"كل مجتمع يسعى للتطور يتحتم عليه تنظيم معارفه."
عندما نرى إلى الكتابات التي يناولت الحركة النقدية بالمغرب من حيث بداياتها وتطورها نكشف أن أغلب هذه الدراسات رغم قلتها لا تكاد تتفق على تصور واحد أو متقارب لهذه الحركة، ولكنها تكاد تتفق على أن هذه الحركة قطعت كل صلة بينها وبين التراث النقدي القديم العربي والأندلسي.
1ـ الحركة النقدية بالمغرب: تاريخها واتجاهاتها:
يحدد إدريس الناقوري(1) مراحل ثلاث لتطور الحركة النقدية بالمغرب:
1 ـ مراحل التراجم والمنتخبات
تمتد هذه المرحلة من بداية القرن إلى منتصف الخمسينات ويمثلها محمد غريط، وعبد الله كنون.
2 ـ مرحلة النقد الايديولوجي: وهي مرحلة تستغرق فترة الاستقلال إلى نهاية السبعينات ويمثلها الخطيبي، ومحمد حبيب الفرقاني.
3 ـ مرحلة النقد العلمي:
تمتد من نهاية السبعينات إلى بداية الثمانينات إلى الآن ، ويمثلها اليابوري، والمعداوي.
أما الميلودي عثمان (2) فيقسم مراحل تطور الحركة النقدية بالمغرب إلى ثلاث مراحل:
1ـ المرحلة الأولى:
ممارسة نقدية ذات طابع لانسوني (نسبة إلى الناقد لانسون) وهو النقد الممارس حاليا في الجامعات، وقد دخل هذا النقد عبر كتابات طه حسين، ومحمد مندور، وحدد مميزات هذا النقد في:
أ ـ استحضار المؤلف والتاريخ
ب ـ ابتعاد هذا النقد عن النصوص أسلوبا ولغة.
وهذا يعني أن ما يميز هذا النوع من النقد هو الاهتمام بخارجيات النص
2 ـ المرحلة الثانية:
النقد الدوغمائي وأهم مميزاته:
أ ـ لايسمح للآخر التعبير عن نفسه
ب ـ الاعتقاد بوجود حقائق مطلقة ومشتركة بين الأدباء الذين قد يعبرون عنه بطرق مختلفة.
3ـ المرحلة الثالثة:
النقد الذي يبحث في تقنيات النص، ويعتبر الكاتب أن هذا النقد لا يزال جنينيا، وأهم ما خصائصه أنه نقد تحليلي يتفقد النصوص من غير دغمائية ولا نزعة تعليمية.
خالف محمد العياشي (3) هذا التصنيف فقسم تاريخ الحركة النقدية بالمغرب إلى قسمين كبيرين:
أ ـ المرحلة الأولى: النقد الذي ساد فترة الاستقلال. وأهم ما يميز المرحلة هو الانطلاق المتأثر بالنقد السائد بمصر، ولا يمكن اعتباره امتدادا للنقد العربي القديم، وتمثل فترة العشرينات من هذا القرن تقريبا البداية الأولى، وأهم خصائص هذا النقد:
أ ـ اتخاذ الشعر وقضاياه كموضوع.
ب ـ اعتماد النزعة الجدلية، واستغلال الانطباعات والانفعالات الشخصية.
ج ـ اعتماد المعيارية في تدعيم تلك النزعة: وتأتي المعيارية من خلال تحكيم مقياس الخطأ والصواب.
د ـ تحركه في مجال الصراع بين الجديد والقديم، وميله إلى الجديد في المضمون وجمالية الصورة.
و ـ عنايته بأسلوبه كنقد.
وأهم ما يميز المرحلة الثانية هي كثرة الاتجاهات، وحددها في خمسة اتجاهات أساسية:
أـ النقد التقليدي الكلاسيكي: ويعنى بالنقد التقليدي تلك الكتابات النقدية التي تناسلت امتدادا للنقد السابق. أي في مرحلة ما قبل الاستقلال، وأهم مميزات هذا النقد:
أ ـ نقد توفيقي في مكوناته المعرفية.
ب ـ نقد ذو طابع مثالي في تصوره للكتابات والكتاب.
ج ـ نقد اختزالي، أي الاهتمام بجانب واحد من العمل الأدبي.
د ـ نقد انطباعي.
