التراث
الديني الشنتوي
صعب وصفه،
مستحيلة تسميته،
الإنسان، فقط يحسه،
الوجود الخفي ل "كامي".
المانيشو
تقديم
الاسم "شنتو" كلمة تتألف من مقطعين: المقطع الأول
"شِنْ" المرادف لصفة "كامي" التي تعني المقدس. والكقطع الثاني
"تُو" المشتق من التعبير الصيني "تاو" أو "طاو"
الذي يعني الطريق، أو النهج. وجرت العادة عند اليابانيين على أن يصفوا تراث
"الشنتو" الديني بأنه "كامي ـ نو ـ ميتشي" أي طريقة أو نهج
كامي، ويرجع أول استخدام موثّق تاريخيا لاسم شنتو إلى القرن السادس الميلادي بعد
ان دخلت الديانة البوذية إلى اليابان. والظاهر أن التسمية استعملت لتمييز
"طريقة كامي" عن "طريقة بوذا"(بوتسودو) والتفريق بينهما.
ويشير العلماء العصريون إلى أن الديانة التي تعرف اليوم باسم الشنتوية تمثل
تراثا روحانيا تأثر بالحركات الدينية الأخرى، بما فيها الطاوية والكنفوشية
والبوذية الماهانية التي دخلت اليابان عن طريق الصين وكوريا.
وصف كبير الكهنة الراحل لمعبد "تسوباكي" الكبير "يوكيتاتاكا
ياماموكو" النزعة الروحانية في التدين الشنتوي بأنها مماثلة لما سمّاه
"كنّاغار" التي تعني جزئيا "الوعي الآني بالمقدس الذي يمكن أن يوجد
في أي ثقافة". ووصفها بتعبير "المبدأ غير الحصريّ للخلاصية"
(العقيدة القائلة بأن كل البشر سيتم خلاصهم في الحياة الأخرى). يقول
"يوكيتاتاكا ياماموتو":
تدل "كنّاغارا" بمعنى من المعاني على الأساس الروحاني الكامن في كل الأديان..فلها
علاقة بالروح وتحقيق التوافق بين روح الفرد ونشاطاته وانسجامها مع الطبيعة الكبرى
(دايْشِزِن).
وروح الطبيعة الكبرى يمكن أن تكون زهرة، وقد تكون جمال الجبال أو الثلج
النقي الصافي أو المطر الناعم أو النسمة الطّرية. فكَنّغارا تعني الانسجام مع
الطبيعة ومشاركتها بهذه الأشكال الجمالية، وكذا الحال بالنسبة لأسمى تجارب الحياة.
الدين في اليابان
تشارك أغلبية الشعب الياباني في ممارسات واحتفالات ذات طابع ديني، إلا أن
أكثرهم لا يعلن انتماءه لدين (شوكيو) بذاته. فالهوية الدينية لدى اليابانيين تكاد
تكون مانعة غير محددة.
النظرة الشنتوية إلى العالم
لم تنشأ ديانة الشنتو نتيجة لتجارب أو خبرات زعيم ديني تاريخي مؤسس، وليست
لها كتب أو نصوص يمكن اعتبارها وحيا معصوما عن الخطأ. فالشتوية تعود أصولها في
الواقع إلى روحانية متعددة الجوانب مارسها الشعب الياباني المتقدم، وتمثل ائتلافا
من المناحي المختلفة من التدين والعبادات التي شملت الأرواحية (الاعتقاد بأن
الأرواح هي المنظمة للوجود) والشامانية (الإيمان بوجود عالم غيبي محجوب) وعبادة
السلف والطقوس الزراعية. وتفترض الشنتوية أن القداسة الربانية كامنة في الطبيعة
ومتأصلة فيها. فبدلا من التطلع نحو حالة فردوسية مستقبلية أو بلوغ أوج تاريخي توحي
الشنتوية بأن اللحظة الحاضرة هي أفضل اللحظات الميمونة وأسعدها، فهي لحظة أبدية
(ناكا ـ إيما). وتتقبل الشنتوية الكون كما هو ولا تسعى وراء الانطلاق والتحرر من
هذا العالم.
فالحياة كلها طبقا لنمط الحياة الشنتوي النموذجي، تعد تجربة روحانية. وهذه
النظرة مستمدة من الحقيقة القائلة بأن الكائنات البشرية منحدرة من "كامي"،
وهم بالتالي يملكون لا طبيعة ربانية أساسية. ويوضح العالم جين هيربرت أن بني
الإنسان وكامي "يشتركون في دم واحد هو نفس الدم الإلهي الذي يسري في
الحيوانات والنباتات والمعادن وغيرها من أشياء الطبيعة".
وهناك طقس يمارسه "الشنتو" تحت ظلال شلال متدفق اسمه "ميسوجي"
فسره الفيلسوف ستوارت د.ب.بيكن على الوجه التالي:
تنعش عملية ميسوجي (الغمر بالماء) الجسد والعقل والروح وتعزز التجدد الروحي
وتهدف إلى تحقيق ممارسها انسجامه وتوافقه مع ذاته ومع الطبيعة. وهدف ممارسات
الشنتو هو إزالة الشوائب الأنانية والعضوية الفيزيولوجية التي تحجب طبيعة كامي
الكامنة في الفرد وتألقها.
يسود الاعتقاد بأن المرء يستطيع من خلال اتباع نهج الشنتو الروحاني الحصول
على قلب "باهر" أو "قلب نقي". والفرد الذي يكون له قلب نقي
صاف يكون منسجما متوافقا مع الطبيعة، ومن هنا يوجّه بديهيا وتلقائيا نحو سبيل
الفهم السليم ـ وهو السبيل الذي يمثل إرادة كامي ـ في ظروف دائمة التغير. وبدلا من
الالتزام بالأوامر، فإن الأخلاق والسلوك يقررها سير اللحظة. فالقيم الروحانية
الموجهة للحياة، كالأمانة والعرفان (كانشا) ونقاء العقل وإخلاص القلب (ماكوتو نو
كوكورو)، هي في الواقع النسيج الفعلي للحياة الدينية.
...............................................................................................................................
* تراثنا
الروحي. مايكل درافيس وجيمس مادييو ومايكل روسو. ص/ 353 367 (بتصرف..) يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.