كَنْعَانٌ وَالْقَصِيدَةُ وَالأَعْرَابِيُّ
الْعِبْرِيُّ
وَأَدَ الأَعْرَابِيُّ الْعِبْرِيُّ قَصِيدَتَكَ
فَبِأَيِّ رُمُوزٍ تُحْيِيهَا فِيكَ
وَكُلُّ الكَلِمَاتِ البُطُولاَتِ الّتِي
اسْتَظْهَرْتَهَا
بَاتَتْ بِلاَ مَعْنَى..
مُتَقَطِّعٌ نَبْضُكَ، عِيلَ تَدُفُّقُهُ
عَيْنَاكَ تُقَطِّرَانِ عَمَاكَ
رُؤَاكَ مُسَوَّسَةٌ
فَمَا أَبْعَدَكَ عَنْكَ
مَا أَقْرَبَكَ إِلَيْهِ،
هُوَ، الْمَوْتُ الأَزْرَقُ
هُوَ، الْوُجُودُ الأَحْمَرٌ
هُوَ، الدَّمُ الْفِلِسْطِينِيُّ الأَبْيَضُ
تَرْتَوِي مُذْ وَعِيتَ بِهِ
تَشَرَّبَتْهُ أَرْضُ الرِّسَالاَتْ
وَفَاضَ عَلَى الكَوْنِ مِنْ مَرَايَا الشَّاشَاتْ
مُتَدَفِّقًا مِنْ أَسْفَلِ الْجِرَاحَاتْ
يَدَفَّقُ شَلاَّلاَتْ..
فَمَا أَهْوَنَكَ عَلَيْكَ،
وَمَا أَبْشَعَكَ أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ الْعِبْرِيُّ،
وَأَدْتَ قَصِيدَتِي!؟؟
فَبِأَيِّ رُمُوزٍ أُحْيِيهَا فِيَّ
وَكُلُّ الْكَلِمَاتِ الْبُطُولاَتِ الّتِي
اسْتَظْهَرْتُهَا
بَاتَتْ بِلاَ مَعْنَى..
فَرَتِّقْنِي أَيُّهَا الزَّمَنُ الْعَرَبِي،
إِنِّى لأَرَاكَ تُنْكِرُكَ وَتُنْكِرُنِي
تَتَجَسَّسُ اغْتِيَالِي
مِنْ شُقُوقِ الزَّمَنِ الْعِبْرِي
كَامْرَاَةٍ مُسَوَّرَةٍ بِالْحِجَابِ.
فَمَا أَبْعَدَكَ عَنِّي
مَا أَقْرَبَنِي مِنِّي.
مَنْ قَالَ: إِنَّ دَمَ الأَعْرَابِي، لاَ يَصيرُ عِبْري
فَلْيَتَذَوَّقْهُمَا
فَدَمُهُ مِنْ دَمِهِ.
جَادَكَ الدَّمُ إِذَا الدَّمُ هَمَى
يَا زَمَانِ الْبُعْدِ عَنْ أَرْضِ كَنْعَانَ..
"أَصَمَّ بِكِ النَاعِي وَإِنْ كَانَ
أَسْمَعَا"
وَعَادَ كُلُّ شَيْءٍ تَرَاهُ الْعَيْنُ دَمًا
وَأَدْمُعَا.
فَيَا حَادِيَ الأَشْلاَءِ قِفْ
أُنْشُدْ لَنَا أُرْجُوزَةَ الاسْتِشْهَادِ
فَهَذِهِ الْعَنْقَاءُ تَرْقُصُ عَلَى إِيقَاعِ
قَصْفِهِمْ..
وَأَدَ الْعَرَبِيُّ الْعِبْرِيُّ قَصِيدَتِي
فَبِأَيِّ رُمُوزٍ أُحْيِيهَا فِيَّ
وَكُلُّ الْكَلِمَاتِ الْبُطُولاَتِ الّتِي
اسْتَظْهَرْتُهَا
بَاتَتْ بِلاَ مَعْنَى..
