أشكر جمعية الانطلاقة على الدعوة الكريمة للمشاركة في هذا اللقاء الثقافي المتميز الذي أتمنى أن ينجح ويثمر.
سعيد بتواجدي بين هذه الوجوه الكريمة والنيرة والمعطاء، بعض الوجوه جديدة أراها لأول مرة، وبعضها تعود علاقتي به إلى القرن الماضي.. وجوه أدمنت النضال والحضور في الحقل الثقافي والتربوي والاجتماعي والسياسي...
علي في البدء أن أعترف أني لست خبيرا في مجال التنمية، كما أن معرفتي متواضعة في مجال الثقافة، لذا سأستفيد أكثر وأنا أستمع إلى إخواني الأساتذة المتخصصين والمشتغلين في المجال. وتلبية لدعوة الإخوة المنظمين الذين طلبوا مني أن أهيء ورقة في موضوع الندوة (التنمية والثقافة) ارتأيت أن أقدمها في شكل ملاحظات، وتأملات أستعرض فيها وأعرف ببعض المفاهيم المرتبطة بمحور الندوة.
أولا: في موضوع التنمية
من بين العديد من المفاهيم للتنمية وقع اختيارنا على هذا المفهوم الذي يتناسب ونظرتنا الخاصة للتنمية.
إذا كانت التنمية تعني لغة الوفرة والزيادة، فاصطلاحا هي دعم سلوك الأفراد، وصقل مهاراتهم ليتمكنوا من تطوير أنفسهم، مما سينعكس إيجابا على مجتمعهم، ويؤدي إلى نموه في الكثير كم القطاعات المحلية المؤسسية والتعليمية وغيرها...
السؤال المطروح هو: من يدعم من؟. جرت العادة أن القوي هو الذي يدعم الضعيف، وبتعبير آخر هناك من يملكون القدرة على دعم من لا يملكون (العاجزون).
والسؤال هو: ماذا يملك القادرون؟ وما الذي لا
يملكه العاجزون.
بالنسبة للقادرين فهم يملكون:
* السلطة (القرار السياسي)
* رأس المال المادي (رؤوس الأموال)
* رأس المال الرمزي (المعرفة والخبرة)
* اللوجستيك (التقنية...)
بالنسبة للعاجزين:
* لا يملكون السلطة
* لا يملكون الرأس المال المادي
* لا يملكون اللوجستيك
* يملكون الرأس المال الرمزي (الثقافة)
القاسم المشترك بين الفئتين هو الرأس المال الرمزي، وهو مصدر قوة الفئة المستهدفة في التنمية، ولا تتردد في استعماله كورقة ضغط إذا اقتضى الأمر ذلك كما سنرى في هذه الورقة.
من هنا يأتي دور الثقافة في بناء وإنجاح النموذج التنموي المحلي وإلا كان مصيره الفشل.
انطلاقا من مفهوم التنمية كما حددناها وتبنيناه يمكن استنباط الهدف العام الذي تسعى العملية التنموية لتحقيقه، وبالتالي الحكم عليها بالنجاح أو الفشل باعتبار تحقق الهدف أو عدم تحققه. ويمكن إجمال هذا الهدف في توفير العيش الكريم للأفراد والجماعات ماديا ومعنويا، جسديا ونفسيا وروحيا. ويندرج تحت هذا الهدف العام أهداف جزئية كثيرة تتمثل في: العيش الطويل – الصحة الجيدة – توسيع خيارات الناس – تحقيق العدالة – محاربة الفقر والجوع – مناهضة التمييز...
إنجاز هذه الأهداف يقتضب تظافر الجهود الذاتية والفردية والمحلية والمجهود الحكومي لتحسين نوعية الحياة.
ثانيا: في موضوع الثقافة
1. في هذه المقاربة للثقافة نتبنى المفهوم الأنثروبولوجي للثقافة بشقيها المادي واللامادي. "فهي تشمل المعرف والمعتقدات والفن والقانون والأخلاق والتقاليد... إجمالا تتضمن المعطيات الفكرية والعاطفية والمادية."
أشار معظم الباحثين في الثقافة بوصفها الهدف النهائي للتنمية إلى جانب كونها وسيلة من وسائلها.
في سنة 2015 تمّ إدراج الثقافة لأول مرة في جدول الأعمال الدولية للتنمية المستدامة ضمن أهداف التنمية واعتبر التراث الثقافي المادي وغير المادي والطاقات الإبداعية موارد يجب حمايتها وإدارتها بعناية، فكل منها قادر على أن يكون محورا للتنمية.
تؤكد التنمية الثقافية في المغرب على الهوية المحلية، وتدعم التنوع الثقافي، والغنى الثقافي... هذا التنوع يجب استثماره ليكون قاطرة للتنمية.
على هذا الأساس، فالاستثمار الثقافي يخدم العنصر البشري الذي يلعب دورا أساسيا في ارتقاء ونمو أي نموذج تنموي بتشجيعه وتسويق عطاءه الإبداعي والفكري.
تحتل الثقافة اليوم مكان الصدارة في المناقشات بشأن الهوية والتماسك الاجتماعي والتنمية الاقتصادية القائمة على المعرفة.
وأخيرا يمكن القول بأن الثقافة قادرة على عرقلة التنمية المحلية، لذا يتوجب على القائمين على شأن التنمية إدخال البعد الثقافي في خططهم التنموية التي لن تنجح وتحقق مداها إلا إذا تكاملت مع البنية الثقافية والاجتماعية للأفراد والجماعات. ولعل فشل مشروع مركب دار الجلابة البزيوية ببلدة ابزو يعود بالأساس إلى عدم إدماج البعد الثقافي في البعد التنموي.
مدينة أفورار: 22 مارس 2022
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.