ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website خذ وقتك. في القراءة، لا داعي للسرعة المصطفى فرحات يرحب بكم

coinautoslide

آخر الأخبار
أحدث المواضيع

الجمعة، 23 مايو 2025

أوراق مبعثرة من حياة رجل عابر (الحلقة 06)


 

مدينة الدار البيضاء 1985. ليلة رمضانية

محشور بزاوية في إحدى مقاهى حي البرنوصي،  أدخن سيجارة من نوع "مغرب"، وأراقب حركة المارة العابرين للشارع، إنه يختنق. حزن طفيف يلون هذا المساء، وكالعادة، لأوثق هذا الشعور، تناولت قلما وورقة ودونت: "هذه المدينة  قدمت إليها في بداية السبعينات لأتابع دراستي بعد حصولي على الشهادة الابتدائية ببلدة الطين. عشتها في اللم والأمل، النجاح والسقوط، الحب والخيبة... كونت فيها صداقات وعداوة، تعلمت فيها عادات جميلة وسيئة، احتضنتني طفلا، ومراهقا، وطالبا... سأغادرها بعد تخرجي من المدرسة العليا للأساتذة..."

بلدة الطين بدون تاريخ

يخيم الليل على المقبرة، الصمت سيد الزمان والمكان، نسيم هادئ ومنعش يرش عبقه على الموتى، يداعب غصون الأشجار فيبعث فيها الحياة. أتجول بين القبور باحثا عن الحق والحقيقة، أتأمل السماء، أراقب النجم القطبي بنظرات مهزومة، وأتساءل: "متى يسقط نجمي؟" رعشة باردة تسري في جسدي، استلقيت بجوار شجرة بطم مسنة، فجأة أبصرت أشباحا أو ما يشبه الأشباح تقطع المقبرة ذهابا وإيابا، يمنة ويسرة، حاولت أن أتمالك نفسي، كادت صرخة النجدة تنفلت من حنجرتي، هياكل الموتى تجرج من القبور، تتوزع بعشوائية في فضاء المقبرة، أفرك عيني لأتيقن أن ما أراه حقيقة وليس تخيلات، وتساءلت من جديد: "متى يستيقظ نجمي؟" رفعت رأسي نحو الجبل لأتابع سقوط نجم في بؤبؤ عيني، عاودت فركهما من جديد، سقطت على خدي دمعتان. كان القمر يطلع، غادرت المقبرة.

في الصباح

لم أتناول فطور بالشهية المعهودة، بل على عجل دون أن يكون هناك أمر ما يستدعي العجلة. لم أتخلص من تأثيرات ما حدث بالمقبرة يوم أمس. زرت المقبرة مرة أخرى، جلست تحت شجيرة زيتون برية على بعد أمتر من شجرة البطم المسنة، أتأمل الفضاء، لا أرى شيئا، إنه منظر خادع.. لا شك أن أشباح الموتى تنظر إلي، تراقبني.. أشعة الشمس الساطعة لا تسمح لي برؤية أجسادهم التي تلفها الأكفان... لن أيأس...

في الليل

أسدل الليل لحافه الأسود على بلدة الطين. تحت جنح الظلام يمكن للأشباح أن تظهر من جديد، تلتحف ثوبها الأبيض الناصع. قررت العودة إلى المقبرة، جلست في عين المكان، غفوت.. رأيت جسدي تلتهمه الديدان، مئات الديدان تهاجم كل أعضاء جسدي، منظر مقرف ومرعب... استمتعت بالمشهد وأنا أتابع العمل الجاد الذي تنجزه الديدان، أعرف أنها لن تتوقف حتى تنهي المهمة...  الآن فقط أدركت الجزء الأهم من الحقيقة التي طاردتها  طويلا... أنا اليوم أعيش حياة مطمئنة.

بلدة الطين: 01/01/1986

تاريخ عيد ميلادي الذي لم يسبق لي أن احتفلت به أبدا.  يمر الوقت في البلدة بطيئا.. لا يمل من اللعب بالبشر كما تلعب عاصفة بقشة.

هذا المساء

أفتح عيني على كتاب الطبيعة، أتأمل أطلال وخرائب الديار. في تناغمي مع الفضاء أدركت أن الكتب لا قيمة لها، وأن أفضل الكتب التي نتعلم منها هي الجبل والسهل والطير والبحر والنهر...

مدينة بني ملال: 1986.

وصلت إلى المدينة قادما إليها من بلدة الطين. المطر غزير، احتميت بمقهى اتقاء للمطر، وطلبا للدفء... من النافذة الزجاجية لمقهى عين أسردون رأيتها تقطع الطريق بحذر... منذ لحظات كانت تجلس إلى جواري تحتسي عصير ليمون، تتحدث بعفوية وحماسة. إنها طيبة وجميلة ووديعة.

حدث هذا في 25/11/1985.

استيقظت متأخرا كالعادة، كانت الوالدة تنتظرني على مائدة الإفطار. بادرتني قائلة: "عيدك مبروك". قبلت رأسها وبادلتها نفس العبارة، وقفز إلى ذهني قول المتنبي:

عيد بأي حال عدت يا عيدُ **** بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ

هذا المساء

طرقات على الباب، نهضت بتثاقل، تفاجأت بحضور صديقة عزيزة رغم الأحوال الجوية المضطربة.. دخلت وألقت بجسدها فوق السرير... فجأة، تهب عاصفة هوجاء، رياح وأمطار عاصفة.. من شرفة الغرفة راقبنا المشهد الجميل والممتع. توقفت العاصفة كما بدأت. غادرنا الغرفة لنتفقد الخسائر التي تعرضت لها البلدة. هدمت السيول جزء كبيرا من منزلنا، وفي الخارج اقتلعت الأشجار، وحطمت الأسيجة، وأغرقت الطرقات والبساتين، وجرفت كل ما وجدته في مجاريها من نبات وبنايات وحيوانات... خارج المنزل سمعت صوت جارتنا وهي تتحدث مع والدتي: " إنه يوم القيامة..". شخصيا " تمنيت لو سقط اسقف غرفتي المنسوج من القصب والخشب على رأسي ورأس صديقتي."

يتبع

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

We Are Still Here Don't Worry be happy