بعد ديوانها "المساء" يأتي الديوان الثاني للشاعرة ليلى ناسيمي الذي عنونته ب "كأس واحدة تكفي" ليشكل إضافة نوعية لمسار شاعرة جعلت من القصيدة ماءها وهواءها، وأسلوبا لمعانقة كينونتها. والديوان صدر هذه السنة عن منتدى العشرة ويتكون من 112 صفحة وينقسم إلى قسمين أو توليفتين:
التوليفة
الأولى تتشكل من 22 نصا.
التوليفة
الثانية تتشكل من 20 نصا.
وسأحاول في هذه القراءة مقاربة الديوان من جانبين:
المستوى الدلالي: سأعمل على الكشف عن أهم المواضع
والقضايا موضوع التجربة لدى الشاعرة.
المستوى الفني: سأشير فيه إلى الأدوات والأساليب
والتقنيات التي توسلت بها الشاعرة للتعبير عن مضامينها.
ولابد من الإشارة إلى أن هذين الجانبين قد يحضرا
أحيانا بشكل متزامن أثناء قراءتي للديوان، وما التفريق بينهما إلا لدواعي منهجية
فحسب.
أولا: الجانب الدلالي:
التوليفة الأولى:
من خلال نصوص هذا القسم يبدو أن الشاعرة منشغلة بهموم الذات في علاقتها
بنفسها وبالآخر والعالم وأشياء هذا العالم، وهذه الملاحظة تصدق على التوليفة
الثانية أيضا مع أن الشاعرة اختارت بعناية نصوص التوليفتين مما حقق نوعا من
الخصوصية والتميز في نفس الآن، كما ضمن الانسجام والتكامل بينهما.
في التوليفة
الأولى تنتقل الشاعرة بين ضمائر متنوعة: ضمير المتكلم، ضمير المخاطب، ضمير الغائب
مما يخلق جوا من الحوار الداخلي والخارجي، حوار بين الأنا والهو، بين الذات والآخر
في سعي حثيث من الشاعرة لهدم الفواصل والحواجز المنتصبة بين هذه العوالم الداخلية
والخارجية، وبالتالي مد خيط التواصل في ما بينها لتصبح القصيدة في نهاية المطاف
الفضاء الأوحد والممكن القادر على الجمع بينها.
إن حضور
المخاطب سواء أكان ضميرا لغويا بارزا أو مضمرا، أو حضور المخاطب باسمه الصريح في
إهداءات الشاعرة يؤشر على حضور هذا الآخر في وعي ولا وعيها أثناء عملية الإبداع،
أو بعبارة أخرى يصبح الآخر مؤثرا ومحفزا للعملية الإبداعية ولا محيد عن استحضاره.
وإذا قمنا
بتصنيف قصائد هذه التوليفة اعتبارا على نسبة حضور هذا الآخر في النصوص نجد تسعة
نصوص وهي: 1. لا تصدق الضلال بعد الآن. 2. خذ الكلام بقوة ويقين. 3. قال في عجالة.
4. يرحلون بلا أغنيات. 5. بار فلاي. 6. سكرة أخرى. 7. فدية الماء. 8. ليس ينفع
الرثاء. 9. حلزون الشرق.
أما القصائد التي تهيمن فيها الذات فهي: 1. منافي. 2.
قدح المساء الأخير. 3. أنا العرافة. 4. بهدوء. 5. جسر الحواس الخمس. 6. تراتيل
منفية. 7. تمزقات. 8. أحمل القلب. 9. كأس واحدة تكفي.
وهناك قصائد
يكاد يكون فيها حضور الذات مساو لحضور الآخر وهي: 1. ودعناها واكتفينا بالنظر. 2.
نحن الحجر القديم.
