tout droit résérvé

© Copyright
Tous droits réservés

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الترحيب بالزوار

مرحبا بك في موقعنا ! للبحث عنا من جوجل يمكنك كتابة "فرحات المصطفى" أو "FARHAT MUSTAPHA" ! لا تنس جعل المدونة الصفحة الرئيسية لمتصفحك!

سورة الفاتحة

سورة الفاتحة

رسائل


رسائل: الرسالة (2): المكان ليس مجرد جغرافية صماء، بل هو نابض بالإحساس الذي تبعثه الذكرى... نقابل الأمكنة فنفرح أو نحزن أو لا نبالي... فشكرا لمن جعل الأمكنة تناجينا بألسنتهم وبدلا عنهم... إننا نراكم فيها، نسامركم، في غيابكم، ونعانقكم بمعانقتها... ..
أحدث المواضيع

جديد الأخبار

4. قالوا عن الصدق: *. صدق السّكون أعلى وأغلى من زيف الكلام ـ * كم من ديك صدق أن الشمس تشرق بصياحه - * الصدق مطية لا تهلك صاحبها وإن تعثرت به قليلا - * الكذب مطية لا تنجي صاحبها وإن جرت به طويلا ـ * الصدق هو أن تخاطر بقول الحق في اللحظة التي ينجيك فيها الكذب – * حفظ السرّ من صدق الوفاء – * لأن يضعك الصدق، أفضل من أن يرفعك الكذب – * الموت مع الصدق خير من الحياة مع الكذب.

T.AFF

"Happiness is the natural flower of duty."

دعوة

يستحيل رؤية الحقيقة وهي متوهجة *** لكن من السهل رؤية الباطل وهو مظلم
«سْكر تاغريب امُوكا هانْ بلاّرجْ إسكرْ تامَغراا »
Arab to Chinese (Simplified) BETA Arab to English Arab to French Arab to Italian Arab to German Arab to Italian Arab to Japanese BETA Arab to Korean BETA Arab to Russian BETA Arab to Spanish
بدعم من

الخميس، 18 أبريل 2024

تأملات وخواطر عن الكتابة الثقافة السّمخية والكائن السمخي أولا: "الكتابة السمخية" 16. "الكتابة السمخية والنكاح" الجزء الأول: النكاح في الثقافة العربية قبل الإسلام


قال تعالى: "فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى [1] فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعدلوا."

ينما يشدد خبراء التربية وعلم الاجتماع على ضرورة التوعية والتثقيف الجنسي، يُعد الجنس أحد أبرز التابوهات/المحرمات في البلدان العربية والإسلامية، إذ يستبعد عن النقاشات العامة ويقل حضوره في الإعلام أو التعليم أو حتى بين أفراد العائلة، فلماذا يتم تجاهل مواضيع الجنس؟ وما انعكاسات ذلك على حياة المجتمعات؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات ليس محور اهتمامنا في هذه الورقة.

1. الجنس في الخيال العربي قبل الإسلام: يعتبر الجنس ظاهرة اجتماعية لها علاقة بتطور المجتمع. ومن أهدافه تحقيق المتعة والسعادة. وحضر الجنس في المخيال العربي بأشكال وصور متنوعة. وليحقق الجنس وظيفته فقد وضعوا له شروطا، ومحددات. وفي هذه الجولة التي خصصناها للجنس في زمن الثقافة السّمخية سنقرب القارئ من هذه الظاهرة في كثير من جوانبها:

2. المرأة والمتعة: ليست كل امرأة قادرة على إمتاع الرجل، فتحقيق المتعة يستلزم صنفا خاصا من النساء فاضت قصائد الشعراء قبل الإسلام بأوصافها، فشبهوها بالغزال، والضباء، وصفوا مشيتها، شعرها، جسدها... وأبلغ ما كتب عن وصف المرأة المثالية نجده في كتاب "الروض العطر، في نزهة الخاطر" للشيخ أبي محمد عبد الله محمد النفزاوي. يقول: "أن تكون كاملة القد، عريضة، خصيبة، كحيلة الشعر، واسعة الجبين، زَجة الحواجب، واسعة العينين في كحولة حالكة وبياض ناصع، مفخمة الوجه، أسيلة ظريفة الأنف، ضيقة الفم، محمرة الشفائف واللسان، طيبة رائحة الفم والأنف، طويلة الرقبة، غليظة العنق، عريضة الصدر، واقفة النهود ممتلئ صدرها، معقدة البطن وسرتها واسعة، عريضة العانة، ممتلئة لحماً من العانة إلى الأليتين، ضيقة الفرج، ليس فيه ندوة، رطب سخون تكاد النار تخرج منه، غليظة الأفخاذ والأوراك ذات أرداف ثقال، وأعكان وخصر جيد، ظريفة اليدين والرجلين، عريضة الزندين، بعيدة المنكبين، عريضة الأكتاف، واسعة المخرم، كبيرة الردف".

2. معيار الجمال في الثقافة السمخية: أما طبيب العرب ابن الحارث فقال: "أحسن النساء، مديدة القامة عظيمة الهامة واسعة الجبين ثابتة العينين بيضاء صافية الخد مثبوتة القد مليحة النحر طيبة المبسم عظيمة الأرداف واسعة الأكتاف صغيرة الفم والقدمين ذات انعطاف ولين كأنها من الحور العين".

3. أنواع النساء ومميزاتهن: وحاول كاتب سمخي أن يقدم خريطة طريق للنساء القادرات على تحريك مشاعر الرجل، وإثارة شبقيته فقال: "الروميات أظهر ارحاماً والأندلسيات أطيب ريحاً والزنجيات والحبشيات أطيب نكهة والبغداديات أجلب شهوة للرجال والشاميات اودّ للرجال والفارسيات والعربيات أحسن عشرة والنوبيات اسخن والمغربيات أشد محبة والحلبيات أصلب ارحاماً والمصريات أرق طبعاً. وثمة ميزات بحسب الأجناس ترتبط مباشرة بالفعل الجنسي، فهناك إطناب للغنجة اليمانية والشهقة الحبشية والسخونة السودانية ولعنق الشركسية والحذاقة المصرية وشخير الصعيدية."

4. أوقات الجماع: وكان لدى العرب قبل الإسلام خيال جنسي خاص بالأيام والشهور، وكانوا يستحبون المجامعة يوم الجمعة، ويكرهون الجماع في شهر شوال.

5. أنواع الجماع الشاذ

5/1. اللواط: الشذوذ الجنسي معروف عند الجاهليين، وهو ذهاب الرجل مع الرجل ومزاولته عمل الجنس معه، أو اتصال المرأة بالمرأة اتصالًا جنسيًّا، أوإتيان الرجل المرأة من دبر.

