المقاومة في أزيلال
المنطلقات ـ المسار ـ الأبعاد
العناصر
تمهيد
1. ملاحظات حول الأبحاث المنجزة
2. ابن أزيلال مقاوم بالفطرة.
3. منطلقات المقاومة.
4. المقاومة والعوامل المساعدة.
5. المقاومة والعوامل المعاكسة.
6. أبعاد المقاومة.
خاتمة.
تمهيد
ليس التاريخ مجرد أرقام وإحصائيات وأحداث تدون وتروى فحسب لغايات مختلفة بل
إن التاريخ أو الحدث التاريخي هو نتاج عوامل معقدة ومتشابكة منها الجلي الظاهر،
ومنها الغامض الخفي، ولكن الذي يبقى حاضرا في هذا الحدث التاريخي هو البعد
الإنساني الذي يبقى في آخر الحكاية المحور والمدار والمبتغى. هكذا ـ يبدو لي شخصيا
ـ أن الحديث عن المقاومة هو استحضار
للماضي من أجل مساءلة هذا الماضي في ضوء الحاضر، ومن خلال الإجابات التي نحصلها
نستشرف المستقبل. فالماضي الذي لا يحل أو يساعد على حل مشاكل الحاضر ويمد الإنسان بوسائل مادية كانت أو معنوية ليتجاوز
معضلات الواقع ومعوقات التنمية الشاملة لا قيمة له ولا خير فيه.
على ضوء هذا التصور علينا أن نتأمل فعل المقاومة في منطقتنا لفهم ماذا حدث؟
وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟ وما العبرة المستخلصة مما حدث؟ هي أشئلة تطرحها هذه الورقة
دون أن تجيب عليها بشكل مباشر.
1. ملاحظات حول أبحاث المقاومة في أزيلال
لعل المطلع على أدبيات المقاومة في منطقة أزيلال (مقالات ـ دراسات ـ أبحاث)
سيلاحظ أنها قليلة علة مستوى الكم، وتحتاج إلى مساءلة على مستوى الكيف. وكل من
تواصل مع هذه الأدبيات فإنه لن يملك إلا أن يثمن المجهودات التي بدلها أصحابها في
سبيل توثيق ذاكرة المقاومة في المنطقة، إنها تدخل في باب الاعتراف بما قدمه الأباء
والأجداد من تضحيات ـ مهما بدت صغيرة ـ
فهي جليلة بمقاييس الظروف السوسيو ثقافية وسياسية التي أحاطت بإنجازاتهم من أجل
الأرض وحرية الإنسان وكرامته. وحتى عندما كانت المقاومة تستسلم فقد كان ذلك بشروط
وعزة نفس. وبناء على هذا يمكن إبداء الملاحظات التالية:
1. أغلب الباحثين في تاريخ المقاومة في أزيلال جبله وسهله وديره كان يسيطر
عليهم هاجس المعلومة. فأمام شعورهم بشحها ونذرتها ولا تلبي طموحاتهم حشدوا كل ما
حصلوا عليه من معلومات وراكموها دون أن يولوا منهجية التعامل معها الاهتمام اللازم
فغاب عن السرد وهجه التاريخي.
2. الأبحاث التي أنجزت تحكمت فيها خلفيات جغرافية وقبلية وعشائرية وعائلية
وإخوانية ومؤسساتية، وبالتالي طغت فيها الذاتوية وغابت عنها النظرة الشمولية التي
من شأنها أن تضع الأحداث في سياقات عامة وليس سياقات خاصة، ونتج عن هذا تغييب فعل
المقاومة في كثير من المناطق في إقليم أزيلال خصوصا عند نعي أن للمقاومة أشكال
عديدة إلى جانب حمل السلاح، كما نجم عن هذا تضارب الأحداث والروايات.
3. أغلب الدراسات اعتمدت على التقارير التي أنجزها الاحتلال الفرنسي، ومن
المعلوم أن التقارير العسكرية تمليها اعتبارات سياسية.
