عندما يقترب حلول شهر محرم تعم الفرحة قلوب النساء والبنات والأطفال
استعدادا للاحتفال ب "عاشوراء التي هي مناسبة عظيمة تحظى باهتمام كبير لدى
سكان المنطقة. يشاركه فيه الأطفال والرجال والنساء.
بالنسبة للأطفال فهم يقومون طيلة الشهر بجمع الحطب وتخزينه في أماكنة آمنة
استعدادا ليوم "الشعالة" حيث يتنافس أبناء الدواوير حول من ستبقى شعلته
متقدة إلى وقت متأخر من الليل، ويشارك الرجال الأطفال بالقفز فوق الشعلة لسبع مرات.
وجرت العادة أن يرددوا أثناء عودته بالحطب أن يصطفوا وهم يرددون "طايفة تمشي
واتجي، على قبر مولاي اعلي" (طائفة تذهب وأخرى تعود إلى قبر سيدنا علي). أما
البنات فيصنعن دمية من القصب ويلبسنها الجلباب والسلهام والحداء (البلغة) ويتوسلن
بها للحصول على الهدايا كالسكر والتمر..(لَبْيَاض). أما النساء فيتجمعن لمدة عشرين
يوما يرددن أغاني حزينة تتعلق بالسيد "عاشور" الذي مرّ كما يبدو بمحنة
انتهت بقتله. وجرت العادة أن تهجر النساء كل أشكال الزينة حتى الليلة الأخيرة وقد
شاهدت في طفولتي النساء وهن يقمن منذبة
يمزقن خلالها ثيابهن، ويخدشن وجوههن. إنها ليلة موت السيد
"عاشور" .
وفي الصباح الباكر تنهض الفتيات الصغيرات ويبدأ طقس دفن السيد
"عاشور" في جو من الخنوع والخشوع، وتقوم النساء بتوزيع التين والتمر في
المقابر. وحوالي الساعة العاشرة يبدأ طقس زمزم حيث يتجمع الأطفال الصغار والكبار
ليتراشوا بالماء، ولا يسلم المارة من الرش، ويدوم الطقس حتى صلاة الظهر فيتفرق
الجميع. (يبدو أن "الشعالة" (النار) هو تسرب لمهتقدات الديانة الفارسية
خصوصا الزرادشتية وعبادة النار)
بعيدا عن تحليلات الأنتروبولوجيين فيما يخص رمزية الماء والنار في الثقافة
الإنسانية عموما فيبدو لي شخصيا ومن خلال المتن المتوفر اعتمادا على الأغاني التي
ترددها النساء في المنطقة بالمناسبة، والعنف الذي يمارسنه على أجسادهن أن لها
علاقة بالطقوس الشيعية التي نشاهد بعضها اليوم عند الشيعة الرجال (جلد النفس
تكفيرا عن خيانتهم للحسن والحسين)، إنها احتفالات جنائزية رمزية مرتبطة بموت سيدنا
الحسين بن علي شهيد كربلاء سنة 61 هـ. وقد عرفت المنطقة هذا المذهب خصوصا في العهد
الموحدي الذين أقاموا دعوتهم بدعم من المصامدة وهم من أسسوا مدينة ابزو..ولا زالت
النساء إلى يومنا هذا يرددن أغاني أمازيغية يحيل مضمونها على الحسين بن علي ووالده
علي بن أبي طالب أثناء طقوس الزواج.(2)
أما
"زمزم" فيبدو لي أنه طقس يأتي في إطار مواجهة رمزية بين "النار" و "الماء"
(يبدو أن الماء يحيل على مكة موطن نزول الدعوة الإسلامية). فطقس النار والاحتفال
الجنائزي يحيل على ما أصاب أهل البيت من مآسي، والذي انتصر مذهبهم في المغرب في
فترة من تاريخه، لكن المذاهب الأخرى لم تكن غائبة عن الساحة كالمذهب الحنفي
والمالكي، ولا شك أن هذه المذاهب صارعت بعضها البعض من أجل ترسيخ معتقداتها.. انتهى
الصراع على أرض الواقع، لكنه اتخذ شكلا رمزيا لا يزال حاضرا كطقس حتى وقتنا
الراهن. "النار" ترمز للمذهب
الشيعي، التي يطفئها "الماء" الذي يرمز للمذهب السني .
بَابَا عَاشُور
يصنع من جدع القصب، أما اليدين فيتم تقطيع القصب
إلى شرائط ويتم تغليفهم بالأثواب، وتشد إلى الجدع، أما لباس "عاشور"
فيتكون من سبعة ألوان: الأصفر والأخضر والأزرق والوردي والرمادي والبني والبرتقالي
(إضافة إلى الأبيض والأسود). أما لباسه فإضافة إلى الأثواب بألوانها السابقة الذكر
فإن القطعة الرئيسية تبقى هي السلهام والعمامة (الرّزّة).
يصنع يوما قبل ما يسمى بيوم
"الشعالة" أو "ليلية الذيالة". وهي الليلة التي يطبخ فيها
اللحم الذي تك تجفيفه من أَضحية عيد الأضحى ومن عادة الفتيات أن يحملن
"عاشور" على ظهورهن والتنقل به بين الحوانيت والمنازل يستعمالونه للحصول
على القليل من النقود التي يتصدق بها، ومن العبارات التي يرددنها: "اعطونا
افلوس بابا عاشور". وفي يوم توزيع التين في المقابر صدقة على أرواح الموتى،
تستيقظ البنات والأمهات عند الفجر، يوقدن النار ويبخرن "عاشور"
ويُعطّرنهُ ويحملنه ليدفنه حول صخرة معروفة في البلدة باسم "صخرة بابا
عاشور" لأنها مخصصة لاستقبال جثمان السيد "عاشور" في كل موسم.
(1). المصطفى فرحات. طقوس وعادات أهل ابزو. منشورات المعهد الملكي للثقافة
الأمازيغية. مركز الدراسات الفنية والتعابير الأدبية. سلسلة دراسات وأبحاث. مطبعة
المعاريف الجديدة – الرباط. 2007.
(2). المصطفى فرحات. ابزو: محاولة لاستعادة الذاكرة المفتقدة. مطبعة وليلي –
مراكش. الطبعة الأولى. 2008.
(3) الصور تمثل "بابا عشور" مجسدا..وزوجته "خَدّوجة".
المصطفى فرحات
ابزو: نونبر 2014.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.