ومن أشهر المتهمين باللواطة في العصر الجاهلي خليفة رسول الله  صلى الله عليه وسلم. جاء في بعض الكتب السمخية: "أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق ومحمد بن عبد الله الأنصاري وهوذة بن خليفة قالوا أخبرنا بن عون عن محمد بن سيرين قال  :" قَالَ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَا بَقِيَ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ شَيْءٌ إلَّا إنِّي لَسْت أُبَالِي أَيَّ الْمُسْلِمِينَ نَكَحْت وَأَيَّهُمْ أَنْكَحْت.".

5/2.  السحاق: السحاقية والسَحّاقة هي المرأة التي تمارسة الجنس مع امرأة أخر. ويحكى أن هند بنت النعمان الثالث ملك الحيرة (580 – 602 م) أحبت بعد مقتل زوجها امرأة اسمها زرقاء اليمامة، وساحقتها، فكانت أول امرأة هويت امرأة في العرب، ثم انتشر السحاق بين النساء في ما بعد.

وكان أسلوبهن في الممارسة أن تكون العاشقة أعلى والمعشوقة أسفل، إلا إن كانت العاشقة نحيفة الجسم والمعشوقة بدينة، فإنها حينئذ تجعل النحيفة سفلى والبدينة عليا، ليكون ثقل جنبها أشفى في الحك. السحاقيات العربيات تفنن وأبدعن في ابتكار تشكيلات متنوعة للسحاق وضعن لها أسامي كثيرة منها الضفدعي والشراعي والمخالف والمؤالف والاستكلاب.

5/3. إتيان الحيوان: فقد ذكر أن "بني كليب" كانوا يرمون بإتيان الضأن، وكذلك بنو الأعرج وسُلَيم وأشجع تُرمى بإتيان المعز. ورميت "بنو دارم" بإتيان الأتن . وتعرض "الجاحظ" لهذا الموضوع فقال: ونحن نجد الأعرابي والشاب الشبق، ينيكان الناقة والبقرة والعنز والنعجة، ورميت "بنو فزارة" بإتيان الإبل. رماها بذلك "بنو هلال بن عامر .

يتبع

الجزءالثاني: أنواع النكاح عند العرب


[1] .  في اليتامى : يتامى النساء. قال الزمخشري : ويقال للإناث اليتامى كما يقال للذكور، وهو جمع يتيمة على القلب، كما قيل: أيامى والأصل أيائم ويتائم.




السبت، 6 أبريل 2024

تأملات وخواطر عن الكتابة أولا: "الكتابة السمخية" 14. شعراء المجون والتهريج الجزء الثالث: الشاعر المهرج والسلطة

من مرادفات المهرج: البهلول، الضحاك، المضحك... والمهرج هو من يضحك الناس بلسانه، حركاته، لباسه... والتهريج أيضا: "إتيان أفعال وأقوال غير متزنة بغية إضحاك الناس." اتخذ الشعراء التهريج حرفة ومهنة يرتزقون ويكتسبون منه في كل زمان ومكان، خصوصا في  العصرين الأموي والعباسي.

قالوا عن التهريج: "لا يغرنكم من علاَ صيتهم عن طريق التهريج، ولا من تخطّوا زملائهم عن طريق التزلّف، ولا من كسبوا المال عن طريق مدّ اليد، فكل هذه المظاهر الكاذبة لو وُزنت بحياة الضمير وعلوّ النفس، وطمأنينة الاستقامة لم تساوِ شيئا."

وقرَن الله تعالى بين الضحك والحياة، وبين البكاء والموت في الآية: "وأنه هو أضحك وأبكى، وأنه هو أمات وأحيا." يقول المسعودي: "لم تكن أمة من الأمم بعد فارس والروم أولع بالملاهي والطرب من العرب." وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يضاحك أصحابه ويداعبهم . عن ابن أبي الورد عن أبيه قال: "رآنـي الـنبي، فرآنـي رجـلا أحمر، فقال: " أنت أبو الورد ".  "وعن  أنس بن مالك قال: " قال لي رسول الله"يا ذا الأذنين." ليمازحه.

في الثقافة العربية، اعتبرت المضحكات (النكتةـ الملحة ـ الطريفة..) أو أدب الفكاهة لون أدبي متميز،  وألفت فيه كتب ومصنفات مثل:  "كتاب المضحك" للجاحظ،  وكتاب  الفكاهة والمزاح" للزبير بن بكار، وفي  "فهرست" ابن النديم  تسعة كتب مجهولة المؤلفين بعنوان: "النوادر". ومن العوامل التي ساهمت في ازدهار هذا اللون من الأدب التحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية والعقدية التي عرفتها  المجتمعات العربية والإسلامية. فازدهرت مجالس اللهو، والغناء، ودور الدعارة، وبيوت النخاسة، والجواري، وتفشت طاهرة الغلمان... وكان وراء ذلك انتشار الترف، ورغد العيش، والتنعّم بالحياة لدى الخلفاء، والأمراء والوزراء والأثرياء... الذين كانوا في حاجة للترفيه عن أنفسهم، فعجّت مجالسهم بالمهرجين والمضحكين. ويشترط في المهرج:  خفة الروح، وسعة الاطلاع، وحسن الحديث، والقدرة على الارتجال، والإضحاك... يقـول الجـاحظ عن الخليفة العباسي المهدي: "كان كـثير العطايـا، وافرهـا، قـلّ مـن حضـره إلا أغنـاه." وفيما يلي بعض الشعراء اللذين اشتهروا في التهريج والإضحاك:

1. أبو دلامة: شاعر كوفي أسود، وكان من موالي "بني أسد". اتخذه الوليد بن يزيد الأموي مهرجا ومضحكًا. وفي العصر العباسي أصبح مهرج السفاح والمنصور والمهدي. ورغم أنه نال حظوة لدى الخلفاء. وقيل عن أبي  دلامة وقف يوما بين يدي السفاح في  فقال له الخليفة: "سلني حاجتك؟. " فقال أبو دلامة: "أريد كلب صيد." فقال الخليفة: "أعطوه إياه." فقال أبو دلامة: "وأريد دابة أتصيّد عليها." فقال الخليفة: " أعطوه إياها." فقال أبو دلامة : "وغلاماً يقود الكلب ويصيد به." فقال الخليفة: " أعطوه غلاماً. " قال: " وجارية تُصلح الصيد وتطعمنا منه. " وأمر الخليفة له بجارية. وسواء أكانت الحكاية حقيقية أو من متخيلة فإنها تعطينا صورة عن الحضوة التي يتمتع بها الشاعر المهرج لدى السلطة.

وحدث مرة أن الخليفة علم أن أبا دُلامة خرج من عنده، وشرب وسكر، فأرسل الخليفةُ من اعتقله وهو سكران، وأمر السجّان بأن يضعه في حظيرة الدجاج في السجن، فلما أفاقَ وعرف بالخبر كتب للخليفة شعراً يقول:

أميرُ المؤمنين فَدَتك نفســـي  ***    ففيمَ حبستني وخرقتَ ساجي

أُقاد إلى السجونِ بغير ذنــــبٍ *** كأني بعضُ عُمّال الخـــــــراجِ

فلو معهم حُبِسْتُ لهان وجدي ***  ولكنى حُبستُ مع الدجــــــاجِ!

