ولأن المقام
لا يسمح بقراءة مفصلة لهذه الظاهرة، فقد اكتفيت بالإشارة المقتضبة لأهم العناصر
التي تعتبر من مكونات موسيقى النص الشعري، والهدف منها إثارة انتباه المتلقي لشعر
رشيد العلوي إلى ما أسهم به عنصر الموسيقي من جمالية وشعرية.
أما فيما يخص
محتوى الورقة، فقد قاربت جملة من الظواهر الموسيقية والإيقاعية والمتمثلة في:
1ـ الأشكال الشعرية.
2ـ القافية والروي.
3ـ التدوير.
4ـ الإيقاع الداخلي.
5ـ خلاصات واستنتاجات.
يبدو لي وأنا
أقرأ قصائد ديوان "عرائس" أن الشاعر أنه ينطلق ـ وهو ينظم أشعاره ـ من
التصور النقدي الذي يعتبر الوزن والقافية مكونان أساسيان من مكونات القصيدة، بهما
يتميز وبهما يأخذ صفته، وتحدث عدد من النقاد عن الصفات التي تميز الكلام العادي
المسترسل، عن الكلام الشعري. يقول عز الدين إسماعيل في كتابه الشعر العربي
المعاصر: "الوزن والقافية بعيدا عن أي مذهب جمالي خاص هما عصب الشكل
الشعري..(ويتساءل) ترى أيمكن أن نلغي النظرة الجديدة للشعر العنصرين الأساسيين من
التعبير الشعري، فيقوم الشعر بغير وزن وقافية؟ مستحيل، فالشاعر كائن ما كان مذهبنا
الجمالي لا بد أن يتوفر على الوزن والقافية، ومن تم كان لابد للشعر الجديد من
الارتباط بهذين العنصرين رغم كل شيء" (ص 65).
وواضح جدا أن الإلتزام بعنصري الوزن والقافية كانا من أهم العناصر التي أمدت قصائد الشاعر بشاعريتها..وحين نتأمل هذه القصائد من وجهة التشكيل الموسيقي سنلاحظ أنه تم توزيعها بين ثلاثة أشكال رئيسية..ولأن المقام لا يسمح بقراءة مفصلة لكل النصوص فسأكتفي بإيراد بعض النماذج يمثل كل شكل من هذه الأشكال الثلاث:
1ـ الشكل التقليدي: وهو التشكيل الوزني المعروف بنظام الشطرين، والمرتبط بالبحور الخليلية.
النموذج الأول: من قصيدة ورد الدهان.
الماء فيها
شاهــــــد والطير صداح الغنـــــا
وللفضاء ريشــــــة تثير لب بعضنـــــــــــأ
إيقاع هذه القصيدة على وزن الرجز بأربع تفعيلات متناظرة، أربعة في البيت الأول، وردت سالمة من الزحافات والعلل، وأربعة في الشطر الثاني جاءت مخبونة (حذف الثاني الساكن) ليخلق تركيبا متناسق النغمات بين الصدر والعجز، فجاءت الوقيعات النغمية على الشكل الثالي:
مستفعلن
مستفعلن مستفعلن مستفعلن
متفعلن متفعلن متفعلن متفعلن
هذه التقنية في توزيع التفاعيل ما بين الأشطر الشعرية، يتقنها الشاعر إتقانا جيدا، ووظفها في مجمل القصائد التي تنحوا هذا المنحى مما يدل على حاسة سمع جد مرهفة للفروقات الدقيقة التي تحصل بين التفاعيل عندما يعترضها تغيير ما. وهذا ما نلاحظه في هذا النموذج الثاني:
موجة مرت
قديما من هنا بين شوق وانتظار وخطـــر
حملت أغنى مناها في يد وبأخرى حملت موت المطر
لقد نظم القصيدة على إيقاع الخفيف، ولكن بتوزيعات دقيقة ومحسوبة، فالبيت الأول أتى بالعروضة محذوفة، والضرب مشعت. وفي البيت الثاني جاء بالعروضة محذوفة والضرب مشعت كذالك، وكأنه يلزم نفسه بما لا يلزم، ولكنه يعرف جيدا أنه بهذا التوزيع يخلق نوعا من التناغم في ما يشبه العناق الراقص بين العروضة والضرب، هذا التناغم سرعان ما ينتقل إلى إيقاع القصيدة ككل. فجاء الإيقاع على الشكل التالي:
فاعلاتن
فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فعلن
فعلاتن فاعلاتن فاعلن فعلاتن فعلاتن فعلن
2ـ الشكل المشطور:
من كل همس
للندى والنور نجم باسم
والطير يحكي
قصة وكيف يسلو سالم
وللسواقي
حكيها صوت نسيم ناعم
تنساب أزهى منظرا يبوح منه واجم
وظف الشاعر ها هنا إيقاع الرجز مع تنويعات في مكونات التفعيلة التي تتشكل من سببين خفيفين ووتد مجموع (مس| تف| علن) وقد جاهد الشاعر ليأتي بالتفعيلة سالمة في كل القصيدة لتحتفظ بكامل خصائصها الإيقاعية حتى لا يخل بالتشكيل الكلي لإيقاع القصيدة باستثناءات قليلة حذف حاء بالتفعيلة مخبونة، فجاء الإيقاع على الشكل التالي:
مستفعلن|
مستفعلن| مستفعلن| مستفعلن
مستفعلن|
مستفعلن| متفعلن | مستفعلن
متفعلن | مستفعلن| مستفعلن| مستفعلن
مستفعلن| مستفعلن| متفعلن |مستفعلن.
