كان بنتام زعيما لمجموعة أطلق عليها اسم "الرادكاليون الفلسفيون"، كان أفرادها يبدون اهتماما كبيرا بالإصلاح الاجتماعي والتعليم، وكاوا معارضين بوجه عام لسلطة الكنيسة والامتيازات التي تحتكرها الطبقة الحاكمة في المجتمع. أما بنتام نفسه فكان ذا مزاج انطوائي هادئ. كان يتفق مع زملائه في إبداء ثقة مطلقة بالقدرة غير المحدودة للتعليم على مداواة عيوب المجتمع. وقد أخذ بنتام على عاتقه مهمة إتاحة فرص التعليم الجامعي لمن لم تتوفر فيهم الشروط الصارمة التي كانت تفرضها المؤسسات القائمة. وكان واحدا من أفراد المجموعة التي ساعدت على إنشاء الكلية الجامعية في لندن العام 1825. وفي هذه الكلية لم تكن تفرض على الطلاب أي اختبارات دينية، ولم يكن في الكلية أي مكان للعبادة، وعندما مات اشترط بنتام أن يبقى في الكلية هيكله العظمي، بعد أن يكسى بغطاء الشمع ويرتدي الملابس المناسبة، ومازال تمثاله الجالس هذا معروضا ليكون فيه ذكرى دائمة لأحد مؤسسي هذه الكلية. وتقوم فلسفة بنتام على فكرتين رئيسيتين: مبدأ التداعي الحر. والمبدأ الثاني هي القاعدة النفعية التي تدعو إلى أكبر قدر من السعادة. وترتبط هذه القاعدة بعلم النفس من حيث أن ما يسعى الناس إلى بلوغه هو تحصيل أكبر قدر من السعادة لأنفسهم. وكلمة السعادة مساوية في معناها هنا لكلمة اللذة. فمهمة القانون هي التأكيد من أن أي شخص ، في سعيه إلى سعادته (لذته) القصوى، لن يمس حق الاخرين في السعي إلى الهدف نفسه. وعلى هذا النحو يتحقق اكبر قدر من السعادة (اللذة) لأكبر عدد من الناس. فالقانون جهاز يضمن سعي كل فرد إلى تحقيق أهدافه من دون أن يلحق ضررا بأقرانه. وهكذا فإن وظيفة العقوبة ليست الانتقام، بل منع الجريمة.
هناك نتيجتين مهمتين تترتبان على الأخلاق النفعية. الأولى هي أن من الواضح أن لدى الناس جميعا، في نواح معينة، ميولا بالقدر نفسه من القوة إلى السعادة. وعلى ذلك فلا بد أن يتمتعوا بحقوق وفرص متساوية. هذا الرأي في وقته كان جديدا، وكان من البنود الأساسية في البرنامج الإصلاحي لمجموعة الراديكاليين. أما النتيجة الثانية فهي أن أكبر قدر من السعادة لا يمكن بلوغه إلا إذا ظلت الأوضاع ثابتة. وهكذا فإن الاعتبارين اللذين تكون لهما الأولوية بالنسبة إلى غيرهما هما المساواة والأمن. أما الحرية فقد رآها بنتام أقل أهمية، ذلك أن الحرية، شأنها شأن حقوق الإنسان، قد بدت له ميتافيزيقية ورومانتيكية على نحو ما. وهو يستبق كثيرا من الأفكار التي سيقول بها ماركس فيما بعد. فهو يرى أن أخلاق التضحية السائدة إنما هو خدعة متعمدة فرضتها الطبقة الحاكمة دفاعا عن مصالحها، فهي تتوقع التضحيات من الآخرين. ولكنها لا تقوم بنفسها بأي تضحية. وفي مقابل هذا كله وضع بنتام مبدآه النفعي.
......................................................................................................................
* حكمة الغرب. برتراند راسل. عالم المعرفة. 365/يوليو 2009. ص/183-186. (بتصرف).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.