هذه الملاحظات التي أعتبرها إشكالات حقيقية تدعونا إلى ضرورة إعادة قراءة
تاريخ المقاومة في سياقاتها الحقيقية، وبمنهجية جديدة وتمثلاث مغايرة مستعينيين
بما تقدمه لنا التاريخانية من أدوات ومفاهيم منهجية وتصورية.ُ
ابن أزيلال مقاوم بالفطرة
ليس من باب المبالغة أو المداهنة أن يوصف ابن منطقة أزيلال بالمقاوم
بالفطرة بكل ما يشع من هذه الكلمة من دلالات. فالبيئة والجغرافية التي يعيش فيها
سلحته بشكل جيد وملائم ليتحمل ويواجه المصاعب والتحديات. إنه وُهب قدرات أهلته أن
يكون رجلا مقاوما على كل الجبهات والواجهات الداخلية والخارجية، يكفي أن نستمع للقدماء المقاومين
والمحاربين وهم يسردون حكاياتهم في فرنسا والهند الصينية ..لنتعلم ونفهم ونستخلص
النتائج. وإذا كان لا بدّ من شهادة للتدليل على هذا الأمر فمن الأفضل أن تأتي من
العدو نفسه. جاء في كتاب "برابرة المغرب والتهدئة في الأطلس المتوسط: للجنرال
كيوم:
"إن خصمنا هو أحسن
محارب في شمال إفريقيا، بطبعه شـديد الكراهية للأجنبي، شجــاع
إلى حد المجـازفة، يضحي بكل
ما يملـك، بعائلته، وأيضا بكـل سهــولة بحياته فــي الدفـاع عن
حريته، يجد في طبيعة بلاده
أحسن حليف له، يعرف تمام المعرفة كل خبايا مسقط رأســه الذي
لا يرضى بديلا عنه، يعرف
بالفطرة كيف يستفيد من أدنى مميزاته، نكون متفوقين عليه أحيانا
من حيث العدد، ودائمــا من
حيث السـلاح، يتميز بخفة قصــوى، وبحركــة محيرة. الــعدو هنا
موجود في كل مكـــان، وفي
غالب الأحيــان مختف على الأنظار..وإذا غامرت فرقة بأعداد غير
كافية فإن الهجوم المكثف يكــون
من جميع الواجهــات من خصم يبحث دائمــا عن المواجـــهة
جسما لجسم حتى لا يعوق تفوق
أسلحتنا أبدا خفته وسرعته الفائقة."
أكتفي بإيراد الشهادة بدون تعليق حتى لا أطيل ولا شك أنها تعلق على نفسها
بنفسها. قد يطغى على تقرير "كيوم" ما هو سياسي، لكن منطق الأحداث التي
عرفتها المنطقة تؤكد بنسبة عالية مضامين التقرير.
3. منطلقات المقاومة
الشعار الذي حمله المستعمر وهو يدخل المنطقة هو "نشر التحضر أو
الحضارة" الحضارة الغربية طبعا، ولأن الحضارة لا تفرض على الأمم والشعوب
والأقوام بالقوة فقد رأى أبناء المنطقة في التواجد الفرنسي عللا أراضيهم استعمارا
واحتلالا واستعبادا. فرعوا شعار: "نريد العيش أحرارا". ولأن الحرية لا
تعطى فقد كان لزاما عليهم أن يرفعوا التحديات ويقاوموا بكل أشكال المقاومة
الممكنة، ولأن الفرنسيون عازمون على إخضاع المنطقة فكان من غير الممكن تفادي
اصطدام الإرادات. أما متى وكيف بدأ الإصطدام فقد اختلفت الروايات،وأكتفي بذكر
اثنين منها:
الأولى: ترى أن الاتصالات الأولى بين قوات الاحتلال وزعماء قبيلة هنتيفة
بدات على الخصوص على إثر معركة "فم الجمعة" أواخر شهر نونبر من سنة
1912. (عيسى العربي)
الثانية: وجاءت أكثر تفصيلا ومن
خلالها يبدو أن المواجهة بين أبناء منطقة أزيلال والمستعمر الفرنسي تم خارج المنطقة
وفي وقت مبكر جدا. "فلما و وصل الفرنسيون إلى لبروج سنة 1908 واحتلوها، اتفق
أهل "انتيفة" بزعامة القائد "عبد الله أشطو" للتصدي
للمستعمرين ب "أولاد حمو" ب "بلاد البروج"، وقد أخذ الحاركون
يجتمعون في "الكدية الحمراء" ب "ابزو" لمدة شهر كامل، وهم من
قبائل: هنتيفة، أيت عتاب، أيت تكلا، وغيرهم، وبعد اجتماع الحاركين توجهوا من
"ابزو" إلى "زاوية تارماست" على وادي "أم الربيع"،
فعلموا أن الجنود الفرنسيين رجعوا من "لبروج" إلى "كيسر".
