"الكتابة السمخية" الشعرية، و"الكتابة السمخية" النثرية (الخطابة تحديدا)، و"الكتابة السمخية" المقدسة (القرأن الكريم).
أولا: "الكتابة السّمخية" الشعرية
أشار بعض الباحثين إلى أن "الكتابة السمخية" في الثقافة العربية قديمة جدا، وكان يطلق عليها اسم "التقييد" (تثبيت الكتابات) ، ثم سميت بعد ذلك ب"التدوين" (ترتيب، وتبويب، وجمع الكتابات في صحف وأسفار، ودواوين...) واستعملوا الدواة والمداد (السّمخ) للكتابة على جريد النخل. ورد في بعض المصادر القديمة أن النابغة الذبياني كان يحـسن الكتابة ويجملها.. أما إنشاد الشعر ـ سواء أكان مكتوبا أو مُرتجلا أو محفوظا ـ فالجسد شريك لا غنى عنه في تبليغ رسالة الشعر، وتحقيق أهداف الشاعر التي يمكن إجمالها في التأثير في المتلقي، ودفعه لاتخاذ الموقف الذي يرتضيه.
وعُرف عَن
العرب أن الشعر لا يُتعلم في مدرسة أو كُتّاب كما هو الحال بالنسبة للقرآن الكريم، أو العلوم الفلكية والحسابية والفقهية والفلسفية كما في الجامعات الإسلامية الأصيلة كجامعة الأزهر، والزيتونة والقرويين.
الشعر فنّ يُتعلم بالحفظ، والدّربة والمران والمراس، والرواية. على المتطلع ليكون شاعرا أن يلازم شاعرا، يروي له أشعاره، وهو من يجيزك ويمنحك الرخصة لقول الشعر.
ويرى البعض أن
"الكتابة السمخية" ظاهرة ثقافية طارئة
على الشعر العربي، وربما أفسدته، لأن هذا الشعر وُجِد ليسمع، لا ليقرأ، فإلقاء
الشعر يماثل في أهميته نظمه. فالإنشاد يحدث تفاعلا مثمرا بين القصيدة والجسد
والحواس. وتزخر كتب النقد وتاريخ الأدب بنماذج لطائفة من شعراء تميزوا بطريقتهم في
الإلقاء والإنشاد، نذكر منهم على سبيل المثال:
* الحارث بن حلزة اليشكري الذي أنشد معلقته الشهيرة مرتجلا وهو يتوكأ على قوسه، حتى دميت كفه من فرط العصبية والغضب.
* أبو تمام يكلف غلامها له لينشد بدلا عنه لأن في صوته تأتأة. وكان الكميت ينيب عنه ابنه المستهل في الإنشاد
* امرؤ القيس يعتني بصوته أثناء الإنشاد، ويفتخر لأن النساء يعجبن بصوته.
* شبه الخليفة عمر بن الخطاب صوت شاعر الرسول (ص) حسان بن ثابت "برغاء البعير"
* بشار بن برد
إذا أراد أن ينشدَ صفق بيديه وتنحنح وبصق عن يمينه وشماله.
* وُصف البحتري
بأنه من أبغض الناس إنشادا، فهو يتشادق
ويتزاور في مشيه مرة جانبا ومرة القهقرى ويهز رأسه مرة ومنكبيه أخرى ويشير بكمه في كل الاتجاهات.
* وجاء في
مأثور الكلام أنَّ الشاعر إذا أراد الهجاء » حلق رأسه، وترك ذؤابتين، فيدهن أحد شقي رأسه ويرخي إزاره وينتعل نعلاً
واحدة.
* لبيد بن ربيعة يحلق رأسه ويرتدي أزياءً غريبة.
* عادة ينشد الشعراء الملوك واقفين، مع استثناءات قليلة كحالة المتنبي الذي ينشد شعره وهو جالس، ميزة لم يحض بها شاعر سواه. وقبله كعب بن زهير الذي أنشد النبي صلى الله عليه وسلم جالسا بين يديه، وفسَّرت هيئة جلوس الشاعر بأمور عديدة.
* وقد ينشد
الشاعر ممتطيا ناقته أو جمله. وتذكَر كتب التاريخ أن هند بنت عتبة بن ربيعة قصدت سوق
عكاظ في الإسلام حين قُتِلَ أهلها في بدر، وقَرَنَت جملها بجملِ الخنساء،
وأخذت كل منهما تُعَاظم الأخرى بمصابها وتساجل في الشعر لوعة بلوعة، ورثاء برثاء.
* أما الرثاء فقد كانت الشاعرة تحلق رأسها، وتلطم خديها بالأيدي والنعال والجلود.
رغم أن الشعر دون ب "الكتابة السمخية"، إلا أنه لم يثبت أن الشاعر العربي كان يلقي شعره من صحيفة أو رقعة... بل كان يلقيه من حفظه. وهذا يعني أن قراءة الشاعر لشعره من ورقة أو ديوان أو جريدة أو هاتف هو بدعة مستحدثة، وتدل على وجود مشكلة تواصل بين الشاعر وشعره.
* ويبقى الجسد داعما أساسيا في نجاح وخلود القصيدة إذا تم توظيفه بالشكل الصائب، أو سببا في فشلها وسقوطها المميت.
تابع
في التدوينة القادمة
الجزء الثاني: "الكتابة السّمخية" النثرية (الخطابة).
........................................................................................................................
* التشادق: يقال:
" شدِق الرجل"
: اتَّسَع جانبُ فمه ممَّا تحت الخدّ
* التّزاور: الانحراف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.