الكائن السمخي هو الشخص الذي علق في الرمال المتحركة للكتابة السّمخية قولا وفعلا، وصعب عليه الفكاك من فخاخها، واستحال عليه إنقاذ نفسه وإنقاذ غيره من فخاخها
كان لدى عرب الجاهلية القابلية لتصديق الخرافات والأساطير وكل ما هو عجيب.
اخترت أن أحدثكم في هذه التأملات عن كائن حضر في طفولتنا بشكل رهيب ، كبير في طفولتنا، كان الكائن الوحيد القادر على ضبط سلوكنا والاستجابة لأوامر أسرتنا. "الغول" أو أمي الغولة" ... فبقدر ما كانت سرديات الغول تثير خيالنا، فإنها في الوقت نفسه تزعج عقولنا الصغيرة، وعواطفنا الهشة.
ذُكر "الغول"
في الثقافة العربية القديمة، وتناقل الرواة حكاياته في "الحَجّايات"،
والسرديات الشعبية والقديمة.. ووصف بشتى الأوصاف المخيفة والمرعبة، واعتبره بعض الكتاب السّمخين من صنف الجنّ.
ومن السرديات العجيبة أن "الغول" كان يظهر للعرب في الفيافي والصحاري، وكانوا يخشون السفر في مثل هذه الجغرافية خوفا منه، ويعلن عن ظهوره بالصفير، فيصفر صفرة شيطانية من أمامك وخلفك. وله القدرة على التشكل في أية صفة يريدها، فيظهر لك مثلا على هيئة صديق ليكسب ثقتك.
وتحدث العرب عن "الغول" بصيغة أنثى أحيانا، وبصيغة ذكر أخرى. ويعرف كاتب سمخي الغول قائلا: "فالغولُ اسم لكلّ شيء من الجن يعرض للسّفّار (المسافرين)، ويتلوّن في ضروب الصّور والثّياب، ذكرا كان أو أنثى. إلّا أنّ أكثر كلامهم على أنّه أنثى."
ومن الحكايات المبتوتة في الكتب السمخية أن الشاعر الجاهلي عنترة العبسي تعرضت له "الغول" وهي تبدو كالنور الساطع في الصحراء، تارة تختفي وتحتجب عن ناظريه وأخرى تظهر له فهي تتلون له في اختفاء وظهور، ولا تدوم على حالة واحدة.
وفي بعض السرديات نجد كائنا آخر يسمى ب السعلاة. من الكتاب السمخيين من يفرق بين "الغول" و"السعلاة". ف"الغول" ذكر من الجن، والسعلاة الأنثى. يقول أحدهم: "والغول ساحرة الجن، والغول يتراءى في الفلاة للناس فتضلهم عن الطريق، وأما "السعالي"، وواحدتها السعلاة، فذكروا أنها سَحرة الجن، وقيل: إن الغيلان جنس منها، وأن الغيلان هي إناث الشياطين، وأنها - أي السعالي- أخبث الغيلان، وأكثر وجودها في الغياض، وإنها إذا ظفرت بإنسان تُرقّصه وتلعب به كما يلعب القط بالفأر. وذُكر أن "السعلاة اسم الواحدة من نساء الجن إذا لم تتغول السفار، وذكر أن في الجن سحرة كسحرة الإنس لهم تلبيس وتخييل، وهم "السعالى". وهم أقدر من "الغيلان" (أو الأغوال) في هذا الباب.
ومن الحكايات العجيبة التي تروى عن الغول ما دونه كاتب سمخي ـ يسمى الجاحظ ـ قائلا: "وتزعمُ العامّة أنّ الله تعالى قد ملّك الجن والشياطين والعمّار والغيلان أن يتحوّلوا في أيّ صورة شاؤوا، إلّا الغول، فإنّها تتحوّل في جميع صورة المرأة ولباسها، إلّا رجليها، فلا بدّ من أن تكون رجلي حمار".
بل ذكروا أن رجلا اسمه عمرو بن يربوع بن حنظلة قد تزوج الغول، وأولدها بنين،
ومكثت عنده .دهرًا، فكانت تقول له: إذا لاح البرقُ من جهة بلادي، وهي
جهة كذا فاستُره عني، فإني إن لم تستره عني تركتُ ولدك عليك، وطرتُ إلى بلاد قومي،
فكان عمرو بن يربوع كلما
برق البرقُ، غطّى وجهها بردائه، فلا تبصره، قالوا: فغفل عمرو بن يربوع عنها ليلة، وقد لمع البرقُ فلم يستُر وجهها،
فطارت.
ويزعم الحكم بن عمرو البهراني وكان كفيفا أنه تزوّج "الغول"، وجعل صداقها غزالا وزِقّ خمر، فالخمر لطيب الرائحة لها، والغزال لتجعله مركَبا؛ فإن الظباء من أفضل مراكب الجنّ في اعتقاد العامّة.
وكم هي عجيبة قصص "الغول" لديهم، فإن هي ضُربت بالسيف ضربة واحدة هلكت، وإن أعاد الضارب ضربة أخرى قبل أن تموت فإنها لا تموت. ولنا عودة لحكاية "الغول."
يتبع
2. الغول في الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.