و ـ نقد يفتقد قاعدة نظرية متماسكة.
3 ـ النقد الجامعي: ويؤرخ لظهور هذا النقد بأواخر الستينات، وأهم خصاءصه:
أ ـ حضور المنهج كتجسيد انظرية معيشة في الأدب والنقد.
ب ـ إجراء التحليل كقاعدة يقوم عليها كل فهم أو تأويل معطيات التحليل.
ج ـ تقويم الموضوع (النص) بطريقة ضمنية عبر استخلاص النتائج.
و ـ غياب شخصية الناقد كذات وإحلال الشخصية المعنوية في محلها.
ي ـ تمرير خطاب عقائدي بطريقة مبررة.
ويعتبر الكاتب أن هذا الاتجاه هو الذي يطغى على الساحة النقدية حاليا، ويمثل هذا الاتجاه أحمد اليابوري، سعيد علوش، محمد بنيس، عبد الرحمان بن زيدان.
4ـ النقد الجدلي: لم يحدد الكاتب بدايات هذا النوع من النقد ولكنه حدد مميزاته التي نختصرها فيما يلي:
أ ـ استعمال المقولات العقائدية كقاعدة نظرية تعود إلى المرجع المادي التاريخي.
ب ـ الالحاح على الوظيفة العقائدية للكتابة كموقف أو رؤية.
ج ـ ربط النص (الكتابة) بشروط إنتاجه: الواقع ـ الطبقة ـ المؤلف.
د ـ إيلاء العناية الكبرى للمضمون من أجل استنطاق النص إظهارا لما يختزنه من دلالات.
و ـ تغليب النزعة الانتقائية، أي محاكمة النص سلبا أو إيجابا
ه ـ الاحتماء بالمرجع النظري لإقامة الحجة وإثباتها باقتباس أراء وأقوال النقاد الواقعيين وفلاسفة المادية التاريخية. ويمثل هذا الاتجاه عبد القادر الشاوي، نجيب العوفي، إدريس الناقوري، إبراهيم الخطيب، ومحمد برادة، في مرحاتيهما النقدية الأولى.
5ـ النقد الشكلاني: لم يحدد الكاتل بداية ظهور هذا الاتجاه على الساحة النقدية المغربية، ولا ما يميزه عن غيره من الاتجاهات ولكمه اكتفى بتقديم ممثلي هذا الاتجاه وهم: إبراهيم الخطيب، في مرحلته الأخيرة، عبد الفتح كليطو. ويخلص الكاتب إلى القول بأن هذه الاتجاهات لا تربطها علاقة تساكن بل علاقة تنافس وصراع. ويمكن إجمال خصائص هذا الاتجاه فيما قاله عبد الفتاح كليطو متحدثا عن هذا الاتجاه فالناقد المغربي يقرأ ويترجم ويستعمل أدوات فوكو، وبارت، وتودوروف (4).
أما محمد بنيس (5) فيرى أن النقد الموجود بالمغرب فقد مر بمرحلتين:
أ ـ الأولى:
نقد ما قبل الثلاثينات، وهو في نظره نقد شفوي. ـ المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد الثلاثينات، وهو النقد المكتوب.
يقول محمد بنيس (6): "لم يكن النقد المكتوب موجودا لأسباب، وليس للمغرب تقليدا في النقد المكتوب…وربما كان النقد الاخواني والمعتمد على الممارسة الشفوية هو الطاغي في موروثنا النقدي الضائع. ومع الثلاثينات من القرن العشرين بدأت الكتابات النقدية في الصحف والمجلات، ولكن لم يتطور إلا بقدر ضئيل في الفترة الفاصلة بين الثلاثينات والسبعينات، بل إن الانقطاع هو الذي يشكل البنية الأساسية لهذه الكتابة.."
بعد ذالك يتطرق إلى المناهج النقدية الموجودة على الساحة النقدية وحصرها في منهجين كبيرين:
أ ـ المنهج الوصفي: ويعتبره الكاتب استنساخا لبعض المصطلحات والقيم النقدية التقليدية، ويمثل هذا المنهج: حسن الطريبق، وأهم ما يميز هذا المنهج:
أ ـ خليط من المناهج.
ب ـ يعالج النص بوعي هامشي.
ج ـ الاستفادة من المنهج التأثري على الخصوص.
د ـ الاعتماد على المصطلح والمفاهيم والتحاليل الماركسية.
