tout droit résérvé

© Copyright
Tous droits réservés

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الترحيب بالزوار

مرحبا بك في موقعنا ! للبحث عنا من جوجل يمكنك كتابة "فرحات المصطفى" أو "FARHAT MUSTAPHA" ! لا تنس جعل المدونة الصفحة الرئيسية لمتصفحك!

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة

رسائل


رسائل: الرسالة (2): المكان ليس مجرد جغرافية صماء، بل هو نابض بالإحساس الذي تبعثه الذكرى... نقابل الأمكنة فنفرح أو نحزن أو لا نبالي... فشكرا لمن جعل الأمكنة تناجينا بألسنتهم وبدلا عنهم... إننا نراكم فيها، نسامركم، في غيابكم، ونعانقكم بمعانقتها... ..
أحدث المواضيع

جديد الأخبار

4. قالوا عن الصدق: *. صدق السّكون أعلى وأغلى من زيف الكلام ـ * كم من ديك صدق أن الشمس تشرق بصياحه - * الصدق مطية لا تهلك صاحبها وإن تعثرت به قليلا - * الكذب مطية لا تنجي صاحبها وإن جرت به طويلا ـ * الصدق هو أن تخاطر بقول الحق في اللحظة التي ينجيك فيها الكذب – * حفظ السرّ من صدق الوفاء – * لأن يضعك الصدق، أفضل من أن يرفعك الكذب – * الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب.

T.AFF

"Happiness is the natural flower of duty."

دعوة

يستحيل رؤية الحقيقة وهي متوهجة *** لكن من السهل رؤية الباطل وهو مظلم
«سْكر تاغريب امُوكا هانْ بلاّرجْ إسكرْ تامَغراا »
Arab to Chinese (Simplified) BETA Arab to English Arab to French Arab to Italian Arab to German Arab to Italian Arab to Japanese BETA Arab to Korean BETA Arab to Russian BETA Arab to Spanish
بدعم من

الجمعة، 13 مايو 2022

مقاربات نقدية: 7. مقاربة الحقول الدلالية من خلال الحقول المعجمية لديوان شاعر في بطن الحوت لبوزيان حجوط

أول ما يلفت النظر إلى الشاعر بوزيان حجوط وأنت تلتقي به ـ هي الابتسامة  العريضة التي لا تفارق شفتيه ـ وهي ابتسامة أشبه ما تكون بالشجرة المزهرة التي تخفي غابة تحترق..

كان لقائي به في مكناس، والمناسبة الملتقى الوطني الذي نظمته جمعية بيت الصداقة والذي كان مناسبة أيضا لتوقيع ديوانه الأول "شاعر في بطن الحوت". وبعد أن قرأت الديوان ارتأيت أن أساهم بهذه المداخلة ـ خصوصا أن الشاعر يرفض أن يقدمه النقاد إلى القراء، ولكنه يقبل جدا أن يقدمه القراء للنقاد. ( الديوان ص 50) واخترت لها عنوان: «مقاربة الحقول الدلالية من خلال الحقول المعجمية".

أول ما يلفت النظر في الديوان هو جمعه بين القصائد الشعرية والشذرات، هذه الأخيرة يمكن اعتبارها بيانات يطرح من خلالها آراءه وأفكاره ومواقفه اتجاه قضايا عامة لها علاقة بالإبداع والواقع. فهو مثلا يرفض التموقع داخل إطار حزبي حين يقول: «حزبي الوحيد هو عشقي لهذا الوطن" (ص 54). وبناء عليه تصبح الكتابة: «وعي ومسؤولية، وهي رد فعل ضد أوبئة الرداءة في كل عصر" (الديوان ص 4). أما الشعر في نظره فهو الخيار الكامل ضد ثقافة القبح"(الديوان ص80). وفي هذا الإطار يقول:

"لن أستقيل وعشقي للشعر

ألمح جثتي في مدينتي

شاعر لم يمت ـ لا يموت"      (شاعر في بطن الحوت ص123).

في هذا الديوان نكتشف شاعرا مسكونا /مهووسا بالقصيد، شاعر اختار أن يكون ناطقا باسمه، فلا غرابة إذا أن نجد أنفسنا مطوقين بمعجم يصب في هذا المنحى، فلحظة القصيدة وما يرتبط بها من مترادفات (الشعر ـ الكلمات ـ المعلقات ـ الأناشيد ـ الأغنيات، تتكرر ( 42 مرة) وقد اكتفيت هنا بإحصاء ما ورد في القصائد دون الشذرات، لقد ربط الشاعر مصيره بالقصيد وحول وجوده إلى نشيد لا يتوقف.

"لا أحيا إلا لأموت

في كفن القصيدة"      (شاعر في بطكن الحوت ص 101).

إن المتأمل في الديوان يجد نفسه أمام شاعر يميل إلى تكرار معجم خاص به في كثير من قصائده مما يستدعي وقفة للكشف عنه وعن أبعاده الدلالية.

1. الأعلام:

 نلاحظ كثرة أسماء الأعلام الموزعة على نصوص الديوان، وهم ينتمون إلى حضارات مختلفة: عربية وغير عربية، قديمة وحديثة، لهم مشارب ثقافية واجتماعية متنوعة، دينية، سياسية، أسطورية..ففي الحقل الديني نجد أسماء الأنبياء الذين عانوا من تبليغ رسالتهم الإلهية، وتعرضوا لشتى أصناف الاضطهاد والتنكيل، لكن إصرارهم على تحقيق رسالتهم مكنهم من تحقيق رسالتهم وانتصارهم (نوح ـ يوسف ـ يونس ـ أيوب..) وفي حقل التصوف يتواتر اسم الحلاج (6 مرات). والحلاج غني عن التعريف، إنه صاحب المقولة الشهيرة: "ما في الجبة إلا الله". هؤلاء الأعلام ما هم إلا الوجه الآخر للشاعر. يقول مخاطبا نفسه:

"كم أنت وحدك

مثخن حدّ الدموع

أيوب في الصبر

شامخ، شاهق في التألم"           (أيوب في الصبر. ص 101).

وفي نفس المنحى يمكن إدراج أسماء أخرى وردت في النصوص ـ رغم أنها تبدو في الظاهر بعيدة عن مجال الدين والتصوف، وأعني (عبلة ـ جميل ـ قيس ـ بثينة التي تتكرر (3 مرات))، إلا أن الأسلوب والسياق الذي وردت فيها تجعلنا نستنتج أن الشاعر يتأمل تجربة الحب عند هؤلاء باعتبارها تجربة عشق تلتقي مع تجربة العشق عند المتصوفة المسلمين، فحب المرأة ليس حبا لجسد ما، بل رغبة باطنية تفصد استكناه السر المختفي وراء أنوثتها، كما تتحول "بثينة" في قصيدة "بثينة المطر" إلى رمز الخصب والخير والعطاء.