وتبدو هذه التقنية أكثر جلاء في قصيدة ظل فكرة. يقول:
ظلها ظل لطيف
فيه تنعيم
وحسره
نبضها نبض
خفيف
فوق شمس تحت بدره.
فقد اختار لها مجزوء الخفيف. فجاءت إيقاعاتها على الشكل التالي:
فاعلاتن|
فاعلاتن
فاعلاتن|
فاعلاتن
فاعلاتن|
فاعلاتن
فاعلاتن| فاعلاتن.
إن سحر الإيقاع الموسيقي الشعري لدى الشاعر يتجاوز ما تمده به الأوزان الشعرية التقليدية من جمالية، إلى جمالية خفية يحسها كل من يقرأ شعره، والتي يستمدها من شعور مرهف بإيقاع الكلمات والأصوات التي تشكل الكلمات مهتدية بفطرته وسليقته.
هكذا يتحرك الشاعر نفسيا وموسيقيا وفق مدى الانفعالات التي تعتمل في نفسه. فالتشكيل الموسيقي لدى الشاعر يعكس عالما نفسيا غنيا بالحركة والإيقاعات الروحية، وهو يبحث من خلال القصيدة أن يرسم خارطة موسيقية لهذا العالم من خلال التنويع الواضح في الأشكال الإيقاعية، وهذا يقودنا إلى الحديث عن الشكل الثالث التي نظم فيه الشاعر.
3ـ الشكل الحديث القائم على السطر الشعري أو ما اصطلح على تسميته بشعر التفعيلة:
إذا كان الوزن التقليدي الكلاسيكي يتشكل من وحدات موسيقية مكررة، تنتهي بقافية نمطية، وروي ثابت، فإن الوزن في القصيدة الحداثية هو إيقاعات نفسية تخضع مباشرة للحالة النفسية والشعورية للشاعر، وبالتالي فهي غير ثابتة، وقد نظم الشاعر على هذا الشكل، واختار من قصيدة الشمس تضحك وتبكي كنموذج. يقول:
كانت ترى نسج
المسمار ونسجها
في رعشة القمر
وتحس لوعته
إذا أضحى يسامت نهجها
ويضل في نظر
يرنو إليك وقد
جرى
ولقد علمت بما يرى.
فالقصيدة مبنية إيقاعيا على تفعيلة "متفاعلن" التي يتشكل منها البحر الكامل، وتم توزيعها على الشكل التالي:
متفاعلن
متفاعلن متفاعلن
متفاعلن متفا
متفاعلن
متفاعلن متفاعلن متفاعلن
متفاعلن متفا
متفاعلن
متفاعلن
متفاعلن متفاعلن
فقد استعمل التفعيلة
أحيانا تامة، وأخرى حداء (الحدد هو حذف الوتد المجموع برمته من آخر التفعيلة)
وهو مستحب عند
العروضيين في كثير من المواضع..)
