ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website خذ وقتك. في القراءة، لا داعي للسرعة المصطفى فرحات يرحب بكم

coinautoslide

آخر الأخبار
أحدث المواضيع

الخميس، 10 يوليو 2025

أوراق مبعثرة من حياة رجل عابر. (الجزء الأول: الحلقة: 13)


الدار البيضاء: 20/04/1979

تستمر المغامرة مع " أ " "صاحبة قصيدة الزهرة الجذابة"، ولكن بمزيد من التقدير والاحترام، أحببت فيها نضالها وتواضعها وصبرها وقوة شخصيتها وشاعريتها... رغم الظروف الصعبة التي تعيشها العائلة بسبب اعتقال ابنها إلا أنها مصرة على الدراسة والنجاح وتحقيق حلم الأسرة في أن تكون محامية ناجحة من أجل الدفاع عن أخيها لمعرفة مكان اعتقاله، وبالتالي استعادة حريته...

في نفس اليوم توصلت برسالة من صديقتي "ح"  (ابنة بلدتي، صديقة الشجرة) ـ لم تفلح في الحصول على الشهادة الابتدائية ببلدتنا رغم أني ساعتها مرارا في الاستعداد له، كنا صغارا عندما وقعنا في حب بعضنا البعض، فنسجت علاقة قوية بيننا فواصلت تعليها المهني بمدينة (و. إ). قرأت الرسالة التي تفيض بمشاعر الود والشوق والحنين. أنا جد سعيد بهذه الرسالة. 

الدار البيضاء: 23/04/1979

التقيت ب "أ" "صاحبة قصيدة: الزهرة الجذابة" هذا المساء، قضينا حوالي أربع ساعات معا، تجولنا بحي "عين السبع"، بدأنا بزيارة حديقة الحيوانات التي لا تبعد عن الملحقة التي نتابع فيها دراستنا إلا بعشر دقائق، رأينا أسد الأطلس والغزلان، والطيور، والكثير من الحيوانات، والكثير من أشكال الحياة البرية تحدثنا في كل شيء... ثم أكملنا جولتنا المسائية نحو  شاطئ النحلة، جنبا إلى جنب كنورسين جلسنا فوق الرمال، وعدونا على الشاطئ، تراشقنا بالماء، تبللت ملابسنا، وحاولنا تجفيفها... أقدامنا مغروسة في زرقة المحيط، وعيوننا تتطلع إلى زرقة السماء، هناك الكثير من الأحلام... تحدثنا عن حدود علاقتنا التي تتبلور بهدوء، تسألنا عن أفقها، ومداها،  وموقف زملائنا التلاميذ منها... قالت لي بصوت منكسر وحزين: "بدأوا يتهموننا... لهذا اخترت أن نبتعد عن الحي وعن محيط الثانوية..." حاولت أن أقنعها بأن علاقتنا بريئة وصادقة ومن الواجب أن نحافظ عليها لتستمر وتزهر... يوما ما قد نتابع دراستنا بالجامعة بمدينة الرباط وسنكون قريبين من بعضنا البعض..." يبدو أنني أقنعتها بوجهة نظري... في حدود الساعة السادسة والنصف أنهينا جولتنا الرائعة والممتعة حقا...

الدار البيضاء: 24/04/1979

ما كانت تخشاه " أ " (صاحبة قصيدة: الزهرة الجذابة) حصل فعلا، فعلاقتنا أثارت فضول أصدقاء الفصل خصوصا، وانتشرت الشائعات المغرضة، واقترحت على " أ " الابتعاد عن بعضنا البعض لفترة من الزمن  لنسكت الألسنة، لكنها رفضت الاقتراح  بدعوى أن انفصالنا يؤكد شكوكهم.

الدار البيضاء: بلدة الطين: 09/10/1998

يتقاذفني الليل والنهار كأني كرة من نار، وكأنهما يخشيان الاحتراق. تتقاذفني الفصول الأربعة، ولا يقين يطمئن النفس والروح، ما تقع عليه أو تلتقطه الحواس أشبه بالسراب... يخدع البصر، ويظهر المعالم والعوالم في غير أشكالها، وحالاتها، ومواقعها... أفتقد وهج الحياة، فما عاد هنا ولا هناك ما يبهج...

بلدة الطين: 08/1998

المساء شيخ معمم، يخلع عمامته ويمدها على مقهى "تاغزوت". النفس منقبضة، ومتوترة، وحده خرير المياه يلطفها، ويجعلها تستجيب للحياة ... أتسلى بكتابة كلمات وجمل لأتخفف من حزن يضرب عميقا  في جدور النفس، ويصعد في نسغها. يرتفع الضجيج على مقربة مني، ألتفت لأتعرف مصدره،  رأيت جوقة من الشباب والكهول متحلقين حول لا عبي الورق... خليط من الناس، منهم  تجار، ومعلمين، وفلاحين، وعاطلين عن العمل، وتجار مخدرات... وجوه يابسة، وعيون غائرة. وأحلام طائرة، وأشياء أخرى... رفعت بصري، سحابة بيضاء تعبر في سماء داكنة...