أولا: صورة الآخر في علاقته مع الذات الشاعرة:
فيما يخص
صورة الآخر كما تتجلى في القصائد فهي تتخذ أشكالا وحالات مختلفة، إلا أن الصورة في
عموميتها تبدو على مرآة النصوص مشروخة، وبألوان قاتمة، إنها ذوات في وضعيات محبطة،
والشاعرة تسعى إلى ترميمها ومنحها نسمة ضوء ربما تسعف هذا الآخر في رؤية نفسه
بوضوح، وبالتالي استرجاع الجزء الغائب أو الخفي من ذاته. وإذا تتبعنا هذا الآخر في
هذه التوليفة فإنه يبدو لنا في الوضعيات التالية:
1/أ. التائه الضال الباحث عن هوية أضاعها في لحظة سهو
أو شرود أو توهان دون أن يدري أنه فقد ذاته، لكن الشاعرة التي تعي هذه الحقيقة
التي يجهلها أو ربما يتجاهلها تنبهه مرارا إلى ضرورة التيقظ والحذر. وفيما يشبه
الوعظ تقول:
ظلك من تركك تسقط
في الفراغ
ثم ادعى مد
اليد بطوق الخلاص
فلا تصدق الظلال بعد الآن
وتكذبني.
(الديوان. ص 9)
1/ب. المعزول والمنسي الساعي إلى الأمن والسلام الروحي
وعن أناه المغتربة فيه، لكن الألم يسكنه على الدوام. ويتناسل الحزن والقلق فيه
عندما لا يتوقف محوه ونسيانه من ذاكرة الآخرين، بل يمتد المحو إلى ذاكرة الأرض
والوطن. تقول الشاعرة مخاطبة إياه وكأنما تعيد له بعض الأمل:
فتش عن حلمك أينما كان
ودع السكاكين خلف جدران الأمان
يرتلون في الزمن الافتراضي
يرتلون صلوات النسيان
مثلي أنت تعبر كنور طائش سراديب النفس
ثم تعود متقابل الاتحاد مع ذاتك
محنة الشعراء
حيث اللوذ بدم الآلهة المراق.
(الديوان.
ص 13)
1/ج. الأخ المفقود الذي رحل بعدما أخذ معه أشياء كثيرة
لم تصرح بها الشاعرة، وترك الأم للأسى المقيم، وللأخت المخبرين وحرقة الفراق.
تقول:
حكيم أخي
ذهب
وأخذ مع ذلك الذي
أمي تذوب مهجتاها
وأنا..
من يومها أبحث عنه.
(الديوان.
ص 19)
1/ذ. المهاجرون السريون الذين يركبون البحر هربا من
الفقر والحرمان، ويغامرون مقامرين بأرواحهم، لكن للأسف الشديد، ورغم التضحيات فهم
لا يجنون في الغربة إلا فتاة الغرب. تقول:
الذين يركبون هدير الموج
يرتلون وصاياهم في دمي
يبحرون إلى الفجر فرادى
ولا يعبؤون بالهم المسجى على الفجر هناك
الذين يلجون العام خاليي الوفاض مما سقط من قبعة
"بابا نويل"
(الديوان.
ص. 20)
1/ه. الهارب في كؤوس الخمرة ليدفن فيها ألمه ومعاناته
وخيباته وينسى ضجره. إنه الشاعر المصلوب على جدار الحانة، إنه الشاعر المنكسر
والمنهزم والمشرف على حافة العته. تقول الشاعرة:
كلما عن لمساميره الرقص
على زهو الحزن العتيد
أذكت إدمانه النزيف الملعون الجنوني.
(الديوان.
ص 22)
ثانيا: صورة الذات.
يقدم لنا
الديوان صورة عن ذات الشاعرة بألوان قوس قزح، وبرؤية تتوخى الكشف عن انشغالات
الذات، همومها ورؤاها، آلامها وآمالها وذلك بهدف تقريب عوالمها الظاهرة والخفية
للمتلقي. فكيف تتجلى هذه الذات؟
1/أ. إنها تحيا خارج الجسد والعالم، وحده الكون الشعري
يحضنها، يدفئها، ويحميها من التشرد وصقيع الأيام والأزمنة. وحده البيت الشعري من
يشعرها بالأمان. تقول:
أنا المنفي داخل الكلمة
أظل أتلصص من ثقب الحرف
أرتق جرح الفكرة
وأخيط فمي بخيط الحزن
أخشى غضب القصيد.