فاختلف رأي أهل الحركة بين الرجوع وبين مواصلة السير إلى "لبروج"، فأبى
أخو القائد "أشطو" الذي كان يقود الحاركين من أهل "انتيفة"
إلا أن يتابعوا السير..فوجدوا المكان خاليا من الفرنسيين، لكن أصحاب الأغنام
استغاثوا بالجيش الفرنسي المرابط ب"كيسر" الذي خف بسرعة لنجدتهم، فلحق
بالبروج حيث تم الاصطدام بين الطرفين والذي انتهى بانسحاب الحاركين." (عبد القادر
السكاك)
هذه الرواية الثانية يؤكدها اعتراف "كيوم" بأن الاصطدام بين
الوحدات البربرية وبين قطع الإنزال الفرنسي تم لأول مرة سنة 1908 في الشاوية.
لكن بعد خمس سنوات عن هذه الواقعة ووقائع أخرى حدتث في المنطقة، أبدى
الهنتيفيون استعدادهم للتعاون مع المستعمر. ففي تقرير للكولونيل
"مانجان" مؤرخ في أبريل من سنة 1913 جاء فيه ما يلي:
"..وبالرغم من الاضطرابات في تادلة أكد أهل "هنتيفة"
نواياهم الحسنة، فقد امتثلت وفود
أمام
الكـــــولونيل "شافــي" أثناء إقامته بالقلـــعة (قلعة السراغنة) وكذلك
أمام الكولونيل
"مانجان" خلال إقامته في العين الزرقاء على أم الربيع يوم 30
أبريل، وكان موقفهم جــد
لائق." (مجلة تاريخ المغرب).
4. المقاومة والعوامل المساعدة
تم احتلال "أزيلال" و "أيت عتاب"
سنة 1912 بعد مقاومة مستميتة ومعارك طاحنة. كثيرة هي العوامل التي ساهمت بنجاح
المقاومة في توجيه ضرباتها الموجعة للاستعمار الفرنسي، وهي ضربات وإن لم تمنع من
احتلال المنطقة فهي على الأقل أخرتها.
(بدأ احتلال أزيلال سنة 1912 واستكمل سنة 1933). وهذه العوامل متنوعة منه ما هو
سياسي واقتصادي وثقافي وجغرافي نذكر منها الأهم وهي:
* المعرفة الجيدة بالجغرافية وتوظيفها بشكل جيد مكنت
المقاومة من التحرك فيها بسهولة وسلاسة.
* تحالفات القبائل فيما بينها على الأقل في مرحلة ما قبل
بسط الاستعمار لسيطرته على المنطقة مما شكل قوة يُحسب لها حسابها.
* التمرد على القادة المعينين من قبل الاحتلال.
* النفي الاختياري، حيث تغادر الأسر من القبائل الخاضعة
للاحتلال إلى المناطق المجاورة غير المحتلة كوسيلة وطريقة لرفض الاحتلال.
* مهاجمة القوافل التجارية في الطرقات، وتوجه هذه
الهجمات بالأساس نحو أفراد ومجموعات تنتمي للقبائل الخاضعة، ولم يسلم اليهود من
هذه الهجمات لأن المقاومين رأوا أن اليهود أصبحوا يتمتعون بامتيازات حرموا منها.
* انتشار تجارة السلاح الذي أصبح يباع في الأسواق سهل
على المقاومين اقتناؤه واستعماله ضد المستعمر، وإذا لم يتوفر السلاح، فهم يستعملون
الحجارة وكل ما من شأنه أن يلحق الأذى بالعدو كالمناجل والمداري..
* ابتداع وسائل للتواصل بين المقاومين، وأظهرت فعاليتها
وإن كانت بدائية، كإشعال النيران فوق قمم الجبال، واستعمال الدخان إعلانا عن بداية
الهجوم أو التحذير من اقتراب الأعداء، واستعمال لغة مشفرة تسمى (الغُوسْ).
* نهج أسلوب الاغتيالات لترهيب المتعاونين مع الاحتلال.
* نهب محاصيل الأشجار المثمرة كالزيتون واللوز التي في
ملكية القبائل الخاضعة عقابا لهم على استسلامهم.