وفي الحقل السياسي نجد اسما هارون الرشيد ومسرور(سيافه) وقيصر الروم وكسرى ونيرون. وقد وظفت هذه الأسماء في القصائد ذات المنحى القومي. ففي قصيدة "هل تملك رخصة الرقص" يحول "مسرور" كل حقولنا الزاهية  (بأمر من الرشيد) إلى حقول جرداء تموت فيها الأقاحي، تنتحر العصافير، وترويها الدماء بدل المياه، ومسرور هذا هو الذي يوحد بين القيصر ونيرون، وكل حاكم يبني مجده من جماجم الحالمين بالحرية والانعتاق..

"في أزمنة "مسرور" المدلل

يستوي فينا

قبر وفرح"   (هل تملك رخصة الرقص ص 44).

من عالم الأسطورة والتي يستلهمها كثيرا في شعره نجد الحضور المكثف لرمز "سيزيف" الذي يتردد (6 مرات) كما هو الشأن في قصيدته "هروب سيزيف" و "سيزيف يقرأ الجريدة". يقول:

"ما زال سيزيف يصعد الجبل

يحمل فوقه أقداره

زفراته ـ آهاته تشيده

ويهرب ـ  ينقطع عنه الحلم..؟؟"      (هروب سيزيف..؟ ص 1).

يبقى "سيزيف  الوجه الآخر للشاعر المثخن بجراحات الواقع.

كما استلهم الشاعر أسطورة "ألف ليلة وليلة" من خلال المقابلة الجميلة بين "شهرزاد" (تكررت 7 مرات) ،وشهريار (تكرر 4 مرات)، لكن "شهرزاد" الرأي العام، مهادنة، مسالمة، ففاطمة تبدأ الكلام في المساء وتسكت في الصباح، فأصبح الزمن لديها دورة واحدة تتكرر وتعيد نفسها، وهي محاصرة داخلها، مضطرة للحكي حتى تستمر في الوجود، فأصبح الحكي مرادفا للوجود/ الحياة، أما شهرزاد الشاعر فهي العصية، المتمردة، الغاضبة، ولأنها ترفض فقد قررت أن:

"تنهض ذات مساء

تثور، تنهض في آخر الحكايا

تقتل شهريار"

شهرزاد "تقتل شهريار" جملة شعرية موحية، فشهريار الجلاد لا يستحق أن تجهد شهرزاد نفسها لتقنعه، بل لا يستحق إلا الموت، وهو أقل العقاب.

وقصيدة "البشر" هي النص الجامع لكل أشكال وألوان الحضارات والثقافات، فنلتقي بأسماء (درويش ـ نوح ـ شهرزاد ـ شهريار ـ هوميروس ـ جلجامش ـ كلوبترا ـ حمورابي..) منصهرة في وحدة تعلن عن وحدة الحضارة الإنسانية مما يذكرنا بقصيدة إليوت "الأرض الخراب" مع ما بين القصيدتين من فوارق في البناء والصياغة.

قبل أن ننهي هذا المحور لا بد من الإشارة إلى أسطورة الطوفان التي وظفها الشاعر في قصيدة "طوفان داخل الكراس"، وقد استعمل كلمة الطوفان وما يرتبط بها من مترادفات (الأعاصير ـ الزوابع ـ العواصف..(14 مرة). لكن طوفان الشاعر لا يخلص العالم من الخطيئة من خلال القضاء النهائي على الذوات الحاملة لهذه الخطايا، وإنما تتحول عنده إلى طقس من طقوس التطهير الذي يقود إلى المحو، وبالتالي استرجاع الإنسان لوجهه الطفولي المشرق بالحب والصفاء:

"قد فاض التنور

ولم يغض الماء

قبائل السوء يطردها

وأصنامها القبيحة

الوادي يحملها

ويغسل وجه العالم"  (طوفان داخل كراس ص 102).

2. رموز الخصب:

الملاحظة الثانية حول معجم الديوان تتمثل في تواتر المعجم المرتبط بالخصب، فالماء يتكرر (8 مرات)، والمطر (18 مرة)، والريح (6 مرات)، فتكون الحصيلة الإجمالية (44 مرة) مما يوحي بالنظرة التفاؤلية التي يحملها الشاعر في دواخله، وعلى سبيل التمثيل فإن القارئ لقصيدة "بثينة المطر" يشعر انه أمام  نص سيابي (نسبة إلى السياب، وقد وفق الشاعر على إضفاء ملامح أسطورية على الأمطار من خلال ربطها برمز "بثينة"، يقول:

"استيقظت على زخات المطر

فتحت النوافذ

لأستقبل هذا المطر

امتلأت كفاي بحفنة المطر

غسلت النوم عن وجهي من هذا المطر

وكلنا جميل يحي

بثينة المطر"                        (بثينة المطر، ص (51).

3 ـ معجم ذاتي وجداني:

الملاحظة الثالثة والأخيرة تتعلق بالحضور المكثف لمعجم /لغة تحيل على فضاءات قاتمة تعكس رؤية الشاعر المتشائمة إلى الواقع، ويبدو من خلالها الشاعر وكأنه يهوي إلى الجحيم، يتمثل ذالك في توظيفه لمفردات تنحو هذا المنحى (الليل (20 مرة)، النوء (12 مرة)، القبر وما يرتبط به كالحفر والسرداب والتابوت والكهوف والدهاليز والحقيبة والمعارات..(حوالي 34 مرة)، كما يوظف أفعالا تميل إلى الغاب مثل (يغيب 3 مرات)، (يغرق 3 مرات)، يغوص (مرتين)، (يذوب مرتين)، إضافة إلى أفعال تصب في نفس الدلالة مثل: ينبش، يقبع، يهبط. وهذا الغياب يحاول الشاعر أن يجد له مبررا يتبدى في رغبة عارمة تقوده إلى اقتحام المجهول:

"تسافر في قبرك

تنبش عن سرك

عن سر جذورك وانحدارك

ولغز غروبك

قبل قدوم الفجر.           (ذبول ص 58).

ورغم محاولات الشاعر الخروج من هذا الغياب الذي اختاره ليعلن عن حضوره ومعانقته لهموم الآخرين من خلال استعماله معجما مضادا (الأعالي 4 مرات)، (الجبال 19 مرة)، وتوظيفه لأفعال تعكس هذه الرغبة في الصمود (أصعد 4 مرات)، (أنتصب مرتين)، (أصحو 3 مرات)، إلا أنه لا يكاد يشتعل حتى ينطفئ من جديد، يقول:

"أصحو

أصحو

فأنطفئ من جديد (انطفاء الجسد ص 24).

