العنقاء هي الطويلة العنق. جاء على قلم كاتب سمخي ما يلي: "العنقاء، طائر ضخم، ليس بالعقاب..". وقال آخر: "العنقاء، كما يزعمون طائر، يظهر عند مغرب الشمس." وقال ثالث: "العنقاء المُغرب، طائر لم يره أحد." وقال رابع: "العنقاء: طائر لم يبقَ في أيدي الناس من صنفها غير اسمها."وقال خامس: "سُمِّيت عنقاء، لأنه كان في عنقها بياض كالطوق، ويُقال لطول عُنقها".
وجاء في التراث السردي العربي أن حنظلة بن صفوان نبي أصحاب "الرس" الوارد ذكره في القرآن الكريم، وأن العنقاء كانت في زمانه، وكانت من أعظم الطيور، وسموها كذلك لطول عنقها، وكانت تعيش أعلى جبل، وتأكل الطير، وذات مرة جاعت فلم تجد ما تأكله فانقضت على صبي، وغربت به، لذا سموها عنقاء مغرب، ثم لما جاعت مرة أخرى أخذت جارية.
وفي كتاب: "معجم الأمثال": "حلَّقت به عنقاء مغرب" (مثل): يُضرب لما يُئس منه، والعنقاء طائر عظيم، معروف الاسم، مجهول الجسم، وأغرب: أي صار غريبـاً، وجاء وصف هذا الطائر بالمُغرب، لبُعده عن الناس. وقال آخر: عَنْقَاءُ مُغْرِبٌ، وُصِفَ بذلك، لأنهُ يقالُ كان طَيراً تَنَاوَلَ جَارِيَةً، فأغْرَب بها.
ويذكره الجاحظ، في كتابه "الحيوان"، مُشيراً إلى أنَّ "العرب إذا قالت بهلاك شيء، وبطلانه، قالت: حلقت به في الجو عنقاء مغرب"
وتحدَّثت الكثير من مؤلَّفات التراث العربي عن العنقاء، وذكرت أوصافها، وعددت خصائصها، ففي كتابه "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات"، يقول كاتب سمخي: "إنه أعظم الطيور جُثة، وأكبرها خِلقة، تخطف الفيل، كما تخطَّت الحدأة الفأر". بينما ذكرها كاتب سمخي اسمه الثعلبي أو الثعالبي، في كتابه "العرائس"، قائلاً: "إنَّ العنقاء كانت في كِبر الجَمَل عِظَمــاً، ووجهها وجه إنسان، ويداها يد إنسان، وثدياها ثدي امرأة، وأصابعها كذلك. إنها كانت تسكن جبلاً مُصعداً إلى السماء ميلاً، تبيت فيه، وهي كأعظم ما يكون الطير، وفيها من كُل لون". انتهى كلام الكاتب السمخي.
ووصفها كاتب سمخي اسمه الدميري في كتابه "حياة الحيوان الكبرى" قائلا: "إنَّ العنقاء قد انقطع نسلها، فلا توجد اليوم في الدنيا. إنَّ الله خلقها في زمن موسى، وكان لها أربعة أجنحة من كُلِّ جانب، ووجه كوجه الإنسان، وأعطاها من كلِّ شيء قسطاً.. إنَّ لها بطناً كبطن الثور...".
وفيما يلي بعض السرديات
التي نسجت عول طائر العنقاء:
* السردية الأولى: تتعلق بالموطن. "موطنه الأصلي شبه الجزيرة العربية، وتحديداً في أقصى جنوبها، في اليمن، وإنه يمتاز بالجمال والقوُّة، وإنه يعمر 500 سنة. وفي مصادر أخرى يعمر ألفاً وسبعمائة سنة، وعند طيرانه يُسمع لأجنحته دويّ كدوّي الرعد القاصف، وإنه بعد انقضاء سنوات عُمره، وعندما يوشك على الموت، يترك موطنه، ويسعى صوب فينيقيا، وهي إحدى مناطق الشام، ليختار نخلة شاهقة، ويبني له عشـاً على قمَّتها، ويموت حرقــاً، بعد أن يُضرم في عشه النار، ومن رماده، يخرج مخلوق جديد، في هيئة الدودة الضخمة، ناصعة البياض، لونها كلون اللبَن، تتحوَّل بعد فترة إلى شرنقة، ويخرج من هذه الشرنقة طائر عنقاء جديد، يطير عائداً إلى موطنه الأصلي، في بلاد الشرق السعيد".
* السردية الثانية: تبين أسلوب هذا الطائر في الصيد: " يقع على فريسته مُنقضـاً، حيث ينقضُّ على الطير أثناء طيرانه فيأكله، كما ينقضُّ على الفرائس التي تدبُّ في الأرض."
