الصراع لتعريف التشدد داخل الحياة
العامة: - 03 -
الاعتداء على الحرية الفكرية (محنة
الفكر الحر في مصر)
محاكمة نصر حامد أبو زيد ونفيه ـ حضر
كتب العشماوي ومحاكمته ـ محاكمة محمود القمني ومصادرة كتبه ـ
لقد
مثلت محاكمة نصر حامد أبو زيد، الأستاذ الجامعي السابق في جامعة القاهرة، عام
1993، قضية أخرى مشهورة من قضايا حرية الفكر. وكان أبو زيد أستاذا في الدراسات
الإسلامية والأدب العربي وروّج لتطبيق منهجية التأويل عند تفسير القرآن الكريم في
ضوء السياق النصي، وقام أيضا بقراءة القرآن كنص مجازي وليس حرفيا. نظر عدد كبير من
زملائه من الذين قد اختلف معهم منذ زمن بعيد إلى ذلك على انه هرطقة وإلحاد،
واتفقوا مع محامين إسلاميين لتوجيه اتهامات رسمية ضده. وحكمت المحكمة برفض دعوى
الإلحاد المقامة ضد أبو زيد بسبب عدم وجود أساس قانوني لدى المحامين الذين رفعوا
الدعوى(وبمعنى آخر، لم تكن لديهم صلة شخصية)، ومع ذلك وعند الاستئناف، وجد
الإسلاميون قاضيا أكثر استعدادا لقبول الدعوى، ناقش أبو زيد قضيته على أساس حرية
الفكر والتعبير، وهو أمر كان يكفله الدستور. أما أولئك الذين رفعوا الدعوى فقد
استحضروا قواعد الشريعة الإسلامية بحجة أن كتابات أبو زيد شكلت تهديدا للمجتمع
المسلم. وكان أساس هذا الاتهام هو مبدأ "الحسية" الإسلامي الذي يلزم
جميع المسلمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكان الأمر الذي صدم الكثيرين هو
انحياز المحكمة إلى جانب أولئك الذين رفعوا الدعوى على أبو زيد وحكمها عليه
بالارتداد. كما أمرته بتطليق زوجته، بما أن زواج المرتد من مسلمة يعتبر انتهاكا
لما أمر الله به. وعلى الرغم من سقوط حكم الطلاق العام 1996 بموجب حكم من المحكمة
الإدارية، استمرت إدانته بالإلحاد وأجبر أبو زيد وزوجته على الرحيل من مصر لأسباب
السلامة الشخصية، وعاش في المنفى في هولندا.
وجد
محمد سعيد العشماوي، رئيس محكمة استئناف القاهرة ورئيس محكمة أمن الدولة العليا
الأسبق، نفسه في المأزق ذاته. وعلى الرغم من دراسته السابقة للقانون، فقد كتب
العشماوي على نطاق واسع عن الإسلام، وكان ناقدا بارزا للتوجه السلفي. وبصفته أحد
أنصار "الإسلام الإنساني"، ذكر العشماوي أن تسييس الدين بواسطة كلّ من
الدولة والمعارضة يعد متناقضا مع جوهر الدين. وإضافة إلى ذلك، فقد كان يوجه النقد
للتفسير الحرفي والانتقائي للإسلام الذي أيده علماء الدين الرسميون والإسلاميون
على حد سواء. جادل العشماوي بأن الإسلاميين اتجهوا إلى وضع حجتهم بناء على
"الآيات الوقتية" بدلا من "الآيات الدائمة" داخل التقليد
القرآني وتجاهلوا الفرق بينهما. وقد أدّى موقفه في هذا وفي قضايا أخرى إلى تعرضه
للهجوم بواسطة أعضاء من الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين. وفي عام 1992 أوصى مجمع
البحوث الإسلامية بحضر مجموعة من كتبهن وأمر بمصادرة خمس نصوص معينة. ودعا أحد
الأعضاء البارزين في جماعة الإخوان أيضا إلى محاكمته، لأنه "هاجم العقيدة
الإسلامية ووجه الإهانة إلى العديد من القيم الإسلامية". وقد تدخل الرئيس
مبارك، بصفته صديقا قديما للعشماوي، وفي هذا الشأن أبطل أمر المصادرة. ومع ذلك،
وفي عام 1996 أُصدر أمر مماثل بخصوص كتابه "حقيقة الحجاب" الذي ذكر فيه
أنه لا يوجد نص في القرآن الكريم أو السنة النبوية يلزم المرأة بارتداء الحجاب،
وأن هذا مجرد شكل من أشكال العادات، وهو الذي جعل مجمع البحوث الإسلامية يصدر أمرا
بمصادرة الكتاب. وأشار العشماوي وقتئذ إلى أن "هذه المصادرة بمنزلة أمر ديني
للتحريض على اغتيالي".
هناك
علماء بارزون آخرون استهدفوا على نحو مماثل، ومنهم سيد محمود القمني، الذي حظرت
جبهة علماء الأزهر كتابه بعنوان: "رب هذا الزمان" في عام 1997. كان
الأساس وراء الإجراء الذي اتخذته الجبهة والمحاكمة اللاحقة للقمني هو تقرير نشر عن
عمله بواسطة مجمع البحوث الإسلامية، حيث انتقد التقرير الوصف الذي قدمه القمني
لثالث الخلفاء الراشدين، عثمان بن عفان بالإضافة إلى استناده إلى العهد القديم في
وصف حياة سيدنا إبراهيم عليه السلام (وهو الأمر الذي يتناقض مع المصادر القرآنية).
وكان الهجوم على كتاب "رب هذا الزمان" جزء من حملة موسعة ضد مائة وستة
وتسعين كتابا اعتبرها الأزهر تدعو إلى التجديف. وأحيلت القضية إلى محكمة أمن
الدولة بناء على طلب من الأزهر، مما أدى إلى اتهام "القمني" "بنشر
الأفكار التي تشوه الإسلام" بموجب المادة رقم 198 من القانون الجنائي. تداولت
الصحف الإسلامية القضية بشكل مكثف، ووصفت القمني سريعا بالكفر، وعلى الرغم من
تبرئته في النهاية من كل الاتهامات (أشار حكم القاضي إلى بعض المواد بالدستور التي
تضمن حرية التعبير) فإنه مثل العشماوي، اضطر إلى العيش تحت تهديد الاغتيال.
..............................................................................................................................
* عالم المعرفة. السياسة الدينية والدول العلمانية. سكوت
هيبارد. عدد413. يونيو 2014. ص 142/144. يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.