فضحك الخليفة وأطلق سراحه. بكل بساطة، يكفي أن يضحك الخليفة فيعفو عنك، أو يغضب فيقتلك. 

ومن طرائف الشاعر أيضا أن الخليفة المنصور أمر في إحدى غزواته أبا دلامة أن يخرج في الجيش، لكن أبا دلامة الذي عرف بالجبن اعتذر قائلا: " نشدتُك الله يا أمير المؤمنين أن لا تحضرني في معاركك، فإني شهدتُ تسعة عشر عسكرًا انهزمت كلها وأخاف أن يكون عسكرك العشرين." فضحك المنصور وأعفاه. وكان الخليفة مع بخله وتقتيره يضطر لإعطاء أبي دلامة جوائز مالية.

وقد يلجأ المهرج إلى سب وشتكم نفسه وعائلته بغية الإضحاك وكسب المال... قيل، دخل أبو دلامة  على المنصور وأخبره بأن زوجته قد ولدت له ابنة، فقال له الخليفة: "وما تريد." قال: "أريد أن يُعينني عليها أمير المؤمنين." وأنشده:

لو كان يقعدُ فوق الشمس من كرمٍ *** قوم لقيل اقعدوا يا آل عباس

فقال له الخليفة: "فهل قلتَ في ابنتك شيئاً؟."  وقال: "نعم." قلتُ:

فما ولدتكِ مريم أم عيسى ***  ولم يكْفُلْكِ لقمان الحَكيم

ولكن قد تضُمُّك أمُّ ســــوءٍ *** إلى لبَّاتها وأبٌ لئيـــــــم

فضحك الخليفة، فأخرج له أبو دلامة كيساً من قماش فأمر الخليفة بأن يملأها له دراهم، فاتسعت لألفي درهم ثمناً لشتم أبي دلامة نفسه ولمدحه الخليفة. لقد كان من المهرجين الكبـار الـذين نالوا حظوة لدى الخليفة المنصور وأساءوا لأنفسهم.

2. أشعب: (الأشعب هو التيس إذا انكسر قرنه) نشأ بالمدينة، وكفلته عائشة بنت عثمان بن عفان. اشتهر بالفكاهة والتطفل على الناس والتسول منهم.. كان أشعب أزرق العينين أحول وأقرع. اتخذه الوليد بن يزيد مهرجا، ومضحكًا. قالوا عنه:  بإنه "أول مهرج محترف وممثل هزلي في تاريخ العرب". ضُرب به المثل فقيل: "أطمع من أشعب"، وفي مثل آخر: "لا تكن أشعبَ فتتعبَ". ليضحك الخليفة الوليد بن يزيد ويرفه عن نفسه يدعو أشعب ليلبسه سراويل جلد قـرد لـه ذنـب، وأمره: "ارقـص وغـن صوتاً يعجبني، فإن فعلت أعطيتك ألف درهم." فـرقص وغنـى فأعجبـه، فأعطـاه  ألف درهم.

4. أبو العيناء:  نشأ بالبصرة، ثم ارتحل الى بغداد فاستقر فيها. وقد امتاز بنوع من الفكاهة  تعتمد  سرعة بديهته والردود السريعة الذكية المفحمة. كفّ بصره وهو في سن الأربعين، وكانت نوادره وملحه وإجاباته مثار الضحك والفكاهة والتناذر الظريف، وكان نديمًا للبرامكة وبقي وفيًّا لهم بعد نكبتهم. وقال الخليفة المتوكل "لولا أنه ضرير لنادمناه." فقال أبو العيناء: "إن أعفاني المتوكل من رؤية الأهلة وقراءة نقش الفصوص فأنا أصلح للمنادمة." حين وصل  أبو العيناء إلى بغداد ذاع، وأصبح مضحكا ومهرجا في مجالس الخلفاء والوزراء والأدباء ...  نعود لأبى العيناء وقد اشتاق للبصرة فخرج من بغداد وركب سفينة عصفت بها الريح فغرقت  بكل من كان عليها ، ونجا أبو العيناء وحده بصعوبة ، ولكنه مات بعد وصوله للبر.!! و مات في خلافه المعتضد.

ومن نواذره: " ذهب  أبو العيناء إلى الوزير صاعد بن مخلد، وكان نصرانيا فأسلم ، فاستأذن عليه فقيل له .. هو مشغول بالصلاة ، ثم أستأذن بعدها فقيل له : هو مشغول بالصلاة ، فقال أبو العيناء  لكل جديد لذة... ومنها أيضا: "مرّ أبو العيناء يوما بباب عبدا لله بن منصور وكان مريضا وقد أبلَ من مرضه فقال لغلامه : كيف خبر مولاك؟ فقال .. كما تحب.. فقال إذن كيف لا أسمع الصراخ عليه؟"

ما وصلنا من شعر وأخبار تتعلق بأبي العيناء تظهره شاعرا شعبيا مهرجا ومضحكا... يتلاعب باللغة والكلام دون أن يراعي قواعد اللغة والشعر لأن هذفه هو إضحاك المتلقين لشعره.

5. أبو العِبَر: ولد ر في عهد الخليفة هارون الرشيد، واشتهر في عهد الخليفة المتوكل، وقربه إليه رغم معارضة المقربين منه. وفاق في إضحاكه وتهريجه وتحاكقه أبا دلامة في تحامقه، فقد جعل من نفسه أضحوكةً في مجلس الخليفة العباسي المتوكل الذي يعمله باستخفاف واستهجان. يروى أن "المتوكل يذهب إلى البركة، ويأخذ معه أبو العبر، ويُجلسه الخليفة على الزلَّاجة، فيتزحلق بها إلى أن يقع في البركة، ثم يأمره المتوكل بتمثيل دور السمكة... ثم تُرمَى فوقه الشِّبك ليُصاد، وفي ذلك يقول:

ويأمر بي الملـــــــــك ****  فيطرحني في البرك

ويصطادني بالشبـــك ****  كأني من السمـــــك

ويضحك: كك كك ككك **** كك كك كك كك ككك

وقد لقي أبو العبر مقاومة شديدة من أهله وقبيلته، لأنه فضحها بتهريجه بين القبائل،وكانوا يرون في تحامقه عاراً ليس على قبيلته فحسب، وإنما على بني آدم جميعاً، فحبسوه حتى مات. 