لكن يبقى هو ذاك الشاعر الحالم الذي لا يتوقف عن الحلم(تتكرر مفردة الحلم بصيغها المختلفة (27 مرة)، يحلم بعالم جميل فيه روائح الأمل والحب. وهكذا يلقانا فيفي الديوان بمعجم مفعم بالبشائر، بقدوم عهد جديد تحلق فيه النوارس (6 مرات)، والياسمين (4 مرات)، والنرجس (3 مرات)، الأزاهير (14 مرة)، والرياحين (3 مرات) والفل والبنفسج فينتشر العبير (مرتين)، والأريج، والعطر ( مرتين)، وينقشع الليل عن فجر جديد (7 مرات)، فتنتشر الضياء (9 مرات)، ويسطع البدر (5 مرات). والسؤال الذي أود أن أنهي به هذه المداخلة هو:

ماذا أضاف ديوان "شاعر في بطن الحوت للشعر المغربي؟

في هذا الديوان نلتقي تجربة جديدة تفتح باب المكاشفة والتواصل مع المتلقي سواء من خلال التصريح بالمشاريع المستقبلية التي ينوي الشاعر تنفيذها، أو من خلال المسابقة التي دعا إليها كافة القراء. كما تم إغناء الديوان بوقفات/شذرات يمكن اعتبارها محطات للاستراحة والتأمل قبل مواصلة السفر مع النصوص الشعرية، كما أسجل للشاعر هذا الإعلان الصريح في رفضه لكل قراءة نقدية "محترفة" ودعوته للقراء للمشاركة في تقييم وتقديم الديوان، وبهذا العمل الجميل يقلي الشاعر المنطق المألوف ليرغم النقاد الاستماع إلى القراء، ولا بد من الإشارة إلى تجربة طريفة وهي قصيدته المعنونة "أحدث قصيدة تجريبية ص 35" الفارغة/البيضاء، والتي تدعو القارئ إلى ملء فراعها، وبهذا يكون القارئ قد شارك المبدع في تأليف الديوان بإضافة نص جديد..

خاتمة

آمل من خلال هذه المداخلة البسيطة أن أكون قد حققت هدفين:

الأول: مقاربة بعض المضامين الدلالية من خلال الحقول المعجمية.

الثاني: فتح شهية القارئ لقراءة الديوان.

27/03/2000.

***********************************************************************

* مداخلة ألقيت بنادي الأسرة التابع لمسرح محمد الخامس بالرباط. 2000.

 

 

مقاربات نقدية: 6. مواجد شاعرة: قراءة في ديوان رغم أنف أبي لإلهام زويريق


أطلت علينا الشاعرة إلهام زويريق بديوانها الأول والذي يحمل عنوان:"رغم أنف أبي"، وهو ديوان من الحجم المتوسط، يتكون من تسعة وتسعين صفحة يظم ثمانية عشر قصيدة هي عصارة تجربة شاعرة اتخذت من القصيدة أداة للتعبير عما يعتمل في دواخلها من مشاعر وأحاسيس تنبض بالحب والعشق لكل ما هو جميل، كما تجاوزت ما هو ذاتي لتعانق قضايا وطنية وقومية وإنسانية لتبرهن على أنها شاعرة الجميع..وقد ارتأيت أن أقرب القراء من مضامين الديوان من خلال رصد بعض القضايا والهموم التي تشغل الشاعر في إطار الكشف عن العلاقة التي تربطها بها كعلاقة الشاعرة بالأب، وبالمكان، أو بالشعر..واخترت لهذه المقاربة المتواضعة عنوان: "مواجد شاعرة".

1. علاقة الشاعرة بالأب:

عندما نتتبع العلاقة التي تربط بين الشاعرة والأب في نصوص الديوان نكتشف أنها علاقة حميمة ووجدانية إلى مستوى تلغي فيه الشاعرة ذاتها لتصهرها وتذوبها في ذات الأب التي تهيمن وتسيطر على العالم النفسي للابنة.

إن سلطة الأب/الشاعر تضغط بشكل عنيف على العالم التخيلي للابنة/الشاعرة إلى درجة يستحيل فيه ـ في كثير من الأحيان ـ إيجاد خط التمايز بين العالمين ليصبح عالم الشاعرة امتدادا بوجه من الوجوه لعالم الأب.

بناء على هذا، فهي لا تتوانى في الاعتراف والبوح بأن تورطها في الكتابة الشعرية هو تحقيق ضمني لرغبة أب يصر أن يمتد صوته في صوت الابنة. تقول:

أبتاه

لا تحزن

ها أنا ذي أتورط في حرقة الكتابة من أجلك

لعلي أفتح لك باب الشروق من جديد.    (الديوان. ص 8)

ويأخذ هذا الامتداد مداه عندما تستحضر الشاعرة نصوص والدها وتستلهمها فيشعرها مضمنة مقاطع من أشعار والدها ليحصل ما يشبه التماهي كما هو الحال في قصيدة ما عاد هناك رثاء، والتي صدرتها بهذه العبارة:"من وحي قصيدة شموع الندم من ديوان عندما ترقص الجراح للشاعر إسماعيل زويريق والمقطع الأخير من هذه القصيدة".

هكذا إذا كلما وجدت الشاعرة نفسها في خضم الأزمة الحارقة فإنها تعود إلى الأب وتعدو نحوه لتحتمي بقامته الشامخة لعلها تجد في ظلالها الأمن والسلام والأمل. تقول:

دعني ألتحف بك

ألوذ بك

أعانق فيك وجودي

أرقى..   (الديوان. ص 47)

إن تحقيق رغبة الأب، حلمه في الامتداد والاستمرار من خلال الابنة وضع هذه الأخيرة في موقف يتطلب منها بدل الجهد وإبداء الصبر والنبش الدائم عن مكامن الإبداع حتى تظل على الدوام طاقة خلاقة لا تتوقف على العطاء، وهو أمر ليس بالهين، يعرفه كل من وجد نفسه أسيرا للإبداع، ذلك أن المبدع غالبا ما يجد نفسه عاجزا على الإبداع. فقلع ضرس أهون علي من قول بيت من الشعر كما عبر عن ذلك الفرزدق، وبالتالي فالشاعرة محاصرة بالسؤال: كيف أداوم على الإبداع؟ وهو الوجه الآخر لسؤال أكثر إثارة: كيف أحافظ على استمرار الأب/الشاعر. تقول:

كيف لي أن أدخل حلمك المسدود؟

كيف لي أن أهجر سراديبي المفرغة؟

لأنير لك يا أبتي السبل المقبرة

وأكبح عنك جموح مراثي شعرك

وأحيى فيك أحلامك.    (الديوان. ص )

هكذا إذا ينزل الأب الشاعر بكل ثقله على عالم الشاعرة الإبداعي، ويهيمن عليه بشكل شبه مطلق وهي تصارع الإحباطات وتغالب إمكانياتها التي تبدو بمقاييس الإبداع أقل من إمكانيات وطموحات الأب، وعلى الرغم من هذه الأحاسيس الطفولية التي تلفها إلا أنها لا تني جهدا للتغلب عليها  وتصر أن تكبر وتتحمل بشجاعة قدرها بعيدا عن سلطة الأب.

