ولعل من أهم الأسباب التي كانت دافعا لإحراق
الكتب هو الخوف من منافستها للقرآن. فالاشتعال والاهتمام بغير الكتب المنزلة تؤدي
للظلال. كان من أشد
الناس في ذلك ابن مسعود، فعن الأسود بن هلال (ت: 48 هـ ) قال: " أُتي عبد االله بصحيفة فيها
حديث، ِ فدعا بماء فمحاها، ثم غسلها، ثم أمر بها فأُحرقت" ثم قال: "إنما
هلك أهل الكتاب قبلكم أنهم أقبلوا على كتب علمائهم، وتركوا
كتاب ربهم."
1. عمربن الخطاب: يحرق صحفا جمعت فيها أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأرسل إلى ولاته يمنعهم من جمع الأحاديث وندوينها. جاء في الرسالة: "من كان عنده شيء فليمحه".
2. عثمان بن عفان: أرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة فبعثت إليه بالصحف التي عندها وهي الصحف التي جمع فيها القرآن على عهد أبي بكر رضي الله عنه. عند جمع القرآن والاتفاق على ذلك أمر عثمان رضي الله عنه بحرق ما سوى ذلك من المصاحف الخاصة التي كان الصحابة قد كتبوها لأنفسهم. والسبب في ذلك حتى يقطع دابر الفتنة التي حدثت بين الناس في الأحرف السبعة وقول بعضهم لبعض قراءتي خير من قراءتك وشيخي خير من شيخك الخ.
3. علي بن أبي طالب: يسير على نهج سلفه عمر بن الخطاب عندما قال: " أعزم على كل من كان عنده كتاب إلا رجع فمحاه، فإنما هلك الناس حيث تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم".
3. الخليفة سليمان بن عبد الملك: أحرق كتب من وصفهم ب "الزنادقة" واتّهم كتاباتهم السّمخية بالفساد. ولم يكتف بالإحراق بل شردهم.
4. المنصور ابن أبي عامر: يحرق نصف مكتبة الخليفة المستنصر الذي كان يحب جمع الكتب... خصوصا ما تعلق بها من الفلسفة والتنجيم والتصوف..
5. صلاح الدين الأيوبي: دمر المكتبات الفاطمية في مصر سواء "دار العلم" الباهرة أو مكتبة "القصر الكبير" ومكتبة "جامعة الأزهر"، بهدف القضاء على الفكر الشيعي. كانت هذه المكتبات من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعاً للكتب النفيسة من جميع العلوم، ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولة الفاطميين. روى البعض أن جنود صلاح الدين كانوا ينزعون جلود الكتب ليصنعوا منها نعالا وأحذية لهم. ما ورقها فقد جعلوا منه وقودا للحمامات استمر أربع سنوات
6. الخليفة المهدي: يأمر بتقطيع كتب أنصار المُقنَّع الذي خرج عليه بخراسان، وذلك بعد أن قتلهم وصلبهم. وأحضر أبو بكر بن مقسم وناظره الفقهاء، فاعترف بالخطأ وتاب منه، وأحرق كتبه.
7. عبد الملك بن مروان: يحرق كتاب "فضائل الأنصار وأهل المدينة" الذي كتبه ابان بن عثمان بن عفان. لأن الخليفة لم يكن يعترف بفضل الأنصار في الفتوحات والجهاد.
8. ابن هبيرة الوزير : قيل إنه رزق من الشعراء ما لم يرزقه أحد، جمعت. مدائحه وكانت "ما يزيد على مئتي ألف قصيدة في مجلدات. فلما بيعت بعد موته اشتراها أحد خصومه فغسلها ليتلفها.
وفي المغرب والأندلس لم تسلم الكتب من الخرق والحرق. وعرفت الكتب محنة حقيقية في تلك المرحلة من تاريخ المغرب والأندلس. ونذكر على سبيل المثال:
1. الحاجب العامري: المنصور بن أبى عامر. أقدم على حرق الكتب استجابة لرغبة الفقهاء وضغوط الشارع، الذي كان الفقهاء قد عملوا على تهييجه ضد الفلاسفة والعلماء.
2. المعتضد بن عبّاد: حاكم إشبيلية يأمر بإحراق كتب الإمام ابن حزم الظاهري.
3. علي بن يوسف بن تاشفين: حرق كتب الإمام الغزالي، وخاصة كتابه "إحياء علوم الدين". وكذلك فعل ابنه تاشفين بن يوسف،
4. يعقوب المنصور الموحّدي: أحرقت كتب الفيلسوف ابن رشد. وقد اعتبر عمله داخلا في إطار محاربة البدع، وإحياء السنة.
5. ابن حزم: كثر أعداؤه في الأندلس. وحدث أن تعرضه لفقهاء عصره الجاحدين المنتفعين من مناصبهم، مكن هؤلاء أن يؤلبوا عليه المعتضد بن عباد أمير اشبيلية، فاصدر قراراً بهدم دوره، ومصادرة أمواله، وحرق كتبه، وفرض عليه ألاّ يغادر بلدة أجداده، كما توعد من يدخل إليه بالعقوبة.
6. وجاء في كتاب الكامل لابن الأثير: "قبض على القاضي ابن المرخم وكان بئس الحاكم وأخذ منه مالاً كثيراً وأخذت كتبه فأحرق منها في الرحبة ما كان من علوم الفلاسفة فكان منها كتاب الشفاء لابن سينا وكتاب إخوان الصفا وما يشاكلهما.
هذا غيض من فيض. لقد شكلت "الكتابة السّمخية" التي ترقى بالوعي خطرا حقيقيا دائما على السلطة التي تينع في الجهل، وتزهر في الظلمات، وعملت كل ما في وسعها لتدمير المعرفة وتخريب الوعي..
..........................................................................................................................
تابع
الجزء الخامس: الإعدام الذاتي للكتب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.