إعادة النظر في السياسة الدينية: 03. الرؤى المتنافسة للأمة
إن أكثر
الأمور من حيث الأهمية في هذه الحالات هو صراع ليس بين التقليد والحداثة ـ ولا بين
النخب العلمانية والمعارضة الدينية ـ ولكن بين الرؤى المتنافسة للحياة الاجتماعية
الحديثة، بمعنى آخر، هي تعكس صراعا مستمرا من اجل تعريف الأمة. طبقا لما توضحه
الخلافات الأيديولوجية التي حدثت في أثناء القرن العشرين لم تكن الحداثة، وفقا
لتعريفها، رشيدة أو فردية أو ليبرالية. على النقيض، جرى تعريف الأشكال المتنافسة
للتنظيم الاجتماعي ت الفاشية، الرأسمالية الديمقراطية الليبرالية، الشمولية
الشيوعية ـ طبقا لصراع مستمر بين المفاهيم والأفكار "المنفتحة" و
"المنغلقة" للمجتمع. ولم يمثل أي منهم تراجعا في التقليد، على العكس،
فقد جسد كل منهم رؤية مختلفة للحياة الاجتماعية الحديثة، حيث التزم المجتمع
المنفتح بالقيم التنويرية لحرية الفرد، والتزم بالمنطق وسيادة القانون، بينما وصف
المجتمع المنغلق بأنماط هرمية من النظام الاجتماعي ومركزية السلطة السياسية. وسواء
كانت فاشية أو شيوعية أو قومية عرقية، فقد طرحت الوحدة السياسية من خلال هذا
المنظور بناء على مستوى عال من التجانس الثقافي. وعلى الرغم من أن هذه الرؤية
الرجعية للحياة الاجتماعية قد تكون مضادة لأعراف التنوير الخاصة بالمجتمع
الليبرالي، فقد كانت على الرغم من ذلك نتاجا للعصر الحديث.
كان
لأوجه الجدل بين الرؤى الشمولية والمحدودة للحياة الاجتماعية تأثير قوي في السياسة
الدينية طوال فترة الخمسين عاما الماضية، وفي كل حالة من حالات هذه الدراسة توقفت
لأوجه الجدل بشأن النظام الاجتماعي أمام التساؤل ما إذا كان من الضروري تعريف
الأمة من منظور علماني أو ديني، بمعنى آخر، هل من الممكن منح دين واحد الأسبقية
داخل مؤسسات الدولة القومية، أو عل ينبغي ألا تتبع تلك المؤسسات سياسة التمييز
فيما يختص بأمور العقيدة؟ ويبدو ذلك للوهلة الأولى أنه نزاع ديني حول توافق
الأعراف العلمانية والدينية، ومن ثم يؤدي ذلك إلى الخوض في اختلافات قديمة الأزل
حول الجدارة النسبية لخلق مساحة مستقلة داخل المجال العام لا يتمكن الدين المنظم
من التطفل عليها. ويؤمن أولئك ممن يؤيدون دورا أكثر
مركزية الدين في الحياة العامة ـ ويختلفون مع فكرة المجال العام المستقل ـ بأن
الدين يعد ضروريا لإشباع الرغبات الذاتية للمجتمع المسيطر، ويُنظر إلى الدين على
أنه مصدر للفضيلة ورمز لالتزام المجتمع بنظام أخلاقي فائق، بينما ينزعج المعارضون
لمثل هذا الدور الشامل الذي يمارسه الدين في الحياة العامة من التأثير الفاسد الذي
سوف تلحقه السياسة بالدين، ويؤمنون بأن العلمانية هي وسيلة مهمة لحماية الدين من
الآثار السلبية للتسييس. وبالمثل، تميل الأقليات الدينية نحو التصدي إلى
الارتباط المتسق بين الدين والحكومة وذلك لخوفهم من التهميش، واحتمال أن يصبحوا
مواطنين من الدرجة الثانية. وبالتالي، فإن الجدل القائم هو أن نظاما علمانيا وحده
ـ نظام الارتباط بيت الهويات الدينية والوضع المدني ـ يمكنه توفير أساس مبني على
عدم التفرقة لأسلوب حكم مجتمعات متعددة الأعراق ومتعددة الديانات.
............................................................................
* عالم
المعرفة. السياسة الدينية والدول العلمانية. سكوت هيبارد. عدد413. يونيو 2014. ص
2.6/28. (بتصرف). يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.