ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website خذ وقتك. في القراءة، لا داعي للسرعة المصطفى فرحات يرحب بكم

coinautoslide

آخر الأخبار
أحدث المواضيع

الخميس، 18 سبتمبر 2025

يوميات: أوراق مبعثرة من حياة رجل عابر. (الجزء الأول: الحلقة:17)


مدينة أفورار: 12/06/1999.

عندما سألت إحدى صديقات "زهرة أفورار" عنها أخبرتني أنها مصابة بوعكة صحية، كما أنها تستعد لاجتياز امتحاناتها. لكن، فوجئت بدخولها إلى القاعة أثناء وضع آخر اللمسات الفنية على المسرحية. انتهى الجزء الأول من التدريبات، وأثناء الاستراحة، اقتربت وتبادلنا التحية. كانت تبدو جميلة جدا في ثوب يكشف تضاريس جسد متناغم. وعلى مسمعها ردّدت أبياتا شعرية تقول:

سجد الجمال لحسن وج **** هك واستراح إلى جمالـــــك

وتشوقت حور الجنــــــا **** ن من الخلود في مثالــــــك

تعشّقت وجهك إذ رأيــــ **** تك واعتمدت على وصالك.

بلدة الطين: 09/09/1999

لماذا  تعشق الكتابة الألم؟ وكأني بالحرف لا يولد إلا من الوجع، وكما لو أن الفرح يقتل ويدمر الكتابة...

في الكتابة يتوحد الكاتب مع نفسه، ومع الكائن، والمستحيل، والممكن، فيبدو العالم كما لو خرج توّا من الفراغ، ثم يتشكل في الكتابة كما "الهيولي"، المادة التي اعتقد فلاسفة اليونان أنها مصدر الحياة فوق هذا الكوكب الملعون.

الكتابة شكل من أشكال الرحيل، هي سفر في ممالك الأدغال، هناك، حيث المسالك الموحشة والوعرة، هناك، أجدني بلا حول لي ولا قوة ولا تجربة.. أتحمل المخاطر والمتاعب.. هناك، وأنا أتوغل في أنفاق الكتابة/الغابة، وأتعرف على متاهاتها، تنشأ بيننا ألفة تغري بالمزيد من المغامرة، بالمزيد من التضحية قبل أن تحصل الألفة وتتوطد روابط المحبة.

الكتابة رقصة احتفالية تقيمها قبائل إفريقية في براريها العذراء، وترانيم في الأديرة والمعابد، وتعويذة كتبها فقيه مسلم على  جلد حيوان أليف، وطقس يقيمه بوذي صعودا لحالة "النيرفانا".

الكتابة امرأة تشهد على نفسها أنها لم يمسسها قلم بشر، هي بريئة براءة الذئب من قميص يوسف، ومن زعم أنه لمسها أو ضاجعها فهو كاذب، أو مشتبِه، أم ممسوس... الكتابة وجه آخر  لابتسامة "مولونيزا".

مدينة أولاد عياد: 11/10/1999

الجو بارد هذا الصباح، والأمطار تعزف ألحان الخصب، وتترنم أنغام الكرم. تبشر القلوب العطشانة بأمل جديد يعيد للأرض خضرتها وإشراقها ونظارتها... يكاد الزقاق الذي يوجد في الجهة المقابلة يخلو من المارة... لكن سرعان ما تدفقت الحياة فيه من جديد بعدما خف المطر... في المقهى الدافئ أحلم بالأزهار والورود وأشياء أخرى. فجأة يقتحم شاب قوي البنية المقهى، عاريا إلا من سروال قصير يستر عورته، يتسول بيدين كأنهما قطعتا خزف لم تنضجا بعد، لا ينطق ببنت شفة، يكتفي بالغمغمة، ساهمت مع المساهمين وغادر المقهى. عدت لأتابع لوحة المطر والناس، وأتسلى برسم السنابل المثمرة بكل الألوان والروائح، أراها تبتسم في وجهي وكأنها تقول لي: "سأبقى ما بقي الزمن، أقاوم القحط، أرقص للريح، وأضحك في حضن الأمطار... 

بلدة الطين: 18/09/1999

وأنا في الطريق الزراعي الذي يقود إلى  "واد العبيد "، وعلى وقع أنغام سيدة الطرب العربي ـ كما يقال ـ أم كلثوم، غمرتني نشوة مفاجئة. أوقفت سيارتي، وخرجت أتمشى وسط الحقول، فتحت ذراعيّ لهبات النسيم، ورفعت رأسي لتعانق عيناي ضياء القمر، وناديت والنور يغسل جسدي: "أيها الكون العظيم، هبني القليل من أسرارك، وأبعد عني غربة الوجود، وفجر في أعماقي منابع الفرحة الهاربة، ثم خذني إليك إلى الأبد..."

بلدة الطين: 02/07/1999

يزح المساء بهدوء وسكون، الفضاء فارغ ويائس، الصمت يغيّب جميع الأصوات، يمتصها فتصير هباء، الكون والأصوات يمتطيان مركبة الزمن المفقود... وأنا لا أفقه مما أسمع شيئا.

الصمت تنين فاغر شفاه لا يتوقف على التهام كل ما حوله... أن تتهجى العالم في صمته المطبق هو أشبه ما يكون ببداية تهجي الحروف الأولى من كتاب كتب بأبجدية تراها لأول مرة...

وحده الصمت يفهم بلاغته.

بدون تاريخ

تتحرك الموجودات في هذا الكون، تتقدم إلى الأمام دون أن تهتم بمصيرها المحدّد قبلا. إنها عالقة في عجلة الزمن الدوارة، غافلة عن رحاه التي تطحن بدون توقف، لا تفرق بين شجرة وحشرة، بين حيوان وإنسان، بين نهر وبحر، لا منطق يحكم عملها، القاعدة هي: "الطحن بلا جعجعة وبلا توقف." 

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

We Are Still Here Don't Worry be happy