(الديوان.
ص 10)
1/ج. الذات الحاملة والمتحملة لأخطاء العالم، إنها
البؤرة التي تتلاقى فيها تعاسات العالم، فتتشظى هذه الذات في أنفس المقهورين
والمظلومين..تقول:
يدي التي تدق
أجراس باب السماء
وسري هذا الملوم
مصلوبا عند باب الرجاء
وكل شرايين العالم المسفوح دمها
شراييني وأوردتي.
(الديوان.
ص. 16)
1/ذ. الذات العرافة التي تقرأ الغيب، وهي إن تعي أن
التنجيم عند البعض مجرد خرافة إلا أنها أدرى بمن يسكنها، ويملي عليها أقوالها، وإن
كان هذا الساكن هو الغربة والألم الذي عشش منذ الأزل، ومع ذلك فإنها تحاول لم
شتاتها، وشتات أحلام الإنسان في كل مكان وزمان، وحملت على عاتقها طواعية أن لا
تتخلى عنه أبدا لأن ذلك يمثل جزء من سحر وسر كينونتها. تقول:
أنا العرافة
متى..متى صدقتني الخرافة من يلومها
منذ أن لا مست حلمة أذني بطن الأرض
نهشت الغربة كبدي واعتراني الرحيل
مرة بعد مرة..أرحل..أتلاشى..أمضي
بعض يجر بعضي
أنا الآن أدخل طقس الدهشة وأقول.
من بات منكم بلا حلم أو ألم
حلت به لعنة الصمت
وطوقته الظنون.
(الديوان.
ص. 25)
التوليفة الثانية:
تضم هذه
التوليفة واحد وعشرون قصيدة تنسجم في مجملها مع التوليفة الأولى وإن تميزت من حيث
المضامين وأسلوب تناول هذه المضامين، وسأقف في مقاربتي لهذه التوليفة عند ظاهرتين
بارزتين وهما: القصيدة الومضة، أو الشذرة. وفي هذا الإطار يمكن رصد جملة من النصوص
وهي: 1. الباب الأول. 2. الباب الثاني. 3. قطفة. 4. النشيد. 5. إدمان. 6. حب. 7.
غضب. وتتراوح الأسطر الشعرية لهذه الومضات ما بين أربعة أسطر وسطرين، وتقوم نصوص
هذا النوع من الشعر على التكثيف اللغوي الذي يبلغ المعنى بشكل صادم وبلا تفاصيل أو
إرشادات لغوية تكون بمثابة صوى يهتدي بها القارئ إلى فك الرسالة إدراك الدلالة،
وهي، مع ذلك، بقدر ما توجز في اللفظ تبدو شفافة الدلالة، إنها تستهدف الفكر قبل
الشعور لتمنح للمتلقي لحظة تأمل يستعر فيها اللذة الفكرية والشعرية معا.
إضافة إلى هذا، فالومضات تحاول أن ترقص على إيقاعات
صوتية مستثمرة ما تقدمه البلاغة من محسنات لفظية كالجناس والسجع والمقابلة
والكناية والطباق وما إلى ذلك من أذوات وظفتها الشاعرة بحس فني كبير. تقول في ومضة
النشيد:
أنت أيها الشاخص إلى المدى
أي نشيد تراه يردد الصدى.
(الديوان.
ص. 67)
إن التجانس القائم بين المدى والصدى، وبين تراه ويردد،
وتكرار صوت/حرف الراء بشكل متناوب مع صوت/حرف الدال منح للومضة إيقاعا داخليا ساهم إلى حد بعيد في
شعريتها مما يجعلنا نستلذ شكل الصياغة قبل استلذاذ روح المعنى والذي يبقى على العموم
حمال أوجه.
