مادة طبيعية قادرة على إعادة ذاكرة "اللوح"
أو "اللوحة" إلى درجة الصفر في الكتابة.
إذا كانت وظيفة "الكَراك" هو
تثبيت المعرفة، فإن وظيفة "الصلصال" هو محوها، وتهيئ المكان لحضور
واستقبال معرفة جديدة. الصلصال مادة سحرية قادر على محو "اللوحة" أو
"اللوح"، إعادته إلى حالته الأولى: الفراغ والبياض ليملأ من جديد
بالسواد. عملية المحو والإملاء هي عملية متواصلة بلا انقطاع..
يتصف
الصلصال بقوامه العجيني عند تعرضه للماء، إنه سلس ومرن. هو من أقدم المواد التي
صنع منها الإنسان أدواته. أقدم من الرمل والتراب والطين...
الصلصال تراب يميل لونه للبياض. يخلط بالماء
يصبح لزِجا. لتجديد الكتابة على "اللوحة" تطلى بهذه المادة، تعرض للشمس
او الهواء حتى تجف، تنظف من الصلصال، وتصبح "اللوحة" جاهزة للكتابة.
الصلصال مادة مقدسة، لذا اختار الله أن يخلق
الإنسان من الصلصال. لم يخلقه من الذهب أو الفضة أو الملح أو القصدير... خلق
الإنسان من صلصال كالفخار". اختار الصلصال، الطين المسخن اليابس، الطين
المائل إلى السواد.. "صلصال من حمإ مسنون."
الصلصال يلائم اللوح الذي كتب عليه الكلام
الإلهي المقدس الذي لا يأتيه الباطل من أي مكان، نعدم الألفاظ وما تتضمنه من معاني
بالمادة التي صنع منها أكرم المخلوقات التي حباها الله بالعلم والكلام والإبداع...
الجيل الذي أنتمي إليه عاش تجربة الصلصال،
رائحته عالقة في أنفي، ليس من السهل نسيان روائح الطفولة. عليك أن تجلس مواجها
الفقيه لتقرأ عليه ما هو مكتوب في اللوح قراءة سليمة خالية من الأخطاء، وبعد أن
تستمع إلى ملاحظات الفقيه وتوضيحاته تنزوي في ركن من الكتاب وتحفظ اللوح... تأتي
مرحلة التسميع، بعد أن يتأكد الفقيه من حفظك يأذن لك بالمحو ومسح الكتابة "السّمخية"
بالصلصال والاستعداد للكتابة عليها من جديد.
النساء الحوامل ـ ومنهن أمهاتنا ـ كن يأكلن الصلصال أثناء الوحم. عرف الصلصال طريقه إلى أجساد الأطفال قبل أن يعلمهم الفقيه كيفية استعماله في محو ألواحهم.
يتبع
تأملات وخواطر في الكتابة "السّمخية"
2/6طبيعة الكتابة "السّمخية" (الجزء الأول)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.