فلم أعد يا أبتي صغيرة على ركوب الخيل

سأدبر أمري،أهرب من أقفاص جائعة

رغم أنف أبي

أحطم هذا القيد الذي يشل يدي شيئا فشيئا

أتسلل من ثقل الزمن

أعلن هذا الصباح الرحيل طويلا   )الديوان ص5).

2. علاقة الشاعرة بالمكان:

من المعلوم أن المكان قبل أن يكون جغرافيا: جبل، قمر، بحر، سماء..هو فضاء يرتبط ارتباطا عضويا بالإنسان، هناك علاقة جدلية بين الاثنين، يتفاعلان فيها ويتبادلان التأثر والتأثير، والمكان هو أولا وأخيرا من يشكلنا ويشكل رؤيتنا للعالم، وإذا كان هذا المعطى قاعدة تنطبق على الإنسان بصفة عامة فإن المبدع /الشاعر يتميز في علاقته بالمكان برؤية خاصة تنبع من طبيعة العلاقة التفاعلية التي تقع بينهما، فالمكان في الشعر ليس إطارا ماديا يؤطر حياة الشاعر، بل هو امتداد له، إنه يتخذ أبعادا نفسية، يحس، يفكر، يتنفس..إنه يكتسي في لاوعي الشاعرة دلالات رمزية تتلون بلون الذات الشاعرة.

وإذا تتبعنا الأمكنة الواردة في الديوان نخلص إلى أن حضورها راجع لكونها لعبت دورا أساسيا في تشكيل نفسية الشاعرة وفي تفعيل وجودها وموهبتها الشعرية، ففي علاقتها بمدينة مراكش تتخذ ه العلاقة بعدا روحيا، وتتلون في لا وعي الشاعرة بألوان وأصباغ شتى، فهي: سيدة المدائن، ومنارة مشعة تهدي التالفين في مسالك الحياة، والعروس المتفردة بين العرائس، والنجمة المتألقة في سماء العشق. تقول:

منارة الفؤاد أنت

عروس ترفل في منهل المدائن

يخالك الرائي نجمة

قطفت من سماء الوجد     (الديوان. ص5).

هي إذا مراكش، الآسرة والأخاذة التي سلبت قلب الشاعرة وأسرت عيونها فما عادت ترى سواها، لذا فهي تلجأ إليها عندما ييبس الجدع، وتصفر الأوراق لتمنحها ألق الربيع:

عشقتك لحد الرثاء

تحت جناحيك أيتها المرأء

غنيت وصلة عشقي الجميل

تحت جناحيك

ازدهرت فصول أشواقي

شهبا

تتلاشى فرحة

تتلاشى حنينا     (الديوان.ص 5).

وترتفع درجة العشق عندما يحدث وأن تنفصل أو تبتعد الشاعرة عن مدينة مراكش لسبب أو لآخر، فيأخذها حنين الشوق، وتصبو للقاء الجميل. تقول فيما يشبه الابتهال:

في بعدي عنك

يراودني الحنين

وتحت سقفك

أخالني راهبة             ( الديوان. ص 52).

وعندما نغادر مدينة مراكش، ونحط الرحل بمدينة الصويرة نلاحظ أن العلاقة بين الشاعرة والمدينة تأخذ بعدا إنسانيا وجماليا، فالصورة فضاء للإلهام، ومنبع للإبداع، فيها يأتي الشعر شلالا، نغما سحريا يتدفق فيمتزج التخييل الفني بالتأمل الصوفي والإيقاع الشعري بإيقاع كناوة، فتبلغ النشوة أقصى مداها. تقول مناجية:

يا صويرة

يا فيلجة الروح

كل شيء بين أحضانك

يدفع قرابين محبتك

يبادلك الشعراء عشقا

يتناسل قصيدك

إيقاعات كناوة

صدى

تحمله الرياح شظايا

تنثره ريشتك لحنا لكل واحد.       ( الديوان. ص 62/63).                 

أما "تانكارو"، فهو فضاء يكتسي لدى الشاعرة صفة الأمومة، إنه الصدر الفائض بالرقة والحنان، الصدر الذي يحضنها في كل مرة تجد نفسها مسيجة بالمعاناة، فتغتسل من حليبه، وتتطهر من قهر وعنف الأزمنة القاسية، فتعود صافية نقية وقد تخلصت من كل الأدران:

  تانكارو

أتيتك مكبلة بالأحزان

أركب جواد الشوق

أعانق فيك هذا الدوران

تتهادى الريح

تداعب ناعورتك الثكلى

أستحيل ريما تميس بين التلال.     (الديوان. ص 64/65).

وفي فضاء أزلف يكون اللقاء بينه وبين الشاعرة لقاء عاشقين متيمين طال فراقهما: إنه يتخذ صورة فارس الأحلام القريب إلى القلب، والبعيد في المكان، وهكذا، كلما رف طيفه على الخاطر، ولاح خياله على البال، أسرعت الشاعرة إلى لقاءه محمولة على بساط الشوق واللهفة:

أسري

تحملني إليك هسهسات الأشواق

على صهوة الحنين

أرمي ورائي المسافات

حتى انتهيت إلى أزلف

رياحك تسيج المكان

فتحيلك نجمة         ( الديوان.ص 61/62).

3. علاقة الشاعرة بالشعر:

يبدو أن دخول الشاعرة إلى عالم الشعر هو مغامرة في كهوف مظلمة، متعددة الدهاليز والمسارب، هي رحلة تيه في متاهات لا حدود لردهاتها، في يم القصيدة تعلن الشاعرة وبصراحة عن حجم المعاناة التي تعيشها وهي تخوض تجربة المغامرة الشعرية، غنها أشبه ما تكون بتجربة بحار يخوض غمار بحر ثائر وهو يسعى جاهدا للتغلب على أمواجه العاتية بحثا عن شاطئ لا يبدو قريبا، إنها تقاوم ولا تستسلم، تذهب بعيدا إلى أقصى التجربة متيقنة أنها ستخرج منتصرة. تقول:

هائمة

فيبحر لا حدود له

أنازل أمواجا

أصارع أخرى

أدود عن وجودي الأبدي

تتعسر الولادة

أجوب شطآنك المتوجه

أتدلى نحو حقول المحارات

أنتشلها محارة محارة

تولد القصيدة.             (الديوان. ص24/25).