و ـ عدم الانسجام بين النظري فيه والعملي.
2- المنهج الإجتماعي ـ التاريخي
: ويعتبره بنيس سيد الصراع الثقافي منذ أواخر الستينات، وأهم ممثليه: عبد القادر الشاوي، إبراهيم الخطيب، حسن الطريبق، إدريس الناقوري، نجيب العوفي. وأهم خصائص هذا الاتجاه:
أ ـ الاعتماد على خلفيات النص الاجتماعية والتاريخية (التركيز على سوسيولوجية المضمون)
ب ـ محاولة تجاوز قصور معاملته مع النص الأدبي، وقد نتج عن هذا المنهج في نظر بنيس:
أ ـ المنهج التفسيري وأهم ما يميزه:
ـ الاعتماد على شرح المفردات.
ـ تحديد بعض الصور البلاغية.
ـ الاعتماد على بعض التخريجات النحوية.
ـ الاهتمام بالخصائص الايقاعية والعروضية.
ـ تقسيم النص إلى فقرات.
ـ وضع مقدمات ونتائج.
ب ـ منهج "تاين" و "ساتن بوف" (المنهج التاريخي) وهو من بين أكثر المناهج انتشارا. وأهم خصائصه:
ـ الاهتمام بخارجيات النص.
ـ الابتعاد عن إدراك النص في كليته.
ج ـ المنهج البنيوي الشكلاني:
وأهم ما يميزه، اعتبار النص ذروة مغلقة وغير مشروط في بنيته بالواقع الخارجي والاجتماعي والتاريخي. وخلص الكاتب إلى أن الساحة النقدية المغربية يتقاسمها هذين المنهجين: المنهج الوصفي، والمنهج الاجتماعي التاريخي.
استنتاجات:
من خلال الاستعراض لأهم مراحل الحركة النقدية بالمغرب من خلال كتابات إدريس الناقوري، الميلودي العثماني، محمد العياشي، محمد بنيس يمكن استنتاج ما يلي:
1 ـ أغلب هذه الكتابات نظرت إلى الكتابة النقدية التي اشتغلت على الشعر والقصة والرواية، وأغفلت جانب المسرح والسينيما.
2 ـ غياب المصطلح المشترك مما يسمح بكثير من التأويلات والخلط.
3 ـ غياب نظرة موحدة في عملية التاريخ وتحديد للمراحل التي مر منها النقد بدقة، وهذا غير صحي ولن يسمح بتطوير فعلي الحركة النقدية المغربية.
4 ـ اتفاق تام على أن النقد المغربي قطع صلته بالنقد العربي القديم.
5 ـ ربط تطور الحركة النقدية المغربية بشقيقتها بالمشرق.
وخلاصة القول أن الكتابات التي أرخت للحركة النقدية المغربية، كتابات متسرعة، وأحيانا صادرة عن سوء نية، أو نية مبيتة، وهذا مايدعوا إلى إعادة النظر في هذه الكتابات والبحث عن أرضية صلبة تكون مرجعا لكل مؤرخ. ولا شك أن هذه الأرضية تتمثل في تحديد وبشكل دقيق أو على الأقل متقارب لمفهوم النقد حتى تسهل عملية حصر المتن الذي يمكن إدراجه في مجال النقد الأدبي، وبالتالي اعتماده كأرضية لعملية التأريخ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش:
1ـ إدريس الناقوري: مقال "النقد الحديث في المغرب، الملحق الثقافي للاتحاد الاشتراكي الأحد 7 يونيو 1982.
2 ـ الميلودي عثمان: مقال "ملاحظات حول النقد والشعر المغربيين، العلم الثقافي، السبت 32 مارس 1987.
3ـ محمد العياشي: مقال "اتجاهات النقد الأدبي في المغرب، مجلة الثقافة العربية، العدد 11، السنة 11 1084 ص 55.
4ـ عبد الفتاح كليطو: حوار مع الكاتب، العلم الثقافي، السيت 6 يونيو 1987.
5 -أ محمد بنيس: مقال "وضعنا النقدي: بعض من سماته وإمكاناته، الثقافة الجديدة، العدد 10 ـ 11 السنة 3/ 1978 ص 41.
6ـ المرجع نفسه ص 41.
ابزو: 1988. مقال نشر في جريدة الاتحاد الاشتراكي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.