6. أبو العجل: لم يكن التهريج مجانياً لمجرد الإضحاك فقط، بل كان مصدر جني للمال والمكاسب الكثيرة. وهم لا يخفون ذلك. بل يتباهون به، قال أبو العِجْل:

أيا عاذلي في الحمقِ دعني من العَذْلِ **** فإني رخيُّ البـالِ من كثرةِ الشُّغلِ

ومرني بمــا أحببتَ آتِ خلافَـــــــــــهُ **** فإنْ جئتَني بالجِــد جئتُكَ بالهزل

فأصبحتُ في الحمقى أميـراً مُؤمَّـــراً **** وما أحـدٌ في الناس يمكنه عزلي

وصيَّـرَ لي حمقي بغـالاً وغُلمــــــــةً **** وكنتُ زمانَ العقل ممتطياً رِجْلي!"

خاتمة

لقد تمتع الشعراء المهرجون أو المضحكون بالحظوة لدى الخلفاء، والعمال، والولاة، وأثرياء المجتمع، واستفادوا من عطاءاتهم، وكرمهم الزائد، وخلفوا بعد موتهم ثروات ضخمة.  وكتب التاريخ زاخرة بأسماء اشتهرت بالتهريج أمثال: الغاضري، مضحك يزيد بن الوليد. وعطاء، مضحك الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. وأبي الكامل، مضحك الوليد بن عبد الملك...

يتبع


الخميس، 28 مارس 2024

الثقافة السّمخية والكائن السمخي تأملات وخواطر عن الكتابة أولا: "الكتابة السمخية" 15. شعراء الصعلكة (حرب العصابات) ومواجهة السلطة الجزء الثاني: التمرد الأح

     الكائن السمخي هو الشخص  الذي علق في الرمال المتحركة للكتابة السّمخية قولا وفعلا، وصعب عليه الفكاك من شراكها، واستحال عليه إنقاذ نفسه وإنقاذ غيره من فخاخها.

تتجلى السلطة هنا بجميع انماطها من سلطة الحاكم او المجتمع او الفرد او سلطة الايدولوجيا أو العادات و التقاليد... 

   قالوا عن سرقة الأغنياء:

* «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن.»

* امرأة من بني مخزوم سرقت، فأمر النبي ﷺ بقطع يدها.

* "لا بد للرب من أن يبيح السرقة أحياناً، من أجل إطعام الأطفال". – غابرييل غارسيا ماركيز

الصُّعلوك :الفقير الذي لا مال له. ولا أحد يعتمد عليه. وكان يُطلق على عصابة من الشعراء العرب الذين تمردوا علي أعراف القبيلة، فطردوا منها وتبرأت قبائلهم منهم. فاتخذوا من الصعلكة مهنة وحرفة يقتاتون منها، فأغاروا وسلبوا ونهبوا أموال الأغنياء، وقوافل التجار، واعتبروا السرقة حق مشروع، وللفقراء فيها نصيب. والشعراء الصعاليك ثلاثة فئات:

الأولى: الخلعاء الذين طردتهم قبائلهم لأعمال مشينة صدرت عنهم.

الثانية: أبناء الإماء الحبشيات السود الذين رفض أباءهم الاعتراف بهم ولم يلحقوهم بأنسابهم.

الثالثة: فئة المحترفين الذين احترفوا الصعلة وحولوها إلى فروسية وبطولة.

ويمتاز الشاعر الصعلوك بالشجاعة والصبر، وقوة التحمل. كما ضربت بهم  الأمثال في سرعة العَدو،. فيقال:  "أعدى من السليك" و"أعدى من الشنفرى". يقال عن تأبط شرًّا أنه "كان أعدى ذي رِجلين وذي ساقين وذي عينينِ، وكان إذا جاع لم تقُم له قائمة، فكان ينظرُ إلى الظباء، فينتقي على نظره أسمنها، ثم يجري خلفه، فلا يفوته، حتى يأخذه فيذبحه بسيفه، ثم يشويه فيأكله". ويحسن الشاعر الصعلوك ركوب الخيل، والإغارة عليها. لم تكن نهاية حياة هؤلاء الشعراء طبيعية أبدا.

وتتردّد في أشعار الصعاليك صيحات الفقر والجوع والحرمان والنقمة على الأغنياء والبخلاء، اللذين يتهمهم الصعاليك بالتسبب في ما آلت إليهم أحوالهم من فقر وضنك عيش، وسيؤدّون الثمن غاليا. ، فكانوا يغيرون على القوافل وأحياء العرب فينهبون ويسلبون ويغنمون ما يرونه حقا لهم اغتصبه زعماء وأسياد القبائل. ومن الشعراء الصعاليك التي تتردد أسماؤهم في كتب التاريخ:

1. عروة بن الورد: لُقّب ب "عروة الصعاليك" و "أبي الفقراء" و "أبي المساكين".  عاش قبل الإسلام. ويعد من سادة وفرسان وشعراء العصر الجاهلي، ومن أكثر الصعاليك شهرة. اتسم بالكرم والجود. كان الصعاليك يلجؤون إليه عندما تضيق بهم سبل الحياة، ولا يجدون مخرجا، فينظمهم في عصابات، ويغير بهم، فيسلبوا وينهبوا ويعودون غانمين. وكان يختار ضحاياه من أغنياء القبائل المعرفون بالبخل.. وعرف عليه أنه يسرق الأغنياء ويعطي للفقراء.. وتوفي  عروة في إحدى غاراته. قال معاوية بن أبي سفيان: "لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوّج إليهم". قال عروة مدافعا ومعللا صعلكته عندما منعته زوجته من الإغارة:

دَعيني لِلغِنى أَسعى فَإِنّي ***** رَأَيتُ الناسَ شَرُّهُمُ الفَقيرُ

وعلى نفس مقاس عروة بن الورد، شُكّل روبن هود. وهي شخصية أسطورية إنجليزية ترجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي، ويقال: إنه كان يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء، لهذا أصبح بطلاً أسطورياً، موضوعا للروايات الشعبية والأشعار والمسرحيات والأفلام السينمائية. ومثلهما شخصية آل كابوني الأمريكي الذي يسرق الأغنياء ويعطي للفقراء.

2. تأبط شرا: البقاء للأقوى، هي مقولة صادقة في كل مكان وزمان، لأنها قانون الطبيعة، والأغنياء يحفظونه عن ظهر قلب، جربوها، وأخذوا العبر. الصعاليك يعرفون أيضا، أنهم إذا صبروا على الجوع سيتحولون إلى كلاب تبصبص بأذنابها لياكلوا فضلات الأغنياء. لهذا فضل تأبط شرا مغادرة القبيلة العيش في الفقر والتشرد على البقاء في بيت زوج أمه التي شجعت زوجها على قتل ابنها. تمرد الشاعر مبكرا، والتحق بعصابة الصعاليك، واعتبروه إضافة كمية ونوعية للجماعة. اشتهر بسرعته في العدو. تقول بعض المصادر: " كان إذا جاع لم يلبث في مكان حتى يأتي بطعامه فكان ينظر إلى الظباء فينتقي واحدًا ثم يجري خلفه فلا يفوته يتمكن منه فيأخذه ويذبحه ثم يشويه ويأكله." اختلف المؤرخون في سبب موته فبعضهم ذكر أن أفعى لدغته، والبعض الآخر يقول بأن قتل رميا بالسهام. عاش قبل ظهور الإسلام.