كما تكتسي العلاقة بين الشاعرة والشعر بعدا وجوديا. فالعملية الإبداعية تقترن عندها بالولادة وما يرتبط بها من معاناة وألم المخاض، ولا يتوقف الألم إلا بعد أن تولد الطفلة/القصيدة لتبدأ معاناة أخرى جديدة، وهكذا في صيرورة لا متناهية..وتظل الشاعرة تبحث عن القصيدة الكاملة، القصيدة المثال فلا تجني غير الخيبة.

بين الأوردة

تتبرعم القصائد

ثم لا تلبث أن تتناثر

مدثرة بالبول

نعم

كم كنت بعيدة.    (الديوان.ص 61/62).

4. علاقة الشاعرة بقضايا العصر:

تتسع تجربة الشاعرة لتنفتح على قضايا العصر في أبعادها الوطنية والقومية والإنسانية، فتتعانق هموم الوطن، وتتفاعل معها وتعبر عن رؤيتها وموقفها الخاص اتجاه أحداث 16 مايو، الحدث الذي هز كيان الشاعرة بعنف وترك أثره العميق على نفسيتها وأعلنت بجرأة تضامنها مع ضحايا هذا الحدث بحزن وألم

أعزف لحنا جنائزيا

يتناسل إدانة

تواجه حكما بالصمت

يحترف الحداد        (الديوان. ص 32)

ورغم قساوة ما وقع، وجلل الخسائر التي تربت عنه، فإنها لم تفقد الأمل في الغد، واعتبرت ما حدث شيء عابر لن يتكرر مستقبلا:

كانت كوابيس حقا

ستمضي

تمضي

مضت

ولن تعود

ربما

لن تعود     (الديوان. ص 33)

إن هذا الشعور بالانتماء إلى الوطن يردف بإحساس آخر أكثر شمولية، وهو الشعور القومي، الإحساس بالانتماء إلى العروبة، وعبرت الشاعرة عن هذا الانتماء من خلال قصيدة:"أبو غريب" لتصور بالتفاصيل مأساة العراق الذي يبدو في صورة امرأة تعرضت للاغتصاب العلني، وعبث العابثون بعرضها وشرفها، وشوهوا كرامتها، وأباحوا براءتها، وتركت للتعفن جراحها. وإذ تعين الشاعرة تكالب المتكالبين فإنها لا تملك سوى أن تقول مفجرة كل الغصب المكتوم في دواخلها:

أشرعوا عرضك في المزاد

نهشوا وجهك المكلوم

دفعوا بك في سراديب

نتنة برياح الغدر

فراتك غنى مراثيه

نخيلك يترف شاكلا

فاشهدي يا بابل

هذه مآسيك.        (الديوان. ص41).

وتعرج الشاعرة على سجن أبو غريب، السجن العار الذي عرفت دهاليزه أبشع الجرائم والمتمثلة في هدر الكرامة الإنسانية والعبث بإنسانية الإنسان، هكذا تنقل لنا صورة مأساوية لفضاء مارست فيه خفافيش الليل أبشع وأقبح الأفعال..

أبو غريب

يرسم بالدم آهات ملجمة

تسيجت جدرانك

همهمات ملتهبة

في مداك

احترقت الأعراف

فيسجنك

تموت الفسائد

وتكم أفواه جريحة

يقبر الفجر.       ( الديوان.ص 48).

لقد استطاعت إلهام زويريق بإحساسها المرهف ولغتها الصافية والأنيقة وصورها الشعرية الموحية والدالة أن تنجح في استبطان مشاعرها والتعبير عنها وأن تقاسمنا همومها ومواجدها وبذلك تضع قدمها في أول الطريق السليم.

****************************************************************************

*بيان اليوم: (الجزء الأول). الاثنين 30 يناير 2006.

*بيان اليوم: (الجزء الثاني). الأربعاء 1 فبراير 2006.

*طنجة الأدبية. العدد 16. فبراير 2006.

الخميس، 12 مايو 2022

مقاربات نقدية: 5. التشكيــــل الموسيـــــــقي في شعر رشيد العلوي


حين تلقيت دعوة الصديق رشيد العلوي، والصديقة الشاعرة حليمة الإسماعيلي لحضور حفل توقيع ديوان: "عرائس" أسعدني ذالك كثير، ليس فقط لأنهما منحاني شرف حضور هذه المناسبة الجميلة، بل لأن شاعرا مناضلا كرشيد العلوي يستحق اكثر من حضور، لهذا ارتأيت أن أساهم في هذا العرس الفني بمحاولة في قراءة لديوانه "عرائس"، فالقارئ لهذا الديوان يلاحظ أن الشاعر يحتفي فيه بعنصر الموسيقى، والذي شكل أساسا لشعرية القصيدة لديه. ، لهذا ارتأيت أن أجعل العنصر الموسيقي مدخلا للكشف عن جانب من هذه الشعرية، واخترت لهذه الورقة عنوان: "شعرية القصيدة من خلال التشكيل الموسيقي  في ديوان عرائس لرشيد العلوي".

ولأن المقام لا يسمح بقراءة مفصلة لهذه الظاهرة، فقد اكتفيت بالإشارة المقتضبة لأهم العناصر التي تعتبر من مكونات موسيقى النص الشعري، والهدف منها إثارة انتباه المتلقي لشعر رشيد العلوي إلى ما أسهم به عنصر الموسيقي من جمالية وشعرية.

أما فيما يخص محتوى الورقة، فقد قاربت جملة من الظواهر الموسيقية والإيقاعية والمتمثلة في:

1ـ الأشكال الشعرية.

2ـ القافية والروي.

3ـ التدوير.

4ـ الإيقاع الداخلي.

5ـ خلاصات واستنتاجات.

يبدو لي وأنا أقرأ قصائد ديوان "عرائس" أن الشاعر أنه ينطلق ـ وهو ينظم أشعاره ـ من التصور النقدي الذي يعتبر الوزن والقافية مكونان أساسيان من مكونات القصيدة، بهما يتميز وبهما يأخذ صفته، وتحدث عدد من النقاد عن الصفات التي تميز الكلام العادي المسترسل، عن الكلام الشعري. يقول عز الدين إسماعيل في كتابه الشعر العربي المعاصر: "الوزن والقافية بعيدا عن أي مذهب جمالي خاص هما عصب الشكل الشعري..(ويتساءل) ترى أيمكن أن نلغي النظرة الجديدة للشعر العنصرين الأساسيين من التعبير الشعري، فيقوم الشعر بغير وزن وقافية؟ مستحيل، فالشاعر كائن ما كان مذهبنا الجمالي لا بد أن يتوفر على الوزن والقافية، ومن تم كان لابد للشعر الجديد من الارتباط بهذين العنصرين رغم كل شيء" (ص 65).

