يعْرف "السّمخيون" (صناع السّمخ) أن حكمة الكبش تكمن في قرونه...
لفتح شهية القراء لما سيأتي ارتأيت أن أعرج في الحديث عن أهمية قرون الكبش في حياة بعض الأمم السابقة لتأكيد ما قلته سابقا عن قيمة وأهمية الكبش في بناء ثقافتها وحضارتها وتشكيل وعيها بذاتها وبالعالم.
من القرون المشهورة في التاريخ قرون عمون أو أمون وترمز للإله المصري أمون زيوس، وتلقب الإسكندر المقدوني بذي القرنين بعد أن دخل قدس الأقداس لمعبد آمون في واحة سيوة بمصر الذي يأخذ رأس كبش، وأكد له أحد الكهنة أنه ابن كبير الآلهة.
(أمون: إله الشمس والريح والخصوبة. زيوس: إله الصاعقة والسماء وأب الآلهة والبشر)
واعتاد اليهود أن ينفخوا في قرن الكبش أثناء استعدادهم للسنة الجديدة.
وفي الكعبة علقت قريش قرني الكبش الذي فدي به إبراهيم ، وتوارثته جيلا بعد جيل إلى أن بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم
ترمز ثرون الكبش إلى القوة والمنعة والتحصين. ويفسر كاتب سَمخي رؤية الكبش في المنام كما يلي:
. إذا رأيت قرونا عن بعد فهذا يدل على أنك رجل قوي...
. إذا رأيت نفسك تمسك قرون الكبش فهذا يدل على أنك ستحصل على المال والجاه والنفوذ..
. إذا رأيت قرون الكبش نابتة في رأسك فهذا يدل على حصولك على العز والجاه...
من وجهة نظري لا أستطيع أن أضمن ما سيحصل لنا عندما تنبت القرون في رؤوسنا إن لم تكن قد نبتت فعلا...
والآن لنعد إلى صلب موضوعنا: قرون الكبش بالأمازيغية "إيسك ن إيزمير" و "السمخ"
يبدأ طقس استخلاص "السّمخ" ـ الذي تستعمله الكتابة "السمخية" ويكتب به الكتاب "السمخيون" بذبح الكبش وفصل رأسه عن جسده. بعدها تُنزع القرون عن الرأس باستعمال آلة حادة وصلبة، المِقدّة.. الرأس هو جوهر العملية "السّمخية"... في الرأس تتركز جميع الحواس، ومن الرأس تولد الأفكار وتختبئ الأسرار. والأفعى لا تموت إلا بقطع رأسها...
الطقس الجوهري الذي يسبق فعل الكتابة "السّمخية" هو حرق قرون رأس الكبش بالنار... النار تطهر وتحول الأشياء والمواد... تحول جسد البوذي مثلا إلى رماد، وتحول قرون الكبش إلى رماد ... يوضع رماد جثمان البوذي المحروق في قارورة ذكرى للمرحوم، أو يدر في الهواء، أو ينثر في النهر المقدس "الكانج". وإذا أردت إخفاء معالم الجريمة عليك بحرق الجثة وتحويلها إلى رماد...
يؤخذ رماد قرون الرأس المحروقة ويوضع في ماء ساخن ليصير سائلآ أسودا أي مدادا، ثم يصب في قارورة "الدواية". هذ السائل العجيب تكتب به علامات ورسومات ورموز مرئية تجسد عواطف، ورؤى، وأفكار غير مرئية.
وإذا نجت القرون من الحرق فإنها تُعلّق على أبواب المنازل لأنها تجلب الحظ، وتقي من الشر كالعين والحسد... وقد يغلق أيضا للتباهي والتفاخر... (ذبحنا كبشا أكبر من كبشكم..)
حرق قرون الكبش تلازمها بعض الطقوس: يجمع "السّمّاخّ" (صانع السمخ) ما يحتاجه من القرون لصناعة الكمية التي يحتاجها من "السّمخ"، يختار مكانا معزولا وبعيدا عن الناس ليعد الموقد الذي سيحرق فيه قرون الكبش... إنه يتجنب كل ما من شأنه أن يعكر عليه صفو عزلته لذا يتفادى حرقها في البيت، أو مكان عام أمام الناس... عملية أو بالأحرى طقس حرق قرون الكبش تتم بسرية وفي خلوة تامة.
يوجد ـ ها هنا ـ شَبه كبير بين خلوة الزاهد والمتصوف، وخلوة العاكف على حفظ القرآن الكريم، وخلوة الكاتب، وخلوة صانع "السمخ".
على "السماخ" لينجح في صناعة سمخ جيد، وسحري أن يتخذ جميع الاحتياطات الازمة ليكون غير مرئي تماما كالأفكار أو المعاني التي نكتبها بالسّمخ... وإلا ضاع جهده هباء..
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.