3. مالك بن الريب: ولد في زمن الخليفة عمر، ومات في حكم الخليفة معاوية. عاش وهو مؤمن بأن الحق لا يؤخذ إلا بالقوة، ولا سبيل لحياة كريمة ـ خصوصا عندما يكون الفقر شريكا لك ـ إلا السلب والنهب. وكغيره من الشعراء غير المحظوظين فقد كان شاهدا على حياة الفقر والفاقة والظلم... الذي يعيشه أبنا الأمة الإسلامية، بينما ينعم الأمويون بالثروات والبذخ والغنى والجاه... رفع راية العصيان وقرر التمرد والثورة، وشكل عصابة من ذؤبان العرب وقطاع الطرق . يقال أنه كان نبيلا وشجاعا وكريما. قيل في موته أنه أراد أن يلبس خفه فلسعته أفعى كانت بداخله.

           4. شظاظ الظبي: وكان من أعمدة عصابة الصعاليك. لا أحد يستطيع مجاراته في النهب والسلب حتى سار مثلا يضرب. يقول العرب: "ألصّ من شظاظ"، ومنهم أيضًا أبو حردبة بن أثالة، وغويث بن كعب، وقد وُجِّهت الكثير من الحملات للقضاء على تلك العصابة لكنها كانت دائمًا ما تبوء بالفشل.

          5. أبو خراش الهذلي: أشهر صعاليك قبيلة هذيل أدرك الإسلام فأسلم وهو شيخ كبير. كان من الفتاك الأقوياء، عرف بسرعة عدوه، وقيل إنه كان يسبق الخيل. من أشعار صعلكته:

وإني لأثوي الجوع حتى يملني **** فيذهب لم يدنس ثيابي ولاجرمي

مخافة أن أحيا برغم وذـــــــلة **** وللموت خير من حياة على رغم

قيل إنه قتله يوم حنين مأسورًا وجميل.

        6. أبو النشناش النهشلي: شاعر من لصوص العرب،. كان يغير ويسطو على قوافل التجار التي تسافر بين الحجاز والشام. وكمن له جنود عمال الخليفة مروان بن الحكم الأموي،  فتمكنوا منه، وقبضوا عليه في إحدى غاراته وفي إحدى غاراته على القوافل بين طريق الحجاز والشام فتم فحبس الخليفة، وقيده، إلا أنه تمكن من الفرار من حبسه. ومن شعره:

ولم أرَ مثلَ الفقرِ ضاجعَهُ الفتى **** ولا كسواد الليلِ أخفقَ طالبُهْ

         7. الشنفري: من "اليمن". حدث خلاف بينه وبين قبيلته فانتقل إلى قبيلة "فهم" المعروفة بكثرة لصوصها. . وانتقاما من قبيلته فإنه كان يغزوها، ويغير عليها وحده أو مع عصابة من الصعاليك. عاش حياة الصعلكة.  عرف بالسرعة في العدو. فكان يغير على أعدائه عدوا. يغزو على رجليه وحده أو في نفر قليلين من الصعاليك العدائين الفتاك ورجل اسمه المسيب وأسد بن جابر . وكذلك كان يضرب المثل به في الحذق والدهاء. ويصرب به المثل في سرعة العدو والقفز. وإليه تنسب قصيدة "لامية العرب". ترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية واليونانية.. فهي تعبير صادق عن حياة العربي وأخلاقه زمن الجاهلية، وتعبر عن فلسفة الشعراء الصعاليك، وتوثق لحياتهم... ويروى أن الخليفة عمر بن الخطاب أو النبي محمد  صلى الله عليه وسلم قال: "علموا أولادكم لامية العرب فإنها تعلم مكارم الأخلاق.".. وجاء فيها:

أقيموا بني أمي، صدورَ مَطِيكـــــــم ****  فإني، إلى قومٍ سِواكم لأميـــــــــلُ

فقد حمت الحاجاتُ، والليلُ مقمــــــرٌ **** وشُدت، لِطياتٍ، مطايا وأرحُـــــلُ

وفي الأرض مَنْأيً للكريم عن الأذى**** وفيها، لمن خاف القِلى، مُتعــــــزَّلُ

لَعَمْرُكَ ما بالأرض ضيقٌ على امرئٍ**** سَرَى راغباً أو راهباً، وهو يعقـــلُ

توفي نحو  525 م..

          8. الأُحَيمِر السَعدي:  شاعر من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، كاعتبر من ألصّ الصعاليك وأفتكهم. من سكان  أهل البادية. كان يقطع الكريق في العراق. فجد أمير البصرة سليمان بن علي في طلبه، لكن الشاعر غادر بغداد مما أغضب الوالي فأهدر دمه. وبلغ قبيلته الخبر فتبرأت منه حتى لا تحمل وزره. فلجأ إلى الفلوات والجبال يحتمي بها، ومنه يشن غاراته. روي عنه قوله: "صرت إلى مواضع لم يصل أحد إليها قطّ قبلي، وكنت أغشى الظباء وغيرها من بهائم الوحش فلا تنفر منّى، لأنّها لم تر غيرى قطّ. وكنت آخذ منها لطعامي ما شئت، إلا النعام، فإنّي لم أره قط إلا شاردا فزعا." كانت فلسفة الأحمير السعدي تقوم على أساس الدفاع عن حق المظلومين والمهمشين والمنسيين من أجل رفع الظلم عنهم ليعيشوا حياة كريمة وعادلة. يقول:

وإني لأستحي لنفسي أن أرى  ****  أمرّ بحبل ليس فيه بعير

              ومن أبيات شعره السائرة قوله:

عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذا عَوى **** وَصَـوَّتَ إِنـسـانٌ فَـكِـدتُ أَطـيـرُ

            لقد تشكل لدى شعراء الصعاليك ميل ثوري ضد الأغنياء. وتعاطف قوي وصادق اتجاه ومع الفقراء. فكان مضاء سيوفهم وحدة رماحهم وسرعة عددهم حلا لمعضلة الفقر. فعاملهم أصحاب السلطة والمال معاملة اللصوص، ونظر إلبهم الفقراء باعتبارهم أبطالا ومخلصين، أحبوهم، وخصوهم بحكايات وأخبار أقرب إلى الأساطير والخيال أما الصعاليك أنفسهم، فتركوا إرثا ثقافيا شعريا لا يموت، غني بمآثرهم، وإنجازاتهم وفلسفاتهم في المجتمع، وفي الحباة والموت. ومن الشعراء الذين لم نذكرهم: (لمن أراد الاستزادة)

           السليك بن السلكة - مرة بن خليف الفهمي - البراض بن قيس الكناني - الحارث بن ظالم المري - عبيد بن أيوب العنبري -  حاجز بن عوف الأزدي - الأطيلس الأعسر البقمي - أبو منازل السعدي - الخطيم بن نويرة العبشمي -  القتال الكلابي - فضالة بن شريك الأسدي - صخر الغي - الأعلم الهذلي  - أبو الطمحان القيني - طهمان بن عمرو الكلابي .