وواضح جدا أن الإلتزام بعنصري الوزن والقافية كانا من أهم العناصر التي أمدت قصائد الشاعر بشاعريتها..وحين نتأمل هذه القصائد من وجهة التشكيل الموسيقي سنلاحظ أنه تم توزيعها بين ثلاثة أشكال رئيسية..ولأن المقام لا يسمح بقراءة مفصلة لكل النصوص فسأكتفي بإيراد بعض النماذج يمثل كل شكل من هذه الأشكال الثلاث:

1ـ الشكل التقليدي: وهو التشكيل الوزني المعروف بنظام الشطرين، والمرتبط بالبحور الخليلية.

النموذج الأول: من قصيدة ورد الدهان.

الماء فيها شاهــــــد    والطير صداح الغنـــــا

وللفضاء ريشــــــة    تثير لب بعضنـــــــــــأ

إيقاع هذه القصيدة على وزن الرجز بأربع تفعيلات متناظرة، أربعة في البيت الأول، وردت سالمة من الزحافات والعلل، وأربعة في الشطر الثاني جاءت مخبونة (حذف الثاني الساكن) ليخلق تركيبا متناسق النغمات بين الصدر والعجز، فجاءت الوقيعات النغمية على الشكل الثالي:

مستفعلن مستفعلن    مستفعلن مستفعلن

متفعلن   متفعلن      متفعلن   متفعلن

هذه التقنية في توزيع التفاعيل ما بين الأشطر الشعرية، يتقنها الشاعر إتقانا جيدا، ووظفها في مجمل القصائد التي تنحوا هذا المنحى مما يدل على حاسة سمع جد مرهفة للفروقات الدقيقة التي تحصل بين التفاعيل عندما يعترضها تغيير ما. وهذا ما نلاحظه في هذا النموذج الثاني:

موجة مرت قديما من هنا    بين شوق وانتظار وخطـــر

حملت أغنى مناها في يد     وبأخرى حملت موت المطر

لقد نظم القصيدة على إيقاع الخفيف، ولكن بتوزيعات دقيقة ومحسوبة، فالبيت الأول أتى بالعروضة محذوفة، والضرب مشعت. وفي البيت الثاني جاء بالعروضة محذوفة والضرب مشعت كذالك، وكأنه يلزم نفسه بما لا يلزم، ولكنه يعرف جيدا أنه بهذا التوزيع يخلق نوعا من التناغم في ما يشبه العناق الراقص بين العروضة والضرب، هذا التناغم سرعان ما ينتقل إلى إيقاع القصيدة ككل. فجاء الإيقاع على الشكل التالي:

فاعلاتن فاعلاتن فاعلن    فاعلاتن فاعلاتن فعلن

فعلاتن فاعلاتن فاعلن     فعلاتن فعلاتن فعلن

2ـ الشكل المشطور:

 كما نعلم فالقصيدة المشطورة هي التي القصيدة العمودية حين يسقط صدرها أو عجزها فتكتف بشطر واحد بدل شطرين، واختار الشاعر هذا الشكل لباسا لبعض قصائده. يقول في قصيدة روض:

من كل همس للندى والنور نجم باسم

والطير يحكي قصة وكيف يسلو سالم

وللسواقي حكيها صوت نسيم ناعم

تنساب أزهى منظرا يبوح منه واجم

وظف الشاعر ها هنا إيقاع الرجز مع تنويعات في مكونات التفعيلة التي تتشكل من سببين خفيفين ووتد مجموع (مس| تف| علن) وقد جاهد الشاعر ليأتي بالتفعيلة سالمة في كل القصيدة لتحتفظ بكامل خصائصها الإيقاعية حتى لا يخل بالتشكيل الكلي لإيقاع القصيدة باستثناءات قليلة حذف حاء بالتفعيلة مخبونة، فجاء الإيقاع على الشكل التالي:

مستفعلن| مستفعلن| مستفعلن| مستفعلن

مستفعلن| مستفعلن| متفعلن  | مستفعلن

متفعلن  | مستفعلن| مستفعلن| مستفعلن

مستفعلن| مستفعلن| متفعلن  |مستفعلن.

وتبدو هذه التقنية أكثر جلاء في قصيدة ظل فكرة. يقول:

ظلها ظل لطيف

فيه تنعيم وحسره

نبضها نبض خفيف

فوق شمس تحت بدره.

فقد اختار لها مجزوء الخفيف. فجاءت إيقاعاتها على الشكل التالي:

فاعلاتن| فاعلاتن

فاعلاتن| فاعلاتن

فاعلاتن| فاعلاتن

فاعلاتن| فاعلاتن.

إن سحر الإيقاع الموسيقي الشعري لدى الشاعر يتجاوز ما تمده به الأوزان الشعرية التقليدية من جمالية، إلى جمالية خفية يحسها كل من يقرأ شعره، والتي يستمدها من شعور مرهف بإيقاع الكلمات والأصوات التي تشكل الكلمات مهتدية بفطرته وسليقته.

هكذا يتحرك الشاعر نفسيا وموسيقيا وفق مدى الانفعالات التي تعتمل في نفسه. فالتشكيل الموسيقي لدى الشاعر يعكس عالما نفسيا غنيا بالحركة والإيقاعات الروحية، وهو يبحث من خلال القصيدة أن يرسم خارطة موسيقية لهذا العالم من خلال التنويع الواضح في الأشكال الإيقاعية، وهذا يقودنا إلى الحديث عن الشكل الثالث التي نظم فيه الشاعر.

3ـ الشكل الحديث القائم على السطر الشعري أو ما اصطلح على تسميته بشعر التفعيلة:

إذا كان الوزن التقليدي الكلاسيكي يتشكل من وحدات موسيقية مكررة، تنتهي بقافية نمطية، وروي ثابت، فإن الوزن في القصيدة الحداثية هو إيقاعات نفسية تخضع مباشرة للحالة النفسية والشعورية للشاعر، وبالتالي فهي غير ثابتة، وقد نظم الشاعر على هذا الشكل، واختار من قصيدة الشمس تضحك وتبكي كنموذج. يقول:

كانت ترى نسج المسمار ونسجها

في رعشة القمر

وتحس لوعته إذا أضحى يسامت نهجها

ويضل في نظر

يرنو إليك وقد جرى

ولقد علمت بما يرى.

فالقصيدة مبنية إيقاعيا على تفعيلة "متفاعلن" التي يتشكل منها البحر الكامل، وتم توزيعها على الشكل التالي:

متفاعلن متفاعلن متفاعلن

متفاعلن متفا

متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن

متفاعلن متفا

متفاعلن متفاعلن

متفاعلن متفاعلن

  فقد استعمل التفعيلة أحيانا تامة، وأخرى حداء (الحدد هو حذف الوتد المجموع برمته من آخر التفعيلة)

وهو مستحب عند العروضيين في كثير من المواضع..)

