يدعي الكثير من المبدعين
أنهم لا يستطيعون الإبداع (يجب التمييز بين الإبداع الحقيقي الذي يتطلب مكابدة،
والإبداع المزيف...) إلا في إطار طقوس معينة يمارسونها ويواظبون عليها، ومنها:
الطمع، والطرب، والغضب، والخوف، والحب... وفي الأماكن الهادئة والمعشوشبة، وركوب
الناقة، والأماكن العالية، وأماكن تثير الذكريات... وتناول الطعام الطيب، والشراب
الطيب... ومن المبدعين من يرى بأن كلّ شيء للعرب إنما هو بديهة وارتجال , وكأنه
إلهام , وليست هناك معاناة ولا مكابدة ، ولا إجالة فكرة ولا استعانة ... وكانوا
أميين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلفون...
ويوجد اعتقاد سائد لدى العرب بأن المبدع المنشد، و"المبدع السّمخي" يحتاج ـ ليكون متميزا وعبقريا ـ إلى جن يرافقه ويملي عليه ما سينشده، أو يكتبه. يلهمه ويقوده إلى ينابيع الإلهام.
يجب التمييز ـ ها هنا ـ بين النبي والشاعر. فالنبي يتلقى الوحي بواسطة الملائكة، أما الشاعر
فلا تقربه الملائكة أبدا، بل الشياطين والعفاريت... النبي رجل طاهر، مقدس، أما
الشاعر فهو كائن متسخ ومدنس. النبي يتلقى الوحي في أعالي الجبال، وداخل الكهوف،
أما الشاعر ففي فيافي الصحراء...
الشعراء الذين ادعوا النبوة كانوا تحت تأثير
الجن أو الشيطان الذي يسكنهم، لهذا لم يؤمن بهم أحد، بل قتل العديد منهم... وفي بلاد العرب بشبه جزيرتهم في "واد عبقر" هو موطن الشياطين والجن، يقصده
الشعراء طلبا للوحي. ويقال أن الذي يبيت فيه ليلة واحدة يصبح شاعرا.
في المغرب لا يوجد مثل هذا المكان لذا لا يعتدّ المشارقة بشعرائنا وكتابنا السمخيين. قالوا ويقولون عن الكتابة المغربية: "بضاعتنا ردّت إلينا." ولكن في ثقافتنا المغربية لدينا ـ بدل الشياطين - الملوك السبعة التي تحتفي بهم فرقة كناوة الموسيقية.
من أشهر الشياطين عند العرب "الهوبل" فإذا
سكن الشاعر جاد شعره وحسُن. و "الهوجل" إذا سكن الشاعر فسد شعره وقبح. فإذا
كنت شاعرا "سَمخيا" فانظر أيهما يسكنك، وإلا فأنت ضائع لا محالة.
فإذا لم يكن لديك شيطان يلهمك، أو جني يلقن
لك أشعارك فانت بعيد كل البعد عن الكتابة "السّمخية".
في عالم الكتابة "السّمخية" كل ما
يقال ويروى عليك تصديقه... فالزمن السمخي هو زمن المعجزات الكبرى، زمن الأنبياء
والشعراء والقساوسة والمتنبئين... كل واحد من هؤلاء الأشخاص له جنه أو شياطينه...
يسمى "التابع" أو "الرئي".
فحسان بن ثابت ـ شاعر الرسول ـ له تابع من
قبيلة من الجن تسمى "بني الشيصبان"... نظر رسول الله
إلى زهير بن أبي سلمى فقال: اللهمَّ، أعذني من شيطانه… ومن أعظم شياطين الشعر شأنًا
"مسحل بن أثاثة" صاحب الأعشى.. (صناجة العرب). و"السنقناق"
شيطان بشار بن برد، ولأنه كان أعمى فقد كان يرى شيطانه في نفسه...
في قبيلة
عسير، يقولون عن الشاعر "هو رجل سقته الجن". فإذا أراد الشاعر نظم قصيدة،
يصعد إلى قمة جبل هناك ومعه شاة يذبحها ويقربها قربانًا، ثم يضطجع في ظل شجرة،
فإذا تُقبِّل قربانه أحس في نومه كأنه يسقى شيئًا، فينهض ويقول الشعر...
الشاعر السمخي يكتب حين يشرب أو يطرب أو
يغضب.. قرب ماء جار، وروض معشب، وخضرة ممدودة، وأماكن تثير الذكريات...ومنهم من
يركب ناقته ويتيه في الفيافي والصحراء والأودية. ومنهم من يشعل سراجه ويعتزل.
ومنهم من يسكب الماء على تراب خيمته الحارة وهو في أقصى درجات التوتر ونادي شياطين
الشعر (أخوكم أخوكم)...
منهم من يباشر الكتابة "السّمخية"
في الفجر، أو في صدر النهار قبل أن تمتلئ معدته بالطعام، أو في ساعة السحر...
ما بثير السخرية حقا في ثقافتنا المغربية
وجود شعراء بدون شياطين تلهمهم ربما لهذا لا يعترف المشرق بشعراء المغرب. فإذا كان
هذا هو حال الشاعر فما بالنا بأحوال الشواعر.
شخصيا – عندما ابتليت بالشعر رأيت فيما يرى النائم شخصا بملامح غير أدمية وأخبرني دون أن أسأله: "أنا "صاحبك"، شيطانك واسمي "ابن العرشمان". ومن وقتها انقطعت زيارته.
تابع
في التدوينة القادمة
أ تأملات وخواطر
عن الكتابة
أولا: الكتابة
"السَّمخيّة"
- 11 - الكتابة السمخية والسحر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.