يتبع

 السلطة والشاعر المهرج

الخميس، 21 مارس 2024

الثقافة السّمخية والكائن السمخي تأملات وخواطر عن الكتابة أولا: "الكتابة السمخية" 15. شعراء الكدية (التسول) ومواجهة السلطة الجزء الأول: التمرد الأبيض

  الكائن السمخي هو الشخص  الذي علق في الرمال المتحركة للكتابة السّمخية قولا وفعلا، وصعب عليه الفكاك من شراكها، واستحال عليه إنقاذ نفسه وإنقاذ غيره من فخاخها.

تتجلى السلطة هنا بجميع انماطها من سلطة الحاكم او المجتمع او الفرد او سلطة الايدولوجيا أو العادات و التقاليد... 

في الوقت الذي كان فيه الفكر الحر يعاني أزمته ـ سبق وأن أشرنا إلى ذلك في  المقالات السابقة ـ ضدّ كل ألوان السلطة، واجه بقوة وشجاعة بالوسائل والإمكانيات المتاحة كالتضحية بالنفس، أو بإحراق الكتب، أو الاحتماء بالصمت، أو التراجع عن المبادئ... اختارت فئة من الأدباء  الاستسلام لإرادة السلطة وتبنت نهج النواح والعويل والبكاء والاستجداء. وهي الفئة التي خصصنا لها هذا الحديث.

 يظهر التمايز الاجتماعي في المجتمع الإسلامي زمن الكتابة السّمخية بشكل صارخ: فهناك جماعة الخلفاء والولاة والوزراء وكبار القادة، يتمتعون ويستمتعون بما لذّ وطاب من الطعام والمذام، والجواري الحسان، من فرس وروم وعجم، وأجمل وأثمن الأقمشة واللباس من الديباج والحرير، مطرزة بخيوط الذهب، وهم قلة. وفئة الفقراء التي تفتقد إلى أبسط المعاش، تتضور جوع، وبردا، وسقما.  مسحوقة نفسيا وجسديا،  بالكاد تدبر قوت يومها من مأكل ومشرب. هذه الفئة هي التي أنتجت لنا شعراء التسول، وظاهرة "أدب الكدية".ومن أشهر الكتابات التي تناولت هذه الظاهرة "مقامات" بديع الزمان الهمذاني (ت: 398 هـ)، وبطلها أبو الفتح الإسكندري، البطل المغامر والنموذج المثالي للشعراء المكدين الذين كانوا بتجولون في أنحاء الدولة الإسلامية  طلبا للكسب والغنى.   

1. قالوا عن الفقر

* إذا سافر الفقر إلى مكانٍ ما، قال الكفر خذني معك.  * "عجبت لمن لا يجد قوتا في بيته أن لا يخرج إلى الناس شاغرا سيفه." ( أبو ذر الغفاري )

                       * ربَّ علمٍ أضاعَ جوهرَه الفقرُ … وجهلٍ غَطىَّ عليه الثراءُ (حسان بن ثابت)

                            *  يمشي الفقيرُ وكلُّ شيءٍ ضِدَّهُ *** والناسُ تغلقُ دونهُ أبوابَهـــــا

                              وتراهُ مبغوضاً وليسَ بِمُذنبٍ *** ويرى العداوةَ لا يرى أسبابَها 

                              حتى الكلابَ إذا رأت ذا ثروةٍ *** خضعت لديهِ وحرَّكَتْ أذنابَهــا 

                        وإذا رأت يوماً فقيراً عاـــبراً *** نَبَحَتْ عليهِ وكَشَّرَتْ أنيابَهــــا (الإمام الشافعي)

*  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدْخل الْفقراء الجَنة قَبل الْأغنيَاء بخمسمِائة عَام ونِصف يَوم" أخرجه الترمذي في "جامعه".

* الفقر لا يصنع ثورة، وإنما وعي الفقر هو الذي يصنع الثورة... الطاغية مهمته أن يجعلك فقيرا، وشيخ الطاغية مهمته أن يجعل وعيك غائبا" (كارل ماركس). 

        2.  الشعراء الفقراء (شعراء الاستجداء "الكدية"): أطلقت عليه عدة ألقاب ونعوت وصفات: "شعراء القاع" ـ "شعراء الهامش" ـ "الشعراء المنبوذون" ـ "الشعراء المعوزون" ـ دخلوا الحياة، وخرجوا منها صفر اليدين. فشلوا في تحقيق حياة كريمة وشريفة تلقين بالإنسان الذي كرّمهُ الله، ووجدوا أنفسهم عاجزين بلا سند ولا مدَد،  مرغمين على مواجهة هذا المصير المؤلم بأساليب متنوعة ومختلفة باختلاف أمزجتهم ونفسياتهم، وإمكانياتهم وأحوالهم الاقتصادية، ووضعياتهم الاجتماعية... فحاولوا استدرار عطف الأغنياء بالإفصاح عن مكابداتهم ومعاناتهم موظفين  لغة بسيطة، صادقة مستقاة من الوسط الذين عاشوا فيها. هؤلاء الشعراء الفقراء، "المظلومين" المستباة حقوقهم ثلاثة أصناف:

 الصنف الأول:  اكتفى بالاحتجاج السلمي وتقبل المهانة، والرضا بما قسمه الله، وسعى في الأرض يستجدي ليكسب قوت يومه وعياله. ومارس ما سميتاه ب"التمرد الأبيض" 

الصنف الثاني: تمرد على سلطة القبيلة، والخليفة، والمجتمع، والدين... استهان بالمقدس والمدنس، واتخذ من السطو، والإغارة على الأغنياء حرفة يقتات منها، إنه الشاعر الصعلوك، وسمينا فعله ب "التمرد الأحمر". (خصصنا للشعراء الصعالليك  فصلا خاصا)

الصنف الثالث: حول نفسه إلى مهرج، وسفيه، ومنحط، تحامق، وتماجن، وأصبح أضحوكة ومسخرة للأغنياء، ينفذ ما يطلب منه، ليرفه عنهم، وسمينا ما يقوم به ب "الانبطاح المهين".    (خصصنا لشعراء التدجين فصلا خاصا) 

3. الشعراء الفقراء والتمرد الأبيض: يطلق عليهم في الكتب السمخية شعراء الكدية. الكدية لغة : صلابة في الأرض. واصطلاحا: التسول والإلحاح في طلب الحاجة. ومن بين شعراء الاستجداء الذين احتفظت ذاكرة التاريخ بأسمائم نذكر:

