("السمخ": المادة الأولى للكتابة السّمخية
يفضلون في أغلب مناطق المغرب استعمال كلمة "السَّمْخ" بدل كلمة "الصّمغ" للدلالة على السائل (المداد) المستعمل في الكتابة السّمخية. (نجاريهم في هذا المقام ونستعمل بدورنا مفردة "السّمخ" في تأملاتنا حول الكتابة "السّمخية" والكاتب "السّمخي")
نقطة انطلاق الكتابة "السّمخية" تبدأ بالقبض على الكَبْش (الخروف). الحيوان المقدس، المفعم بالخير والبركة.. وليس على التّيس الحيوان المشؤوم والمدنّس ذو الذنب القصير الذي لا يخجل في كشف عورته، الحيوان المتحالف مع الجن والشيطان، رمز الشر. كما استبعد الحرفيون العديد من الحيوانات لأنها لا تصلح لاستخلاص السّمخ.
من الأفضل أن يكون الكبش "فحلا" (الكبش المسيطر في القطيع). يتميز بقرون طويلة، قوية وملتفة... القرون القصيرة والواهية والرخوة غير صالحة للاستخلاص "السّمخ" ، ولا تَفي بالغرض، ولا تشفي غليل الحرفيين.
كان قدماء العرب يعشقون استعمال كلمة "فحول" للدلالة على الشعراء الكبار، الشعراء الذين يملكون السلطة التي يحصلون عليها بالسيف أو الشعر أو الخطابة.. الشعراء الذين علقت قصائدهم على جدران الكعبة، أو علقت رؤوسهم في مداخل المدن، أو تعفنت أجسادهم في السجون والأقبية...
اختيار الكبش لصناعة "السّمخ" ليس صدفة أو اعتباطا. الكبش حيوان مقدس (يختلف عن التيس والثور والغزال مثلا) قدمه هابيل قربانا لله فتقبله الله منه ورفعه إلى السماء، وظل هذا اكبش يرتع في الجنة حتى أنزله الله من الجنة فداء لإسماعيل.. "أرسل الله نارا لتصعد بالقربان (الكبش) وهي نار لا تحرق عكس النار الأرضية التي تأتي على الأخضر واليابس..." هذا الكلام منقول عن كاتب مشبع ب "السمخ".
والكبش حيوان مقدس، وكان الإله المصرى «خْنومْ» له رأس كبش وهو مصدر نهر النيل، وهو خالق بقية الآلهة في اعتقاد المصريين القدماء الذين قدسوه باعتباره موجد البيضة الأولى التي نشأت منها بقية الخلائق.
في المغرب قدس الأمازيغ الكبش، واعتبروه إلها. وعبدته بعض القبائل... ومن عادتهم مسح وجوههم بجلد أضحية العيد. وعادة عبادة الكبش في المغرب استمرت حتى القرن الحادي عشر الميلادي خوصا قبائل جنوب المغرب بين اغمات وسوس. ويرمز للرب أمُون.
ومن عادات المغاربة أيضا طلي رأس الكبش بالحناء ليلة العيد، وملء فمه بالقمح والماء، أملا في عام فلاحي مزدهر... وبعد ذبح "الكبش"، وأكل رأسه، تُدفن العظام في مكان بعيد عن الناس حتى لا تستعمل عظامه في السحر، ويحتفظ بالكتف لقراءة المستقبل، ويخبرهم الكتف بموت قريب، أو سنة فلاحية جيدة أو العكس... أما القرون، وهي موطن الحكمة في رأس الكبش فيحتفظ بها في البيت، وهي التي تستعمل لاستخلاص مادة عجيبة يسمونها "السّمخ"... مادة الكتابة "السّمخية". والمداد الذي لا غنى عنه للكاتب السّمْخي.
واختير الخروف لطابعه المسالم ومظهره البريء. ولهذا حاول العديد من الأطباء في القرن السادس عشر نقل دم حمل الخروف إلى المرضى ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل، ولكنه كان جاهزا ليمد الكاتب السّمخي بدم من نوع آخر هو "السّمخ".
ويتم القبض أيضا على الشاة ولكن الشاة لها حكاية أخرى... فالسّمْخ المستخلص منها أثار الكثير من القيل والقال وإن فُصل المقال ـ في آخر الحكاية ـ بين الكتاب والمفكرين السّمخيين، إلا أنه تم تفويت تدوين المعرفة، ونقلها، والاستمتاع والاستفادة منها على الكثير من الناس كما سنشير إلى ذلك في التدوينات اللاحقة.
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.