نفس التقنيات والأساليب، وطريقة القول الشعري في جل
الومضات كما تشي بذالك الومضة التالية. تقول الشاعرة:
أخذت الباب معك، وخرجت
عدت ولم يعد الباب
من أين أخرج أنا إذا.
(الديوان.
ص. 64)
فقد طابقت
بين خرجت وعدت، وبن عدت ولم يعد، وكررت فعل الخروج مرتين، والباب مرتين، وجانست
بين أين وأنا، فاغتنت الومضة محسنات لفظية متنوعة، وتحول الباب إلى رمز غني
بدلالات الحب والحنين والحصار..
هكذا تبدو
الومضات عند الشاعرة مثقلة بالرمزية والجمالية اللفظية والدلالية التي تمنحها لحظة
متعة قصيرة المدى في زمن القراءة ولكنها عميقة المعنى حين نتأملها. وأحب أن أختم
بهذه الومضة دون أن أعلق عليها لأنها إشراقة تكفي نفسها بنفسها:
عزفت الريح ترنيمة اللامنتهى
فتداعت أوتار الكمنجات
(الديوان.ص.43)
إضافة إلى هيمنة أسلوب الومضات على التوليفة الثانيةـ
فقد طغت نصوص شعرية تناولت موضوع المدينة وهي: 1. قسنطينة. 2. لوي جانتي (اليوسفية
حاليا). 3. مراكش. 4. ورززات. 5. طنجة. 6. بغداد. والشعر العربي عموما والمغربي
خصوصا زاخر بالقصائد التي تتحدث عن المدينة إلا أن ما يميز شعر رواد الحداثة
العربية هو أن شعرهم حول المدينة اقترن دائما بالريف أو البادية، فأغلب هؤلاء
الشعراء قضوا فترة طفولتهم في البادية وتطبعوا بطباعها، وتجدرت طبيعتها في أنفسهم
وأرواحهم، وعندما فارقوها أغلبهم لإتمام دراستهم في المدينة ظل الحنين والشوق
دائما يشدهم إلى البادية، وبالتالي جاء شعرهم عن المدينة مليء بالأسى والحسرة، لقد
رأوا فيها رمزا للغربة والحصار والبؤس والاغتراب وما شابه، إلا أن الشعراء الذين
ولدوا في المدينة وترعرعوا فيها جاء شعرهم بنكهة خاصة فلا نجد في قصائدهم أثرا
للبادية، بل تعاملوا مع المدينة برؤية خاصة ومميزة كما هو الشأن بالنسبة لشاعرتنا
ليلى ناسيمي. فعند تأمل القصائد السبع في هذه التوليفة نخرج بمجموعة من الخلاصات:
كل قصيدة هي في أصلها تجربة خاصة جدا ارتبطت بلحظة
زمنية محددة أسست لها مشاعر الدهشة والانبهار والاعجاب كما هو الشأن في قصيدة
ورززات:
ورززات
واو ورد وورد دراقي التهليل
إليه البصر يرقى فيغشى القلب حب ورززات
ورا رؤيا
وزاي زهو وزهد
به ورززات تتجلى
وألفان مدا ألفة وحبال وصل حتى
وتاء تمر
تلك ورززات.
(الديوان.
ص. 97/98.)
قد تكون المدينة أيضا صورة عالقة في الذاكرة، فتبدو
العلاقة بين الشاعرة والمدينة كارتباط الدالية بشجرة التوت. ومهما بدت هذه المدينة
في أعين الآخرين فإن الحقيقة الوحيدة هي أن الشاعرة تعشقها وتتمنى أن لا تموت قبل
أن تستمتع بفضاءاتها. ومن هذه القصيدة نقتبس:
أستغرب القلب إذ تهاوى من أعلى سنوات
التمرس ليخر صريعا في وحل الذكرى
كعصفور يرنو إلى الإنعتاق من ضجر اليومي وعناد
الزمن الأرعن
.......
