الميراث الديني لمصر القديمة*
-01-
" أنا أعتقد أن واجب كل مثقف رجلا كان أو امرأة، أن يقرأ كتب العالم المقدسة بود وتعاطف. وإذا نحن احترمنا أديان الآخرين كما نريد منهم أن يحترموا ديننا، فإن دراسة ودودة لديانات العالم واجب مقدس".
الماهتما غاندي
تقديم:
إن ثقافة مصر القديمة وحضارتها من أعظم ما للعالم من تراث. فمن بدايتها المتواضعة في وادي النيل نشأت وترعرعت تلك الحضارة وظلت مزدهرة على مدى نحو 3200 سنة. وى تتوقف الآثار العظيمة التي ما تزال ماثلة في مصر، كالأهرام وأبي الهول، بل كان المصريون شعبا استثنائيا شديد الاهتمام بالحياة بعد الموت الشعب المصري موهوبا بالقدرة على الإبداع في الابتكار والخيال.
البداية:
تزامن ظهور الدين في مصر مع قيام المملكة المصرية الموحدة عام 3000 ق.م. لكن لم تكن في ذلك الزمن في مصر كلمة لشيء اسمه "الدين"، لأن الدين كان يتخلل كل جوانب الحياة ومجالاتها. وقد اتحدت دول المدن المصرية لتكوّن دولة واحدة تخضع لحكم الفراعنة أو الملوك المتعاقبين، ولم يطرأ أي تحول أو تغيير جوهري على النظام الاجتماعي لمصر إلا في أوائل تاريخ ما بعد الميلاد عندما اعتنقت مصر الدين المسيحي.
أساطير الزمن الأول:
تلّة البدء الأولى والأفعى:
تقول الأسطورة المصرية إن الماء كان في البدء يغمر العالم كله. وكان هذا الغمر المائي الذي لانهاية له ذا لون داكن مظلم خاليا من أي حياة. ومن ذلك الماء ظهر النظام والحياة وانبثق النور متخذين عادة هيئة مرتفع أو تلّة بدائية. ويرى بعض العلماء أن ظهور الحياة من المياه الأولية يمثل ظهور الوعي وانبثاقه من اللاوعي.
وتقول بعض الأساطير المصرية القديمة بأن الشكل الذي ظهر كان بيضة أو زهرة لوتس أو أفعى لا تلّة. ويُعتقد أن الإله الذي خلق العالم قد ظهر فوق التلة، أو كان هو نفسه التلة.
ورغم أن المصرين استخدموا رموزا أسطورية متنوعة ومختلفة فإن المغزى الأساسي الكامن في الأساطير غالبا ما يبقى واحدا، فالوجود فيها بدأ بظهور النور من الظلام، والنظام من فوضى الهيولي، وكلها ظهرت مترافقة بتدبير من عقل إلهي أو بأمر منه.
لاهوت ممفيس:
تمتة تفسير آخر لأصل نشأة الوجود نجده في واحدة من أقدم نظريات نشأة الكون المصرية، والواقع أنها أقدم النظريات المعروفة في تاريخ الإنسانية، وهي نظرة ممفيس اللاهوتية. لأنها نشأت في مدينة ممفيس القديمة. وفي لاهوت ممفيس أن الإله "بْتاحْ" الذي يعرف أيضا بأنه "رب الصدق" وكذلك رب الحرفيين والفنانين، هو خالق كل الوجود ومصدر كل الفرائض الأخلاقية في العالم. وكان الاعتقاد السائد هو أن "بتاح" خلق الكون بفكره الذي تكوّن في قلبه، ثم تجسّد من خلال لسانه أو كلمته. وقد شملت تلك العملية خلق الآلهة الصغار الذين انتشروا باثين أنفسهم في العالم العضوي الدنيوي. واعتبر "بتاح" أيضا أول ملك لمصر. وظل التفسير القائل بأن الخلق نبع من فكرة (أو كلمة) إله واحد، هو "بتاح" قائما طيلة ألفي سنة قبل أن تظهر أفكار مماثلة في النصوص اليونانية والعبرية.
النظرية الهليوبولية في نشوء الكون:
من أغلب النظريات التي سادت عن نشوء الكون تلك التي نشأت في هيليوبوليس (مدينة الشمس)ن ثم انتشرت في باقي أرجاء مصر. وتشمل النظرية الهليوبولية لنشوء الكون مجموعة من تسعة آلهة هم: أتوم وشو وتفنوت وسِب ونوت وأوزيريس وإيزيس وسِت ونفتيس. وتعتبر نظرية النشوء الإله أتوم (الكامل) أنه الرب الخُنثي (المالك صفات الذكورة والأنوثة) الخالق. وقد سويّ أتوم بالتلة التي ارتفعت من ماء البدء. وكذلك ارتبط اسم أتوم بالإله رع إله الشمس حيث يشار إليه في كثير من الأحيان بأنه رع ـ أتوم. وتقول نظرية هليوبوليس في النشوء بأن أتوم خلق من ذاته كل الأرباب الأخرى..(يتبع).
.......................................................................................................................
* تراثنا الروحي. مايكل درافيس وجيمس مادييو ومايكل روسو. ص 103/107. (بتصرف).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.