هكذا يخضع
الشاعر السطر الشعري أو الجملة الشعرية لتنظيم خاص يجعل هذه السطر تتحاور نسقيا،
وتتجاوب نغميا فيما بينها رغم التباين الذي يبدو عندما نقارن بين الحيز الزمني
الذي تشغله كإيقاعات أو نقرات، أو أصوات، وبين الحيز المكاني الذي تمتد فيه كرموز
أو حركات، أو كتابة الشيء الذي يشعل الأذن المدربة لا تنفر من هذا التشكيل الذي
بلغ خمس تشكيلات للبحر الكامل، فهي مرة
ثلاثية: (
متْفاعلن| متْفاعلن| متْفاعلن)
ثنائية: (
متْفاعلن| متَفا)
رباعية: (
متفاعلن متفاعلن متفاعلن متفاعلن)
هذا التشكيل
للبحر الكامل يصعب على الأذن التقليدية استساغته، لكن الشاعر نجح في توزيع
إيقاعاته بطريقة سعت لتحقيق الانسجام بين الأسطر الشعرية مما جعلنا لا نشعر بأي
نفور
إن المتأمل في قصائد الشاعر من الجانب الموسيقي يشعر أن الشاعر يتمتع بحس موسيقي رفيع، يساعده على توظيف هذا العنصر بإتقان واحترافية، فتبدو القصيدة صورة موسيقية متكاملة تجتمع داخلها الوحدات الموسيقية المشكلة للتفعيلة ثم تفترق ثم تتواشج في حركة ذهاب وإياب موقعة ضربا من الإيقاعات الخفيفة والراقصة المسكونة بحس وشعور الشاعر الذي يعمل على تنسيق هذه المشاعر المتناثرة داخل ذات الشاعر والمتلقي على السواء.
القافية والروي:
لا يخفى ما
للقافية من أثر على المتلقي، فهي بمثابة الفواصل الموسيقية التي يتوقع السامع
ترددها في القصيدة، كما تمثل القرار الأخير الذي تتوقف عنده سيول الأنغام. واهتمام
الشعراء بالقافية يعود إلى كونها تحقق التجانس والتساوي في أجزاء القصيدة، كما
تمنح الأذن رنينا يجعلها ترتاح إلى السماع والإنصات، فهي أداة فعالة لتثبيت
المتلقي ليتابع الإنصات حتى النهاية.
وقد أولى
عناية فائقة للقافية باعتبارها عنصرا أساسيا في إغناء موسيقى النص، وقد خصها
القدماء بعلم خاص بها سموه "علم القافية" مما يدل على الأهمية التي حضيت
بها القافية في النقد القديم، ومن متطلبات القافية الدراية الواسعة باللغة، وتمثل
مركز البيت الشعري التقليدي. ودون الدخول في التعريفات لعنصر القافية يمكن القول
إجمالا أنها النهاية الطبيعية للبيت الشعري أو السطر الشعري وترتاح لها النفس.
وقصائد الشاعر تحتفي أيما احتفاء بالقافية، حتى في تلك النصوص التي يمكن أن نصفها بالحديثة، وهي تخضع لنظام صارم يهدف إلى إحداث أكبر أثر ووقع ممكن في نفسية المتلقي تقارب أو تضاهي ما أحدثه من أثر في نفسية الشاعر، وفيما يلي نماذج لأنواع القوافي الموظفة في قصائده:
1ـ القوافي المتناوبة المشتركة في نفس الروي، يقول:
قد فارقت من
نفسها وليدا
ثم اكتوت
صدودا
وعندما تغرد
الحقول
ويصعد الذبول
بدى له ما
يسعد الوصول
تمنحه خدودا
وهيبة وعيدا
تهدي له أسرة
وعودا
ومنظرا جديدا
تأتي الصبايا
والخيول
والراقصات على الهطول.
فقد جاء
بقافيتين رويها اللام، ثم بأربعة قوافي بروي الدال موصول بمد، (الألف)، ثم عاد من
جديد بقافيتين تشتركان في روي الام. وإعادة تشكيل هذه القوافي يتضح ما ذهبنا إليه:
(وليدا| صدودا ـ الحقول| الذبول| الوصول ـ خدودا| وعيدا ـ وعودا| جديدا ـ الخيول| الهطول)
2ـ قوافي ذات حضور ثنائي، ثلاثي، رباعي، خماسي..أحيانا تأتي متتابعة
ومتلاحقة، وأخرى منفصلة كما في قصيدته "الشمس تضحك وتبكي" حيث وردت
القوافي على هذه الشاكلة:
أوجها ـ سفر |
موجها ـ حذر | نسجها ـ قمر | نهجها ـ نظر | حرى ـ يرى | جفون ـ كمون ـ ضنون ـ فتون
| عذراء ـ عفراء ـ روحاء ـ خرساء.....وقس على هذا في جل قصائده. إن للشاعر تقنية
ممزوجة بحس موسيقي رفيع يمكنانه من توزيع قوافيه في جسد القصيدة دون تكلف، وهذا
نتاج أمرين اثنين:
1ـ مهارة موسيقية لا غبار عليها فهو
يركب الأوزان الخليلية باقتدار.
