الصراع لتعريف التشدد داخل الحياة
العامة: - 01 -
الاعتداء على الحرية الفكرية (محنة
الفكر الحر في مصر)
أثرت
الأحداث التي وقعت في التسعينات من القرن الماضي على نحو كبير في الجدل بشأن دور
الدين في الحياة العامة، ولكن ليس بالشكل الذي افترضه معظم المراقبين. على الرغم
من أن الحكومة قد تكون عارضت الجهاديين الإسلاميين ومطالبته بتولي الحكم، فقد عملت
بالمثل ضد الرؤية العلمانية للمجتمع، وسعت الدولة وراء استقطاب ، وليس مواجهة،
الرؤية العالمية الإسلامية، وعرّفت نسختها المعدلة للقومية المصرية من منظور ديني
بحت. وعلاوة على ذلك، لم يكن ذلك انحرافا عن المسار، ولكنه صب في قلب مشروع الدولة
الحديثة داخل مصر: اشتركت وسائل الإعلام والتعليم وعناصر إنتاج إسلام رسمي بواسطة
مؤسسات الدولة بهدف تحقيق ارتباط لصيق بين الدين الإسلامي والهوية القومية
المصرية. ومن حلال الترويج لرؤية أسلامية صريحة للحياة العامة وربط سلطة الدولة
بالتقليد الديني، فقد سعى نظاما حكم السادات ومبارك إلى وضع حكمهما في إطار عمل
أخلاقي ربط بين الحاكم والمحكوم داخل شبكة من الالتزام الديني وباتباع ذلك، فقد
أثبتا شرعية أوجه الجدل الإسلامية عن الدين والحياة العامة على حساب البديل
العلماني. ومع ذلك، لم يكن ذلك تراجعا إلى التقليد، ولكنه على العكس كان رؤية
للحداثة مستنبطة بشكل كبير، إن لم يكن بصورة انتقائية، من الموارد الثقافية للتراث
الديني بالدولة.
وعلى
الرغم من سعي الدولة وراء وضع تعريف ل
"الدين المعتدل"، فقد تمكنت من تنفيذ ذلك "بدرجات متفاوتة من
النجاح"، اقتصر الترويج للإسلام اعتمادا على علماء الدين الرسميين، حيث خلق
ذلك متنفسا للإسلاميين المحافظين للتأثير في الخلاف حول طبيعة المجتمع المصري، كما
أكد أيضا المخاوف التي أثارها العشماوي وآخرون. ومن خلال
إعداد الدولة لكي تكون المحافظة على العقيدة والسماح لمؤسسات الدولة لكي تصبح جهاتَ
أحكام للمعتقد الديني، باتت المعارضة من جميع الأطياف عرضة للاضطهاد، حيث كان ذلك
واضحا على وجه التحديد ضمن سلسلة من القضايا القانونية التي رُفعت ضد مفكرين
علمانيين في أثناء التسعينات من القرن الماضي، والتي أعادت تعريف حدود الفكر الحر
داخل المجال العام. وقد رفعت هذه القضايا القانونية بواسطة محامين وصحافيين
إسلاميين ممن استهدفوا العمل الفكري الذي اعتبره الإسلاميون انتهاكا للفضيلة
العامة. ومع ذلك اعتمد هؤلاء النشطاء الإسلاميون على علماء الدين المحافظين من داخل مؤسسات الدولة، لكي
يقوموا إما بحضر هذه الأعمال أو فرض رقابة عليها، كما اعتمدوا على القضاة
المتعاطفين معهم للحصول على أحكام لمصلحتهم. ما حدث بالفعل هو إجبار سلطات الدولة
على دعم الأفكار الدينية التي كانت تروج لها الحكومة كأساس لشرعيتها.
وقعت
الهجمات الموجهة ضد الحرية الفكرية والفنية على نحو كبير من خلال منظومة المحاكم،
على الرغم من ارتباطها بعلماء الدين من داخل الأزهر، الذين خولت لهم سلطة حظر
الكتب والأفلام والموسيقى ونماذج أخرى من التعبير الإبداعي. ومورست هذه السلطة من
خلال مجمع البحوث الإسلامية، وهي مؤسسة من داخل الأزهر قامت بمراجعة الكتب
والأفلام ذات المحتوى الديني، وقد ساهم نظام مبارك في توسيع الولاية القضائية للأزهر
في هذا المجال من خلال فتوى أصدرها قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة عام 1994.
وجاء الحكم استجابة لطلب مقدم من شيخ الأزهر لتوضيح كل من نطاق وطبيعة سلطانه فيما
يختص بالرقابة على الأعمال الفنية. امتثالا لهذا الطلب. وسع نظام الحكم من سلطة
الأزهر لمراجعة كل شؤون النظام العام والفضيلة، وساهم في أن تكون هذه الأحكام
ملزمة، ما حدث هنا هو أن أعطى الحكم للأزهر سلطة الرقابة على الأفلام السينمائية
والتلفزيون.
كان أحد
الأسس الرئيسية للفتوى الصادرة من مجلس الدولة هو الجدل بأن "وحدة الأمة يمكن
أن تُرسخ فقط من خلال ضمان وحدة الفكر"، كما أشارت الفتوى إلى مركزية الإسلام
باعتباره دين الدولة ودين الأغلبية. وبالتالي: "تم النظر إلى الإسلام
والمبادئ والقيم الإسلامية على أنها متشبعة داخل النظام والأخلاق العامة، ولذلك تم
احتواؤه ضمن المصالح العليا للدولة". واستطردت الفتوى مصرحة بأن شيخ الأزهر هو "الحاكم النهائي لكل الأمور الدينية"، وأن
من ضمن نطاق سلطات مجمع البحوث الإسلامية (الذي يرأسه شيخ الأزهر) "مراجعة
الأبحاث والدراسات التي نشرت عن الإسلام والتراث داخل الدولة وخارجها، سواء كانت
تحتوي على آراء شرعية أو لا، وذلك للردّ عليها وتوضيحها".
..................................................................................................................
* عالم المعرفة. السياسة الدينية والدول العلمانية. سكوت
هيبارد. عدد413. يونيو 2014. ص 26/28. (بتصرف). يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.