* استغلال الأسواق للدعاية والحشد والترويج..
5. المقاومة والعوامل المعاكسة
بدل المستعمر الفرنسي كل ما في وسعه من قوة وذكاء ودهاء
لإخضاع المنطقة منطلقا من مبدأين قديمين قدم السياسة وهما:
- فرق تسد.
- العصا والجزرة.
وفي هذا الإطار اتخذ إجراءات عدة عسكرية واقتصادية
وسياسية من أجل الحد من فعاليات المقاومة نذكر منها:
* استفادة الحملة العسكرية الفرنسية من التقارير التي
أنجزها الجواسيس الأجانب الذين زاروا المنطقة أمثال الراهب "شارك دو
فوكو" سنة 1883 و "إدمون توتي" سنة 1901.
* استعمال أسلحة حديثة ومتطورة لا عهد لأبناء المنطقة
بها كالبنادق والمدفعية والطائرات..
* تشييد مكاتب استخباراتية لاستتباب الأمن ودعم تهدئة
القبائل والمحافظة على النظام والتنسيق بين المكاتب المجاورة ووظفت أيضا لأغراض
عسكرية باعتبارها قواعد تنطلق منه جيوش الاحتلال للمناطق المتمردة.
* تسخير دوريات على الحدود بين القبائل الخاضعة والقبائل
غير الخاضعة لتفادي تهريب السلع والتسلل إلى الأسواق.
* ربط الاتصال بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع بعض أعيان
القبائل وشيوخها مغرية إياهم تارة بالمناصب، وأخرى ببعض الامتيازات أو عدم المساس
بمصالحهم.
* فرض غرامات على أعيان القبائل للضغط عليهم وتأديبهم في
حالة ما أبدوا عدم الخضوع.
* الاستعانة برؤساء وأعيان القبائل الخاضعة لاحتلال
القبائل غير الخاضعة.
* الاستعانة بقوات خارج المنطقة والتي اصطلح على تسميتها
قوات الدعم والإسناد.
* منع التمويل عن سكان القبائل غير الخاضعة، ومنعها أيضا
من ولوج الأسواق التجارية وحصارها وعزلها عن محيطها الاجتماعي والقبلي. (سياسة
التفقير)
* رفع الحماية عن القبائل المتمردةمما يجعلها عرضة للنهب
والسلب.
* فرض ضريبة الترتيب.
* وجوب الحصول على ترخيصات لشراء المواد الاستهلاكية.
(سياسة التجويع)
* فرض دعائر مالية على القبائل التي تأوي المقاومين أو
تسمح لهم باستعمال أراضيها للمرور ومهاجمة الاحتلال. (سياسة التركيع)
* مساندة القبائل الخاضعة في تمويل وتجهيز الحملات لقمع
القبائل المتمردة، إضافة إلى إقامة نقط مراقبة مستمرة بين الحدود.
* جلب المقاتلين من الأسواق وتعبئتهم وإقحامهم في
المعارك ضد القبائل المتمردة بعد تأطيرهم من قبل ضباط فرنسيين لفترة محددة.
* فتح المعابر والمسالك والطرقات وتشييد الجسور لإحكام
السيطرة على المنطقة. (تسهيل حركات تسيير الجيوش)
* فرض دعائر قاسية على القبائل التي يقع على أراضيها
تخريب المنشآت العامة. مما يدفعها إلى المشاركة في حمايتها. (سياسة التأديب)
* شن حروب نفسية ضد المقاومين بوصفهم بشتى النعوت، فهم
منشقين وإرهابيين وقطاع طرق واللصوص والنهابين والمتعصبين..
عندما نقارن بين العوامل المساندة للمقاومة والعوامل
المعاكسة لها سنلاحظ أن كل الشروط الذاتية والموضوعية تعمل لصالح المحتل وبالتالي
نجحت الإجراءات التي اتخذتها قوة الاحتلال لخفظ التوتر والفوضى ونشر الأمن في
المنطقة مما حدى بشيوخ القبائل ليفدوا على الجنرال "دولاموط" ب
"أزيلال" واعدين إياه بأنهم سيكونون مخلصين للمخزن وفي خدمته وطاعته
وتسهيل القبض على المجاهدين..كان ذلك في شتنبر من سنة 1919.