* السردية الثالثة: "تقلا عن كاتب سمخي اسمه ابن الكلبي عن العنقاء: "أنَّ أهل الرسِّ (اسم قبيلة عربية) كان من بينهم رجلٌ حكيمٌ، بلغ احترام قومه له مبلغــاً عظيمـاً، إلى حد أنهم جعلوه مبعوثــاً ونبيــاً، يأخذون عنه، ويتَّبعون تعاليمه، يُدعى حنظلة بن صفوان، وكان بأرضهم جبل، يُقال له (دمخ)، مُصعد في السماء، وكان يأتيه طائر عظيم، لها عُنق طويلة، وهي من أحسن الطيور، فيها من كل لون، وكانت تقع مُنتصبة، فانقضت على جارية ترعرعت وضمَّتها إلى جناحين لها صغيرين، سوى جناحيها الكبيرين، ثمَّ طارت بها، فأسرع نفر من القوم، إلى حنظلة، وشكوا له مما حدث، فقال (داعيــاً): اللهم خُذها، واقطع نسلها، وسلِّط عليها آفة، فأصابتها صاعقة، واحترقت.
* السردية الرابعة: حول العنقاء في الحلم. وحول العنقاء في الرؤية والأحلام، يقول الدميري، في كتابه "حياة الحيوان الكبرى": "العنقاء في المنام، رجل رفيع مبتدع، لا يصحب أحداً، ومن رأى العنقاء كلَّمته، نال رِزقــاً من قِبل الخليفة، وربما يصير وزيراً، ومن ركب العنقاء، غلب شخصــاً لا يكون له نظير، ومن صادها، فإنه يتزوَّج بامرأة جميلة، ورُبَّما تُعبِّر العنقاء بولد ذكر شـُجاع، لمن أخذها وله امرأة حامل..
ختاما نشير ‘لى كتاب مهم في الموضوع لكاتب سمخي اسمه محمد بن إسحاق بن أبي العنبس (275هـ – 888م)، قاضي الكوفة، وهو شاعر من أهل الفكاهة، أديبــاً عارفــاً بالنجوم، قد وضع كتابــاً بعنوان "عنقاء مغرب"، أسهب فيه بالحديث عن حكايات العرب عن هذا الطائر الخرافي المثير للجدل.
في الحلقة القادمة: العزّ
للراغبين
في المزيد نقترح عليهم حكاية العنقاء مع سيدنا سليمان:
يقال بأن طائر العنقاء من الحقائق والتي لها حكاية مع سيدنا
سليمان عليه السلام. ففي زمن بعيد قام طائر العنقاء بتحدي سيدنا سليمان عليه السلام
فيما إذا كان الإنسان هو صانع قدره وليس الله تعالى ذلك ما قاله طائر العنقاء. فقال سيدنا سليمان
عليه السلام له إن الله عز وجل هو من يصنع قدر الإنسان وعليه أن يختار ما بين الحق
أو الباطل. ولكن العنقاء لم يزل مصرًا على رأيه. فقال سيدنا سليمان
للعنقاء إن هناك أحدًا من أهل البلاد المجاورة سيولد له أميرًا. وأخبر الطائر باسم
المولود الأمير وأن هذا الأمير الذي سيولد سوف يتزوج فتاة. وقال أيضًا اسمها
وسوف يكون الزواج عند سن العشرين وسوف ينجب طفلًا جميلًا. لكن العنقاء ذهبت إلى هذه الفتاة وقامت بخطفها وأتت بها إلى
العش الذي كان في وسط البحر.
وبعد أن مرت السنوات كبر الأمير وكان له أبا ملكا فقال لأبيه. يا أبي لقد سافرت
كل مكان ولم يبقى بلدا إلا وذهبت إليه ولم يبقى سوى البحر فإني أريد الذهاب. فقال له أبيه أذهب
فقام بصنع سفينة وبعد مدة من الإبحار شاهد الأمير عشًا كبيرًا على جزيرة داخل البحر. فأتجه إلى هناك
ورأى فيها فتاة بالغة الجمال فوقع في حبها وأراد الزواج منها. ولكن كان يجب أن
يذهب لأن طائر العنقاء كان يأتي ليحضر للفتاة الطعام ويذهب في الصباح. وعندما حان موعد
اللقاء بين طائر العنقاء وسيدنا سليمان عليه السلام أخبر الطائر الفتاة بأنها سوف
تذهب إلى سيدنا سليمان عليه السلام وفي اليوم التالي خرج طائر العنقاء كالعادة. ثم حضر الأمير
ليرى الفتاة التي تزوجها بالفعل. وقالت للأمير بأن العنقاء ستأخذها إلى سيدنا سليمان عليه
السلام. فقال لها الأمير عندما يأتي طائر العنقاء قولي له أنك غير
قادرة. ومن ثم سأتيكي بسفينتي وسوف أخذك معي. ثم جاء الطائر
في الميعاد لكي يأخذ الفتاة فقالت لا أستطيع الركوب فوق ظهرك. ثم أشارت الفتاة
للطائر على تمثال الحصان المتواجد على السفينة لإحضاره لكي تدخل الفتاة فيه وتحمله
العنقاء. فقام الطائر بإحضار التمثال ودخلت الفتاة داخله وكان الأمير
هناك في الداخل. وذهب طائر العنقاء إلى سيدنا سليمان عليه السلام فسأل هل
أحضرت الفتاة. فقال له، نعم وهي داخل التمثال فخرجت الفتاة ومعها الأمير. وقال سيدنا سليمان
للعنقاء ألم أقل لك من قبل بأن الإنسان صانع قدره وخسر الطائر التحدي وذهب العنقاء
إلى الجبال ولم يراه أحد بعد ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.