أتقاسم مع أصدقائي هذه "الكتابة" بعنوان: "خرائِب"
هَا قَدْ مَشَى الْمَوْتُ فِي الرّيحِ وَانْتشَرْ
نَمَا الغُبارُ فِي طَلْعِ الشَّجرْ
رَحَلَ الْبَحْرُ
فَانَحَبَسَ الْمَطَرْ،
أقْلَعَ النُّسْغُ
يَبُسَ الغُصْنُ، فَانْكَسرْ،
يُحاصٍرُنِي الدَّمارُ
إِذِ الأَحِبّةُ جَمّعُوا حَقائِبَ السّفَرْ..
فَاسْعِفيني يا خَرائِبْ
لأُرَمّمَ فِيناَ الأمَلَ الهارِبْ..
غابَتِ الْملامِحُ
وَخَيّمَتْ بَيْنَ تَجاعِيدِكِ الْعَنَادِلُ
تَنْعَكِ في الشُّرُوقِ
وَفِي الْغُروبِ تَنْتَحِبُ،
وتَغْزِلُ الدّمُوعَ
مَتَى أطَلّ الْبَدْرُ
يَقْرأ فَاتِحَتَهُ عَلَى الدّرُوبِ..
خَمَدَتْ نَارُ السُّمّارِ
وَسَكَتَ العُشّاقُ،
خَرَسَتِ الأبْوابْ
وَرَاحَتِ الْهُوَيْنَى
تَنْبُشُ فِي التُّرابْ..
أَنَا حَزينٌ
وَبَلْدَتِي حَزينةٌ..
فكَمْ يَحْتاجُ جُرْحي
لَيَجْمَعَ هَذا الانْهِيار؟
أَجُرّ قَيْدَ انْكِسارِي
أفَتّشُ عَنْ أشْباحِ مَنْ عَاشُوا
وَمَنْ تَجَدّروا فِي النّسْيان..
فاسْعِفيني يا خَرائِبْ
لأُرَمّمَ فيناَ الأَمَلَ الهاربْ..
ماتَتْ فٍي مَخَادِعِها الأَزْهَارُ
وَبَكاها ما شاءَ الْهَزَارْ
وَتَرَدّدَ صَدَى البُومِ بَيْنَ.. الدّمارْ
مَتَى يَنْهَضُ الفَجْرُ فِيكِ مِنْ جَدِيد؟
ومَتَى تَزْهُو فِيكِ الأغراس؟..
خَلَتِ الشّرُفاتُ منَ الكُحْلِ
وَرَائِحَةُ "الْحُرْقُوصِ" وَالحِنّاء..
و"الْكَنْاوِي" الذي يَقَرَعَ الطّبْلَ
مَاتَ..
وَالشّفَاهُ التِي تُنَقّي الصّوفَ
مَاتَتْ..
أنَا حَزِينٌ
وبَلْدَتِي حَزِينَةٌ..
وابْنَةُ الشّيْخِ التِي يَعْشَقُهَا شَبَابُ "الدُّوَارِ"
مَاتَتْ..
وَمَاتَ الشّيْخُ
والسّوَاعِدُ التِي دَقّتِ الطّينَ لِيَلِينَ
مَاتَتْ..
مَا عَادَ للْمَوْتِ مَا يُميتْ..
فَلِمَنْ تَقَرّحَتْ تِلكَ العُيونُ
وَلِمَنِ كَانَ ذَاكَ النّواحُ
وَذَاكَ الأنِينُ
وَذاكَ العَوِيلُ؟
مَاتَتِ الأنامِلُ الّتِي نَقَرَتْ عَلى الدَّفّ..
والجَسَدُ الغُنْجُ
كَفارِسٍ يَزْهُو بَيْنَ الصّفًوفِ
مَاتَ..
وَمَاتَ عازِفُ النّايِ،
وَالطّفًلُ الّذي يَصِيرُ غَدًا
مَاتَ..
أنَا حَزِينٌ
وَبَلْدَتِي حَزِينَةٌ..
فاسْعِفِينِي يا خَرائِبْ
لأُرَمّمَ فيناَ الأمَلَ الْهَارِبْ.
هَا أنَا أشْرُدُ فِيكِ وَأَتَشَرَّدُ
أَتَنَاثُرُ ذَرّاتِ مَطَرٍ وَلاَ ماءَ
أَوْرَاقُ صَفْصَافَةِ تُومِضُ
كَاَسَماكٍ عَلَى الضّفافِ..
أَتَضَرّعُ.. أبْتهِلُ:
"مَنْ يُخَلّصُنِي مِنْ حُزْنِي
يُعِيدُنِي مِنْ أَقاصِ غُرْبَتِي
وَيَصْلُبُني عَلى حَاشِيَة الحُلْمِ؟
من يَسْلِخُ جِلْدِي
يَحْشُوهُ بِأَرْوَاِح مَنْ بالتّخْمَةِ مَاتُوا
مَنْ بِالجُوعِ مَاتُوا..
مَنْ قُتِلوا غَدْراً
مَنْ قُتِلُوا عَدْلاً..
لعلهَا تُسْعِفُنِي الْخَرائِبْ
وَأُرَمّمُ فِيناَ الأَمَلَ الهَاربْ.
المصطفى فرحات
بدون تاريخ
...................................................................
إضاءة النص:
النُّسْغُ: ماء يخرج من الشجرة إذا قطعت.
الْغُنْجُ: الدلال وملاحة العينين.
تَنْعَكِ: النّعيُ: الإخبار بالموت.
مَا شَاء: بالشكل الذي يريده.