أبدا تلهث ركضا وراء الأيام، وتنبض بشغف للزمن
لن نستثني كواكب البوح الآن من الدوران
شرايين من النور تمتد جسورا بيننا
مراكش الرمز وأنت الدلالة.
(الديوان.
ص. 101/104.)
وقد تكون المدينة متواطئة مع الشاعرة ومن خلالها ترى
الشاعرة صورتها منعكسة في كثير من فضاءاتها، فتبادلان العواطف والمشاعر وأشياء
أخرى. تقول:
لثقب في الحائط دلفنا
اعتلينا مراتبنا
ومن ندى الحب رشفنا كاسات جذلى
فابتسمت طنجة لي..
راودتني هبات البوغاز وذكرتني
آه طنجة كدت أنسى
(الديوان.
ص.93.)
هكذا تتخذ المدينة عند الشاعرة أبعادا متنوعة ترتبط
بما هو نفسي واجتماعي وروحي، تلتقط عين الشاعرة المشاهد التي تؤثث للمدينة وتشكل
جانبا من جوانب هويتها لتصوغة بأسلوب شعري يحتفي بالتفاصيل الدقيقة. ففي قصيدة
مراكش نجد هذا المشهد الذي أن نقول معه بأن شاعرتنا تتحدث عن مراكش وإن لم يرد اسم
المدينة في القصيدة. تقول:
متلصصة كنت قد دخلت المدينة
لم تعبأ بقدومي الملائكة ولا حتى الشياطين
آه كيف تعبق الذكرى من وراء ستار في قبة
السبتي فأجدني للحظة
طفلة رابضة عند مدخل السيد الجليل أنظرك
تقبلين خبزة من شعير أسود
توزعينها على الصغار متمتمة
"ياسيدي بالعباس خذ خبزك وردني
لبلادي.."
(الديوان.
ص. 105.)
كما أن المدينة قد تتحول إلى معشوقة تسبي وتدهش فيكن
البوح بالمكنونات والمشاعر التي نُسيت ربما، ويتعمق هذا البوح حين يكون اللقاء
مرهون بلحظة متميزة وفارقة في حياة الشاعرة، تقول:
ويحي منك قسنطينة ويحي
إن لم يكن فيك اليوم بوحي
لكل درب حرف من لجين
وسبك من حرير وحنين
لكل حين روح تمتد عبر السنين
هي
ألقة بلقاء العاشقين
هي ذي قسنطينة على وزن الحب
والحلم
ودهشة العابرين.
(الديوان. ص.
108.)
ثانيا: الجانب الفني:
لقد اختارت
الشاعرة أن تعبر عن تجربتها ورؤيتها بأدوات فنية متنوعة، هذه الأدوات أغنت
الدلالة، والتجربة الشعرية عامة وطبعتهما بطابع خاص، وسأعمل على مقاربة هذا العنصر
من خلال التركيز على عناصر فنية ـ هي من وجهة نظري ـ كفيلة أن تضعنا في قلب تجربة
الشاعرة.
1/1. الحقل المعجمي:
تنوع المعجم الموظف من قبل الشاعرة ومتح من مضان
مختلفة لكن الملاحظ هو أن هذا المعجم يقوم على ثنائية ضدية تتقابل فيه المفردات
لنبصر عالما برؤية ثنائية الأبعاد:
أ/1. معجم يحيل على اللذة والنشوة التي تحدثها الخمرة:
الخمرة. الكأس (4مرات). سكرة (5مرات). القدح (مرتين). البابلية.
أ/2. يقابله معجم يحيل على الدين: المعبد. الهيكل.
الكعبة. الحضرة. الربانية. الراهب. الناسك. التعميد. المسوح. التكبير. وكما هو
ملاحظ فالمعجم يستحضر كل الديانات السماوية تقريبا.
ب/1. معجم يحيل على الضوء والنور: التوهج. الكريسطال.
الثلج. الأبيض. النهار. الفجر. الوميض. النيزك. النور. الشهب. الحارق. النجم.
ب/2. يقابله معجم يحيل على الظلمة والعتمة: السديم. الظل. العتمة. الظلام.
