التراث الروحي الطاوي
-01-
تعاليم "لاو تزو"
أبصروا، كل الأشياء مهما طال
ازدهارها
تعوذ إلى الجذور التي نبتت منها.
هذه العودة إلى الأساس اسمها
السكينة،
والسكينة اسمها الاستسلام للقدر،
وما يستسلم للقدر يصبح جزء من كذا
الحال على الدوام،
ومعرفة الكذا على الدوام معناها
الاستنارة،
وعدم المعرفة معناه السير الأعمى
إلى الكارثة.
لاو تزو، في طاو تي تشينغ، الفصل
16.
تقديم
يسود الاعتقاد أن "لاو تزو"
ولد في نحو عام 604 ق.م . ورغم ما يظلل شخصية "لاو تزو" من شكوك، كانت
للتعاليم المنسوبة إليه تأثير على الحياة الفلسفية والثقافية للصين عل مدى آلاف
السنين. وحافظ على تأثير النفوذ الطاوي عدد من الحكماء الذين حملوا رسالته ونشروا
الفلسفة التي صاغها "لاو تزو".
والجدير بالإشارة أن تعاليم
"لاو تزو" تطورت على مر الزمن وتشعبت إلى مساقين هما الديانة الطاوية
والنهج الفلسفي الطاوي.
ظهرت الديانة الطاوية في الصين في
نحو القرن الثاني قبل الميلاد. ومن بين الأهداف الرئيسية لمعتنقي الطاوية التحرر
من الموت.
تطور الفلسفة الطاوية
بغض النظر عن الشكوك المحيطة بحياة
"لاو تز" فإن تاريخ الصين، خلال القرون السابقة للتاريخ الميلادي، ابتلي
بالحروب والصراعات بين الدول الصينية. ولذا فإن من الأرجح جدا ان طاو تي تشينغ
كُتب في زمن تفشى فيه الاضطراب الاجتماعي والسياسي. وكان موقف "لاو تزو"
من تلك الأحوال أن "الطبيعة" وحدها هي القادرة على استعادة النظام
والحكم الصالح على المدى الطويل. فقد كتب "لاو تزو" في الفصل 29 من
كتابه قائلا:
هل تحسبون أنكم قادرون على أن
تأخذوا بالعالم وتحسّنوه؟
أنا لا أعتقد أن ذلك ممكن.
العالم مقدس.
لا تستطيعون تحسينه.
إذا حاولتم تحسينه، تجلبون إليه
الخراب.
وإذا حاولتم امتلاكه، فإنكم
ستفقدونه.
يوحي "لاو تزو" في ما
تقدم هنا بأن النظام الدائم يهيمن من خلال أتباع ّطريق الطبيعة" لا بصياغة
القواعد المتشددة للتفاعل الاجتماعي ثم فرضها على عقول المواطنين وتصرفاتهم. وينأى
هذا النهج بالطاوية ويبعدها عن تراث روحاني متمم هو الكونفوشية.
الطـــاو
المعنى الحرفي لكلمة
"طاو" (أو داو) هو الدرب أو السبيل أو الطريق. وقد تدل أيضا على أسلوب
يؤذي به الفعل أو العمل كالفن والأدب والمبدأ والعقيدة. وهي رمز في اللغة الصينية
يتالف من حرفين، أحدهما يعني "التقدم إلى الأمام" والآخر يعني
"الرأس". والصورة التي يوحي بها المعنيان لا تعبّر عن معنى
"طاو" ولكنها تمثّل أساسا إيحائيا للتصور الذي يمكن من خلاله فهم المعنى
الجوهري لهذه الكلمة على أفضل وجه. ولذلك، فإن إحدى طرق قراءة الرمز
"طاو" هي "القيادة والسبيل الذي تخلقه".
يلفت "لاو تزو" من خلال
شعره انتباهنا إلى "طاو" فائق سام لا يدرك أبدا، كامن خاف في كل
الأشياء، وجوده محسوس في كل مكان ولكنه لا يعثر عليه في أي مكان. ويتوسع أحد
النصوص القديمة في شرح ذلك على الوجه التالي:
...(الطاو)
قريب جدا في المتناول، يقف إلى جانبنا فعلا، ومع ذلك فهو غير ملموس، مهما سعينى
وراءه فلن نناله، يبدو نائيا كأبعد حدود اللانهاية، ولكنه ليس غائبا، فنحن نفيد من
سلطانه في كل يوم، فطاو (أي طريق الروح الحيوية) يملأ كل كياناتنا، لكن الإنسان
ليس قادرا على اقتفاء أثره. يذهب، ولكنه لا يغادر، يأتي ولكنه لا يجيء هنا. إنه
صامت لا تسمع منه همسة، لكننا نكتشف فجأة أنه هنا في العقل. إنه خابٍ مظلم لا يبدو
له شكل ظاهر ، لكنه يتدفق فينا نهرا عظيما عندما نولد".
إننا بالاستسلام لإشارة هذه
الطريقة الخفية وسلوك الدرب الغامض الذي تخلقه طبقا لما يقول "لاو تزو"
نعود إلى المصدر الذي تنبت منه كل الأشياء، ونجد التّنور.
.......................................................................................................................
* تراثنا
الروحي. مايكل درافيس وجيمس مادييو ومايكل روسو. ص/ 311-319 (بتصرف..)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.