفَحِّمَةٍ.

وَقَفَ عِيسَى  مَذْهُولاً أَمَامَ الْمُصَابَ الْجَلَلِ، تَجَمَّدَ، لاَ يَدْرِي مَا يُقَدِّمْ وَلاَ مَا يُأَخِّرْ.
 (خَارِجَ السَّرْدِ: اقْتَرَحْتُ عَلَى السَّارِدِ عِبَارَة "يُقَدِّمُ رِجِلاً وَيُؤَخِّرُ أُخْرَى وَرَفَضَ اقْتِرَاحِي وَتَمَسَّكَ بِعِبَارَتِهِ رَغْمَ أَنَّهَا لَمْ تَرُقْنِي).
 جُمْلَتَانِ تَتَرَدَّدَانِ عَلَى لِسَانِ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ: "الْجَارُ قَبْلَ الدَّارِ" ـ "لاَ تُمَاضّ جَارَكَ فَإِنَّهُ يَبْقَى وَيَذْهَب النَّاسُ".

احْتَضَنَ مُحَمَّدٍ  عِيسَى، وَأَسْكَنَهُ غُرْفَةً فِي بَيْتِهِ، وَأَعَارَهُ حِمَارَهُ، وَرَجَعَ عِيسَى كَمَا بَدَأَ عَطَّارًا.
ابزو: 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.