السراديب. الضباب. الجب. الرماد.
ج/1. معجم مرتبط بالموت والغربة والحزن والقلق:
الوحشة. الغربة. الانهيار. الحزن. الرحيل. الشرود. الاعتزال. التيه. العدم. الألم.
الحطام. الأسوار. التعاسة...
ج/2. يقابله معجم مرتبط بالحب لغة القلب والحياة:
القلب (36مرات) وما يرتبط به كالفؤاد. اللب. الصدر. البعث. الزهو. البهاء. البهجة.
الحمائم. الفرح. العروس...
ح/1. معجم مرتبط بالقول الشعري: الشعراء. اللغة
(5مرات). المجاز. المعنى. الكلمة. الفكرة (4مرات). الفكرة (3مرات). الانزياحات.
الكلام.
ح/2. معجم مرتبط بالصمت والعي وعدم القدرة على
الإفصاح: العواء. المنفي. الصمت. التهجي. الجهل. النشيد النازف. المعنى الضبابي.
اللغو. رماد الفكرة...
خ/1. معجم مرتبط بالماء في كل حالته: البحر (6مرات).
الغيمة (5مرات). القطر. الندى. الموج. الثلج. الجليد. الشلال. النهر. المطر.
الفيض. الرذاذ. الزبد
خ/2. معجم مرتبط بالجفاف والقحط: النضب.
د/1. معجم مرتبط بالنبات: الصفصاف. النخلة. السنبلة.
الورد. البرتقال. التوت. العرعار. الصبار.
د/2. معجم مرتبط بالزمان: النهار. الليل. الفجر.
الوقت. المساء. الأمس.
ذ/1. معجم مرتبط القسوة:النتوءات. الحجر. الأخدود.
الأظافر. الجدار. الأحمر.
ذ/2. معجم مرتبط الليونة: أملس. الطين. الفرشاة.
هكذا نجد أنفسنا أمام معجم متنوع يعكس في مجمله توزع
الشاعرة بين الواقعية والرومانسية والرمزية، وبالتالي يمد القصيدة بطاقة إيحائية
تثري المعنى وتوسع من مساحات الدلالة.
1/2 الرمز:
يحضر الرمز
بشكل بارز في مجموعة من النصوص، ويعتبر من بين أهم الأدوات التي لجأت إليها
الشاعرة لتبليغ معانيها الثقافية والاجتماعية للتعبير عن مواقفها من قضايا عصرها،
وما تعانيه من انفعالات وتوتر، وقد وظفت الشاعرة نوعين من الرموز:
الرمز المفرد:
في هذا النوع من الرموز تكتسب الكلمة المفردة قيمة
رمزية في ارتباطها بأحداث تاريخية أو شخصيات دينية أو مواقف اجتماعية أو أمكن ذات
دلالة خاصة أو إشارات تراثية محلية أو كونية، واستمدت الشاعرة رموزها من مرجعيات
مختلفة نذكر منها:
1/أ. الأشجار:
تقول في قصيدة "ذكرى تعريجة على مراكش الحلم
والطفولة":
غثاء، وزبد نز ملء الفم والأعضاء
تفسخا سقطت أوراق التوت
(الديوان.
ص. 102/103)
فشجرة التوت كما نعلم لها مرجعية في التراث الديني
باعتبار أن أوراقها هي التي غطت بها حواء وآدم عورتاهما بعدما طردا من الجنة،
والمعنى المراد ها هنا هو أن لا مجال للمداراة والكذب لأن الحقيقة اتضحت وبدت
عارية ولا يمكن تزييفها أو إخفاؤها.
1/ب.الأماكن:
لهفي عليك
وستفتح لي عيناك
معبرا لبغداد الرشيد
(الديوان.
ص.92.)
