عرفت بلاد اليونان القديمة، حركة فنية بفعل قوتها وتحضرها. وتركت الحضارة اليونانية في ميادين العمارة والنحت والرسم والفخار فنا يقترن بالكمال، ويجعل من سمو الجمال الإنساني موضوعه الأساس، ويعود ذلك إلى أن اليونانيين وضعوا آلهتهم المتعددة على قدم المساواة مع الإنسان في تمثلاتهم الأدبية والفنية: جعلوا من هذا الأخير محور الكون بحيث صار كل شيء ينتظم لديهم حسب مرجعية واحدة، وبقياس واحد، ألا وهو الإنسان. وهذه النظرة للكون عند اليونانيين تجد أصلها في ديانتهم لأنهم يعتقدون أن آلهتهم على صورة الإنسان، ولهذا نرى، مثلا، في الشريط التزييني على جبهية معبد البارتينون Le temple du Parthéon آلهة الميثولوجيا يختلطون ببني البشر.
ولكن، ومع ذلك، كان اليونانيون على بينة بضعف الإنسان ومحدوديته. ويتجلى ذلك في الأعمال التي عبروا فيها عن أبطالهم الجرحى أو المنهزمين..
1. فترات تاريخ الفن اليوناني
ينقسم الفن اليوناني غلى فترات تاريخية تناسب التغيير الذي حصل عبر التاريخ في الأساليب التي عرفها في مجالات العمارة والنحت والرسم. وهذه الفترات هي حسب التسلسل التاريخي:
* الفترة الهندسية
تتميز هذه الفترة بالتكرار والتماثلية باعتبارهما عنصرين تشكيليين أساسيين يكونان جوهر العمل الفني في الرسم والنحت. وموطن الأسلوب الهندسي هو أرض اليونان الأصيلة بين الفلاحين الدوريين Les doriens، وهم شعب هندي ـ أوروبي احتل اليونان في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد. وكان الأسلوب الهندسي الأول إيذانا ببداية ظهور اتجاه جديد للتطور في الفن اليوناني. ففي البداية كانت الأشكال فجة ثقيلة، وطريقة التعبير مقتضبة، ثم ظهر بالتدريج أساليب محلية متباينة في كل البقاع. وأشهر هذه الأساليب الديبيلون Le Dipylon الذي ازدهر في أتيك Attique فيما بين 900 و 800 ق.م. وهو أسلوب يكاد يكون رقيقا متأنقا. والديبلون اسم مدخل في الجانب الغربي من آثينا القديمة، وجدت به أوان خزفية بالأسلوب الهندسي، وأصبح اصطلاح ديبيلون يدل على هذا النوع الخاص في زخرفة الأواني الخزفية.
* الفترة المشرقية
تأثر الفن اليوناني بالفنون الشرقية في الفترة الموالية للفترة الهندسية ما بين 700 و 625 ق.م. ولهذا سميت هذه المرحلة بالفترة المشرقية. وتم هذا التأثير، بوجه خاص في فن الأواني الخزفية التي أنتجتها منطقة شرق اليونان في ردوس وكورانثيا. وتحمل هذه الأواني زخارف مختلفة: أشرطة تتألف من حيوانات استوحاه الفنان من الصور التي جاء بها التجار الفنيقيون، ومن مخلوقات خرافية من الشرق مثل أبو الهول ومن نباتات منمنة.
* الفترة الكلاسيكية
بعد أن انتصر اليونان على الفرس أتت ضرورة إصلاح ما ترتب عن هذه الحرب من خراب إلى قيام حركة فنية قوية، فكان إيذانا ببداية بروز معالم الكلاسيكية من خلال مرحلة أولى أطلق عليها المؤرخون اسم ما قبل الكلاسيكية، التي تميزت فيها الفنون التشكيلية بمجموعة من الخصائص:
- طغى الأسلوب الدوري في فن العمارة كما يظهر في معبد زوس الذي بناه ليبون إيليس في الولمبيا حوالي 460 ق.م.
- تميز فن النحت بتجسيد مشاهد تتسم بالحركة.
- وقعت القطيعة مع عادة نقش التماثيل على جبهية المعابد التي كانت سائدة منذ الفترة الأريخية.
* مرحلة الكلاسيكية الأولى
توافق هذه المرحلة، التي تسمى أيضا بالكلاسيكية الكبرى حكم الإسكندر الأكبر، وكانت مرحلة نضج وازدهار في الفن اليوناني سواء العمارة أو النحت أو الخزف أو الرسم.
* مرحلة الكلاسيكية الثانية
تميز الفن اليوناني في هذه الفترة بمجموعة من التغيرات الفنية كانت نتيجة تحولات سياسية وحروب عرفتها اليونان. ففي العمارة اتسعت الفضاءات الداخلية للمعابدوتزيينها بالمواد الملونة والزخارف..تختلف هذه المرحلة عن الكلاسيكية الأولى التي تتصف بالعظمة تشهد عليها أعمال براكستيل وسكوباس..
* الفترة الهيلينية
تطور الفن الهيليني في اليونان والمناطق الشرقية التي غزاها الإسكندر الأكبر، وبفضل التقاء الفن اليوناني بالتقاليد الشرقية حصل تزاوج بين الأشكال الفنية أعطى الفن الهيليتي.
والفن الهيليني هو في الواقع انعكاس لملامح العصر الذي كان من وراءه تحقيقه، ومن هذه الملامح ظهور النزعة الفردانية التي أدت إلى التفكير في الذات، ونزعة المواطنة الكونية، وحب التبحر في العلم والمعرفة، وتذوق المسرح، والميل إلى التصوف، والتأثر بالديانات الشرقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.