2ـ دراية واسعة باللغة.
3 القافية بين التقييد والإطلاق:
أغلب قوافي الشاعر مطلقة، تستجيب للإشباع. وتمنحها الحرية على الامتداد، ونادرا ما يقيد قوافيه كما في قوله:
رنت إليه
وانحنت قليلا
يوشك أن يميلا
أشار الأفق
البعيدْ
إلى هناك
وماج في رقص
جديدْ
أرخت عليه ظل
عينينْ
فقيد (البعيد
ـ الجديد ـ عينين).ويرتبط الروي دائما بالقافية باعتباره مكون أساسي من مكوناتها
فيأتي به الشاعر في أغلب الأحيان موصولا أو مشبعا إما بمد مثل: (صورا ـ كدرا ـ
نظرا ـ سترا ـ سببا ـ كذبا ـ ) قصيدة سمر، أو موصول بهاء السكت كما في قصيدة ظل
فكرة: ( حسره ـ بذره ـ زهره ـ عسره ـ نفره ـ نظره ـ شفره ـ).
وتبقى القافية عنصرا أساسيا لتوليد الاندهاش، وتشرك القارئ في العملية الإبداعية، فالمتلقي للقافية التقليدية يستجيب بمحاولة حدسها قبل وصول الشاعر إليها، اعتمادا على محددات ثلاث: صوت الروي، الوزن، الدلالة. وكما نلاحظ في النماذج التي أوردناه فقوافي الشاعر لا يبدوا عليها التكلف، بل تشكل جزءا أصيلا من جسد البيت، وعنصرا مكملا للمعنى لا يمكن الاستغناء عنها.
التدوير:
نلاحظ كذالك
لجوء الشاعر إلى التدوير خصوصا في قصيدة "غرد كما يهوى الأمل" ويرى بعض
الباحثين "أن القصيدة المدورة قد تأثرت فلسفتها الجمالية بالقصيدة البدائية
القديمة في الحضارات السومرية، والبابلية، والأشورية، والمصرية والفينيقية، وذالك
عن طريق ما فيها من عفوية، وبساطة، واعتمادها على الأصوات اللغوية، وإيقاع
الألفاظ، وعلاقتها بالموضوع المعبر عنه، أكثر من اعتمادها على إيقاع الوزن
وموسيقاه، أي الحدود المنضبطة، فالصدق الفني يقتضي بأن تأتي القصيدة بهذا الشكل،
وتبنى كما عاش الشاعر تجربتها، وأحس تداع الأفكار والموسيقى وانتيال الحوار داخل
نفسه بين الذات والذات الأخرى يتغلب فيها الهاجس الدرامي على الحس الغنائي ليعبر
هذا كله عن انفعال الشاعر بواقعه الصادم". (التجديد في موسيقى الشعر العربي
المعاصر. ص 206)
يقول الشاعر
في قصيدته "غرد كما يهوى الأمل":
وأرح مع
الجفن الخفو ق
بكل أجواء الغـــــــــزل
وأنعم من
الوحي الحنو ن إذا تساقط أو
هطــــــــل
ولكم تهش لنا
الحيـــــا ة إذا رأت فينا
البطــــــــل
وتدير أكواب
الصفـــــا ء لمن يتيه على
الأجــــــــل
كن ما تشاء فلست
تمـ لك من دناك سوى أمــــــــل
أو ليس تبلغ من جنــــ ك سوى الطفيف من العسل؟!
الإيقاع الداخلي:
يتشكل الإيقاع الداخلي من خلال مجموعة من الظواهر اللغوية والأسلوبية كاختيار مفردات لغوية ومعجمية وفق ذائقة سمعية تتوخى أصواتا بهذا النبر أو ذاك. والإيقاع الداخلي ينمو داخل النص. وأثناء نموه وتشكله يولد الدلالة ويغنيها من خلال كشفه لظلال المعاني. والاعتناء بالإيقاع الداخلي ظاهرة ملحوظة في قصائد الشاعر، ويكفي للتدليل عليها هذا المقطع من قصيدة سطور. يقول:
تقرا سطورا
دونها
تحيي موات
الذائقه
كانت عيونا
رائقه
ترى جمال البارقه
هذه الأسطر
الشعرية الرباعية تنبض بحركية إيقاعية متعددة المنابع منها ما هو خارجي، ومنها ما
هو داخلي كالقافية المتقاربة الأصوات والمخارج، الوزن الشعري الذي يتجاذبه وزنان:
الرجز، والكامل.
