فتح المسلمون شبه جزيرة إبيريا وأطلقوا عليها اسم الأندلس. أصبحت تابعة للخلافة العباسية قبل أن تستقل عنها وتكون إمارة قرطبة وحكمها الخليفة الأموي عبد الرحمان الأول الملقب بالداخل (752-788م)، ثم تلاشت الإمارة فقامت على أنقاضها دويلات ملوك الطوائف ابتداء من سنة (1031م) ثم خضعت لدولة المرابطين ثم الموحدين، وبعد معركة العقاب سنة (1212م) انحصر سلطان المسلمين في مملكة غرناطة (1232-1492).
واكبت الموسيقى كل التحولات الثقافية والحضارية التي عاشتها هذه البلاد في ظل الدولة الإسلامية. وتعزى هذه الطفرة الفنية إلى عوامل منها:
- هجرة المغنين من المشرق أمثال علون وزرقون وزرياب ومجموعة كبيرة من المغنيات، وابتكرت النوبة والموشحات والأزجال.
- انتشار المؤلفات الشرقية كرسائل الكندي، وكتاب الموسيقى الكبير للفارابي، والكافي في الموسيقى للحسن بم زيلة..
- انتشار ظاهرة تعليم الجواري وتثقيفهن وبيعهن بأثمنة خيالية، وكان لهذه الظاهرة الأثر الكبير في ازدهار مجالس الغناء، وأصبحت الحفلات تقام بقصور الخلفاء الأندلسيين.
زرياب ومدرسته الموسيقية
أبو الحسن ابن نافع الملقب بزرياب تشبيها له بطائر حسن الصوت يحمل هذا الاسم، وتعني هذه الكلمة بالفارسية ماء الذهب. نشأ ببغداد وتتلمذ على يد الموصلي، لكنه اضطر بدافع المنافسة لأستاذه وتحت ضغطه أن يغادر بغداد في اتجاه القيروان ثم الأندلس. ويعتبر زرياب معلمة بارزة في تاريخ الموسيقى العربية. أنشأ في قرطبة معهدا موسيقيا يعتمد منهاجا يضمن ثلاث مراحل وهي: ضبط الإيقاع والعروض وكلمات الصوت. وزاد كذلك في أوتار العود وترا خامسا أحمر اللون وضعة بين الوتر الأول والثاني، واخترع مضربا من قوادم النسر عوض القطعة الخشبية.منشور
الحركة التجديدية في الموسيقى العربية الشرقية
بعد فترة ركود طويلة انتعشت الموسيقى العربية الشرقية مع بداية القرن التاسع عشر وطورت أسلوب أدائها وتحررت بالتدريج من تقاليد وطابع الغناء الأندلسي والتركي. تمتد مرحلة الانتعاش والتأسيس هذه من بداية القرن التاسع عشر إلى غاية 1927، وهي السنة التي ابتدأ فيها محمد عبد الوهاب سلسلة التجديدات التي أدخلها على التخت والغناء العربيين. ومن أهم رموز مرحلة التأسيس الشيخ محمد عبد الرحيم وعبده الحامولي ومحمد عثمان سلامة حجازي وسيد درويش..وتميزت هذه الفترة بما يلي:
- سلطنة الموشح والدور والموال والقصيدة.
- ظهور المسرح الغنائي على يد سلامة حجازي.
- الاعتماد بالأساس على الغناء مع مصاحبة آلية جد مختصرة.
- غياب الموسيقى الآلية العربية وسيادة المعزوفات التركية المتمثلة في السماعيات والبشارف واللونغات.
- ظهور أعلام في تلاوة القرآن وإنشاد الأمداح النبوية أمثال خليل محروم وإبراهيم المغربي...
في سنة 1927 قدم محمد عبد الوهاب منولوج "في الليل لما خلي" فاعتبره الباحثون بمثابة اللبنة الأولى في تغيير مسار الأغنية العربية الشرقية إن على مستوى الشكل والمضمون أو على مستوى التصوير اللحني للمعاني وإدخال آلات موسيقية جديدة ضمن التخت الموسيقي العربي. أسهم بعد ذلك في ترسيخ هذا التوجه إضافة إلى محمد عبد الوهاب كل من محمد القصبجي ورياض السنباطي في بعض أعمالها، وفريد الأطرش وجيل من الموسيقيين انضموا إلى الأسرة الفنية بعد سنة 1950. نذكر منهم محمد الموجي وبليغ حمدي، والأخوين رحباني وآخرين..وتميزت هذه المرحلة:
- تطور الطقطوقة بشكل ملفت وخاصة الراقصة مع فريد الأطرش.
- ظهور وتطور المونولوج والديالوج والسكيتش الغنائي.
- ظهور أول أوبرت عربي "مجنون ليلى" لمحمد عبد الوهاب.
- إدخال آلات موسيقية جديدة مثل الفيولونصيل والكونطرباص والأكورديون والقيثارة والبيانو..
- إدخال تقنية نقر أوتاد الكمان بأصابع اليد.
- توظيف الإيقاعات الغربية مثل التانجو والبولير والرومبا..
- اقتباس جمل موسيقية كاملة من الموسيقى الغربية.
- ظهور معزوفات وسماعيات وبشارف ولونغات لملحنين عرب.
- عرض أول فيلم غنائي سنة 1933 لمحمد عبد الوهاب "الوردة البيضاء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.