مدينة بغداد تحمل من الدلالة التاريخية والثقافية
والحضارية والنفسية الشيء الكثير، هي ذاكرة غنية بالأبعاد الرمزية، وحاضرة بقوة في
وجدان كل عربي، لقد مر عليها ويمر إلى يومنا هذا أحداث ظلت عالقة في ذاكرة
التاريخ.
الرمز المركب:
وهو الرمز المتعدد الأبعاد، وهو مرتبط بمجموعة من
الصور الشعرية المتداخلة في القصيدة الواحدة أو المقطع الشعري، وتظهر دلالات هذا
النوع من الرموز ضمن سياق مرتبط بتجربة الشاعرة الوجودية والفكرية ..ومن المصادر التي اعتمدت
عليها الشاعرة التاريخ والأسطورة والدين، وفيما يلي بعض النماذج:
2/أ. الدين:
يتبدى في قصيدة "القدح الأخير" نقرأ:
يدي، هذه التي تدق
أجراس باب السماء
وسري هذا الملوح
مصلوبا عند باب الرجاء
وكل شرايين العالم المسفوح دما
شراييني وأوردتي
شملها لطف
القدح الأخير هذا المساء
(الديوان. ص.
16)
المقطع يحيلنا بلا شك إلى على العشاء الأخير الذي جمع
السيد المسيح مع حواريه وما تولد عن هذا العشاء من أحداث انتهت بالقبض على المسيح
ومحاكمته وصلبه، وهكذا تلتقي تجربة الشاعرة الوجودية في علاقاتها المعقدة مع واقع
صعب وقاس مع تجربة المسيح.
وجاء في قصيدة "أنا العرافة":
تنبأت الريح بسقوط النوارس
أسدلت سجاح خبائها توسدت صدع زنادها
سقط فرض
وكان مهر سقوطها
وجعا معمدا بنار السادن يلهبها.
الديوان. ص.
26)
1/3. الصورة الشعرية:
إذا كانت الصورة الشعرية في أكثر التعاريف شيوعا هي
تركيب لغوي لتصوير معنى عقلي وعاطفي متخيل لعلاقة بين شيئين يمكن تصويرهما بأساليب
عدة، إما عن طريق المشابهة أو التجسيد أو التشخيص أو التجريد فإن لها أيضا ارتباط
بالجانب النفسي والوجداني للشاعر والشاعرة ورؤيتهما للعالم، وبالتالي فإن الصورة
الشعرية هي العنصر الجوهري للشعر..وتتميز الصورة الشعرية عند ليلى ناسيمي من حيث
البناء بالتنوع من حيث استغلالها الأساليب البلاغية، إنها تقوم على:
1/3/أ. المشابهة: وهي رصد مظاهر المشابهة بين عنصرين
أو أكثر، ومن نماذج هذا النوع قصيدة "ذكرى تعريجة على مراكش الحلم
والطفولة" تقول الشاعرة:
أستغرب القلب إذ تهاوى من أعلى سنوات
التمرس ليخر صريعا في وحل الذكرى
كعصفور يرنو إلى الإنعتاق من ضجر اليومي وعناد
الزمن الأرعن
(الديوان.
ص.101.)
1/3/ب. التجريد:وهو خلع صفات معنوية على المحسوسات،
تقول:
أمست الحقيقة وحيدة..عارية..
لا عزاء
(الديوان. ص.
103)
إني لأركب غمار المهج
وأعبر بوابات الزمن البهيج
إلي..
(الديوان.
ص. 89)
مالي لا أرفق بي مال؟
وريقات الصبر ..تتطاير..
(الديوان. ص.
84.)
3/1/ج: وهو إكساب المعنويات صفات محسوسة، ومن أمثلة
هذا النوع:
وسري هذا الملوح
مصلوبا عند باب الرجاء
(الديوان. ص.
16)
نهشت الغربة كبدي واعتراني الرحيل
مرة بعد أخرى..أرحل، أتلاشى، أمضي
بعضي يجر بعضي
وخرير الدم لا يمضي
(الديوان.
ص. 28)
3/1/ح: التشخيص: إضافة صفات إنسانية على ما هو محسوس.
