كلام في الحجاج والبلاغة (الجزء الأول)

تقوم البلاغة على مبدأ الفهم والإفهام أي على مبدأ التواصل بين طرفي أو أطراف الحوار. ويعتبر الحجاج من العناصر الأساسية في تحقيق التواصل، بل هو جزء من الممارسة اليومية نجده في الحوارات بين الأشخاص، ووسائل الإعلام، والجرائد..كما أن الحجاج من الأساليب التي نعتمدها للدفاع عن فكرة أو قضية أو سلوك..نلجأ إليه للمدح والقدح، في اتخاذ مواقف أو الرغبة في تغيير أو تعديل سلوك..إنه مجال واسع لتفاعل الذوات.

ويهدف الحجاج أن يكون قوة تأثيرية على الذات نفسها، وعلى الآخرين، ويرتبط أيضا بالحقيقة، فهو يبحث عنها ويثبتها و يعمل على تطويرها، ويسعى إلى نجاح الفعالية مستعملا كل الإمكانيات المتاحة..فالصراع فالصراعات الاجتماعية والعسكرية والقتال بين الأفراد لا يهم فيها إلا النجاح فيما تخوضه من المواجهات.

يختلف الحجاج باختلاف مناطق تداوله والوظائف التي يقوم بها والمجالات التي يجري فيها. وقد يكون الحجاج:

أ ـ ذاتيا: تلجأ فيه الذات إلى حوار داخلي لإقناع نفسها.

ب ـ ثنائيا: يجري بين فريقين أو خطيب وجمهور.

ج ـ ثلاثيا أو أكثر: يتحاور فيه الأشخاص ويتناظرون أمام جمهور كما هو الحال في القضاء والمناظرات الجدلية.

وفي جميع الأحوال يكون المتابع حاضر بالصفات التالية:

أ ـ متفرجا: يقتصر على المتابعة.

ب ـ مستهدفا: يحاول المحاور إقناعه بتبني وجهة نظره.

ج ـ أمام نفسه: يحاجج نفسه لصالحها أو ضدها.

نظرت البلاغة التقليدية إلى الحجاج كمكون من مكونات الخطاب، يتشكل حسب تشكله، تتغير وظائفه وطرق الاستدلال بتغيره. والخطاب ثلاثة أنواع:

1. الخطاب الاستشاري: خطاب مستقبلي يهدف إلى دفع المجموعات أو الأفراد إلى اتخاذ قرارات وفق قواعد الديمقراطية. يتأسس على قيم النافع/الضار. الأحسن/الأسوأ.

2. الخطاب القضائي: يتوجه نحو الماضي ويهدف إلى الاتهام أو الدفاع. يتأسس على قيم العادل/الظالم.

3. الخطاب القيمي: هو النوع الذي يمدح أو يذم الأشخاص أو الأفكار، يرتبط غالبا بالحاضر. يتأسس على قيم الجميل/القبيح.

تنوع الخطاب لا يؤدي إلى تعدد بناءه التي يمكن حصرها في خمسة مراحل متفاوتة الأهمية وهي: الإعداد ـ التنظيم ـ البيان ـ الفعل ـ الذاكرة.

1. مرحلة الإعداد:

هي المرحلة الأكثر تعقيدا، وتتطلب البحث عن الأفكار والحجج، ويميز أرسطو بين ثلاث مستويات حجاجية:

أ ـ الإيثوس: وتتعلق بشخصية المتكلم والصورة التي يقدمها عن نفسه.

ب ـ الباثوس: وهي مجموع انفعالات يود المتكلم ويرغب في إثارتها لدى مستمعيه.

ج ـ اللوغوس: وهو الحجاج المنطقي الذي يحتل الجانب العقلاني في سلوك المتكلم.

وفي هذا المجال نجد نوعين من الأدلة:

أ ـ أدلة غير تقنية: توجد في الوقائع والأحداث والنصوص باستقلال عن المتكلم.

ب ـ أدلة تقنية: يمنحها الخطاب وقدرات المتكلم وإبداعه.

2. التنظيم:

هي مرحلة فن تنظيم الحجج أو تجميعها وفق تصميم معد سلفا. ووفقا للبلاغة القديمة تستعمل تصميما أكثر استعمالا يقوم على:

أ ـ الاستهلال: هو الجزء الافتتاحي يهدف إلى الاستحواذ على انتباه المخاطب.

ب ـ السرد: تعرض فيه الوقائع.

ج ـ الاثبات: وهو الخطوة التي يتم فيها الإعداد بالحجج، ولا تخرج بنية الخطاب في هذا الجزء عن ثلاث خطوات:

أ ـ القضية: تلخيص نقطة الخلاف.

ب ـ الحجاج: عرض الأدلة.

ج ـ الجدال: مناظرة قصيرة مع الخصم، قد تبدا بسؤال اتهامي.

د. الاستطراد: يلعب فيه المتكلم على وتر العاطفة بإثارة السخط أو الشفقة.

ذ ـ الخاتمة: يتم فيه التركيز على الأسلوب والعاطفة.

3. البيان:

ويتعلق باحترام قواعد صياغة الخطاب كسلاسة اللغة واحترام النحو وجودة الأسلوب والملائمة للموضوع. ويتحدد في أنواع ثلاث:

أ ـ أسلوب بسيط: يرتبط بالأفكار والتفسير.

ب ـ أسلوب متوسط: يكون أكثر تنميقا ويماثل الاستدلال والاستطراد.

ج ـ أسلوب رفيع: يكون أكثر زخرفة وجلالا، يلائم المقاطع العاطفية.

4-5. وضعت مرحلتي الفعل والذاكرة على هامش البلاغة لكونهما لا تهتمان إلا بالإنجاز الشفهي للخطاب.

الطرق الاستدلالية: الاستنباط والقياس

الاستنباط مبدأ استدلالي ينطلق من العام إلى الخاص. أما الاستقراء فينطلق من الخاص إلى العام، ويصل دائما إلى التعميمات.

****