هكذا يخضع الشاعر السطر الشعري أو الجملة الشعرية لتنظيم خاص يجعل هذه السطر تتحاور نسقيا، وتتجاوب نغميا فيما بينها رغم التباين الذي يبدو عندما نقارن بين الحيز الزمني الذي تشغله كإيقاعات أو نقرات، أو أصوات، وبين الحيز المكاني الذي تمتد فيه كرموز أو حركات، أو كتابة الشيء الذي يشعل الأذن المدربة لا تنفر من هذا التشكيل الذي بلغ خمس تشكيلات للبحر الكامل، فهي مرة

ثلاثية: ( متْفاعلن| متْفاعلن| متْفاعلن)

ثنائية: ( متْفاعلن| متَفا)

رباعية: ( متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن)

هذا التشكيل للبحر الكامل يصعب على الأذن التقليدية استساغته، لكن الشاعر نجح في توزيع إيقاعاته بطريقة سعت لتحقيق الانسجام بين الأسطر الشعرية مما جعلنا لا نشعر بأي نفور

إن المتأمل في قصائد الشاعر من الجانب الموسيقي يشعر أن الشاعر يتمتع بحس موسيقي رفيع، يساعده على توظيف هذا العنصر بإتقان واحترافية، فتبدو القصيدة صورة موسيقية متكاملة تجتمع داخلها الوحدات الموسيقية المشكلة للتفعيلة ثم تفترق ثم تتواشج في حركة ذهاب وإياب موقعة ضربا من الإيقاعات الخفيفة والراقصة المسكونة بحس وشعور الشاعر الذي يعمل على تنسيق هذه المشاعر المتناثرة داخل ذات الشاعر والمتلقي على السواء.

القافية والروي:

لا يخفى ما للقافية من أثر على المتلقي، فهي بمثابة الفواصل الموسيقية التي يتوقع السامع ترددها في القصيدة، كما تمثل القرار الأخير الذي تتوقف عنده سيول الأنغام. واهتمام الشعراء بالقافية يعود إلى كونها تحقق التجانس والتساوي في أجزاء القصيدة، كما تمنح الأذن رنينا يجعلها ترتاح إلى السماع والإنصات، فهي أداة فعالة لتثبيت المتلقي ليتابع الإنصات حتى النهاية.

وقد أولى عناية فائقة للقافية باعتبارها عنصرا أساسيا في إغناء موسيقى النص، وقد خصها القدماء بعلم خاص بها سموه "علم القافية" مما يدل على الأهمية التي حضيت بها القافية في النقد القديم، ومن متطلبات القافية الدراية الواسعة باللغة، وتمثل مركز البيت الشعري التقليدي. ودون الدخول في التعريفات لعنصر القافية يمكن القول إجمالا أنها النهاية الطبيعية للبيت الشعري أو السطر الشعري وترتاح لها النفس.

وقصائد الشاعر تحتفي أيما احتفاء بالقافية، حتى في تلك النصوص التي يمكن أن نصفها بالحديثة، وهي تخضع لنظام  صارم يهدف إلى إحداث أكبر أثر ووقع ممكن في نفسية المتلقي تقارب أو تضاهي ما أحدثه من أثر في نفسية الشاعر، وفيما يلي نماذج لأنواع القوافي الموظفة في قصائده:

1ـ القوافي المتناوبة المشتركة في نفس الروي، يقول:

قد فارقت من نفسها وليدا

ثم اكتوت صدودا

وعندما تغرد الحقول

ويصعد الذبول

بدى له ما يسعد الوصول

تمنحه خدودا

وهيبة وعيدا

تهدي له أسرة وعودا

ومنظرا جديدا

تأتي الصبايا والخيول

والراقصات على الهطول.

فقد جاء بقافيتين رويها اللام، ثم بأربعة قوافي بروي الدال موصول بمد، (الألف)، ثم عاد من جديد بقافيتين تشتركان في روي الام. وإعادة تشكيل هذه القوافي يتضح ما ذهبنا إليه:

(وليدا| صدودا ـ الحقول| الذبول| الوصول ـ خدودا| وعيدا ـ وعودا| جديدا ـ الخيول| الهطول)

2ـ قوافي ذات حضور ثنائي، ثلاثي، رباعي، خماسي..أحيانا تأتي متتابعة ومتلاحقة، وأخرى منفصلة كما في قصيدته "الشمس تضحك وتبكي" حيث وردت القوافي على هذه الشاكلة:

أوجها ـ سفر | موجها ـ حذر | نسجها ـ قمر | نهجها ـ نظر | حرى ـ يرى | جفون ـ كمون ـ ضنون ـ فتون | عذراء ـ عفراء ـ روحاء ـ خرساء.....وقس على هذا في جل قصائده. إن للشاعر تقنية ممزوجة بحس موسيقي رفيع يمكنانه من توزيع قوافيه في جسد القصيدة دون تكلف، وهذا نتاج أمرين اثنين:

1ـ مهارة موسيقية لا غبار عليها  فهو يركب الأوزان الخليلية باقتدار.

2ـ دراية واسعة باللغة.

3 القافية بين التقييد والإطلاق:

أغلب قوافي الشاعر مطلقة، تستجيب للإشباع. وتمنحها الحرية على الامتداد، ونادرا ما يقيد قوافيه كما في قوله:

رنت إليه وانحنت قليلا

يوشك أن يميلا

أشار الأفق البعيدْ

إلى هناك

وماج في رقص جديدْ

أرخت عليه ظل عينينْ

فقيد (البعيد ـ الجديد ـ عينين).ويرتبط الروي دائما بالقافية باعتباره مكون أساسي من مكوناتها فيأتي به الشاعر في أغلب الأحيان موصولا أو مشبعا إما بمد مثل: (صورا ـ كدرا ـ نظرا ـ سترا ـ سببا ـ كذبا ـ ) قصيدة سمر، أو موصول بهاء السكت كما في قصيدة ظل فكرة: ( حسره ـ بذره ـ زهره ـ عسره ـ نفره ـ نظره ـ شفره ـ).

وتبقى القافية عنصرا أساسيا لتوليد الاندهاش، وتشرك القارئ في العملية الإبداعية، فالمتلقي للقافية التقليدية يستجيب بمحاولة حدسها قبل وصول الشاعر إليها، اعتمادا على محددات ثلاث: صوت الروي، الوزن، الدلالة. وكما نلاحظ في النماذج التي أوردناه فقوافي الشاعر لا يبدوا عليها التكلف، بل تشكل جزءا أصيلا من جسد البيت، وعنصرا مكملا للمعنى لا يمكن الاستغناء عنها.