بدون تاريخ

تساءلت مرارا: "هل يقدر الإنسان أن يعبر الحياة بدون ضجيج؟"

بلدة الطين :الأحد. 1994 

صباح ربيعي مشرق، وهادئ، ومطمئن يناجي نفسه بالقادم الجميل.. منذ فترة طويلة لم أجلس في مقهى بلدة الطين، أحب كثيرا أن أتجول في طبيعتها العذراء، أتسلق الجبال، أغازل الأشجار، وأخيم على ضفاف نهر واد العبيد، أو أسفر خارج البلدة... لكن اليوم قررت أن أجلس في المقهى، وأعيد ربط الصلة بالناس والمكان... التغيير بطيء جدا في بلدة الطين، الحياة جامدة بلا حراك، الأشياء لا تزال في مواضعها كما وضعت أول مرة منذ عشرات بل مئات السنين، التغيير الوحيد الظاهر هو تسلل الخراب إليها خلسة. أما الناس، أناس بلدة الطين الطيبون فهم أيضا لم يتغيروا كثيرا، هم في حاجة إلى كثير من الأشياء، لكنهم لا يستطيعون الحصول عليها، ولا يستطيعون المطالبة بها. أعينهم ناعسة، وباردة، وخائفة، يبدو لي أنهم مرعوبون من شيء ما...

بلدة الطين: 06/07/2025

بعد أن أنهيت جولتي الصباحية، جلست فوق  ربوة تحت شجرة بطم لأستظل بظلالها، وأستمتع بالنسيم القادم من جهة نهر واد العبيد، لم تكن هذه الاستراحة مخطط لها، لكن المشهد رائع ومثير، وما يجري تحت بصري جذاب ويغري بالبقاء.

أراقب ما يجري أمامي بكل جوارحي، أحاول أن أفهم وأستخلص العبر، وكان الدرس الذي تعلمته يفيض بالحكمة، وساعدني على تظهير الروح والنفس.

أراقب الحشرة التي تسمى "أسد النمل"  لأنها تشبه الأسد في هيئتها، وهي حشرة صغيرة تعيش تحت التراب، متأقلمة بشكل جيد مع محيطها البيئي، إنها بلون التراب، ولا يمكن رؤيتها بسهولة، أرصدها وهي تعمل بجد... إنها تشيد حفرا على شكل قمع (حفر دائرية متفاوتة الحجم) وهي مجموعة كمائن أو مصائد شديدة الانحدار عندما تسقط فيها النملة فإنها تواجه صعوبة في الخروج منها.

وهذا ما عاينته فعلا، تتنقل "أسد النمل" تحت التراب، وتحفر حفرة عميقة، ثم تنتقل لتحفر أخرى، وهكذا تقضي وقتها في حفر عشرات الحفر وانتظار سقوط النمل فيها... إنه قدرها في هذه الحياة، هذا هو الشيء الوحيد الذي تحسن فعله وبدقة متناهية يفوق الخيال...

راقبتها وهي تنجز عملها الهندسي بإتقان وفعالية وسرعة... توجد خنفساء متوسطة الحجم في مجال صيدها، وحيدة تائهة، يبدو أنها تبحث عن شيء ما ولم تجده... فجأة تظهر في المجال نملة صغيرة تتنقل بنشاط، بين الحفر، لكن سرعان ما انجذبت إلى حفرة عميقة، بقيت فترة وهي تفرك أرجلها، فكرتُ: "ربما اشتمت رائحة في الحفرة أطلقتها "أسد النمل"" لكن سرعان ما استبعدت الفكرة...

لم يطل الوقت قبل أن تقع النملة أسيرة في الحفرة، وشرعت فورا في القتال  لتتخلص من الكمين لكن بدون جدوى، كلما ناضلت لتصعدت إلى الأعلى قذفتها "أسد النمل" بأتربة لتعيدها من جديد إلى الحفرة... كادت النملة أن تفقد الأمل في النجاة وتكون دمائها عصيرا شهيا "لأسد النمل" لولا ظهور الخنفساء فجأة بالقرب من الحفرة، ثم داستها بأقدامها فأفسدت الكمين، ونجت النملة...

 هذا المشهد الذي يتكرر مرارا في الطبيعة بحضوري أو بغيابي سيستمر بحضوري او بغيابي... ولكنه علمني الكثير في حياة وجدت لتغرينا ولتخدعنا...

يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

We Are Still Here Don't Worry be happy