التراث الروحي الطاوي
مفاهيم ومبادئ التراث الروحي الطاوي
-02-
ازدواجية ين ـ يانغ (السلب والإيجاب)
هناك مبدأ واحد بالذات يمثل محورا مركزيا في مجمل الديانة والفلسفة
الصينيتين وهو ازدواجية "ين ـ يانغ".يعود هذا المبدأ في أصله إلى
الديانة الصينية القديمة قبل أن تأتي الطاوية وتتبناه. ويرمز تعبيرا
"ين" و "يانغ" إلى الظلام والنور على التوالي. ورمزهما
الكتابي باللغة الصينية هو "الغائم المعتم" و "الرايات الملوحة في
الشمس".
كان "ين" و "يانغ" بحد ذاتهما قوتين من قوى الديانتين
الصينيتين الأصليتين في حياة الناس ساعدتا في الحفاظ على التوازن. فقد زودتهم
الطاوية بالعنصر الخلاّق الفني الجمالي والغيبي بينما كانت الكونفوشية العامل الذي
يحكم نظامهم الاجتماعي وأخلاقهم وطقوسهم.
يتميز مبدأ ازدواجية "ين" و "يانغ" بأهمية خاصة من
منطلق أن الفلسفة الصينية ترى أن كل شيء أو حالة أو وضع يتألف من عنصرين متناقضين
متبادلي التعارض أو التقابل. ومع ذلك فإنهما نتيجة هذا التعارض بالذات يصبحان
منسجمين متوافقين في كلّ متكامل، وتتحد خصائص كلّ منهما من خلال تفاعلهما مع الآخر
وتتآلف متحدة في "شيء" مستقر نسبيا – شيء ما أو حالة أو وضع أو عهد
تاريخي متحد في ذاته ومختلف عن الأشياء والأوضاع والحالات أو العهود التاريخية
الأخرى.
"طاو" و "تي": الطريق وقوته
طاو، كما تقدم بحثه، هو المبدأ والمنشأ السامي الذي يتجاوز كل ازدواجية
ثنائية، وهو في الوقت نفسه المبدأ الأصل الماثل الذي ينظّم التفاعل بين
"ين" و "يانغ". وهذا يؤدي إلى مبدأ قديم آخر تبنّته الديانة
الطاوية وهو "تي" (القوة). ويتألف رمز هذا التعبير من ثلاثة أجزاء
"المضي إلى الأمام" و "المستقيم" و "القلب". ويمثل
القوة الفطرية المتولدة طبيعيا التي يكتسبها المرء من الطريق. وهذه القوة ليست
للسيطرة أو قهر الضد وهزيمته، بل هي قوة التوافق والانسجام مع الطريق التي تتجاوز
بتوافقها التعرض وتتخطاه كليا.
تعتمد الكتابات الطاوية في كثير من الأحيان إلى استخدام التشبيهات الرمزية
لتدفق الماء. فلكي يدرك المرء
"تي" عليه أن "يتدفق" كالماء متكيفا مع الأحوال دون أي
مقاومة، ويستقر مسالما في أخفض الأمكنة وأكثرها خفية وتواضعا، إذ يصير المرء
بسلوكه هذا الطريق متحدا بسلام مع الطبيعة ويجتذب الآخرين على الفور إلى الانسجام
مع الطريق. يقول "لاو تزو" في الفصل 66:
كيف تفرض الأنهار الكبرى والبحور مُلكها
على مئات الجداول الصغرى؟
بكونها أخفض منها،
هكذا حققت سلطانها.
وهكذا الحكيم،
كي يسمو على الناس ويكونون فوقهم،
يجب أن يخاطب الناس وكأنه أخفض وأدنى منهم.
هكذا فقط يعلو الحكيم على الناس
دون أن ينسحق الناس بوزنه،
هكذا فقط يستطيع ان يوجههم
دون أن يقود الناس إلى الضرر.
حقا، بهذه الطريقة، كل شيء تحت السماء يكون مسرورا
بأن يحضّه ولا يجد إرشاده مزعجا. وهو يفعل هذا بدون كفاح،
وبما أنه لا يكافح، فلن يباريه أحد.
...........................................................................................................................
* تراثنا
الروحي. مايكل درافيس وجيمس مادييو ومايكل روسو. ص/ 320-324 (بتصرف..) يتبع..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.