3/1. الشاعر أبو الشمقمق: (معنى الشمقمق: الطويل.) وصفه كاتب سمخي فقال: "كان قبيح المنظر، عظيم الأنف، واسع الشّدقين. أما أخلاقه، فقد كان فيها غلظة، مع خبث في لسانه، على أنه كثير الهزل والفكاهة، قليل الجدّ، إذا هزل كثر خطأه، وإذا جدّ كثر صوابه." وليقربنا الشاعر من نمط الحياة التي يحياها وصف لنا بيته قائلا:

                           فمنزلي الفضاء وسقف بيتي **** سماء الله أو قِطع السّحـــــاب

                           فأنت إذا أردتَ دخلتَ بيتــي**** عليّ مُسَلّما من غير بــــــــاب

                          لأني لم أجد مِصْراع بــــاب **** يكون من السّحاب إلى التراب

ويسترسل في وصف معاناة أطفاله، وزوجته من سوء الحال والأحول، مازجا  الوصف بالشكوى المريرة، مُلقيا جام غضبه على المجتمع، وأولي الأمر منهم،  خصوصا من يملكون ولا يجودون... ونجد في نصوص كثيرة  مثل هذا الوصف الساخر لعوزه  الذي ينمّ عن عجز الشاعر في مجاراة كبار شعراء عصره الذين نالوا عطايا الخلفاء، وعاشوا في بحبوحة العيش. قال ابن عبد ربه: "كان صعلوكا متبرما بالناس، وقد لزم بيته في أطمار (أثواب) مسحوقة." ومن أشعاره:

                             في مبيتٍ من الغضا قفـْـــــــــر **** ليس فيه إلا النوى والنخاله

                             عطلته الجدردان من قلة الخي **** ر وطار الذباب نحو زباله

 وكان بشار يعطيه كل سنة مائتي درهم، يسميها أبو الشمقمق جزية.

3/2. أبو فرعون الساسي: (أبو الفقر). شاعر عباسي، عاش  فقيرا معوزا، وعانى كثيرا لإعالة أسرته. فحفل شعره بالصور المعبرة عن حجم المعاناة التي يعانيها على أمل أن يجد كريما عزيزا يخفف عنه الوزر وينقذه من العوز. وصفه كاتب سمخي فقال: "أبو فرعون هذا  شيخ قصير، عظيم الهامة، كث اللحية، عاش في البصرة في العصر العباسي، و كان بدوياً، إعرابيا، سائلاً. " (السائل: الذي لا يصبر عن الاستجداء).  وعلى غرار أبو الشمقمق  يصف بيته  وحالة أبنائه، ملقبا نفسه ب "أبي الفقر":

                    * منزل أوطنه الفقر فلو ***** دخل له السارق سرقا.

                * وصبية مثل فراخ الـــــــذر***** سود الوجوه كسواد القدر

                  كنيت نفسي كنية في الشعر ***** أنا أبو الفقر وأم الفقــــــر

 3/3. الشاعر ابن المخففعاذر بن شاكر أبو المخفف، شاعر عباسي، عاش في خلافة المأمون.  وكان ظريفا فقيرا، امتهن التسول.  واعتاد الناس رؤيته راكبا  حمـارا وجاريته حمـارا، يدور ببغداد، ويأخذ ما يتيسـر من أصحاب المال والسلطـان والصناع والتجـار . كما يتنقل من بيت إلى بيت ومن حـانوت إلى حـانوت يستجدي...  يضع لائحة الرجال  ووظائفهم ويقصدهم كل شهر. وعندما يستجدي فهو لا يطلب الكثير  من الأغنياء الميسورين الذين يأكلون ما لذ وطاب من الطعام غير مبالين بحاجة الشعراء المعوزين، فقصارى أمنيته ومبتغاه ـ وهو يجوب أسواق بغداد ـ رغيف خبز يسد به رمق الجوع. يقول:

                                  دع عنك رسم الدّيار **** ودع صفات القفار
                                   وصف رغيفا سريا **** حكته شمس النهار.

3/4. الأحنف العبكري: احترف الكدية دفعا للفقر والحرمان. فالتفاوت الهائل في المستوى المعيشي بين من يملكون أطنانا من الذهب ومن لا يملك خبزا ليشبع جوعه  قاد الأحنف العكبري إلى السخط، والتشهير بعصره وبأهل عصره، بل قاده إلى العبث والمجون والبذاءة في كثير من شعره لأنه كان يرى نفسه غريباً شاذا:

مشردون حيارى في معايئهم****ليس الفقير من الدنيا بمنتصف

عاش العبكري فقيرا معدوما ومغتربا وذليلا، ووحيدا في بيت وسط مقبرة.

عشت في ذلة وقلة مال **** واغتراب في معشر أنذال

قال عنه الثعالبي: "شاعر المكديين وظريفهم."

3/5.  ابن مرج الكحل: . عبد الله محمد بن إدريس  يعرف بـ "مَرجْ الكُحْل". ولد في قرية "مرج الكحل" على مقربة من بلدة جزيرة شقُر قرب بلنسية، ونشأ بها يعمل ببيع السمك في الأسواق، وأحيانا يشتغل في الفلاحة. وقيل كان أُميًّا. وكذلك كان يتزيّا بزي أهل البادية.   قالابن عبد الملك المراكشي : "كان مُبتذل اللباس على هيئة أهل البادية". وعن تعلمه قال "أنه كان أميًّا"، وذهب ابن سعيد إلى أنه قد "تَرقَّت به همّتُهُ إلى الأدب قليلًا قليلًا إلى أن قال الشعرَ، ثم ارتفعت فيه طبقته ومدح الملوك والأعيان."

                                         مثَلُ الرّزق الَّذي تطلبُه **** مثَلُ الظّلّ الَّذي يمشي مَعَكْ

                                         أنت لا تُدركه متّبعــــــاً **** وإذا ولّيتَ عنهُ تَبِعَــــــــــكْ

على الرغم من جمال شعره، فالناس لم يتموا به، ذلك لأن صاحبه ينتمي للطبقة الفقيرة. (ت: 634 هـ)

  بارت تجارة الشعر، وأصبحت بضاعة مزجاة ولم يتمكن شعراء الكدبة من امتلاك الثروة التي يتطلعون إليها، قي حين يتمتع بها قلة من الشعراء المحظوظين المقربين من السلطة. وقد عبر الشعراء عن هذه الوضعية بشتى أنواع العبارات والصور والقوالب الفنية. فكان الهجاء، والسخرية، والفاكهة أسلحة دافعوا بها عن أنفسهم ضد لامبالاة الأغنياء، والمجتمع.