تقول الشاعرة:
قسنطينة بورد الحرف رمتني
بسيرتا واعدتني
قالت أنا هنا ..منذ الأمد البعيد
أربي دوالي الكلام والفكر
(الديوان. ص.
107)
لكنه الكتاب
طوى دفتيه
واعتزل
(الديوان.
ص. 33)
3. الإيقاع الداخلي:
يساهم في منح الأبيات الشعرية انسيابا إيقاعيا خاصا
بفضل التناغم التي تحققه العناصر الشكلية المشكلة له، وغالبا ما يحر أكثر من عنصر
في قصائد الشاعرة، هذا وقد ساهم الإيقاع الداخلي في شعرية القصيدة عند ليلى ناسيمي
بشكل واضح، وقد تجلى في التكرار والتوازي والطباق والجناس وما شابه، قد يحضر عنصر
مستقل بنفسه، وقد يحضر عنصران، وقد تحضر أغلب العناصر في قصائد الشاعرة، وسأقدم
نماذج تمثل هذه الظاهرة:
3/1. التكرار اللفظي والتوازي والطباق والجناس، ففي
قصيدة "سكرة أخرى" نجد:
فوصل حبال الذكرى ورحل
شارف المنى ودنا، ثم رحل
(الديوان.ص.32)
نلاحظ أن الشطرين متوازيين توازيا غير تام، وجانست بين
(حبال ورحل)، وطابقت بين (وصل ورحل) وكررت لفظة رحل مرتين.
3/2. الجناس بمفرده في قصيدة "نحن الحجر
القديم"، تقول:
لم ندخل سديما ولا أديما
كانت نتوءات الروح تخز الريح
(الديوان.
ص. 7)
حيث جانست بين (السديم والأديم)، وبين (الروح والريح).
وفي قصيدة خذ الكلام بقوة ويقين نقرأ:
تبا لها البابلية إذ أججت حنينه وأنينه
(الديوان.
ص. 12)
وفي قصيدة "سكرة أخرى" نجد:
ما ابتلع الرصيف الوصيف
(الديوان. ص.
31)
وهي ظاهرة حاضرة كثيرا في الديوان.
3/3. التوازي والصيغ المماثلة، ومن نماذج هذه الظاهرة،
وهو توازي تام لفظيا ودلاليا:
أنات العابرين
زفرات الخاسرين
(الديوان. ص.
22)
وقد قابلت بين وحدتين دلاليتين لتثبت حجم المعاناة
والقلق الذي يقاسيه السيد المصلوب على جدار الحاناة.
ومن قصيدة "مزعة أخيرة":
يسجنني العرف
يسجنني الخوف
(الديوان. ص.
46)
قابلت بين العرف والخوف لكي تعبر عن عجزها من ممارسة
إرادتها الحرة.
3/4. التكرار الصوتي:
أمشط أشجار الشعر
من زهو الفراشات أفتل ضفيرة الرعشة
والدهشة
وأخفي أكثر مما أبدي
أدس في عيون النسوة شهوة البوح
(الديوان.
ص. 108)
إن تكرار صوت/حرف الشين (07 مرات)، وصوت/حرف الراء 05
مرات)، ليس مجرد تكرار شكلي يؤدي وظيفته الايقاعية فحسب بل له ارتباط بوجدان
الشاعرة وحالتها النفسية.
إن التكرار والتوازي والجناس والطباق والسجع..وبقية
المحسنات اللفظية الأخرى لا تؤدي فقط وظائف خارجية مرتبطة بالمستوى الموسيقي، بل
هي تعبير عما يعتمل في دواخل الشاعرة ورغبتها في التأثير في المتلقي.
آمل من خلال هذه القراءة المتواضعة أن أكون قد قربت
القارئ من ديوان الشاعرة المقتدرة ليلى ناسيمي، وفتحت شهية بعض القراء ليكنشف طعمه
بذوقه الخاص.
ابزو: مارس – أبريل 2011.
المصطفى فرحات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.