ترحيب

Welcome to the farhat mustapha Website خذ وقتك. في القراءة، لا داعي للسرعة المصطفى فرحات يرحب بكم

coinautoslide

آخر الأخبار
أحدث المواضيع

الخميس، 18 ديسمبر 2025

أوراق مبعثرة من حياة رجل عابر: (الحلقة:29)


بلدة الطين: 09/06/2003

ارتقيت قمة الجبل المطل على نهر "واد العبيد". المكان المقضل لخلوتي وتأملاتي. أرى تشكيلة من الألوان، خضرة البساتين، بياض أوراق الصفصاف، الصخور التي تعرضت لعوامل التعرية فأظهرت ألوانا مختلفة بين الأبيض والأحمر والبني... رقصات الأوراق والأغصان...وأسمع توليفة من الأصوات، أغاريد العصافير، خرير النهر، همسات النسيم بين الفجاج... وفي البعيد، يلوح منزل الأجداد، متنسكا فوق ربوة، في خلوته الأبدية. من هناك بدأت رحلة الحياة...

رحل النهار، وعلا صوت النهر، وحملت نفسي وقد تنظفت من شوائب الحياة.

بلدة الطين: شتنبر 2008

البحث عن الاعتمادات الممكنة من أجل تهيء الظروف المناسبة للمشاركة في الأسبوع المسرحي الذي تنظمه جمعية كازا نوفا بدار الشباب سيدي البرنوصي بمدينة الدار البيضاء. وهو الحي الذي قضيت فيه سنوات طوال من أجل الدراسة.

بلدة الطين: 15/01/2003

لأقتل الفراغ، جلست أمام منزلنا أتأمل الحال وما تأتي به الأيام. على مقربة مني مطحنة، وحمارين، وبغلتين، ورجلين يتحدثان وهما متكئين على ظهر الحمار. وبجانب المطحنة، أطلال حمام قديم يعود إلى مرحلة الاستعمار الفرنسي، هو أول حمام بني في البلدة. واستعملت غرفة فيه فصلا دراسيا في أواسط الستينات، وكنت من بين التلاميذ الذين درسوا فيه عندما التحقت بالمدرسة...

مراكش، جامعة القاضي عياض، داخل المدرج: 1983

تجلس إلى جانبي في المدرج، بشرة بيضاء، شاعر ناعم ومرتب، عينان سوداوان، وجه بيضوي، جسد رشيق، ترتدي سروال جينز وقميص رياضي أبيض قصير الكمين، حداء رياضي. كانت جميلة حقا، انبهرت بها وكأني أراها لأول مرة رغم أن صداقتنا تمتد طويلا في الزمن...

كان لقائي بها في حادثة مضى عليها ما يقارب ثلاثة شهور... كنا نتابع المحاضرة ولم نتشارك كلمة واحدة... في الحقيقة كنتُ مشتت التفكير. نحن في النصف الثاني من السنة الدراسية ولم أتوصل بمنحتي بعد. والمدينون يطالبون بمستحقاتهم: المستأجر: (2000 دهـ). البقال: (1500 دهـ). بائع السجائر بالتقسيط (500 دهـ) إضافة إلى بعض المستحقات الأخرى... أضع يدي في جيبي ولا أجد إلا الثقوب...

 وعندما أعود من شرودي، وأتابع أستاذي المحاضر أشعر بالملل،  فأسرق النظر إلى صديقتي المجدّة التي لا تتوقف عن الكتابة. فجأ، ودون سابق إعلان، يسقط جسدها على كتفي، تحملت ثقلها بصعوبة، وتماسكت، في حين تبعثرت الأوراق، وعمت الفوضى. فاجئني الحدث ولم أعرف كيف أتصرف، اكتفيت بالإمساك برأسها في انتظار أن أجد حلا، وتتضح الصورة.

عمت حركة غير عادية في المدرج، تطاولت الأعناق، وبدا أن الطلبة يريدون معرفة ما حدث. أشار إلي الأستاذ المحاضر مستفسرا عما جرى، فأشرت له بأن الأمور عادية، ولا شيء حدث. استمر في إلقاء درسه، في حين ظلت يدي ممسكة برأس صديقتي. لا أعرف كم مرّ من الدقائقِ، ولكن أستطيع عدّ دقات قلبي وهو يخفق تحت خدها. انتابني شعور بالحنان والرأفة والشفقة إ وهي نائمة فوق صدري. الغريب أن لا أحد من الطالبات أو الطلبة جاء ليستفسر عما يجري، وأدركت حينها أنها اختارت الوحدة صديقة لها.

ببطء بدأت تستعيد وعيها. تنهدت، وتنفست بعمق، ونظرت بحزن ممزوج بالامتنان. قررت أن أجمع أوراقنا، ساعدتها على الوقوف، أمسكتُ معصمها، أمسكت جسدي بكامل قوتها وكأنها تخشى السقوط، ثم غادرنا المدرج. كان العيون تتابعنا، وشعرت أني بطل من أبطال الأفلام الهندية... هذه المرة سألني الأستاذ المحاضر عبر مكبر الصوت إن كانت الأمور بخير، واجبته بأن كل شيء على ما يرام. ثم غادرنا المدرج...

بقية الحكاية في الورقة القادمة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

We Are Still Here Don't Worry be happy