الكتابة السمخية هي مرحلة تالية للكتابة
المصورة. دأب "الكتاب" ـ منذ زمن بعيد ـ على تصوير مآثرهم على الجدران
والمقابر ومسلات المعابد... هذا الصنف من الكتابة لا يغادر المكان أبدا إلا بفعل فاعل،
أما وقد اخترع "السمخ"، فالسفر
أصبح متاحا...
الكتابة السمخية ترفض الإقامة في مكان واحد ثابت.. إنها تعشق الترحال والتجوال، تقطع المسافات الطوال دون تعب أو كلل، ترحل في الأوراق والجلود والألواح أو الرؤوس
استبدلت الكتابة السمخية الجدران والمقابر والمسلات بجلود الحيوانات مثل الإبل والغنم والبقر والحمير، حيث كان يتم دباغتها من أجل تمهيدها للكتابة.
هكذا تلتقي قرون الكبش وجلد الحيوانات أمام عتبة الكتابة السمخية ليحتفلا بالكتابة وبالكاتب.. إذا كان الجلد لحاء الجسد، وحاميه وواقيه، فهو أيضا لحاء الكتابة حافظها وحاميها..
ويستمر طقس الكتابة السمخية بالسلخ... بعد
ذبح الكبش وفصل الرأس على الجسد، بعدها يتم تخليص الجسد من
"البطانة" للحصول على الجلد
الذي سنكتب عليه ما تيسر من الكتابة السمخية... تُحرق القرون للحصول على السمخ
الرائع والجميل، وتدبغ الجلود لتكون فستانا للكتابة...
وبالنظر إلى
الجلود فهي أنواع، وكل نوع له ثمنه وعشاقه..... بعض الكتاب "السمخيين"
يحبون جلودا بعينيها، ويستمتعون بالكتابة عليها... من الجلود التي كانت رائجة في
الكتابة السمخية: جلد الإبل، والبقر، والحمير والغزال...
تمتنع وتحرم بعض الكتابات "السمخية" أن تكتب على
جلد الحمار أو البغل خصوصا إذا كان المكتوب مقدسا.. بل يختار له أفخر الجلود
وأرقاها وأغلاها كجلد الغزال أو الريم. يتفوق جلد الحمار على جلد الغزال في الصلابة
والاستدامة للحفاظ على الكتابة السمخية، ولكن الحمار حيوان مدنس، صوته قبيح ومنكر،
يفوح جلده برائحة كريهة قد تؤدي أنوف الأثرياء الذين كانوا يؤدون ثمن الكتاب
السمخي الناذر.
ويرى بعض الكتاب السمخيين أن جلد الحمار لا
ينتفع به.. " جلود ما لا يؤكل لحمه ، كجلد حمار أو جلد كلب فهذا لا يصح بيعه ولا يطهر بالدباغ". رغم
أن نعل موسى عندما كلمه الله من جلد حمار ميت. وهذا يعني أن الله قبل أن يتحدث إلى
موسى وهو ينتعل حداء من جلد الحمار فهذا لا يمنع كتابة النصوص المقدسة عليه..
(بالمناسبة نغل الرسول (ص) مصنوعة من حلد البقر).
جلد الغزال الذي يكتب عليه يسمى الرق، وجلد
الحمار الذي بكتب عليه يسمى الأدم. شتان بين من يخط على الرق، وبين من يخط على
الأدم. فكتابة القرآن الكريم احتاج إلى
تسعة آلاف غزال للحصول على ما يكفي من الجلد...
(يتبع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.