مستفعلن
مستفعلن متفاعلن متفاعلن
مستفعلن
مستفعلن متفاعلن متفاعلن
مستفعلن
مستفعلن متفاعلن متفاعلن
متفعلن مستفعلن متفعلـن متفاعلن
فالتفعيلة الأولى من الشطر الرابع هي التي أخرجت الإيقاع عن وزن الكامل المضمر.
التكرار:
يقوم التكرار بدور كبير في الموسيقى بما يشيعه من ظلال تضيف إلى المعنى وتؤثر في نفس السامع أو القارئ بما تنقله من شعور الشاعر، فقد يحس الشاعر أن تكرار لكلمة واحدة، أو أكثر من الكلمات المشعة يكون ثروة موسيقية جمالية، وثروة إيضاحية. ويلاحظ أن ما يجول في نفسية الشاعر من أحاسيس سواء أكانت في منطقة الشعور أو اللاشعور هي التي تحدد نوع هذه الكلمة، ومكانها وزمانها نتيجة وضعها في نفسه، وأثرها عليه. ومن نماذج هذه الظاهرة:
ظاهرة التوازي:
التوازي، أو اتساق البناء على حد تعبير قدامة ابن جعفر هي الجمل التي يقوم الشاعر بتقطيعها تقطيعا تقطيعا متساويا بحيث تتفق في البناء النحوي اتفاقا تاما، والتوازي يقوم بتنظيم الشطر الشعري، أو البيت الشعري تنظيما نحويا يجعلها متطابقة أو شبه متطابقة مع غيرها، فينتج عن هذه البنية تماسكا شكليا. والتوازي يعد في حقيقته تكرارا، لكنهتكرار ينصرف إلى تكرار المعاني مع اختلاف العناصر التي يتحقق فيها المبنى. ومن أمثلة التوازي الواردة في شعر الشاعر قوله:
وفي زحمة من
دخان كثيفْ
وفي لاعج من حريق عنيفْ (قصيدة لقاء المرايا)
وقوله:
أضيف المرايا
على بعضها
وأنظر ما صار
في قبضها
تفيض المرايا على نفسها (قصيدة لقاء المرايا)
وقوله:
فتنتشي من
وحيها ضلوع
وترتوي من عزفها فروع (قصيدة سطور)
ويبقى الهدف من التوازي هو إحكام البناء، وجمال التنسيق، وهو اختيار واع من قبل الشاعر.
خلاصات:
1ـ يقف الشاعر بين طرفي القصيدة التقليدية والحداثية، فهو لم يخرج عن
القواعد الموسيقية الفنية للشعر العربي في قصائده العمودية، ولم يخرج إلا في إطار
جد ضيق عن هذه القواعد والأصول في قصائده ذات المنحى الحداثي.
2 ـ يلجأ الشاعر أحيانا إلى التكرار يجره إليه رغبته لخلق توازن موسيقي بين
الأسطر الشعرية لتحقق جوا موسيقيا يلقي بظلاله على كامل النص ليتحول إلى معزوفة فنية تحقق متعة السمع والتخييل
عندما يتواشج الإيقاع، والموسيقى، والصورة الشعرية والدلالة.
3 ـ التلوين الشعري في قصائد الشاعر هي نتاج ذائقة نغمية تتميز الرقة،
والرهافة، والحساسية، وتذوق عال للإيقاعات الشعرية.
4 ـ إذا كان الكثير من النقاد يرجعون ما نجده في الشعر من متعة وسحر إلى
صورته الموسيقية، فقد نجح الشاعر في تحقيق هذا المبتغى، فعندما نقرأ شعره نحس
ب"أريحية" على حد تعبير الجرجاني.
5 ـ حققت الصورة الموسيقية كثيرا من غاياتها لأن الشاعر وفق في معظم الأحيان
في خلق ذاك التوافق الصعب بين حركة النفس الداخلية، والدلالة، والإيقاع..
6 ـ وأخيرا نقول إن موسيقى القصيدة لا تتكشف إلا من خلال إنشاده. ونحن ننتظر أن يمتعنا الشاعر بصوته
المصطفى فرحات
*****************************************************************************************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.