التدوير:

نلاحظ كذالك لجوء الشاعر إلى التدوير خصوصا في قصيدة "غرد كما يهوى الأمل" ويرى بعض الباحثين "أن القصيدة المدورة قد تأثرت فلسفتها الجمالية بالقصيدة البدائية القديمة في الحضارات السومرية، والبابلية، والأشورية، والمصرية والفينيقية، وذالك عن طريق ما فيها من عفوية، وبساطة، واعتمادها على الأصوات اللغوية، وإيقاع الألفاظ، وعلاقتها بالموضوع المعبر عنه، أكثر من اعتمادها على إيقاع الوزن وموسيقاه، أي الحدود المنضبطة، فالصدق الفني يقتضي بأن تأتي القصيدة بهذا الشكل، وتبنى كما عاش الشاعر تجربتها، وأحس تداع الأفكار والموسيقى وانتيال الحوار داخل نفسه بين الذات والذات الأخرى يتغلب فيها الهاجس الدرامي على الحس الغنائي ليعبر هذا كله عن انفعال الشاعر بواقعه الصادم". (التجديد في موسيقى الشعر العربي المعاصر. ص 206)

يقول الشاعر في قصيدته "غرد كما يهوى الأمل":

وأرح مع الجفن  الخفو      ق بكل أجواء الغـــــــــزل

وأنعم من الوحي الحنو      ن إذا تساقط أو هطــــــــل

ولكم تهش لنا الحيـــــا       ة إذا رأت فينا البطــــــــل

   وتدير أكواب الصفـــــا       ء لمن يتيه على الأجــــــــل

  كن ما تشاء فلست تمـ       لك من دناك سوى أمــــــــل

     أو ليس تبلغ من جنــــ       ك سوى الطفيف من العسل؟!

الإيقاع الداخلي:

يتشكل الإيقاع الداخلي من خلال مجموعة من الظواهر اللغوية والأسلوبية كاختيار مفردات لغوية ومعجمية وفق ذائقة سمعية تتوخى أصواتا بهذا النبر أو ذاك. والإيقاع الداخلي ينمو داخل النص. وأثناء نموه وتشكله يولد الدلالة ويغنيها من خلال كشفه لظلال المعاني. والاعتناء بالإيقاع الداخلي ظاهرة ملحوظة في قصائد الشاعر، ويكفي للتدليل عليها هذا المقطع من قصيدة سطور. يقول:

تقرا سطورا دونها

تحيي موات الذائقه

كانت عيونا رائقه

ترى جمال البارقه

هذه الأسطر الشعرية الرباعية تنبض بحركية إيقاعية متعددة المنابع منها ما هو خارجي، ومنها ما هو داخلي كالقافية المتقاربة الأصوات والمخارج، الوزن الشعري الذي يتجاذبه وزنان: الرجز، والكامل.

مستفعلن مستفعلن          متفاعلن متفاعلن

مستفعلن مستفعلن          متفاعلن متفاعلن

مستفعلن مستفعلن          متفاعلن متفاعلن

متفعلن   مستفعلن         متفعلـن   متفاعلن

فالتفعيلة الأولى من الشطر الرابع هي التي أخرجت الإيقاع عن وزن الكامل المضمر.

التكرار:

يقوم التكرار بدور كبير في الموسيقى بما يشيعه من ظلال تضيف إلى المعنى وتؤثر في نفس السامع أو القارئ بما تنقله من شعور الشاعر، فقد يحس الشاعر أن تكرار لكلمة واحدة، أو أكثر من الكلمات المشعة يكون ثروة موسيقية جمالية، وثروة إيضاحية. ويلاحظ أن ما يجول في نفسية الشاعر من أحاسيس سواء أكانت في منطقة الشعور أو اللاشعور هي التي تحدد نوع هذه الكلمة، ومكانها وزمانها نتيجة وضعها في نفسه، وأثرها عليه. ومن نماذج هذه الظاهرة:

ظاهرة التوازي:

التوازي، أو اتساق البناء على حد تعبير قدامة ابن جعفر هي الجمل التي يقوم الشاعر بتقطيعها تقطيعا تقطيعا متساويا بحيث تتفق في البناء النحوي اتفاقا تاما، والتوازي يقوم بتنظيم الشطر الشعري، أو البيت الشعري تنظيما نحويا يجعلها متطابقة أو شبه متطابقة مع غيرها، فينتج عن هذه البنية تماسكا شكليا. والتوازي يعد في حقيقته تكرارا، لكنهتكرار ينصرف إلى تكرار المعاني مع اختلاف العناصر التي يتحقق فيها المبنى. ومن أمثلة التوازي الواردة في شعر الشاعر قوله:

وفي زحمة من دخان كثيفْ

وفي لاعج من حريق عنيفْ  (قصيدة لقاء المرايا)

وقوله:

أضيف المرايا على بعضها

وأنظر ما صار في قبضها

تفيض المرايا على نفسها   (قصيدة لقاء المرايا)

وقوله:

فتنتشي من وحيها ضلوع

وترتوي من عزفها فروع  (قصيدة سطور)

ويبقى الهدف من التوازي هو إحكام البناء، وجمال التنسيق، وهو اختيار واع من قبل الشاعر.

خلاصات:

1ـ يقف الشاعر بين طرفي القصيدة التقليدية والحداثية، فهو لم يخرج عن القواعد الموسيقية الفنية للشعر العربي في قصائده العمودية، ولم يخرج إلا في إطار جد ضيق عن هذه القواعد والأصول في قصائده ذات المنحى الحداثي.

2 ـ يلجأ الشاعر أحيانا إلى التكرار يجره إليه رغبته لخلق توازن موسيقي بين الأسطر الشعرية لتحقق جوا موسيقيا يلقي بظلاله على كامل النص ليتحول  إلى معزوفة فنية تحقق متعة السمع والتخييل عندما يتواشج الإيقاع، والموسيقى، والصورة الشعرية والدلالة.

3 ـ التلوين الشعري في قصائد الشاعر هي نتاج ذائقة نغمية تتميز الرقة، والرهافة، والحساسية، وتذوق عال للإيقاعات الشعرية.

4 ـ إذا كان الكثير من النقاد يرجعون ما نجده في الشعر من متعة وسحر إلى صورته الموسيقية، فقد نجح الشاعر في تحقيق هذا المبتغى، فعندما نقرأ شعره نحس ب"أريحية" على حد تعبير الجرجاني.

5 ـ حققت الصورة الموسيقية كثيرا من غاياتها لأن الشاعر وفق في معظم الأحيان في خلق ذاك التوافق الصعب بين حركة النفس الداخلية، والدلالة، والإيقاع..

6 ـ وأخيرا نقول إن موسيقى القصيدة لا تتكشف إلا من خلال إنشاده. ونحن ننتظر أن يمتعنا الشاعر بصوته 

المصطفى فرحات

*****************************************************************************************

 مداخلة ألقيت بمدينة شيشاوة بمناسية تكريم الشاعر.

 


ميمي نت

TV. web360

حالة الطقس في مراكش