3/6. عبد الله ابن أبي الشيص: من الشعراء المعوزين الذين عانوا في حياتهم، في شعره الكثير من الشكوى والألم والإحساس بالظلم. يقول معرضا بالزمن الذي لايمتع بالغنى إلا الأنذال من الناس، بينما يعاقب الأحرار، ويذلهم:

أظن الدهر قد آل وأبرّا **** بأن لا يكسب الأموال حراّ

فكلما التفت ذات اليمين، وذات اليسار، لاحظ أن الأنذال والسفهاء، هم الذين يتمتعون بخيرات البلاد، ويمنعونها عن العباد. قال عنه ابن المعتز في طبقاته: "كانت به لوثة، فقد ألقى بنفسه في يوم شديد البرد، فأخرج منه حياّ، لكن سرعان ما مات"

      3/7. الوأواء الدمشقي: أبو الفرج محمد بن أحمد العناني الغساني الدمشقي. لقب ب "الوأواء"، ترجم له ابن عساكر في جملة الدمشقيين، وقال الذهبي فيه: " هو من حسنات الشام، ليس للشاميين في وقته مثله."  ولقب "الوأواء" علق به لأنه كان منادياً في دار البطيخ بدمشق ينادي على الفواك " وذكر القفطي  في "طبقات الشعراء": أن "الوأواء" كان في أول أمره أحد العامة، وكان جابياً في فندق، يتولى بيع الفاكهة، ويجتني أثمانها، ولم يكن من أهل الأدب، ولا ممن يعرف يقول الشعر.وقال الباخرزي في "دمية القصر": "وأما أبو الفرج فقد كان يسعى بالفواكه رائحاً وغادياً، ويتغنى عليها منادياً." وهو القائل:

هـم يحسدوني على موتي فوا آسفي **** حتى على المـوت لا أخلـو من الحسد

3/8. ابن سكرة: محمد بن عبد الله. شيعي المذهب. له ديوان بلغ نحو خمسين ألف بيت أكثر من خمسها في قينة سوداء. قال عنه الثعاليبي: "شاعر متسع الباع، أحد الفحول الأفراد، جار في ميدان المجون والسخف ما أراد..." يقول الشاعر عن تكدّيه  في قصيدة يقرن فيها الكدية بالشرف ليسوّغ تسوّله: 

رسالة من مكد وشاعر شريف*** إلى فتى مستبد بكل فعل طريف

وفي كثير من القصائد يصف تجربته المريرة مع الفقر. وبدل أن يلقي اللوم على نفسه،  يتهم المجتمع بأنه السبب في ضنك عيشه وعوزه، وسوء حاله. فقد استشرى البخل والشحّ بين الأغنياء، ومنعوا الماعون، وغُلوا أياديهم بأعناقهم.. فعندما يدخل بيوت الناس يتبرمون به، ولا يقدمون له طعاما أو شرابا وكأنما عودوا خبزهم بآيات الكرسي حتى يخفوه عن ابصاره:

                       ضرسي طَحون وعلى خبزكم *****  من آكل مثلي آية الكرسي.

هي صورة مقرّبة لشعراء لم ينالوا بالشعر أو الأدب عموما عيشا كريما، بل عانوا ضَنك العيش، وفتح الشعر لهم مخرجا للتنفيس عن كُربهم،  ومداواة أوجاعهم النفسية والجسدية، واستساغة مرارة الحرمان، فحمّلوه ما يتلَجلج في صدورهم من حقد وكراهية ضد من يملكون ما يفيض عن حاجاتهم، ولا يبالون بالجياع، ومن ضاقت بهم الدنيا بما رحبت. بل يوزعون الأموال بدون حساب على من يواليهم ويحابيهم ويتمرغ تحت أرجلهم، إن كان غنيا يزداد غنى. إن كان فقيرا، أغنوه. أما الخلفاء والأمراء والموالون، فينهبون الأموال بلا حسيب أو رقيب. ورفعوا في وجه المطالبين بالعدالة والانصاف  شعار معاوية: " إنما المال مالنا والفيء فيئنا، فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعنا."

وقد يتعلل الأغنياء دفاعا عن ثرواتهم ضد حقد وغضب وثورة الفقراء الذين لا يملكون قطميرا (قشرة رقيقة بين الثمرة والنواة) بأن الله " فضل بعض الناس عن بعض في الأرزاق" فبسط الرزق لمن يشاء، وضيق على من يشاء بحسب إرادته. وقد يرد الشعراء الفقراء المتمردين  بأن العدالة الإلهية حاصلة في السماء، أما في الأرض فالعدالة تطبّق حسب مشيئة الأقوياء، والمستبدّين، والظالمين.  فعندما تسيطر عصابة مدجّجة بالسلاح على أموال الناس، وأملاكهم، تقتل، وتغتصب، وتسْبي وتغتني، فلا يحق لها أن تدافع عن جرائمها وتتدّعي بأن الرجال، والأطفال، والنساء، والأموال والأملاك التي انتزعوها عُنوة، واستولوا عليها ظلما هي أرزاق من الله. 

وهذ يناقض ما روي عن الرسول (ص) عندما قال:  "أيما رجل مات جوعا بين قوم أغنياء، فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله." وفي موضع آخر: " أيما رجل مات ضياعا بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله." 

على سبيل خاتمة

 استعرضنا مجموعة من الشعراء عاشوا حياة الفقر والعوز الشديد، ومثّلوا ما يسمى ب "أدب الكدية" أو"أدب  القاع" أو "أدب الهامش" أحسن تمثيل، وسعوا بكل الطرق الممكنة لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية...  فشلوا في المهمة، فوجدوا في  التمرد الأبيض (السخط ـ الشكوى ـ الهجاء...) سلاحا لمناهضة الظلم، ومقارعة الظالمين، ولم يأبهوا للسلطة بكل ألوانها، وأشكالها، وأوجهها، فهم لا يملكون ما يخسرونه. وفي المقابل، لم تأبه السلطة لتجاوزاتهم عن القيم الاجتماعية، والثوابت العقدية، والمحددات السياسية، وغضت الطرف عن أفعالهم، وأقوالهم،  لعلمها بأن شعراء الاستجداء عاجزون على إحداث التغيير الذي ينشدونه، ولن يجدوا من يشايعهم، وإن وجدوا من يتعاطف معهم في مدّهم بلقمة طعام... ويبقى الفقر من بين أبشع أشكال العنف التي يستعملها المستبد للحفاظ والحجرعلى السلطة.

للقد لعب الفقر دورا كبيرا في حياة "شعراء الهامش"، وفي تشكيل رؤيتهم للحياة والمجتمع. وكان الدافع لاختيارهم لغة بديئة ومنحطة. ومعاني سوقية ومبتدلة، هذا هو الأسلوب الأمثل الذي نهجوه للاحتجاج على السلطة والتمرد على أعرافها وقوانينها وضوابطها التي جعلت منهم شعراء "منبوذين" و"شكّائين". (كثيري الشكوى)  

...........................................................

إضاءة النص: * صغار الذر: صغار النمل.

يتبع

الجزء الثاني:  14. شعراء الصعلكة في مواجهة السلطة 

ميمي نت

TV. web360

حالة الطقس في مراكش