ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website خذ وقتك. في القراءة، لا داعي للسرعة المصطفى فرحات يرحب بكم

coinautoslide

آخر الأخبار
أحدث المواضيع

الخميس، 15 مايو 2025

أوراق مبعثرة من حياة رجل عابر (الحلقة 05)


الأحد صباحا:  1983

صوت من الداخل يخاطبني: "غادر مدينة مراكش... عليك أن تغادر فورا.." ولكن، إلى أين؟ " هذه المدينة لم تمنحك غير المتردّيّة وما عافه السياح..." ألقيت القليل من الملابس داخل الجراب، اشعلت سيجارة من نوع "كازا"، وأغلقت باب غرفتي، واتجهت إلى محطة الحافلات "باب دكالة"، لأستقل الحافلة من رصيف رقم 04. جلست غلى مقعد إسمنتي في انتظار تحرك الحافلة، أتأمل الوجوه المتعبة والشاحبة، أكاد لا أبصر غير الأشباح. "لا بدّ أن أسافر".

مساء يوم الأحد: مدينة زاوية الشيخ

وصلت إلى المدينة حوالي الساعة الرابعة زوالا. أنا الآن في ضيافة أختي "م" التي تكبرني بعامين. وأنا أدخل بيتها ظهر بدر أمامي فجأة وكأنه أضاع طريقه وسقط توّا من السماء. لم أستغرق وقتا طويلا لأغرم به. وأستحم بنوره الفياض.

قبل غروب الشمس بقليل تجولت في المدينة، هناك الكثير من الشبه بين مدينة زاوية الشيخ وبلدة الطين... بناياتها الطينية، بساتينها الجميلة والمثمرة، تخترقها ساقة ماء تسمى "تامدة" وهو نفس الاسم التي تحملها بحيرة في بلدة الطين... مدينة هادئة تبعث البهجة، والراحة والطمأنينة التي فقدتها في مدينة مراكش وكانت من دواعي مغادرتي لها.

بلدة الطين: أمام المنزل: 27/12/1979.

إني أراها... كانت بيننا محبة ومودّة، تزوجت فلاحا يكبرها بسنوات بدون إرادتها. الجملة التي لا تكف عن تردادها كلما سنحت الظروف لنتقاسم الكلام: "سأنتظرك حتى تحصل على وظيفة ونتزوج." أنا أتابع دراستي في الثانوية وهي الآن في منزل الزوج. "لا يزال الوقت طويلا على الوظيفة." أجيبها.

إني أراها ترتدي ثوبا أبيضا مسدولا، وتتحرك ذهابا وإيابا فوق سطح منزلها المطل على نهير وبساتين مزهرة بالخضرة. رياح خفيفة تؤرجح الثوب الأبيض المسدول يمينا وشمالا، ومعه يميل قلبي المراهق والمرهق. مستلق فوق حصير قديم مبسوط على بقايا سطح معصرة زيتون مهدمة، أدخن سيجارة، وأداعب كلبي "بوبي" بلونه الأسود اللامع. إنه مطمئن البال، مرتاح الخاطر. في البعيد يقترب طفل صغير يتشبث بثوبها الأبيض فتدفعه عنها...أحببت أن ألوح لها بيدي لكني تراجعت في آخر لحظة.

بلدة الطين: صباحا: 30/12/1979

أستظل بشجرة زيتون، قرب منبع ماء متدفق، أصوات الطبيعة البدوية تبعث في روحي السلام، والطمأنينة والمحبة... في أسفل التلة أراقب أطفالا يتقاذفون كرة ممزقة في ملعب طفولتي. في خلوتي هذه أحاول أعيد ترتيب صفحات حياتي.

مدينة الدار البيضاء: 06/06/1980

لم أنم الليلة، أترقب بزوغ الفجر لأستقل الحافلة التي ستقلني لمدينة الدار البيضاء. أعلن عن  نتائج امتحان الباكالوريا، وكنت من الناجحين. أقامت أختي حفلة صغيرة حضرها صديقات وأصدقاء الدراسة، تقاسمنا فرحة النجاح.. هل حان وقت مغادرة هذه المدينة التي قضيت فيها ما يقارب العقدين.

مدينة زاوية الشيخ مرة أخرى

سافرت هذا الصباح من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة زاوية الشيخ لأتقاسم مع والدتي وأختي فرحة النجاح...

      بلدة الطين: 20/08/1980

      كتبت في هذا اليوم: "20 غشت. تاريخ سيبقى راسخا في الذاكرة، أبدا لن أنساه. لم أكن أتوقع أن ألتقي بها هذا اليوم. "فا..." حبي الأول. رأيتها باسمة. تزوجت منذ سنة ونصف. إنها اليوم في بيتنا، تحمل بين دراعيها   وليدها الأول الذي يعاني من المرض لتعالجه والدتي... تألمت كثيرا عندما سمعت بخبر زواجها قبل أن يواسيني النسيان... لقد صدق القائل:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى **** ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتـى **** وحنينه أبدا لأول منــــزل

يتبع

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

We Are Still Here Don't Worry be happy