وَقُلْ، مَتَى اللّيْلُ جَلَّلَكْ
وَنُجُومُ اللَّيْلِ خَبَتْ
وَاسْتَيْقَظَتِ الأَشْبَاحُ فِي ذَكِرَتِكْ:
أَنْتُمُ الأَبْطَالُ الْمُزَيَّفُونَ
التّارِيخُ الْمُوَضَّبُ فِي الأَقْبِيَةِ
الأَحْرَارُ الَمَصْلُوبُونَ عَلَى النُّصُبِ
التِّذْكَارِيَةِ
الأَدْرَدُونَ الَّذِينَ يَنْهَشُونَ لُحُومَ
الأَبْرِيَاءِ..
فَمَا أَبْعَدَكَ مِنْكَ، مَا أَبْعَدَكْ
إِذَا مَا اللَّيْلُ جَلَّلَكْ.
تُشْرِقُ الشَّمْسُ عَلَى أَوَّلِ طِفْلٍ فِلِسْطِينِيٍّ
يَتَأَبَّطُ قَلَمًا وَأَوْرَاقًا
قِطْعَةَ خُبْزٍ مُحَاصَرَةٍ
لُعْبَةٌ أَبْدَعَهاَ مِمَّا فَضُلَ،
مِنْ جُوعِهِ
مِنْ دَمْعِهِ
مِنْ أَشْلاَءِ مَنْ رَحَلُوا،
يَسْتَظِلُّ بِزَيْتُونَةٍ
بِحَائِطٍ مُهَدَّمٍ
بِجِدَارِ الْعَزْلِ
بِالطُّرُقِ الالْتِفَافِيَّةِ،
وَالأُفْقُ كَالِحٌ كُحْلِيٌّ
مُحَمَّلٌ بِالْعَوَاصِفِ الْقَوَاصِفِ
رَوَائِحُ الدُّخَّانِ
ضَجِيجٌ يُفَحِّمُ الآذَانَ
وَمُفَرْقِعَاتُ النِّيرَانِ،
فُرْنٌ هَذَا النَّهَارْ
يَشْوِي الآمَالْ.
وَالطِّفْلُ الْمَسْكُونُ بِالْحُلُمِ
يَرْسُمُ خَرِيطَةً لِلْوَطَنِ
مِنْ لاَ مَاءَ إِلَى لاَ مَاءْ
يَبْحَثُ عَنْ أَرْضٍ
لاَ نَهْرَ فِيهَا، لاَ بَحْرَ وَلاَ سَمَاءْ
فَلاَ يَرَى غَيْرَ مُسَطَّحٍ مَصْبُوغٍ بِالدِّمَاءْ.
بُعِثَتْ قَصِيدَتُكَ مِنْ جُدَدِ الأَعْرَابِيِّ
الْعِبْرِيِّ
فَبِأَيّ خَيْبَةٍ يَئِدُهَا
وَكُلُّ أَدَوَاتِ الْوَأْدِ الَّتِي شَحَذَها
بَاتَتْ خُرْدَه..
تَغْرُبُ الشَّمْسُ عَلَى آخِرِ طِفْلٍ يُسْتَشْهَدُ
تَخْتَلِطُ الْحُمْرَةُ بِالْحُمْرَهْ
فَيُولَدُ الْفَجْرُ، وَغَيْمَهْ
تَحْمِلُ الْمَاءَ وَالرِّيحَ،
تَعُجُّ الْفِجَاجُ بِالثُّغَاءِ
يَصْدَحُ نَايُ الرُّعَاةِ
وَعَلَى امْتِدَادِ الضَّوْءِ
أَلْوَانٌ، عُطُورٌ، رَفْرَفَاتٌ وَخَريرٌ،
زَغَارِيدُ الْعَذَارَى
وَوَجْهُ "تَمُّوزَ"،
وَمِنِ ابْتِسَامَةِ أَوَّلَ وَلِيدٍ يَطْلُعُ عَلَيْهِ
الْقَمَرُ
يَخْتَفِي الْمَسْخُ
تُولَدُ فِلِسْطِينُ..
لَنْ يَئِدَ الأَعْرَابِيُّ الْعِبْرِيُّ قَصِيدَتِي
بِرُمُوزٍ الْحُلْمِ أَكْتُبُهَا
وَكُلُّ الْكَلِمَاتِ الْبُطُولاَتِ الّتِي
اسْتَظْهَرْتُهَا
وَلَمْ أَسْتَظْهِرْهَا
بَاتَ لَهَا مَعْنَى..
بلدة ابزو: صيف 2014. (ديوان: "من أوراق مسافر لم
يسافر").
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.