6. أبعاد المقاومة
لعل الأسئلة الذي نحتاج إلى طرحها ومناقشتها عندما يتعلق
الأمر بفعل المقاومة في منطقة "أزيلال" هو: هل أنجزت المقاومة حقا شيئا
على الأرض يستحق الذكر؟ ما هو الأثر الذي تركته المقاومة على الأمد البعيد سواء في
الزمان أو المكان؟
هي مجرد أسئلة ليست هذه الورقة مهيأة للإجابة عنها، لكن
قد تلامسها بشكل غير مباشر وهي ترصد النتائج والحصيلة للصراع الذي دار في هذه
المنطقة.
تحدث المؤرخون والباحثون على "معارك" كثيرة
خاضتها المقاومة ضد المحتل نذكر منها:
- معركة "فم الجمعة" 1912.
- معركة "تارماست" 1912.
- معركة "العين الزرقاء" 1913.
-معركتا "وويزغت" و "أيت بوزيد"
1922.
- معركة "أيت إصحا" 1932.
لكن ما يلاحظ عموما أم هذه المعارك ما تكاد تبدأ حتى
تنتهي باستسلام المقاومة، وبعد أن تتكبد خسائر جسيمة، فاختلال التوازن في القوى يرجح دائما كفة المحتل الذي ـ غالبا ـ
تكون الخسائر في صفوف ما سموه بالقوات المساندة أو المساعدة أو المتعاونة أو من
أبناء القبائل الخاضعة، لكنها لا يصل إلى حجم خسائر المقاومة، وقل أن نجدها في
صفوف الفرنسيين باستثناءات قليلة كمعركة "سيدي علي بن ابراهيم" التي
وقعت في 27/28/29 أبريل 1913. فقد أشار الجنرال "كيوم" في كتابه
"البرابرة المغاربة وتهدئة الأطلس المركزي" بأن عدد قتلاهم في هذه
المعركة كثير جدا، وبأنهم لم يستطيعوا حمل هؤلاء القتلى الذين تركت جثتهم في عين
المكان، الشيء الذي اعتبره الأمازيغ وهم يلاحظون هذا التراجع بمثابة انتصار في هذه
المواجهة التي دامت ثلاثة أيام. والمثير في هذه المعركة أن النساء شاركن فيها. فقد
أشار مراسل جريدة "لا فيجيد ي مروك" "جون هاليفار" أنه رأى
بين جثت المجاهدين التي كانت متناثرة فوق الصخور جثة امرأة عجوز نحيفة تحمل مزودة
مليئة بالرصاص.
رغم المقاومة التي أبداها سكان منطقة "أزيلال"
ضد الاحتلال سو اء أكانت مقاومة جماعية أو فردية، مادية أو معنوية، فإن القبائل
سرعان ما استسلمت الواحدة تلو الأخرى لتخضع لسلطة الاحتلال والمخزن، بل شكلت قوة
ضاربة لمواجهة القبائل المتمردة وإجبارها على الاستسلام. ولم يكن شيوخ القبائل
الخاضعة بندقية المستعمر فحسب بل كانوا أيضا لسانها المفاوض بلا عنهم متى احتاجوا
إلى مفاوض. لكن نار المقاومة لم تخمد في نفس أبناء المنطقة وإن غطاها الرماد حينا
من الدهر إلا بعد أن غادر المستعمر المنطقة واستقلت البلاد.
خاتمة
لقد طرحت هذه الورقة أسئلة أكثر مما أجابت عنها، وقاربت فعل
المقاومة في منطقتنا من خلال مساءلة الدراسات التي أنجزت حولها، ومن رؤية خاصة للمقاوم
الذي يبقى هو بطل قصة هذه المقاومة الذي يحتاج أن تصلت عليه الأضواء من باب ثقافة الاعتراف.
كما أشرت بعجالة إلى خصوصية المكان الذي كان مسرحا لها. وقد كان فعل المقاومة ادراميا
بكل المقاييس لأن كان بين طرفين غير متكافئين في العدة والعتاد. وأثارت الورقة تساؤلات
حول النتائج المحصلة من فعل المقاومة. وأخيرا يمكن القول أن الصوت الخافت قد يختفي
فجأة، ولكن الصوت القوي حتى وإن اختفى فإن صداه يبقى أمدا شاهدا ومشهودا.
المصطفى فرحات
ابزو: مارس 2014.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.