"الكتابة الذهبية" عرفت العرب طريقة استخلاص ماء الذهب ،
واستعملوه في "الكتابة الذهبية" كما عرفوا السمخ واستعملوه في
"الكتابة السمخية"
وتدل الكتابة بالذهب على نفاسة المكتوب، وقيمته الفكرية والنفسية
والعاطفية... وعمق تأثيره في الناس سلوك الناس ورؤيتهم لأنفسهم وعالمه الذي يعيشون
فيه. فالقيمة المادية للذهب تتحول إلى قيمة رمزية في المكتوب.
عندما يحترم مجتمع ما ثقافته التي تعكس بصدق وعمق هويته ووجوده، فإنه
يحتفي بها، يبجلها، يقدسها، ويمنحها صفة الخلود الأبدي.. هذا ما فعلته العرب قبل
الإسلام لما احتفت بشعرائها الكبار، وكتبت قصائدهم بماء الذهب واشتهرت بالمعلقات
والسموط والمذهبات. كتبوها على القباطي وعلقوها بالكعبة تكريما وتقديسا لها.. بل
إن بعض القبائل جعلت من شعرها كِتابها المقدس الذي تقرأه صباحا ومساء، وفي غدوها
ورواها كما هو فعلت قبيلة تغلب بمعلقة شاعرها عمرو بن كلثوم حتى قال عنهم العرب:
ألهت بنو تغلب عن كل مكرمة **** قصيدة قالها عمرو بن كلثوم.
أما فيما يتعلق بالكتاب المقدس "القرآن الكريم" فقد اقتصر
الكتابة بماء الذهب بزخرفة المصحف بأشكال نباتية وهندسية.. واقتصر التذهيب
وكان التذهيب في أول الأمر مقصوراً على أجزاء معينة من الصفحات مثل
الأشرطة التي تفصل السطور بعضها عن بعض، والفواصل بين الآيات، وجرى تذهيب الصفحات
الأولى والأخيرة للقرآن الكريم، كما زينت وذهبت علامات نهاية الآيات، وتقسيمات
القرآن الأولية على شكل (نصف وثلث وربع... إلخ وبمرور الزمن تم تذهيب فهرس السور
وفهرس عدد الآيات والكلمات والأحرف المكتوبة على صفحات مزينة"
وقال كاتب سمخي: "إذا كان قصد التشريف والتعظيم هو الباعث على
كتابة المصحف الشريف بماء الذهب، وكذا تزيين الكعبة المشرفة وغيرها من المساجد،
وهذا الباعث انسحب على باقي كتب السنة المشرفة، وأضحى التعبير بالكتابة بالذهب
مقرونا بالشرف والتعظيم، ولا أشرف من كتاب الله وسنة نبيه، وبيته الذي جعله مثابة
للناس وأمنا."
وى الثقة المعتمد الكليني في الكافي بسنده عن محمد بن الوراق قال :
جاء في "الموسوعة الفقهية" (38/ 16): " ذهب الحنفية
والمالكية إلى جواز تحلية المصاحف بالذهب والفضة لما في ذلك من تعظيم القرآن.
قال المالكية : إن الذي يجوز
تحليته جلده من خارج ، لا كتابته بالذهب، وأجازه بعضهم، وأجازوا أيضا كتابته في
الحرير وتحليته به .
وذهب الحنابلة إلى كراهة تحليته بشيء من النقدين، وهو قول أبي يوسف
من الحنفية .
وذهب الشافعية في قول إلى تحريم تحلية القرآن بالذهب.
عرضت على كاتب سمخي كتابا فيه قرآن
مختم بالذهب وكتبت في آخره سورة بالذهب فلم يعب فيه شيئا الا كتابة القرآن بالذهب
وقال لا يعجبني ان يكتب القرآن الا بالسواد كما كتب أول مرة .
وذهب كاتب سمخي إلى تحريم كتابة القرآن بماء الذهب بل واخذ الأجرة
عليه واكل ثمن ما ناله من ذلك .
إجمالا يمكن القول بأن الكتابة الذهبية حدث عارض في الكتابة، إضافة
إلى أن ماء الذهب ليس متاحة للكتاب كما هو حال السمخ.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.