ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website خذ وقتك. في القراءة، لا داعي للسرعة المصطفى فرحات يرحب بكم

coinautoslide

آخر الأخبار
أحدث المواضيع

الأربعاء، 30 أبريل 2025

يوميات: أوراق مبعثرة من حياة رجل عابر (الحلقة: 03)

 

 بلدة الطين: يوم أربعاء/04/1983

أحط الرّحال في البلدة قادما إليها من مدينة مراكش. حدّثني والدي فقال: "أخوك مريض، إنه يشكل مصدر تهديد خطير على الأسرة، والجيران... علينا أن نجد حلا..." كان والدي ـ الذي يقارب الثمانين سنة ـ حزينا ومنفعلا. تأملت وجهه القديم وقد رسمت عليه خريطة أدغال الهند الصينية، التي حارب فيها إلى جانب فرنسا، وبقايا جوع سجون ألمانيا التي قضى فيها أربع سنوات حتى يئست الأسرة من عودته واعتبرته ميتا. قاتل لتتحرر فرنسا من الاستعمار الألماني، ويتحرر بلده من الاستعمار الفرنسي، لكن للأسف ـ بعد انتهاء خدمته ـ خصصت له فرنسا منحة لا تسمن ولا تغني من جوع، يتقاضاها كل ثلاثة أشهر، تزيد وتنقص بحسب قيمة الفرنك الفرنسي مقارنة بالدرهم المغربي... وهو الآن يقاتل من أجل أسرته. ما أقدمه من مساعدة مادية أقتطعها من منحتي الدراسية الجامعية فكأنك تلقي حصى صغيرة في قعر بئر عميق ومهجور.

والدي شأنه شأن العديد من الجنود المغاربة الذي خاضوا حرب "لاندوشين" كما يحبون أن يسموها ما بين عامي 1947 و 1954 منهم من سجن، ومنهم من فرّ، ومنهم من تزوج هناك واستقر، ومنهم من رافقتهم زوجاتهم إلى الوطن، وشخصيا عرفت أربع منهن، ثلاثة في مدينة اليوسفية، وواحدة في بلدتي، "بلدة الطين". إنهم يعيشون في أسوأ حال، ولم تشفع لهم بطولاتهم في الاستمتاع بحياة كريمة ومريحة في شيخوختهم.

أجبته: " فعلا يجب أن نجد حلا... عندما أعود إلى مدينة مراكش سأتصل بالمسؤول عن مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بحي "مرشيش" وسنرى ما يجب فعله." و في حوار قصير مع أخي الذي أكبره بأربع سنوات تبين لي أنه حقا يحتاج إلى علاج، وفي أقرب الآجال. وحضرتني المقولة الشائعة: "الفنون جنون" فأخي يحب الموسيقى والغناء، وله صوت مطرب وجميل.

26/11/1983

" ترددت طويلا بين الاستسلام لعذاباتك وجبروتك وقسوتك، وبين الذهاب إلى حدود الظلام. ترددت بين معانقة نبضك المتقطع، وتقبُّل الصلب في حديقتك ذات الأزهار الاصطناعية. عانيت من كثرة الأحلام الزائفة، وأمعنتِ في القطيعة، أقمتِ حاجزا وهميا بيني وبين الواقع فانخدعتُ أيتها الحياة اللعينة. انكشفتِ بعد طول تواري، أنا الآن اتخذت قرار مقاومتك... سلاحي الحرف الذي ما وجدت سندا سواه بعد أن جردتني من كل سلاح، وألقيتني في ظلمة حالكة أتصيد فيها القليل من النور.

الثلاثاء صباحا: الساعة العاشرة.

ركضا أهرب من نفسي، أدخل دائرة الصمت. ما هذا الخوف الرهيب الذي يجتاحني كالإعصار؟ وحدها الكلمة تواسيني، وتمنحني الأمان والطمأنينة...

الساعة العاشرة والربع

"التسمية تدمير" مقولة للشاعر الفرنسي "شارل بودلير" ومن والاه من الشعراء الرمزيين. هذه المقولة صادفتها في كتاب أتصفحه وأنا في الحافلة عائدا إلى مدينة مراكش... صحيح، لنفهم ماهية ما نراه، أو نحسه، أو نفكر فيه... علينا أن ننظر إليه عاريا من الاسم.

مدينة مراكش

ليس في هذه الحياة ما يبهج، خيط رفيع واه يشدني إليها.. أحاول ربط علاقة متينة مع هذا العالم الموبوء فأفشل... بيني وبينه هوة داكنة بلا قرار، لا أرى فيه غير الأشياء... أشياء تناديني، تحوطني، تهاجمني، تحبني، تكرهني... أشياء وأشياء ولا شيء غير الأشياء.

 هذا المرئي الذي نراه ليس غير الجزء اليسير من الجزء العظيم المخفي عن أنظارنا.

يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

We Are Still Here Don't Worry be happy